عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


فارس خشّاناقرأ المزيد...

 

 

 

فارس خشّان


هكذا فهمتُ حسن نصرالله

الجمعة, 02 ديسمبر 2011

قد يعتبره البعض محاميا ناجحا عن قضية خاسرة، وقد يراه البعض الآخر روائيا مميّزا يغطي عملية تحريف الوقائع، ولكنني شخصيا أراه مجرد ثرثار يحتمي بامتلاك قوة عسكرية وأمنية متفلتة من كل قيد قانوني، ومن كل ضابط دستوري.

في إطلالته الأخيرة، بدا نصرالله رجلا يفتقد الى المنطق ويلتجئ كلما حبت كلماته الى التهديد والوعيد، كما ظهر نصرالله على حقيقته فاقدا لمكوّنات رجل الدولة، فإذا به يتلاعب بوثائق سرية وصلت اليه بمفاوضات سرية ، ويزوّر محتوياتها وأهدافها وأفقها!

ولولا العمامة والإسم وفائض القوة، لأدرج نصرالله ، فورا ، في خانة مجموعة مقيتة، تضم أمثال وئام وهاب وناصر قنديل وميشال سماحة وجميل السيد وزياد أسود ومصطفى حمدان، ومن لفّ لفّهم!

والرجل غير معذور، لأنه يقود مسارا غير مقبول، فهو يتشدق على اللبنانيين بالعظات ويقذفهم بالأحكام ، في حين أنه ، في واقع الحال، رئيس مجموعة تضم متهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان و21 آخرين ، ومشتبه بهم باغتيال جورج حاوي ومحاولتي إغتيال الياس المر ومروان حماده، والحبل على الجرار!

وإطلالته العاشورائية الأخيرة، لم تقدّم حسن نصرالله ، إلا على هذا الأساس، فهو حاول احتقار عقول اللبنانيين ، في وقت كان يلوّح لهم ببندقية خبروها، في مناسبات كثيرة، ولعلّ أشهرها إجراما وإرهابا، مناسبة السابع من أيار 2008.

وإذا اعتمدنا التجزئة في التحليل، فإن معطيات كثيرة عن نصرالله ، تظهر بوضوح أمام أعيننا!

ونبدأ بتمويل المحكمة، حيث صال نصرالله وجال ليقول ما مفاده: قوى 14 آذار ضغطت على الرئيس نجيب ميقاتي ، بكل ما أوتيت من قوة ومهرجانات ووسائل إعلامية وتحريض طائفي، بحيث جعلته يفضل الإستقالة على عدم التمويل، وبما أن لا بديل عن ميقاتي إلا سعد الحريري، الذي أسقطناه ، قبلنا بتمويل المحكمة ، على مضض، ولكننا سنمضي في محاربة المحكمة الى اليوم الذي نفرض فيه براءتنا فرضا، لأن تحقيقاتنا التي قدمنا معطياتها إعلاميا، هي التحقيقات السليمة والموضوعية والشفافة، في حين أن معطيات التحقيق الدولي، الذي لم يترك مكانا إلا ودخل إليه، فهي معطيات واهية وساقطة وظالمة!

وهكذا، وببساطة، فإن نصرالله ينسف مسارا طويلا من الدعاية السياسية التي قادها. فقوى 14 آذار، التي سبق ووصفها بالمنتهية والمتناثرة وفاقدة الحيل والوجود وقوة التأثير، نجحت في تحقيق أحد أهدافها، من خلال رئيس حكومة أتى به هو شخصيا بضمانة الرئيس السوري بشار الأسد.

وهكذا فنصرالله الذي "تمرجل" بحرب إعلامية يخوضها ضد حلف شمال الأطلسي وضد الغرب بأجمعه، في سياق سخريته من قدرات إعلام 14 آذار، إعترف بهزيمته أمام " الضعفاء".

ولكن نصرالله ، في سياق عملية غسل العقول التي تعتمد التنويم المغناطيسي لجماهير سحرتها قوة البطش وأسرتها، حاول أن يختلق انتصارا، ومحوره أنه ، بتمرير تمويل المحكمة، منع قوى 14 آذار، من العودة الى السلطة، والرئيس سعد الحريري، من العودة رئيسا للحكومة!

وبعدما هاجت جماهيره وماجت رافعة قبضات "المظلومية والبراءة" ، أعلن أنه وحزبه غير راضين عن تمويل المحكمة، وراح يسرد وقائع جعلت الرئيس نبيه بري ينقلب على ظهره من الضحك، حين اعتبر أن القرار تفرد به الرئيس نجيب ميقاتي وأخذه على عاتقه، ويتحمل هو مسؤوليته.

فعل ذلك، ولم يكن قد جفّ حبر إعلام "حزب الله" بالذات عن وقائع ثابتة، تفيد بأن ميقاتي أصر على سماع موافقة "حزب الله"، مباشرة، على المخرج المقترح ، فأرسل إليه معاون نصرالله حسين خليل، وأبلغه بالموافقة!

وسبب كذبة نصرالله المفضوحة معروف، فهو يريد أن تتوقف التنازلات المطلوبة منه عند هذا الحد، على اعتبار أن المطلوب منه للبنان يتعدى ذلك بكثير، فالمنطق الذي استعمله ميقاتي لتمويل المحكمة يجب أن يستعمله ، في القريب العاجل، لتسليم المتهمين الأربعة، حتى لو اضطر الى إيجاد مخرج جديد، كأخذ قوة من خارج سياق المؤسسات الأمنية لإلقاء القبض عليهم!

وبطبيعة الحال، سمع نصرالله ما قالته السفيرة الأميركية لميقاتي، بعيد تحويل حصة لبنان الى المحكمة الخاصة بلبنان، فهي قالت بوضوح إن التعاون المطلوب من لبنان مع المحكمة يتعدى مسألة التمويل الى مسائل أخرى.

ومن تابع الجلسات الأخيرة لغرفة البداية في المحكمة الخاصة بلبنان، واطلع على قرارها بشأن المحاكمة الغيابية، وتعمّق بما قاله رئيس المحكمة في بيروت، لأدرك أن التمويل مجرد فرع من منظومة تعاون كبرى، ركيزتها تسليم المتهمين الأربعة، قبل صدرو قرارات جديدة بمتهمين آخرين !

ولهذا السبب ، تاه نصرالله، فسخر من قامات وطنية قبل أن يسخر ، بمنطق يجر السخرية، من قوى 14 آذار، بحيث بدا مطلب التعاون الكامل مع المحكمة وعدم الإكتفاء بالتمويل، هو ربط امور لا يمكن أن ترتبط ببعضها البعض!

ونبقى في بند التمويل، حيث أعاد نصرالله فتح موضوع المفاوضات التي كانت جارية بين الرئيس سعد الحريري وبين "حزب الله" من خلال وساطة قطرية – تركية.

نسب نصرالله الى الحريري وقوى 14 آذار، إفشال الـسين – سين، لأنهم كانوا يشترون الوقت لصدور القرار الإتهامي، ومن ثم نسب الى نفسه إفشال المساعي التركية – القطرية، لأنه لم يستطع أن يقدم مصلحة حزبه، بإنهاء المحكمة، على مصلحة لبنان، بإنهاء سعد الحريري!

ولكن الطامة الكبرى في ما كشفه نصرالله، لا يتمثل في عرضه لورقة لم تحمل توقيع سعد الحريري، فحسب، بل في ادعائه أن الورقة التي كان يحملها القطري والتركي، تهدف في مقابل إسقاط المحكمة الى إبقاء الحريري في السلطة مع الأكثرية يومها وحماية الطاقم الأمني والعسكري والمالي.

ولكن سرعان ما يتحدث عن أن الورقة تنص على إقامة مؤتمر لبناني بحضور عربي ودولي في باريس، من أجل توقيع هذا الإتفاق، من دون الإشارة الى خلفية مؤتمر على هذا المستوى، الذي من البديهي أنه لا يكون لحماية موظفين ، إنما لإعلان مصالحة لبنانية شاملة ، تسمح بطي صفحة المساءلة القضائية، على اعتبار أن حق الشهداء يكون قد وصل، إن كان ما ناضلوا من أجله، قد تحقق!

ولأن هذا هو مضمون مسعى سعد الحريري، الذي تحرك تحت مظلة لبنانية وعربية ودولية واقعية، طار عقل بشار الأسد وحسن نصرالله، اللذين يعملان للسيطرة كليا على لبنان، فقررا التخلص من الحريري، على أن يكون خليفته أداة بأياديهم، فيضربوا المحكمة.

ولكن ما لم ينتبه إليه ، لا نصرالله ولا جمهوره، أن الحريري خرج من السلطة ولاحقا من البلاد، و14 آذار انتقلت الى المعارضة، ولكن الفريق الأمني والعسكري والمالي، المطلوبة حمايته، وفق أقوال نصرالله، لا يزال محميا في مراكزه، وهو الفريق الوحيد الذي يقوم بإنجازات في هذا الزمن الرديء ماليا وأمنيا وعسكريا وسياديا، في حين أن الإطاحة بالحريري -"غير الكفؤ"- والإتيان بميقاتي - المعجزة- أنتج، حتى اليوم، تراجعا تراجيديا في النمو وقفزا مريعا في أسعار السلع، وجمودا غير محمود في المبادلات العقارية، وثقة مهزوزة بالقطاع المصرفي اللبناني.

