عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


سمير جعجع عن "جرائم" سمير جعجع

 الاثنين, 26 سبتمبر 2011  

منذ أنهى رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع إلقاء كلمته، في نهاية قداس "شهداء المقاومة اللبنانية"، حتى انهال عليه "المستأجرة" خدماتهم من "حزب الله" والنظام السوري، بكلامهم المستورد من اتهامات زمن الوصاية، مفترضين أنهم بذلك يستطيعون أن يشتتوا الإعجاب الشعبي الكبير بما تضمنه هذا الخطاب التحرري الممتاز، الذي قال مسيحيون محايدون لم تربطهم ،يوما،  صلة إيجابية بالقوات اللبنانية ، إنه بمثله يرفعون رؤوسهم!

 أعاد هؤلاء المستأجرة خدماتهم التركيز على جرائم منتقاة من الحرب الدموية الطاحنة التي عرفها لبنان، على مدى سنوات طوال، ليهجوا بها سمير جعجع، وليطالبوا بزجه بالسجن وإعادة محاكمته لإصدار أحكام إعدام...  تُنفّذ به!

لن أفترض أن سمير جعجع بريء من الجرائم التي سبق وفتحها بحقه جهاز الإتهام في زمن الوصاية على لبنان، بل سأفترض،أنه قد اقترفها كلها،فعلا،  وفق الأحكام التي صدرت بحقه، عن المجلس العدلي وعن محكمة الجنايات في بيروت، كما لم يفترض يوما مريدو نيلسون مانديلا أنه بريء من العمليات التي قام بها سود جنوب إفريقيا، ضد مصالح نظام التمييز الذي كان يسيطر على البلاد والعباد!

قد يكون سمير جعجع إرتكب الجرائم التي أختارت مديرية المخابرات الشهود عليها واحتفظت بهم وساقتهم بقوتها الى قضاة التحقيق ومن ثم الى المجلس العدلي، ومن ثم هددت وكلاء الدفاع عنه، فهرب بعضهم وجرى استيعاب بعضهم الآخر، ولكن...

 ماذا عن مجرمي زمن السلم الأهلي، ممن فجروا كنيسة سيدة النجاة  في الزوق للإيقاع  بجعجع و"القوات اللبنانية"، وممن خطفوا الناشطين المعارضين وصفّوهم في المواقف العامة وفي صناديق السيارات وفي معتقلات، بعضها معروف وبعضها الآخر مجهول؟!

وماذا عمّن اغتالوا إيلي حبيقة في عزّ النهار؟!

وماذا عمّن تكاتفوا وتضامنوا في مسلسل جرمي بدأ في الاول من تشرين اول 2004 بمروان حماده ولا يزال مفتوحا على شخصيات يجري تسريب سيناريوهات اغتيالها لتنفي نفسها بنفسها؟!

 أليس هؤلاء الذين يستأجرون شاتمي جعجع هم من يقدسون من تتهمهم أعلى مرجعية قضائية في المجتمع الدولي باغتيال الرئيس رفيق الحريري والمناضل جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزيرين الياس المر ومروان حماده؟!

 أليس هؤلاء المستأجرة خدماتهم يلوذون بحماية من كانوا يوما أمراء حرب إرتكبوا من الجرائم ما لم يكن لجعجع قدرة على ارتكابه؟

 مَن مِن هؤلاء الذين اضطروا أو اختاروا أن يكونوا  في موقع قيادي في الحرب لم تلوّث يده في جريمة ؟

 "حزب الله" صفى من صفاه في حرب السيطرة على الجبهة الجنوبية، سواء في حربه على اليسار أم في حربه على حركة أمل، ولنا في تصريحات موثقة لرئيس تلك الحركة نبيه بري، أدلة لا تقبل الشك ، مطلقا!

 "حركة أمل" لم تحمل السلاح فقط ولم تخض الحروب المنوّعة فقط، بل كان لديها معتقلات وكانت لديها قوائم تصفيات أنجزت بالكامل!

 الحزب التقدمي الإشتراكي خاض غمار الحرب وارتكب فيها ما ارتكب من جرائم سبق لوليد جنبلاط أن صنفها بنفسه، ولو أنه رفض إجراء نقد لمرحلة الإضطرار التي يريدها ان تذهب بلا رجعة!

 وعن الحزب السوري القومي الإجتماعي فللتاريخ البعيد والقريب وللحاضر أيضا، روايات اغتيالات نعرف أين تبدأ، ولكن لا يزال من المستحيل معرفة أين تتوقف!

 ولا حاجة بنا للتوقف عند العماد ميشال عون ، صانع ثلاث حروب متتالية ، كانت نتائجها مرعبة لأن تداعياتها لا تزال مستمرة الى يومنا هذا!

 وإذا أردنا أن نكمل اللائحة، فهي تطول وتطول وتطول!

 من بين جميع هؤلاء وحده سمير جعجع اقتيد الى الإعتقال، ووحده له صور في قفص الإتهام، ووحده لديه روايات في قرارات اتهام وفي أحكام!

 وفي وقت كان غيره، يرتفع على الجثث التي راكمها في الحرب ليجلس على كرسي السلطة ، كان سمير جعجع يدخل في غياهب زنزانة لا تتوافر فيها أي شروط من شروط الإنسانية، حيث أمضى 11 سنة، لم تنهها إلا ثورة الأرز !

 11 سنة في زنزانة إنفرادية، تساوي بعذاباتها سجن 33 سنة!

 11 سنة، من دون نديم، ومن دون رفيق، ومن دون خليل، ومن دون نور،ومن دون ملامسة إنسانية،ومن دون تلفزيون، ومن دون راديو، ومن دون صحيفة سياسية!

 11 سنة، من العذاب قضاها جعجع فيما غيره ممن صنعوا الحروب وخاضوها واغتالوا فيها، كانوا إلى موائد السلطة  العامرة، وفي صالونات السيجار الكوبي، وفي خانات الكافيار الروسي، وفي علب الرقيق الأبيض!

 11 سنة، إذا ما جمعت عذاباتها مع مقارناتها، تعني عمرا جرى فناؤه، وجسدا جرى حرقه، وروحا جرى سلبها!

 بالإذن من كل الواعظين، أكانوا سياسيين أم رجال دين أم صحافيين أم رجال أعمال أم مرتزقة، وحده سمير جعجع من  بين كل من اشترك في الحرب وصنع ويلاتها ومن بين كل من غطوا مجرمي ما بعد الحرب وكينوناتهم السياسية والحزبية، تطهّر!

نعم وحده ..تطهّر!

 ودون غيره ، وحده ..اعتذر!

 ودون غيره، وحده عندما يتكلم تشعر أن لديه روحا!

 لم أكن في زمن اضطهاد جعجع  في صفوف من دافعوا عنه،  بل كنت، ولم أتطهّر بعد بالمعرفة من المثالية التي بنتها تربية مجتمعية حاقدة عليه،  ضده، ولكنني لاحقا أصبحت مقتنعا بواجبي في أن أكون أشرس المدافعين عنه من تكرار إلقاء التهم عليه، لأنه وحده... تطهّر وطهّرنا!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها