سويديو لبنان!
الأحد, 16 أكتوبر
2011
النسبة ليست
الى مملكة السويد الإسكندينافية الهانئة في شمال أوروبا، إنما الى
محمد أنس هيثم سويد، المعتقل في سجن ولاية فرجينيا الأميركية بتهمة
التجسس لمصلحة النظام الأسدي،على مواطنين أميركيين من أصل سوري
يعارضون هذا النظام ويدعمون الثورة عليه !
الجرم المنسوب الى سويد، في الولايات المتحدة الأميركية، هو تصوير
المتظاهرين والحصول على معلومات خاصة بهم ، كأرقام هواتفهم
وعناوينهم الإلكترونية، وتقديمها الى النظام السوري.
وفي وقائع ما هو منسوب الى سويد أنه ذهب الى دمشق والتقى فيها
ضباطا في المخابرات السورية وعقد لقاء جانبيا مع بشار الأسد.
وفي تقييم للجرم ،إعتبر مكتب المدعي العام في فرجينيا أن ما قام به
سويد خطر للغاية، لأنه يمس بحق مواطنين أميركيين أومقيمين على
الأراضي الأميركية، في التعبير عن آرائهم، ويعرضهم لضغوط من أجل
منعهم من القيام بما يعتقدون بأنه الصواب!
ويواجه سويد عقوبة تصل الى 15 سنة سجنا!
هذا في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ماذا كان قد حصل، لو جرت
"لبننة" هذا الملف، واستُبدلت الجنسية الأميركية التي يحملها سويد
بالجنسية اللبنانية؟
في حالة "اللبننة"، لكانت وضعية هذا الرجل، تفوق الخيال.
لنتصوّر السيناريوهات اللبنانية التي يمكن أن يستفيد منها محمد أنس
هيثم سويد.
سيناريو اول: إذا كان رجلا ِبه أُميّ، لكان - وهذا أضعف الإيمان-
من نجوم الشاشة اللبنانية، بحيث لا يجد وقتا لنفسه، لأن القنوات
المموّلة بالمال الإيراني أو المعنية بـ"تبييض" وجوه أصحابها مع
النظام السوري، تطارده ليلا نهارا، لتتشرف بإطلالاته البهية على
أثيرها، ليذيع من خلالها، تقاريره ويعلن أسماء داعمي الثورة
ويُجرّمهم ويطلب لهم عقوبة الإعدام، تاركا للمعنيين ، طريقة
تنفيذها!
سيناريو ثان: إذا كان قاضيا، لكان على رأس قائمة المرشحين لمناصب
الإدعاء العام، على اعتبار أنه وطني وبأمثاله تتم حماية الثوابت
الوطنية، وإذا كان ضابطا، لكان يملك مواصفات لشغل منصب مرموق في
المديريات الأمنية على اختلافها، وإذا كان دبلوماسيا، لسخرت له
حقوق انتقاء أهم سفارة يرغب بالحلول على رأس بعثتها، ولو كان
صحافيا، لترأس مطبوعة غنية، ولو كان إعلاميا، لامتلك فضائية
مرموقة، ولو كان "قبضاي" لكان قائد مجموعة مختارة بعناية لاضطهاد
كل من يفكر بالتظاهر، قبل أن ينضم الى لجان أمنية ليفرض شروطه على
الدولة ومن يظن بأنه يحكمها !
سيناريو ثالث: إذا كان ينتمي الى طائفة زعيمها "خائن"، لكان رئيس
حزب سياسي أو تيار سياسي أو تجمع سياسي، ولكان "الولي الفقيه" قد
أغدق عليه بالأموال، ففتح مراكز في كل "زاروب" ونشر الأسلحة بين كل
المحازبين، وأسّس مشاريع إستشفائية وإنسانية، بما يفيض عن ضروريات
الفخفخة الخاصة به ولأولاده من بعده!
سيناريو رابع: إذا كان سياسيا، جرى وضع إسمه على لائحة المؤهلين
للعب أدوار ريادية في البلاد، فبأمثاله ، تعبّأ مراكز رئيس الحكومة
والوزراء، ومن بين أمثاله يرتجى وصول رؤساء الجمهورية، وعلى قاعدته
، يتم اختيار رؤساء المجالس النيابية، أما إذا كانت طموحاته
"تدرجية" لكان اليوم رشحا بارزا ، على قوائم الإنتخابات النيابية،
ووزيرا محظيا في الحكومات الممهورة بختم "صنع في لبنان"!
وبغض النظر عن الموقع الذي يمكن أن يشغله أي " سويدي" في لبنان،
فهو سيتحضر للإنتقال الى دمشق، حيث يستقبله الرئيس السوري بشار
الأسد، ويبحث معه في آخر التطورات على الساحة العالمية، ويحمّله
رسائل ليتمكن من تعبئة الشاشات والصحف بها، بما يعزز التوجهات
الإصلاحية للرئاسة السورية !
فعلا، مسكين محمد أنس هيثم سويد، فليس سهلا أن يُرمى هو بالسجن
وتنظم له محاكمة وينفضح سره على كل وسائل الإعلام ، في حين يتنعّم
أمثاله، لأنهم يعيشون بلبنان، بكل هذا الجاه وهذا المجد وهذا
الرخاء!
يحق لسويد أن يلعن الظلم، كلّما تنفّس، فهو على الأقل يعرف
الإنكليزية ويتكلمها بطلاقة ويعرف الجغرافيا الأميركية، ويحق له أن
يترقى ويترقى ويترقى، ففي لبنان، أحد نظرائه، أصبح، منذ أيام،
رئيسا للجامعة اللبنانية، على الرغم من أنه في "امتحان" إثبات
الجدارة، كاد يعجز عن تهجئة بضع كلمات باللغة الإنكليزية.
ويحق لسويد أن يتأفف من سوء طالعه، فها هو نظير ثان له ، يزرع شعرا
في وقت يحلقون له شعره، وها هو نظير ثالث له ، يدعي أنه أصبح رقما
في المعادلة اللبنانية، في حين أنه هو قد تحوّل الى مجرد رقم في
السجون الأميركية!
ولكن ما يُمكن أن يُعزّي سويد، أنه صار مثله مثل لبنان، فكلاهما
أسير، ظروفه ومطامعه.
سويد أسير الظروف التي اضطرته أن ينتقل من بلاده ليعيش في الولايات
المتحدة الأميركية، في حين أن لبنان أسير الظروف التي جعلت النظام
السوري قويا فيه.
سويد سجين تطلعاته الى مطامع مالية وسلطوية وعدته بها المخابرات
السورية، ولبنان سجين شخصيات تطلع الى المال والنفوذ والمراكز التي
تعدها بها المخابرات السورية.
سويد هو أسير بذاته ويملك القدرة على الدفاع عن نفسه في ظل نظام
قضائي مرن،بتوفير القليل من الأموال، ولبنان أسير بمعناه ولا يملك
القدرة على الدفاع عن نفسه ليتحرر من قبضة نظام ديكتاتوري قاتل،
إلا بالكثير الكثير من الدماء! |