عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


نادي ... الخَوَنَة

الخميس, 24 نوفمبر

الأحكام الأخلاقية على السياسيين "ممجوجة" في لبنان، لأن الممارسة السياسية ، عبر القرون، رسّخت، في العقل الباطني لدى اللبنانيين، نظرية – غير سليمة- مفادها أن السياسي الحقيقي هو ذاك الذي لا يعتنق مبدأ ولا يحفظ ودا . جلده جلد التمساح، وضميره جثة هامدة، ومنطقه تصفية للخصم، وكرامته الإنبطاح أمام الأقوياء!

و قد استفاد سياسيون كثر من هذا " الفيروس اللبناني"، فلمعت أسماء باهتة، وتعملق سخفاء، وعلا شأن "طفيليين"، وترسّخت زعامات!

ولكن ، على الرغم من هذا الواقع السوداوي، برزت دائما مضادات لهذا "الفيروس اللبناني"، بحيث بدا الواصلون، بتسلّقهم سلم الموبقات الأخلاقية، بحاجة الى توفير بعض المصالح العليا، لجمهورهم، فدافع هذا عن الكرامة الوطنية، ورفع ذاك حقوق جماعته الطائفية، وقدّم ذياك تضحيات مشهودة ، حتى بدا أن من يتسلّق الى تحت الأنوار الكاشفة، ليمارس الموبقات، مجرد جملة اعتراضية ، يمكن حذفها، عندما تستدعي الجدية، اختصار النص وتضييق المشهد!

وهناك شخصيات سياسية عدة، كادت ترسّخ صورتها الوطنية،على الرغم من عدم سؤالها عن طريقة دخولها إلى النادي السياسي، لأنها نجحت، في فترات مضطربة ، بالقيام بوظيفة وطنية وفق دفتر شروط محدد، ولكن سرعان ما انهارهؤلاء واندثروا، لأنهم ، اعتنقوا نفسية المقامر، فحسبوا أن العودة الى توسل الموبقات الأخلاقية لا بد من أن تُلغي مفاعيلها السيئة ضربة حظ جديدة. ولا حاجة لاستعراض عشرات الأسماء هنا، إذ يكفي استذكار من مروا بالنادي السياسي، خلال السنوات العشر الأخيرة، لمعرفتهم إسما إسما!

ولسوء الحظ، يبدو أن الرئيس نجيب ميقاتي سيلقى مصير هؤلاء، لأن الهوَس بالسلطة، جعله يظن أن ما أعطته إياه الظروف الإيجابية التي تجمعت في لبنان والعالم العربي والمجتمع الدولي، في العام 2005، في حمأة "ثورة الأرز"، سوف يتكرر، في العام 2011، في حمأة "الثورة المضادة".

ولم يُدرك ميقاتي أن ركب موجة مبادئ ثورة الأرز القائمة على تحرير لبنان من الوصاية السورية، وإقامة عدالة دولية قادرة على معرفة الحقيقة في ملفات الإغتيالات، والسعي الى ترسيخ الدولة المركزية الجامعة، ثمارها مختلفة كليا عن ركب موجة "الثورة المضادة" القائمة على إعادة الوصاية السورية، وعلى تهديم المحكمة الدولية، وعلى إعلان شأن دويلة "حزب الله" !

وها هو مع مرور 4 أشهر على تشكيل حكومته و10 أشهر على تسميته، يبدو شاحبا، معزولا، مضطربا، قليل الحيلة، متذاكيا، خائفا، منبطحا، متوسلا، مُستخَفّا به، وغير صادق. خصومه يرون فيه قناعا لغيره وصانعوه يعتبرون أنّه أداة تُحرّك عن بعد.

من رافقه على طريق رئاسة الحكومة، يستعجل القفز من مركبه التائه، سياسيا ودبلوماسيا وشعبيا. محمد الصفدي، بعد كثرة كلام يصمت، محاولا محو ما "تمرجل " به. أحمد كرامي، بعد كثرة توقعات، ينزوي محاولا الإلتصاق بناسه. فيصل كرامي الذي أخسر والده عمر، إجماع عائلته بصرخات متتالية أطلقها عمّه معن، ملتصق بخيارات 8 آذار. طرابلس المدينة التي يرتكز إليها ويحاول "رشوتها" بثلث حكومة، عينها على الثورة السورية التي يعاديها ويعمل ضدها، وقلبها على المحكمة الدولية التي يتواطأ مع "حزب الله" على تفكيكها. رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في خطاب الإستقلال، بدا كمن يحضّر، تقاعدا كريما ومريحا في عمشيته. وليد جنبلاط إنتقل، بعد فشل رهاناته السورية والميقاتية، مجددا الى إمارته الشوفية ومستلزمات حمايتها في العام 2013 من أهواء...نادي الخَوَنَة!