ومن هذه المسائل الجوهرية ، نجري جولة أفق سريعة على "عظات" نصرالله ونضعها على ميزان الوقائع.

على مستوى تهجمه على ربط القوى السياسية والمراكز السياسية بالطوائف، فمن تراه فرض إعادة الرئيس نبيه بري، مرتين ، منذ "ثورة الأرز"، الى سدة مجلس النواب، بحجة أنه التعبير الحقيقي عن الإرادة الشيعية في البلاد؟ وأكثر من ذلك، من هي الجهة التي كانت تقول إن اتهام إبن خالة شخص ينتمي الى حزب الله هو استهداف للطائفة الشيعية؟ وأبعد من هذه وتلك، من حاول أن ينسي الطائفة الشيعية كوارث حرب تموز، بادعائه أن بواخر كانت جاهزة للمجيء الى لبنان لتهجر الشيعة منه الى العراق؟

الجواب معروف. والذاكرة اللبنانية أقوى من أن تخفيها ثرثرات نصرالله . فصوته الطائفي ، الذي لا يرتفع عاليا إلا بالمناسبات المذهبية، لا يزال يضج في الآذان.

ومن ثم ينتقل ليعلّم اللبنانيين الطرق الواجب سلوكها، في التعاطي مع من يسيء الى القيادات ، فيتحدث عن الطرق القانونية، ولكن هل اتبع نصرالله نفسه هذه الطرق، حتى بات رسمه غائبا عن الكاريكاتور وعن البرامج الفكاهية، أم أنه فلّت "زعرانه"، وفق ما حصل، عندما حرقوا لبنان، بسبب كاريكاتور تلفزيوني تناوله؟ وهل يحق لشخصية بهذه الذهنية الترهيبية أن يتحدث عن سبل مكافحة الإهانات، في حين أن سعد الحريري، مثلا، بدأ ترؤسه للحكومة بإسقاط كل الدعاوى التي كان قد رفعها على من تولوا إهانته لمصلحة "حزب الله" وسوريا، وسمير جعجع يكتفي بأحكام رمزية على تزويرات خطرة يتولاها ضده إعلام حسن نصرالله بالذات؟

ونصرالله الخائف على البيوتات السياسية في الطائفة السنية ، هل يستطيع أن يدل اللبنانيين على بيت سياسي واحد ،تركه وحليفه نبيه بري لينجو من شرهما، ناهيك عن تصفية "حزب الله" المعروفة لمثقفين يساريين في الطائفة الشيعية.

وبالنسبة الى التجييش الإعلامي الذي يدعي نصرالله ممارسته لدى قوى 14 آذار، هل يمكن أن يقارن بالتجييش الإعلامي لديه؟ وهل أبقى خصما له إلا وجعله عميلا لإسرائيل؟ وهل ترك صوتا متمايزا عنه ،إلا واغتال صورته المعنوية، حتى لا نقول أكثر؟

وعن سورية التي بدا نصرالله واثقا -هذه المرة -من سقوط بشارها ، وراح يتمرجل بأن هذا السقوط لن يؤثر على سطوة "حزب الله" في لبنان، فمن هو الطرف الذي رفع عاليا البعد الطائفي لها، ومن أين نبع هذا الخطاب؟ ومن تحدث عن حماية الأقليات؟ ومن أخاف المسيحيين؟ من سوّق لوجوب محاربة "الغول "السني ؟

أما عن المقايضة، في عقلية نصرالله فحدّث ولا حرج، فها هو يريد تعويضا على تمويل المحكمة، يتمحور حول إعادة فتح ملف شهود الزور. وهذه مقايضة كلامية، لأن من يمتنع عن فتح هذا الملف، إنما يمتنع عن فتح ملف من شأنه أن يجر حسن نصرالله ومجموعة كبيرة من أتباعه الى السجن، لأن عدم التوصل الى أدلة كافية، في ملفات "الزعران الأربعة" ، لا يعني أن ما قيل عنهم كان خاطئا إنما لم يكن كافيا، في حين أن ما قاله نصرالله بالذات، بمناسبات عدة، فهو دليل كاف ضده... وبتحقيقات منجزة!

بالنتيجة، كلام نصرالله الأخير، يختصر ، بسرعة، أسباب "بلوة" لبنان!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها