ميقاتي
يتذاكى والمعارضة ... كذلك
الجمعة,
08 يوليو 2011
بعد رد نجيب ميقاتي، في نهاية
جلسات مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب، على مداخلات
المعارضة، ثبت أن في لبنان رئيسا للحكومة ميزته التذاكي، فهو بدل
أن يجيب عن الأسئلة المشروعة المطروحة عليه، بخصوص التعاون مع
المحكمة الخاصة بلبنان، راح، وعلى طريقة صديقه بشار الأسد، يبحر في
تفسير الكلمات وتبرير استعمالها، حتى لا يقول شيئا مفيدا، من جهة
أولى وحتى يثبت – ولو بالتزوير- أنه يستعمل عبارات سبق واستعملها
الرئيس سعد الحريري، من جهة ثانية.
وسلوكية التذاكي، في التعاطي مع موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، إنما
أبرزَها، وبشكل فاقع، تصفيق نواب "حزب الله" لميقاتي، كلما حسبوه
أنه سجل نقطة لفظية على المعارضة، إذ كيف يمكن لمن خدشوا الآذان
بالحديث عن "محكمة مسيّسة وكيدية وفاسدة وإسرائيلية " أن يقفوا
مصفقين ، لمن يمكن أن يكون فعلا، مع المحكمة وقراراتها؟
و"تذاكي" نجيب ميقاتي، لم يشكل مفاجأة لعارفيه، فالرئيس فؤاد
السنيورة، ومن موقع خبرته بالرجل ، واجهه بالإفصاح عن تقييمه له،
عندما قال له، بأسلوبه اللفظي المتقن، إن الجميع يُسلّم بأنك تكذب،
بعدما كانت النائب بهية الحريري، قد فتحت شهية كل من الرئيس نبيه
بري وفؤاد السنيورة على فضح سمة أخرى من سمات ميقاتي، وهي البخل،
على الرغم من تمتعه بثروة ضخمة.
وتسليم الخصوم والحلفاء بصفات ميقاتي، يعني أننا أمام شخصية لا
يُرجى منها شيئ، فمن يقبل أن "يبيع " حاضره بهذه الموبقات ، يستحيل
أن يشتري تاريخه بخطوات نوعية ، وهذا يؤشر الى أن "حزب الله" ، وضع
في رئاسة الحكومة اللبنانية شخصية يستحيل أن تفاجئه، لأنها تحرص
على عدم التفريط بمركزها، وقادرة على "بيع " الأوهام للرأي العام ،
وخاضعة لمنطق التخويف في مواقفها.
وبنجيب ميقاتي، أكمل "حزب الله" بناء القلعة التي سوف يتحصن
وراءها: رئيس جمهورية يخضع لمعادلات ميزان القوى، وزعيم درزي
"يُقبّل اليد التي لا يقوى عليها"، و"جنرال" قابع في الرابيه ينتقم
ممن أحبطوا حلمه بالوصول الى رئاسة الجمهورية.
هذا التوصيف للواقع اللبناني الراهن، الذي لا تعارضه المعارضة،
يفترض توافر خطة مواجهة لدى قوى الرابع عشر من آذار، فهل هي موجودة
فعلا؟
على الرغم من المداخلات الممتازة لبعض نواب المعارضة في مجلس
النواب، إلا أن مستوى المواجهة لم يتخط مقارعة التذاكي بالتذاكي،
في حين يبقى المطلوب مواجهة التذاكي بالذكاء، فنجيب ميقاتي، ليس
هدفا قائما بذاته لمخاطبته، ومضامين بيانه ردا على بيان البريستول
تفيد بأنه قرر أن يلعب الدور المطلوب منه حتى النهاية، وبالتالي
كان مقدرا أ ن يذهب هباء كل مسعى الى تحريك الضمير فيه، و"حزب
الله" لا ينتظر "النيات الحسنة" من أجل التعاون مع المحكمة الخاصة
بلبنان وهو الذي يعرف تماما الخلفيات التي دفعته الى اتخاذ قرار
نهائي بمواجهتها، ونبيه بري ليس مرجعية قائمة بذاتها حتى يحاول
البعض خطب وده من جديد.
ومن يحسن قراءة الفترة الممتدة من 14 آذار 2005 حتى "إقالة" حكومة
الرئيس سعد الحريري، يُدرك تماما أن التذاكي هنا وحسن النيات هناك
والمساعي الحميدة هنالك، لا جدوى منها ، لا لدى "حزب الله" ولا لدى
القيادة السورية، فهذا المحور يعرف ما يريد ومصمم على تحقيق ما
يريد ولا يتوانى عن استعمال ما يملك من أسلحة للوصول الى ما يريد.
ومن يدقق بسلوكية محور "حزب الله"- النظام السوري يخرج باستنتاج
نهائي مفاده أن التذاكي هو من أدوات عمل هذا المحور: يظلم ويتمسكن،
يهجم ويتلطى بإسرائيل، يهدد ويرفع لواء المؤامرة.. موبوء ويتستر
بالدين.
وبناء عليه، لم يبق أمام القوى المستمرة تحت لواء الرابع عشر من
آذار سوى العودة الى أصل تكوينها: الشعب اللبناني.
والشعب اللبناني، بمعنى غالبيته التي تحركت في الرابع عشر من آذار
2005، لا يمكن استقطابه وإعادة الثقة إليه ، بسلوكية كلاسيكية، فما
جمعه في ساحة الحرية يوما، متخطيا الحساسيات الحزبية والمذهبية
والطائفية، كان ذاك المزيج السحري من العاطفة والخطاب الواضح
والحلم.
لم يكن يومها، فؤاد السنيورة في مواجهة محمد رعد، ولا خالد الضاهر
في مواجهة علي عمار، ولا بطرس حرب في مواجهة آلان عون، ولا فريد
مكاري في مواجهة علي بيان، ولا مروان حماده في مواجهة أكرم شهيب ،
ولا بهية الحريري في مواجهة نجيب ميقاتي، ولا سامي الجميل في
مواجهة نواف الموسوي.
كان الجميع، قيادات وشعبا، في مواجهة بشار الأسد وحسن نصرالله.
يومها كان التصور الشعبي أن بشار الأسد قتل رفيق الحريري ونصرالله
يوفر له الغطاء. اليوم، التصور لم يتغير كثيرا، فجماعة حسن نصرالله
قتلت رفيق الحريري وبشار الأسد يوفر لها الغطاء.
وهذا المحور هو من استلم البلاد، بفعل ما سمي بالإنقلاب.
وتأسيسا على ذلك، فهل أن المعارضة ، هي ، على مستوى هذا الواقع؟
أين الثورة السورية من أدبيات المعارضة؟ وأين هي من يومياتها
الآتية؟ وهل يمكن أن تقف على الحياد ، في وقت تتوحد والشعب السوري،
في مواجهة نظام يحرمهما معا من الديموقراطية ومن الحرية ومن
العدالة؟ ولماذا مطلوب أن تربح المعارضة، تحت شعار الديموقراطية
والحرية والعدالة، إذا كانت ، في مرحلة نضالها، تخشى من
الديكتاتوري والمستبد والقاتل؟
أين حسن نصرالله من أدبيات المعارضة؟ وأين هو من يومياتها؟ وهل
يمكن أن تخطب ودّ من يأمر بإلغائها من على الشاشات؟ وهل مطلوب أن
تحترم من يسخر منها في كل منابرها؟ وهل مطلوب أن تسترضي من يوزع
نوابه لتقبيل أقدام المتهمين باغتيال رفيق الحريري وغيره؟
وأين حس العدالة في سلوك المعارضة؟ وكيف يمكن أن تميّز بين القاتل
وحاميه؟ وهل يمكن أن يحمي القاتل إلا القاتل؟
إذا كانت المعارضة تنشد انتصارا وخروجا من مسار انحداري، فليس
لديها سوى الشعب، والشعب لا يمكن استقطابه إلا على قاعدة التعبير
عن تطلعاته وعن آرائه، فهو غير معني بطالب سلطة، ولا يمكن أن يدفع
أثمانا للتفضيل بين متذاك وآخر، ولكنه يستحيل أن يُهمل رحما يحمل
جنين أحلامه . |