عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


وليد جنبلاط و14 آذار

الأربعاء, 12 أكتوبر 2011

حلفاء وليد جنبلاط الجدد يهيئون قواعدهم لإمكان مغادرته صفوف الأكثرية الجديدة، وحلفاؤه السابقون يرفضون البناء على الإشارات التصالحية التي يرسلها زعيم المختارة إليهم، فله وحده أن يحدد مواقفه ومواقعه!

في الجلسات المغلقة، ثمة كلام كثير وكبير منسوب الى وليد جنلاط، إلا أن جميع من يجلس معه لا يخفي هاتفا ليسجل به ما يتلفظ به البيك، فليس بينهم من يبحث عن خبطة، بل تراهم جميعهم يحرصون على سلامة من استخف، يوما، وفي غمرة "الإنقلاب" ، بسلامتهم!

ثمة روايات كثيرة - وبعضها مذهل- عن تصحيح وليد جنبلاط لمسيرته التي اعوجت بانضمامه الى التحالف الهجين مع قوى الثامن من آذار، ولكنها كلها ممهورة بخاتم السرية، فأبطالها يهددون بنفيها، إن جرى فضحها. في اعتقادهم، وحده وليد جنبلاط يملك القدرة على إدراك التوقيت المناسب لإعلانها!

المنتسبون الى قوى 14 آذار أو المؤيدون لها، ممن يخرجون من لقاءات مع وليد جنبلاط ، يدركون أن كلاما كثيرا قاله جنبلاط ضد المحور الذي تصالح معه، قد وصل، بتقارير مخابراتية، الى المعنيين به، وهم يتفهمون التهجمات التي تطاوله، على أساسها، ومع ذلك يصرون على إبقاء مواقفه التي تقال أسيرة "المجالس بالأمانات"!

لا يريد هؤلاء أن يصدقوا، على الرغم من أن إعادة تموضع جنبلاط- وفق التجارب- تبدأ بالإشارات المعبرة! هو لا يصالح للمصالحة، فالرجل في السياسة لا يؤمن بالفن من أجل الفن، إنما يصالح الشخص ليتصالح مع خطه!

وجنبلاط قرر أن يتصالح مع خط 14 آذار الذي كان من صانعيه، ولكن أحدا لا يستطيع أن يدعي أن جنبلاط قرر مخاصمة صانعي خط 8 آذار، فجلّ طموحاته، أن يتمكن من أن يكون على علاقة سوية بالمجموعتين، حتى لو كان ذلك الهوى معقدا.

ومن يدقق بسلوكيات جنبلاط، يستطيع أن يستنتج بأنه يريد مواصلة التهدئة مع "حزب الله" والتواصل الكثيف مع الرئيس نبيه بري، ولكن دروس التاريخ الحديث ، أثبتت أن هذا التوجه يبقى مجرد تمنّ يستحيل تحقيقه، إن لم يترففق مع علاقة متينة بالقيادة السورية.

والقيادة السورية غير مرتاحة –حاليا- لوليد جنبلاط. مواقفه من الثورة السورية أزعجتها، فهو أوّل لبناني، ممن يجتمعون بالأسد، سمّى الثورة السورية ثورة. أقصى ما توصل إليه غيره ، هو تسمية الثورة بالحراك المطلبي.

المستوى الأمني السوري غاضب على وليد جنبلاط، فالرجل ينصح بإزاحة الأمن من السلطة السورية. المعادلة نفسها كانت سببّت الخصومة الكبرى بين جنبلاط والقيادة السورية، حين طالبها، بدءا بالعام 2000، بإزاحة الأمن السوري من التحكم بالعلاقات اللبنانية – السورية.

وجنبلاط المغضوب عليه سوريا، يستحيل أن يشبك علاقات سوية مع "حزب الله" ونبيه بري.

قبل اغتيال جبران تويني ، في أواخر العام 2005، حاول جنبلاط أن يشبك علاقة مميزة مع "حزب الله"، ولكن سوء العلاقة بالرئيس السوري بشار الأسد، أنتج خصومات إلغائية مع "حزب الله".

ومن يعرف وليد جنبلاط يستحيل عليه أن يقتنع بقدرة جنبلاط على إبقاء علاقاته مع الأسد، وفق القواعد التي فرضها تصالحه الأخير معه، فهو يؤم قصر المهاجرين، إن كان الرضى العربي كبيرا على هذا القصر.

يوم ذهب اليه، كانت المملكة العربية السعودية فيه، وكانت قطر فيه، وكانت أيضا تركيا التي "أحب" جنبلاط أردوغانها، في وقت مبكر.

واليوم مع خروج جميع هؤلاء من هذا القصر ، فهو لا يستطيع الدخول اليه، على أساس قواعد التصالح السابقة، في حين أن الأسد ، اثبت أنه لا يريد أحدا في قصره، إلا وفقا لشروطه هو، على اعتبار أن العروبة تبدأ فيه وتنتهي فيه، وفق العظة الشهيرة التي أتحف بها الملوك والرؤساء العرب، في أول قمة شارك فيها!

قوى 14 آذار، لا تضع وليد جنبلاط تحت الإمتحان، فهي لم تعتد أن تمتحن أحدا، وخصوصا متى كان بقامة وليد جنبلاط، ولكنها، للمرة الأولى، وبفعل مرارة التجارب، تلتقط لعابها، فسيلانه ممنوع وممنوع وممنوع، فجنبلاط لم يخاصمها بالإشارات بل بالمواقف والخيارات، وهي يستحيل أن تُطبّع معه، بالإشارات، بل بالمواقف والخيارات أيضا!

تدرك 14 آذار أن وليد جنبلاط ثمين، فهو في لعبة السلطة بيضة القبان، ولكنها تدرك أكثر أن صدقيتها لدى ناسها تفرض عليها أن تتلقى ما يعينها على تفهم ناسها، لأنها، بعدما خسرت السلطة وخسرت الأمن ، لم يبق لها إلا ناسها، فهم من يصنع الساحات، وهم من يصنع الأكثريات وهم من يصنع المعجزات !

ويُدرك جنبلاط مكانته لدى 14 آذار، لذلك فهو غير مستعجل لحرق المراحل، لعلّ الأيام السورية ، تأتيه بما كان دائما يأمل أن تأتيه به، وهو قبول السيد حسن نصرالله أن يضع رجليه على الأرض وأن يتعامل مع الآخرين من موقع القائد البشري وليس من ...فوق !

ولكن الزمن لن يحتمل كثيرا من الإنتظار ، فالحسم آت، مع الفرز الموضوعي الذي يدق على الأبواب، والمتصل بالمحكمة الخاصة بلبنان، التي يبدو أن جنبلاط يؤيد بقاءها وديمومتها !

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها