الموسيقا
السريانية الكنسية
(الجزء الثامن
والعشرون)
أهمية الإنشاد
السرياني
تنويه
لقد استعرت بعض
الافكار التي تخدم موضوع مقالنا هذا "اهمية الإنشاد السرياني الكنسي"، من
مقال بعنوان "الترتيل والمرتل وحياته الروحية في الكنيسة البيزنطية" الصادر
من دير الشاروبيم سنة2011، لا يحمل اسم كاتب المقال. فاقتضى التنويه.
الإنشاد
الكنسي او الترتيل
-
الإنشاد صلاة:
وأما الترتيل
او الإنشاد الكنسي فهو
صلاة،
والصلاة
هي
حوار
مع
الله.
فكيف
سنحاوره
بكبرياء
واستهانة ؟
الترتيل
ليس
فناً
ولا استعراضاً
أو
غناءً
إنما هو
إيمان،
لأنه يجعلنا
بعلاقة
وطيدة
وصحيحة
مع
الله. فعندما
يتعبد
الإنسان
لربه
يصلي،
وعندما
يصلي ينشد التراتيل،
والصلاة
هي
تواصل
مع
الله،
أي أن التراتيل هي جزء مهم من طريق التواصل مع
الخالق.
وليكون
هذا
التواصل
حقيقي
علينا
أن نرتل بتقوى وحكمة وخشوع وندامة ودموع وتكون محبة الله غامرة قلوبنا.
- الإنشاد عمل
مقدس:
إن الشمامسة
وجوقة الشماسات المرتلة
هم
فم
الكنيسة،
أي فم
الشعب
المؤمن
الذي
يأتي
إلى
الكنيسة
من
أجل
الصلاة
والخشوع والتواصل مع الخالق، فيرتلون لكي يُعبِّروا
عما في
نفوسهم
ونفوس
جميع المؤمنين
الحاضرين
في
الكنيسة.
لهذا
عليهم
أن
يعلموا بأن كم هو إنشادهم عمل عظيم ومقدس، وعليهم أيضاً أن يتعجبوا
من
رحمة
الله
الذي
يسمح
للخطأة
أن
يسبّحوه،
فمثل
هذا
العمل
المقدّس
هو
عمل
الملائكة وليس عمل
البشر،
فعليهم
أن
يضاعفوا
الوزنة
التي
إئتمنهم
الله
عليها
بحكمة.
-
الإنشاد خدمة كنسية سامية:
الترتيل
عامود
أساسي
من
أعمدة
الكنيسة، ولهذا يعتبر الترتيل وظيفة (خدمة) كنسية مهمة جداً، ونعمة روحية
ينالها
من أعطي
تقوى
وأعطي
صوتاً.
وكان الترتيل
في
بدايات
المسيحية ترتيلاً مشتركاً جماعياً، وكان
كل
الحاضرون
في
الكنيسة
يرتلون.
وقد
يكون
جيداً أن
تبدأ
الكنيسة
العمل على
استعادة
هذا
الترتيل
المشترك
الجماعي، لأن
الإنسان
المشارك في الصلاة
يتذوق
حلاوة
العبادة
فتحفَظ
نفسه
من
تجارب
هذا
الدهر.
- نرتل لنصلي
ولا نصلي لنرتل:
الترتيل لا
يبدأ من القلب لئلا يتحول الى آداء عاطفي يحرك فقط المشاعر والنشوة ولا
يثير التقوى. خاصة عندما يتم التركيز فقط على الصوت واللحن، لأنه في هذه
الحالة يكون الترتيل مادياً وليس روحياً او مبتعداً عن الروح. فيوجد
فرق
كبير
بين النشوة الحاصلة من طرب اللحن ونغمة الموسيقا، ومن الرهبة
في
الصلاة
والعبادة. ويقول أحد الآباء القدماء "نحن البشر نرتل لنصلي ولا نصلي
لنرتل". فالترتيل الحقيقي الذي هو عمل مقدس ومعبّر عن نفوسنا ويوصلنا الى
الله، يبدأ أولاً من
النفوس
ويخرج
من
الفم
بمشاركة
القلب.
لهذا تنصح
الكنيسة
المرتلين
أن
يكون
حضورهم
إلى
الكنيسة
لهدف
لقاء
الرب
وليس
للترتيل.