لم يحسبها نجيب ميقاتي "صح"، لأنه حاد عن المبادئ، في محاولة فهمه لتململ القواعد الشعبية من الرئيس سعد الحريري. ككثيرين غيره، هو لا يعرف حقيقة الجمهور الذي صنع "ثورة الأرز" وحافظ على "14 آذار" على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها أو أسدتها الى نفسها.

تململ جمهور 14 آذار من سعد الحريري، على الرغم من إداركه أنه كان يحاول اجتراح الحلول المستحيلة بالتفاوض الصعب. إستاء من زياراته لدمشق. غضب من الصمت الذي كان يحيط بالـ"سين- سين" وبمندرجاتها. خشي هذا الجمهور من العودة الى الخيار السوري في مقابل شراء الإستقرار الهش، وخاف على مصير المحكمة الدولية، في ظل تمكن القتلة من العودة الى القتل حين يجدون ذلك يناسبهم.

ولما اتخذ الحريري الموقف الذي يتناسب، مع تطلعات من فوّضوه العمل السياسي، بالأصالة، في انتخابات نيابية كرسته زعيما، وفي استشارات كرّسته رئيسا للحكومة، جرى الإنقلاب عليه، بقرار مشترك اتخذه بشار الأسد وحسن نصرالله، فأسقطت حكومته، وجرت محاربة إعادة تسميته، بكل الوسائل بما فيها التهديد بذوي القمصان السود.

وأدرك جمهور 14 آذار أن نجيب ميقاتي مجرد سياسي إنتهازي، حين استفاد من مبدئية سعد الحريري ليعود الى نادي رؤساء الحكومة، تماما كما استفاد من رغبة سعد الحريري بتجميع الصف في الإنتخابات النيابية الأخيرة.

لكن هذا الجمهور ومعه اللبنانيون المحايدون، أعطوا ميقاتي فرصة سماح، نسجتها تجربة العام 2005، ومخاوفهم من سيناريوهات "حزب الله" الترهيبية، والألفاظ الميقاتي الدبلوماسية التي كانت تخفي المر بطبقة من السكر.

فترة سماح سرعان ما انتهت، باكتشاف أن نجيب ميقاتي، بات يمثل كل ما حارب جمهور 14 آذار ضده:

هو، أوّلا، "زلمة" بشار الأسد، وفق ما أكد الأسد نفسه مرارا وتكرارا. أدرك هؤلاء لماذا يُسمح لنجيب ميقاتي دون غيره من رؤساء الحكومة، عدم زيارة دمشق، باكتشافهم أنه ينفذ أوامرها من خلال ، قنوات سرية، يوفرها شقيقه الأكبر طه.

وهو، ثانيا، سلاح من أسلحة "حزب الله". سلاح تخديري هدفه تنويم اللبنانيين لتمرير تكتيكات ترسيخ إرادة الدويلة على الدولة، وتفكيك المحكمة الخاصة بلبنان، وتحويل حلم 14 آذار 2005 الى كابوس 8 آذار 2005.

واستيقط جمهور 14 آذار على الحقائق المرة، فما ساءهم في مفاوضات الحريري في سياق الـ"سين- سين"، كان الجنة أمام ما يمرره ميقاتي. الحريري كان يحاول خلق توازن لمصلحة لبنان، الدولة والوحدة والإستقرار الحقيقي، الماثلة في واحدة من هاتين الـ"سين". ميقاتي كسر التوازن المطلوب في التسوية، وحقق الأهداف المنفردة لكل من بشار الأسد وحسن نصرالله.

وما بدا أنه كلام فظ وعنيف عند تسمية ميقاتي رئيسا للحكومة وعند تشكيل حكومة اللون الواحد- ولو جاء بتركيبة متماوجة بين الغامق والفاتح- بدأ يصبح اليوم بديهيا: ميقاتي... خائن!!!

في آخر جلسة علنية عقدتها المحكمة الخاصة بلبنان، على مستوى غرفة البداية، بدت فظة خيانة ميقاتي، فهو رئيس حكومة في دولة جرى إسقاطها بيد "حزب الله" ، حامي المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذين شاركوا مع آخرين أيضا في اغتيال جورج حاوي ومحاولة اغتيال الياس المر ومروان حماده... على الأقل!

وفي آخر الجلسات التي عقدتها جامعة الدول العربية، بدت مريبة الأدوار التي يلعبها نجيب ميقاتي في سياق خيانته لجمهوره، من خلال تغطيته على جعل صوت لبنان مجرد رجع صدى لصوت نظام يقتل شعبه ويقود مكوناته الوطنية الى الإقتتال الطائفي.

نجيب ميقاتي ، وهو يحتفل في هذه الأيام، ببدء سنته الثانية والستين، بدل أن يدخل في رحاب الحكمة يجد نفسه ينزلق الى واحدة من أنفاق نادي الخيانة!!!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها