من "ثوار الأرز" إلى ثوار سورية
الأربعاء, 09 نوفمبر 2011
لولا قوة الثوار السوريين الذين يقاومون "مخرز" بشار الأسد، لكنتُ من أولئك الذين أعلنوا باكرا يأسهم من المعارضة السورية، سواء كانت في الداخل أم الخارج، في العلن أم في السر.
لي أسبابي في هذه القراءة السلبية لواقع المعارضة السورية، بشقها السياسي، لأنني في النتيجة أراها تبدأ من حيث انتهت "ثورة الأرز" في لبنان!
"ثورة الأرز" في لبنان إنتهت ، حين انتهت فاعليات يوم الرابع عشر من آذار 2005، لأنها ذهبت ، فورا، الى استرضاء "حزب الله" على الرغم أنه كان بما فعله في 8 آذار 2005 من أسباب النجاح المذهل للمد الجماهيري في 14 آذار، ولأنها عجزت عن الإتفاق على بديل لرئيس الجمهورية في حينه أميل لحود، فعلقت الثورة في ساحة الحرية، ولأنها وزّعت اللبنانيين طوائف على القوى المشاركة في الثورة فالمسيحي أحيل على الأحزاب المسيحية والسنة أحيلوا على التيارات السنية والدروز أبقيوا في مدار المختارة والشيعة ضُحي بهم على رقعة "استرضاء" كل من "حزب الله" و"حركة أمل"، ولأنها تطلعت بسرعة الى الغنائم، غير آبهة بصلابة واجبة لتجسيد المبادئ.
و"ثورة الأرز" في لبنان بدأت، حين وجد طيف واسع من اللبنانيين أنفسهم ضحايا دائمين لـ"سلبطة"النظام السوري، وللإغتيالات، ولهتك الكرامات، وللفقر والعوز، ولمحو بلدهم عن الخارطة الكونية.
دامت الثورة ، فعليا، شهرا واحدا. إنطلقت في 14 شباط مع إعلان اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخمدت في 14 آذار، مع إعلان الإنحياز الشعبي لـ"ثورة الأرز".
في هذا الشهر، كان وليد جنبلاط يحتمي بالغضب الشعبي العارم، وكان سمير جعجع يأمل بتغيير القرار السياسي الذي أدخله الى السجن، وكان ميشال عون يتطلع الى تحسين شروط المفاوضات مع النظام السوري ليعود من منفاه، ولم يكن سعد الحريري قد تكرّس حاملا لمشعل والده الشهيد، وكان الرئيس أمين الجميل يتكئ على قوة ابنه بيار، في ظل مصادرة حزب الكتائب من قبل مندوبين عن الوصاية السورية.
في هذا الشهر، كانت الثورة وليدة عاطفة جماهيرية. افترشت الساحات بلا دعوات. صنعت هذه الجماهير شرعية استثنائية لسياسيين محليين. تحدت الحظر الأمني الذي كانت تتولاه أجهزة مصادرة من بشار الأسد بصدور عارية. أحسنت استغلال التواجد الاعلامي على الساحة لتأكيد إرادتها في المقاومة حتى النفس الأخير. وصنعت للسياسيين جدول أعمالهم.
في هذ الشهر لمع نجمع مجموعة مميزة من القيادات غير الحزبية وغير الطائفية، سرعان ما جرت تصفيتها. من ينظر الى من كان يحتشد على منبر ساحة الحرية، يكتشف أن هؤلاء يتوزعون، الآن، بين المقابر وبين المنافي وبين النسيان.
إذن، المعارضة السورية تبدأ من حيث انتهت ثورة الأرز. أطياف متعددة تعجز عن بلورة إطار يجمعها. نظريات أكاديمية تخفي العجز عن إنجاز المفيد. إسترضاء للسلطة القامعة من خلال الإلتزام بمعاييرها في النظرة الى الحماية العسكرية الخارجية. تهدئة مخيفة للدياسبورا السورية الكبيرة. السماح للشارع الذي يضم استشهاديين أن يكون صوته أعلى من صوتهم، ومطالبه أجرأ من مطالبهم، وصموده أعنف من صمودهم.
هكذا معارضة يمكن لنظام قاتل وبطّاش أن يتغلّب عليها. هكذا معارضة مؤهلة لهدر التضحيات التي يتكبدها شارع الثورة. هكذا معارضة يمكن أن تنام على حلم السلطة لتستيقظ على كابوس الملاحقات. هكذا معارضة يمكن أن تتغنى بأنها ترتفع على كتف أكثرية لتجد نفسها لاحقا في قبضة أقلية، على اعتبار أن دروس التاريخ، أفهمتنا أن ألأكثريات الرخوة تطيح بها أقليات متراصة.
صحيح أن كل ثورة شعبية بحاجة الى قيادة سياسية، لكن الصحيح أكثر أن القيادة السياسية تكون مجرد مرآة تعكس تطلعات من يموتون ومن يجوعون ومن يتشردون ومن يؤسرون ومن يتعذّبون.
والمرآة العاكسة لا تفكر بمصالحها ولا بمستقبلها، لأن أهميتها تكمن فقط في حسن عكسها للصورة. يوم تصبح المرآة مغبّشة توضع على الهامش، ويوم تتكسر تُرمى على قارعة الطريق.
وانطلاقا من هنا، هذه نصيحة من "ثوار الأرز" في لبنان الى ثوار الحرية في سورية: إختاروا أوقح السياسيين ممثلا لكم. إختاروا من أصبح مستقبله وراءه ليتحدث عن مستقبلكم. خافوا من كل من يمكن أن يكون لديه ما يخاف عليه، ومن بين "الممتلكات" في السياسة هو الكسب بالتسويات. لا ترضوا بمن يفكر أن يرثكم ، احصروا طموحكم بإيجاد من يحمل شعلتكم. لا تقبلوا بمهادنة حليف نظام يقتلكم لأنه هو أيضا شريك بقتلكم. لا تحتفوا بالإنتصارات الموسمية، لأنها تنسيكم نضالاتكم لتحقيق الإنتصار الكبير. لا تحاسبوا داعميكم كما لو كنتم أمام صناديق الإقتراع، فأنتم ثوار ولكم أن تفتخروا بمن يُنظّف ذاته بناركم الطاهرة.
تعلّموا من تجربتنا. لنكن شعبا واحدا في دولتين، لا شعبين ضحية نظام واحد! |