أهمية
التراتيل السريانية
إن التراتيل
السريانية الكنسية بمعظم نصوصها وكلماتها تعالج مواضيع وأحداث من الكتاب
المقدس وهي من التراث السرياني الليتورجي مسكوبة بقوالب شعرية ونثرية
مختلفة، ومنها:
ܒܳܥܽܘܬܐ
بوُعوثو،
ܩܳܠܐ
قوُلو، ܓܢܺܝܙ̈ܐ
غنيزي،
ܗܽܘܠܳܠܐ
هولوُلوُ،
ܙܽܘܡܳܪܐ
زوموُروُ،
ܡܺܐܡܪܐ
ميمروُ،
ܡܰܕܪܳܫܐ
مَدروُشوُ،
ܣܽܘܓܺܝܬܐ
سوغيثوُ،
ܣܶܕܪܐ
سِدروُ،
ܥܶܛܪܐ
عِطروُ،
ܦܺܝܪܡܐ
فيرموُ،
ܥܽܘܢܺܝܬܐ
عوُنيثوُ،
ܡܰܥܢܺܝܬܐ
مَعنيثوُ،
ܬܰܟܫܶܦܬܐ
تَخشفتوُ،
ܦܶܪܕܐ
فِردوُ،
ܩܳܠܶܐ̈ ܫܰܗܪ̈ܝܶܐ
قوُلهِ شَهروُيهِ،
ܩܳܢܽܘ̈ܢܐ ܝܰܘܢܳܝ̈ܐ
قنونهِ يَونوُيهِ،
ܩܽܘܩܳܠܝܳܘܢ
قُوقليوُن. وغيرها ...
وكما يخبرنا
التاريخ الكنسي بأن الجزء الكبير من نصوص هذه التراتيل قد ألّف بين (300 و
700)م من قبل آباء قديسين ومؤسسين للكنيسة الأولى ومؤلفين عظام للأناشيد
الدينية ومفسرين كبار للكتاب المقدس مثل:
مار افرام
السرياني (373م)،
ومار رابولا الرهاوي القنشريني المولد (435م)، ومار بالاي (445م)، ومار
اسحق الرهاوي المعروف بالأنطاكي (491م)، ومار يعقوب السروجي (521م)، ومار
شمعون قوقويو (563م)، ومار يعقوب الرهاوي (708م)، وغيرهم كثيراً.
فالروح القدوس
كان مرافقاً دوماً لأعمالهم الصالحة وخدمتهم الكهنوتية، وخاصة في تآليفهم
وكتاباتهم، ففي كل كلمة وجملة ونص شعري يشعر المؤمن بمشاركة الروح القدوس
في كتابتها. لهذا نرى فيها تفاسير عظيمة وشرح رائع ومبسط لمقاصد الكتاب
المقدس، وربط لحوادث العهدين العتيق والجديد. وقد قال احد المستشرقين
الغربيون: لو فقد الكتاب المقدس وضاع كلياً، فنستطيع أن نجمعه فقط من
كتابات مار افرام السرياني.
فمن واجبنا
الأخلاقي نحن السريان كشعب وكنيسة الحفاظ على هذا الكنز العظيم والإرث
الكبير الذي حافظ عليه آباؤنا واجدادنا ونقلوه لنا، فهو أمانة في أعناقنا
وأعناق أولادنا من بعدنا. فالحفاظ عليه يتطلب مداولته باستمرار في الكنيسة
وخارجها، وعدم التفرّط به بأعذار غير مقبولة، او طرحه في المتاحف كما يرغب
البعض لعدم فهمهم للغته ولقيمته الروحية والتفسيرية والادبية والتاريخية،
والبعض الآخر قد رماه جانباً وتبنى اناشيد حديثة تعود لكنائس نشأت مؤخراً،
وهي من تلك التي لا تحمل في جوهر نصوصها روحانية، وموسيقاها شبيهة بموسيقا
الاغاني الهابطة.
فالأناشيد
السريانية الكنسية وكما تعرّفها الكنيسة هي
تفاعل
مباشر
بيننا نحن البشر وبين
الله
فتقرّبنا منه، ومن خلال جوهر كلماتها الروحية التي تعكس ألوهية السيد
المسيح، يعكسها المنشدون المؤمنون الصالحون بدورهم على الآخرين عندما
يصلّوها بالحق والإيمان والروح.
منشدو
التراتيل
يتكون منشدو
التراتيل من غير الكهنة في الكنيسة السريانية الارثوذكسية كما في بقية
الكنائس الاخرى الشقيقة من مجموعة الشمامسة وقائدهم وجوقة الإنشاد المكونة
من الشماسات وقائدها والموسيقي، وينوبون
عن الشعب في رفع الصلاة من أجله.
فإذا كان
الترتيل عملاً مقدساً، والأناشيد الروحية مكوّنة من كلمات وعبارات وأحداث
من الكتاب المقدس، فمن يرتل هذه الأناشيد يتقدّس صوته بكلماتها الروحية.
وخدمة الترتيل كوظيفة كنسية روحية ينالها من أعطي تقوى وموهبة الصوت،
وَعَكَسَ
وجه
الكنيسة
الحق في المجتمع الذي كله إيمان وصدق وورع وتقوى وأعمال برّ وخير وصلاح.
فأين
هو
وضع
المرتلين من الشمامسة وجوقة الشماسات وقائدها والموسيقي
اليوم
من
هذا
؟
فهل كلّهم
صوامون
؟
هل كلّهم
محتشمون
أثناء
وقوفهم
على
منبر
الترتيل
؟
هل كلّهم
يعرفون
ما
هو
دورهم
العبادي
؟
هل كلّهم
منزهون ولا يخطئون
؟
هل كلّهم
مستعدون
للإلتزام
بما
تمليه
عليهم
الكنيسة
من واجبات وشروط
؟
هل كلّهم
يعرفون
الحدود
بين
اُلمتاح
والنافع
والضار؟
هل كلهم يصلّون
عندما ينشدون أم أنهم يغنون
؟
هل يكفي
أن يملك
المرء صوتاً جميلاً
ويعرف
بعض الأناشيد الدينية ليصبح
شماساً
مرتلاً في بيت الرب
؟
هل يكفي أن
يعرف المرء شيئاً عن الألحان الكنسية ليصبح شماساً
؟
هل من يملك
زمام اللغة السريانية الكلاسيكية يحق له أن يكون ناظماً
للتسابيح الروحية
؟
هل من يملك
موهبة التلحين يحق له أن يلحّن ترانيم جديدة للكنيسة
؟
هل يليق
أن
يُسمّى
شخص ما
مرتلاً
او شماساً وهو لا
يقرأ
الكتاب
المقدس
؟
هل يعقَل
أن
يصعد
للهيكل من
لا يعرف
في
الكتب الكنسية
الطقسية
السريانية وقوانين وطقوس الخدمة
؟
هل يملكون
الحدّ الادنى من المعرفة في اللاهوت
؟
هل يعيشون
الكتاب المقدس
؟
لهذا هناك
شروطاً دينية وكنسية وأخلاقية مفروضة على الإنسان لقبوله في الخدمة الروحية
الكنسية، ومنها:
- أن يلتزم
بصلواته بدون انقطاع، لأن العبادة
هي باب
إلى
السماء،
أو
هي
السماء
عينها
نازلة
علينا.
- أن يلتزم
بالصوم وفروضه، لأن الصوم هو وجه
من
وجوه
الجهاد
في
محاربة الخطايا والملذات الجسدية، وفيه يقدم
فقره
إلى
الله
وحاجته
إلى
رحمته.
- أن يواظب على
قراءة الكتاب المقدس بشكل متواصل، لأنه يحتاج
إلى
معرفته
في فهم
القطع
التي
يرتّلها
ويجيد
أداءها،
لتستطيب
نفسه
بمعانيها الروحية، فيستطيع أن ينقلها بصوته لغيره.
- أن يتقن
اللغة السريانية الكلاسيكية وشيئاً من الألحان السريانية الكنسية.
- أن يواظب
بإستمرار على دراسة الكتاب المقدس وتفاسير الآباء القديسين، لأنه يحتاج
إلى
حد
أدنى
من
المعرفة
الإلهية
لكي
لا
يصدر
أصواتاً
فارغة من المعاني كالببغاء
بل
يصدر
كلمات ذات معان إلهية بصوت معبر عنها.
- يحتاج الشماس
إلى
حسٍ
في
الخدمة الرعوية، ليجعله
في
خدمة
الكنيسة وليس في
خدمة
صوته ونزوة
الغناء
والطرب.
فعليه أن يعيش
كلمات
الصلاة
التي
يرتلها
ليشعر
بها من
داخله
لتحمله
إلى
عالم
السماوات الروحاني.
فعندما يرفع
الشماس مثلاً بصلاته التسابيح للآب السماوي القدوس في
القداس
الإلهي
يجب
أن
يشعر
بأن
الله
بقداسته
حاضر
أمامه
ليستطيع أن يمجده ويطلب منه الرحمات عوضاً عنه وعن جميع الحاضرين استعداداً
للمناولة
الإلهية. وهذا
يأتي
من
التوبة
والاعتراف
والمناولة
والصلاة
المستمرة
والدراسة
اللاهوتية، وغيرها.
- يجب أن
تكون
السيادة
للكلمة
عند الترتيل، فربما
يشعرالشماس
بأنّ
ألحان
صلوات
الكنيسة
قد
تغريه
أو
يسكره
أداؤها،
فيرى
أنه قد
وصل
إلى
السماء
ولا
يحتاج
إلى
شيءٍ
آخر، فهذه من الخطايا الروحية التي غالباً ما يقع فيه الشماس دون وعي
وإدراك، لأنه
ليس
في حفلة
طربية
أو في دار اوبرا
كلاسيكية إنما هو في الكنيسة المقدسة للعبادة والصلاة وفي حضرة الآب
السماوي. فصوته مساعد للكلمة
التي
تُبني
الإيمان وتبلغ
الرسالةَ
الإلهية
الموجودة
في
صلوات العبادة الى المؤمنين، وخاصة في حالة عدم وجود نصوص مع
المؤمنين.
فهدف
الكلمة
الروحية المُرَتّلة أن يقترب الشماس
والسامع
إلى
الخشوع.
- على الشماس
أن يكرّس الوزنات و
كلّ
طاقاته
التي
منحه
الله
إياها
ومن
دون
انقطاع
لتمجيده.
لهذا عليه أن يرتّل بالذهن
والرغبة
والغيرة
وبكل
كيانه
لإدخال المؤمنين بحالة الخشوع والتوبة، لئلّا يكون إنشاده بالصوت والشفاه
فقط فيتضررون ويسقطون دون إرادتهم في الإدانة بسبب التجربة الناجمة عن سلوك
الشماس وسوء إنشاده.
- على الشماس
عدم ارتياد الأماكن العامة الغير أخلاقية والبغيضة دينياً مثل الخمارات
والملاهي الراقصة الليلية وأماكن القمار وغيرها.
- على الشماس
ألا يشارك في جلسات السكر والعربدة والمجون،
فالترتيل
تكريس
ومن يرتل
لله
يتقدس
صوته
ولا يجوز استعماله بشكل خاطئ كما تقول الكنيسة.
- على الشماس
ألّا يتحول لمجرد مؤد يؤدي
الأناشيد الدينية كآلة تسجيل أو كأنه موظف او عامل ليقوم بعمله. فخدمة كهذه
غير مقبولة كنسياً.
- على الشماس
ألا يذهب للخدمة الكنسية لأجل أن يُنشد ويُطرب نفسه والآخرين إن كان يملك
صوتاً جميلاً، فالترتيل ليس غناءً وطرباً، فالطرب لا
يُبني
إنسان
القلب
ولا يوصل إلى الله إنما يبعده عنه.
الجوقة
المرنمة
الجوقة تجعل
المؤمنين أن يشتركوا
في
الحياة
الإلهية
ليصلوا
الى
حالة
شركة
مع
أجواق
الملائكة
التي
تقف
مسبِّحة
في حضرة الآب السماوي، كما أنها تعلِّم لاهوت الكنيسة وتدعم رسالة الخلاص
الكنسية وتساعد الكاهن في إقامة القداديس، بالمختصر
الترتيل
يقود
المصلين
إلى
تقديم
(رحمة سلام،
ذبيحة
تسبيح).
