عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


ميلاده ...ثورتنا

السبت, 24 ديسمبر 2011

منذ كنت طفلا صغيرا، أحببت عيد الميلاد دون غيره من كل الأعياد الدينية والوطنية وحتى الشخصية!

وبفعل حبّي لهذا العيد، فقد نجح في طبع شخصيتي، بحلوه ومرّه، بواقعيته وبأحلامه !

المسألة ليست مسألة دينية، هنا، بل هي مسألة ثقافية!

في البعد الديني، لا يعتبر ميلاد يسوع هو الركيزة العقائدية بل عيد القيامة، إذ إن التجسد يفقد كل قيمته إن لم ينته الى القيامة، ففيها الإنعتاق والخلاص!

أما في البعد الثقافي، فإن الميلاد، هو المسار المقاوم لكل أنواع القهر والظلم والفقر والتيئيس والحرمان والإتهام والنفي والهرب والتهديد والقتل والإبادة والإستقواء!

إنه، وباختصار شديد، عيد الإحتضان!

إحتضان فتاة حامل من خطيبها الذي تعتبره الهيئة الإجتماعية مخدوعا...

إنه الحب الأسمى، الذي ينجح بتجاوز الـ"أنا" المحكومة بإرادة الجماعة التي لا تقيم اعتبارا لخصوصية الأفراد، بل تسحقهم سحقا لمصلحتها !

إحتضان فتاة فقيرة وخطيبها النجّار لجنين ، مطلوب قتله، بمجرد خروجه من الرحم، لأن المُلك الذي سيسعى إليه ، لم يفهم إلا من منطلق حكام الأرض الخائفين على عروشهم الفانية ، فكان الرحيل من المنزل الدافئ الى مغارة باردة... وكان الهروب، لاحقا،  من أرض الإنتماء الى أرض الحماية، مع لجوء العائلة الصغيرة الى مصر!

إنها التضحية الكبرى بالرفاهية، حماية لطفل لا يحتاج قتله حتى الى السيف!

في لحظة تاريخية، تخلى المسيحيون عن معاني الإحتضان التي ينبض بها الميلاد، وأغرقتهم أهواء السلطة، بالجدل البيزنطي والفلسفة اللاهوتية، فتاهوا وانقسموا وتباغضوا وتقاتلوا واستشرسوا وأصبح رعاتهم عنوانا للطغيان وللفساد!

وهذه  لحظة تاريخية ، بالنسبة للمسيحيين في الغرب، قبل "ربيع النهضة"، ولكنها لحظة قائمة بالنسبة لمسيحيي الشرق، الذين ابتلوا برعاة، معروفة أسماؤهم وصفاتهم وسقطاتهم وأطماعهم!

حبي لعيد الميلاد، دفعني ، إلى تأمل مستمر بأحداثه، وانتقلتُ، رويدا رويدا، من الرواية الى المعاني، فتعلمتُ منها الكثير الكثير، حتى تماهينا!

تعلّمتُ أن مناصرة الطغاة والتخلي عن المظلومين... خطيئة !

تعلّمتُ أن التخلي عن الآخر من أجل الـ"أنا" ...خطيئة!

تعلّمتُ أن الخضوع لإرادة الجماعة على حساب مظلومية الأفراد...خطيئة!

تعلّمتُ أن نكران  المبادئ كشرط للتنعّم بدفء الأوطان... خطيئة !

تعاليم لا تقوم على التضحية فقط، بل على معادلة يظهر في دفتها الثانية ذاك الوعد الأكيد بغد مشرق!

فالمغارة الباردة ، توافرت لها حيوانات أليفة تدفئها بلهاثها!

والفقر المدقع، قوبل بملوك مجوس يحملون الهدايا الثمينة والخضوع لهذا الطفل المرمي بمزود!

والهروب الى مصر، قوبل بعودة هانئة الى الديار!

والطغاة- قتلة الأطفال، خطفهم موت ذليل!

قبل الميلاد، كنا نغمض أعيننا ونحلم بما ينقصنا، لأنه عيد الوعد بتحقيق الأحلام. وفي الميلاد، كنا نحاول ألا ننام ، لئلا يأتي حامل أحلامنا ولا نراه، ولكن كان يسرقنا النوم، وحين نستيقظ صباحا، نرى احتضان "مريمنا" و"يوسفنا" ونتدفأ بألفة العائلة المتجمّعة من كل حدب وصوب!

وقبيل هذا الميلاد، عدتُ طفلا، ولو بإدراك الكبار.

أغمضتُ عينيّ وتهتُ في صوغ الأحلام.

أدرك أن الليل سيطول.

أدرك أن النعاس لن يسمح لي أن أسهر في انتظار مجيء من يحملها هدية لي!

ولكنني أدرك أيضا، أنه بانقضاء الليلة الطويلة وانتهاء النوم العميق، ستأتي. أعرف من هي مريم. أعرف من هو يوسف. أعرف من سيدفئني.أعرف من هي النجمة المرشدة.أعرف من هم الملوك المجوس.

كثيرون لا يركنون الى الحلم في هذه المناسبة.

البعض يحاول أن يفهم البعد الديني في الإنجيل. البعض الآخر يقرأ هذا الحدث في القرآن.
أنا أقرأه، مجددا، في كتاب طفولتي التي لا تقوى السنوات، مهما تراكمت،على النيل منها!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها