رحلة
عمر ضد النظام الأسدي
الخميس, 08
ديسمبر 2011
كلما اجتزت
فرنسا لأدخل ألمانيا، أسأل نفسي: متى دور لبنان وسورية!
لا يتصل السؤال بسلاسة العبور، فالإستسلام لإرادة المخابرات
السوريّة وفّر لكثير من اللبنانيين والسوريين ، سبل الدخول السلس،
من خلال خط عسكري!
السؤال يتصل بمصالحة حقيقية، تقوم على تقاسم قيم ديموقراطية واحدة،
وشبكة مصالح واحدة، واعتراف متساو بدولتين مستقلتين، في النص وفي
الممارسة.
حتى ثمانية أشهر خلت، كنتُ أعتقد بأن الحلم بعيد المنال. لم أكن
مقتنعا بأنه مستحيل- على الرغم من الهجمات الساخرة- لأنني كنتُ على
ثقة بأن نظاما كذاك المسيطر على سورية ، يستحيل أن يبقى ويستمر،
لأنه أصبح ... يغرّد خارج عصره!
لم أكن أتطلع الى دينامية سيخلقها "الربيع العربي"، بل كنتُ أحسب
أن النظام السوري، لن ينجح الى مدى بعيد، في حماية نفسه، بتحويل
محيطه – كل محيطه – الى جحيم!
في جزئية من سؤالي عن مستقبل العلاقة بين لبنان وسورية، كانت تكمن
مذكرتا توقيف غيابيتين صادرتين بحقي عن هذا النظام ، الأولى تعود
للعام 2006 بتهمة التحريض على قلب النظام والإقتتال الداخلي
وخلافه، والثانية تعود الى العام 2010 ، في سياق ما يسمى بـ"شهود
الزور".
في هذه الجزئية، لم يكن تفكيري شخصانيا، بل كان عاما، لأنني ، في
ظروف ما حصل معي، كنتُ اعتبر نفسي أحد النماذج لكثيرين من
اللبنانيين والسوريين، ممن رفعوا الصوت عاليا ضد هذا النظام الذي
يقوم على أدوات مخابراتية لاغية للإنسان وحقوقه وكرامته!
وهذه هي الحرب الثالثة ضد هذا النظام، التي أقف ، في صفوف المؤيدين
لها!
الحرب الأولى، كانت "حرب التحرير" التي أعلنها العماد ميشال عون،
وانتهت بخسارة فادحة، رمتنا بيد هذا النظام كليا!
الحرب الثانية، كانت "حرب" الإستقلال الثاني، التي خاضها "ثوار
الأرز"، قبيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعد اغتياله، وقد حققت "
نصف انتصار"!
الحرب الثالثة، هي الثورة السورية التي يخوضها الشعب السوري
بالذات، كاتبا كل يوم بدمائه، ملحمة سيرويها التاريخ، عن أوّل ثورة
حقيقية ، عرفها العرب!
سبب خسارة "الحرب الأولى" إنفضح مع الأيام، فقائدها لم يكن رجلا
حرّا، بل كان رجلا أنانيا بامتياز. أنانية تجعله، من جهة أولى،
يشهر عداءه لكل من يقف دون طموحاته،وتدفعه، من جهة ثانية، الى
الإنحناء أمام كل قوي يوهمه بأنه سيحقق له مجده!
وسبب الخسارة، تجلى، في ثلاث مناسبات، الأولى، حين تعاون، بعد حرب
التحرير، مع النظام السوري وأتباعه في لبنان، ليكمل حرب الإلغاء ضد
" القوات اللبنانية".
الثانية، حين لجأ الى السفارة الفرنسية القريبة من القصر الجمهوري
الذي كان يسكنه، تاركا وراءه ألوية الجيش اللبناني تحارب الهجوم
الأسدي، لتحافظ على سيادة بعبدا – الرئاسية، مما أسقط مئات
الشهداء!
والثالثة، حين انتقل من موقع التحالف، في آخر العام 2005 مع قوى 14
آذار الى موقع العداء لها، بسبب حصته في الإنتخابات النيابية، وبدأ
يفعّل خطوط التحالف مع النظام السوري و"حزب الله"، اللذين "وعداه"
بالموافقة على وصوله الى رئاسة الجمهورية، فساهم، إلى حد حاسم، في
حماية آلة القتل في البلاد وأفقد ثورة الأرز الزخم لمواصلة
انتصارات كانت قد بدأت بتسجيلها!
أما " الحرب الثانية"، فحققت "نصف" انتصار، لأن مفاعيلها المباشرة
كانت لبنانية خاصة، ولم تتمكن من التمدد الى سورية، الأمر الذي
أتاح لبشار الأسد أن يؤسس لشعور وطني سوري ضد اللبنانيين. شعور دفع
السوريين الى الإلتفاف حوله، مما مكّنه من أن يحقق هو أيضا نصف
انتصار.
وبنى بشار الأسد هذا الشعور السوري على " أخطاء " شعبية لبنانية،
بحيث كان اللبناني العادي يتحدث، بعنف، عن السوريين ، وهو يقصد
النظام السوري. كما بناه على آلة دعائية سوداء، يتعرف عليها ثوار
سوريا حاليا، وهي آلة "حزب الله"، الذي كان يتحدث عن قتل ثوار
الأرز للعمال السوريين( أجرينا تحقيقا إعلاميا شفافا، آنذاك،
أثبتنا فيه أن كل الأسماء التي ذكرت، لم تقتل بأياد لبنانية أو
لأسباب سياسية).
وفشلت "ثورة الأرز"، على الرغم من النداءات المنددة بالصراخ
العنصري الصادرة عن بعض أقطابها ، في إيصال صوتها المتبرئ ، الى
الشعب السوري، لأن نظامها بكّر في استثمار الأخطاء والدعاية
السوداء، ليفقد وسائل الإعلام التي تنقل صوت "ثورة الأرز"
مشاهديها، في ظل سيطرته المُحكمة على معابر الصحافة المكتوبة وعلى
وصلات شبكة الإنترنت(وهي اشتهرت، بكل الأحوال، في سنوات لاحقة).
نصف انتصار ثورة الأرز، لم يكن بتأثير نصف انتصار بشار الأسد. ثورة
الأرز ، كانت بلا عمق استراتيجي جغرافي، فالخليج المتفهم غير متصل
وأوروبا المؤيدة كذلك والولايات المتحدة الأميركية الداعمة، أيضا
وأيضا.
أقفل المدى الإستراتيجي الجغرافي لجهة سورية، بسبب وقوف السوريين
الى جانب بشار الأسد، في وقت كان المدى الإستراتيجي الآخر، مقفلا
أساسا، بسبب العداء بين لبنان والكيان الإسرائيلي.
وهذا الإقفال على ثورة الأرز، مكّن الأسد من استثمار كامل لنصف
انتصاره، فتعاون مع "حزب الله" والعماد ميشال عون، في وقت تفلّتت
آلة الإغتيالات من أي ضابط، مما ألزم كثيرين على البقاء في منازل
محصنة أو الخروج الى مناطق غير موصولة بلبنان، في ظل مطار ساقط ...
أمنيا!
وهكذا مدد نصف الإنتصار الأسدي نفسه ، حتى بدا لاحقا، وبفعل
تأثيرات الإغتيالات والتهديدات، وبفعل حرب تموز ، وبفعل 7 أيا،
وبفعل نظرية فصل سورية عن إيران، إنتصارا ساحقا !
ولعلّ شعور الأسد بهذا الإنتصار، كوّن في الرحم الشعبي السوري جنين
الثورة التي اندلعت في 15 آذار 2011، على وقع نجاحات الربيع
العربي.
نقول ذلك، لأن الديكتاتور، يوحي لشعبه بالأخوة والأبوة، حين يكون
ضعيفا، فيستقطبه إليه عاطفيا فقط، ولكنه عندما يقوى عوده من جديد،
ينقض على هذا الشعب مجددا، فيتركه فقيرا ويتركه محتقرا، ويتركه
مشردا، ويتركه مهاجرا، ويتركه بلا حقوق، ويجعله مجرد ...مخبر!
ومع اندلاع الثورة السورية وانكشاف الخديعة التي أسست لالتفاف شعبي
حول بشار الأسد، ثمة يقين ، يبني نفسه على قراءة واعية ومشاركة
معنوية فاعلة، بأن الحرب الثالثة ستحقق انتصارا كاملا، بحيث ينسحق
النظام الأسدي تحت ضربات شعب، يقاوم ببسالة أسطورية، ويضحي بشجاعة
منقطعة النظير، ويصمد صمود عكا في وجه هجمة بونابرت.
وسيولّد انتصار هؤلاء الثوار، رؤية لبنانية – سورية جديدة، تقوم
على تعاضد موحد لأحرار البلدين، ضد صانعي نظام استبداد واحد
لشعبين. إستبداد قوامه الإغتيالات والخطف والتهديد وكم الأفواه!
الحلم البعيد المدى أصبح على مرمى الرؤية.
اللبنانيون دفعوا ثمنه مسبقا ويدفعون الآن أيضا. السوريون يدفعون
ثمنه اليوم.
ثمن يؤلم، ولكن لا بد منه، ليستحق الحالمون أحلامهم! |