ويكون هدف جوقة
المنشدات الظاهري مع قائدها وموسيقييها هو تقديم التراتيل الكنسية بأفضل
حال من الآداء وبأقل الأخطاء اللغوية والموسيقية أمام الناس، ولكن هذا لا
يجعل المرتلة أن تأتي الى الكنيسة لأجل استعراض مقدرات صوتها فتقع في حب
الظهور، ويموت
في
نفسها
الإحساس
بالمقدسات.
لهذا تحرص
الكنيسة على أن يكون القائمون على تراتيلها من شمامسة ومرتلات وقائدي جوقات
وعازفي آلات موسيقية من الذين عاشوا ويعيشوا خبرة الصلاة والحياة مع الله،
وليس من مطربي وموسيقيي هذا العالم.
وأما الهدف
الحقيقي للجوقة فهو الهدف الإيماني وذلك من خلال إيصال كلمة الله الموجودة
في نصوص التراتيل الى الناس. ولكي تكتمل الصورة الإيمانية للجوقة هناك شروط
وتوصيات جَمّة للإلتزام بها، فما يُطبّق من شروط على الشماس ليكون صالحاً
للخدمة الكنسية، يُطبّق أيضاً على الجوقة بشكل جماعي وفردي بالإضافة الى:
- السيرة
الشخصية الحسنة لمرتلات الجوقة.
- الاحتشام
والإبتعاد عن التبرج والزينة واستعراض الثياب فرض وواجب اخلاقي في الكنيسة.
فنحن في كنيسة لأجل الصلاة ولسنا في حفلة إستعراضية.
- الزعل بين
افراد الجوقة او مع افراد خارج الكنيسة. دع خدمتك جانباً وتصالح مع اخيك
اولاً ثم قدم صلاتك.
- انسجام
الحالة الجماعية والتعاون بين مرتلات الجوقة.
- التعاون بين
الجوقة والشمامسة والكاهن في القداديس.
- الخلافات
البيتية والاجتماعية. كيف تستطيع المرتلة خلال تقديم صلواتها أن تعبّر عن
نفسها وعن نفوس المؤمنين في الكنيسة وهي في حالة غير صحيحة اجتماعياً. إن
بيت خدّام الرب بيت مسيحي حقيقي ويعيشون الكتاب المقدس.
تشتت الذهن
(الشرود)
أما تشتت
الذهن
في
وقت
الصلاة.
هي
مشكلة
حقيقة
للكثيرين من الشمامسة والشماسات ولبعض الكهنة ايضاً، خاصة للذين
لا
يقدرون
على
استجماع
ذهنهم
والتركيز في
مجمل
صلواتهم.
أي
لا
يقدرون
على
إقامة
صلاة
دافئة
موصولة،
فذهنهم يتقطع بأفكار مادية من دون استئذان، فيؤدي إلى انخفاض التركيز
والانسجام
بين
الصلاة
والترتيل. فالمنشد يركز كثيراً على تعاريج اللحن ودقائقه لئلا يحيد عنه
فيضيع
بين
تفاصيل اللحن وبين
التركيز
على
كلمات
الصلاة.
وقائد الجوقة
يضيع بين التركيز على تفاصيل قيادته وبين معاني النصوص الروحانية، فينصرف
ذهنه نحو الماديات فيتحول إلى قائد مادي وليس روحي. والموسيقي أيضاً يضيع
بين التركيز على النوتة وعلى تعاريج انغام اللحن الموسيقية وكيفية تطبيقها،
وبين روحانية نصوص الصلاة، فينصرف ذهنه كذلك نحو الماديات فيتحول الى عازف
مادي.
وقال أحد
الآباء "إن الملاك وحده لا يُسلَبُ إنتباهه، فلا
تقلق
إن
اختُلِس
انتِباهُك،
بل تشجع
واسترجِع
دائماً
ذهنك
إليك".
وعليه فالجميع معرّضون
لأن
يُختلس
إنتباههم إذا
ما
وقفوا
أمام
الله
مصلين،
ولكن عليهم أن يستجمعوا ذهنهم ويعودوا الى الصلاة، وأن يسعوا ليبقوا
واعيين
في حضور
الله،
وأن يحاولوا وبسرعة
وإصرارٍ
جديين على استرجاع
ذهنهم،
وألا
يوقفوا
الصلاة.
اسباب
الشرود في الصلاة:
- النصوص
الطويلة.
- التفكير
بتفاصيل اللحن وليس بمعاني كلمات النص.
- عدم إتقان
لغة الكنيسة "اللغة السريانية الكلاسيكية".
- مشاكل حياتية
دنيوية.
- مشاكل مع
بقية الشمامسة في الهيكل، ومشاكل الشماسات مع بعضهن.
- فقدان الرغبة
في متابعة الصلوات بسبب عدم التحضير النفسي.
- اضطراب
الحالة النفسية والروحية لدى الشماس بسبب عدم امتلاكه لأرضية روحية متينة
وعدم تحضيره المسبق لحالته النفسية والروحية التي يبنى عليها الترتيل
الروحي الصحيح، او أنه مصاب بالفتور الروحي بسبب عدم تسلحه بقراءة الكتاب
المقدس او دون اعتراف وارشاد روحي، فيجعله يتخبط في صراع حقيقي بين نفسيته
المتعبة وبين واجبه في توصيل كلمة الله للمؤمنين.
- قلة الإهتمام
وعدم تحمّل المسؤولية والإتكال على الآخرين.
- المشاكل
الحديثة الحاصلة من استعمال التقنيات الحديثة بشكل مغلوط في الكنسية، مثل
كاميرات التصوير والموبايلات أجهزة الصوت وغيرها أثناء الصلاة، فتلهي
الشماس والجوقة والحضور من متابعة الصلاة بحرارة.
ولتجنب مشكلة
الشرود
وتشتت الفكر ومتابعة الصلاة بحرارة
على الشماس أن
يركز فكره بشكل كامل على
كلمات
الصلوات
التي يشارك فيها كمنشد، ثم متابعة ما ينشده بقية الشمامسة والجوقة والكاهن
من صلوات وقراءات وتراتيل والتمعّن في معاني كلماتها، والإبتعاد عن استعمال
الكاميرات والموبايلات في الكنيسة (كما يحصل اليوم)، والذهاب إلى الصلاة
القلبية
ليصليها مع التركيز
في
معانيها الروحية، ليستطيع أن يستمر القيام في خدمته الكنسية.
الصراع بين
الشمامسة/الشماسات
-
صراع
على
الترتيل
إن توزيع
الأدوار في الترتيل غالباً ما يخلق صراعاً ومشاكل وعداوات بين الشمامسة
خدام الهيكل المساعدين للكاهن في تقدمة الذبيحة الإلهية وبقية الصلوات
والتضرعات، وبالتالي عدم إلتزامهم بآداب وقوانين خدمة الهيكل وإطاعة رئيس
الشمامسة، فيشوشون على بعضهم وعلى الكاهن.
فكيف
يمكن
للشماس
أن
يجمع
في
نفسه
التناقض
بين
تسبيح
الله
وعداوة
مع أخيه الشماس، فهذا من الخطايا العظيمة بحق الكنيسة والصلاة وبحق أنفسهم
وعوائلهم وبحق المؤمنين أيضاً، وعليهم الإلتزام التام بقوانين الكنيسة
والخدمة وأوّلها السكوت والخشوع ومتابعة الصلاة بشكل تفصيلي. وهذا أمر
ينسحب أيضاً على شماسات الجوقة الكنسية اللاتي تخدمن في القداديس
والمناسبات الروحية الاخرى.
- صراع اجيال
صراع الاجيال
صراع قائم ودائم، وإن كان جزء من الحياة وطبيعي بشكله العام، لكنه ليس
مقبولاً كنسياً بين شماس شاب وشماس طاعن في السن.
فالمرتل الشاب
يمتلك صوت الشباب وربما لديه معرفة موسيقية ايضاً فيتصارع مع الشماس الكبير
العمر الذي لا
يجيد
شيئاً من الموسيقا ويعتمد إنشاده الكنسي فقط على السمع.
فيتسلل
الشيطان
ويهتف
في
إذن
الشاب قائلا: يجب
أن
تسكت
الشماس المسن
فهو
لا
يلتزم
بقواعد
الإنشاد الكنسي ولا يلتزم بالطبقات الصوتية وسيضيّع تراثنا السرياني الكنسي
الموسيقي الذي نود المحافظة عليه. وهنا
يتحمس
المرتل
الشاب
ويبدأ
بالتخطيط
لإزاحة
هذا
الشماس
المسن
عن خدمته.
من
ناحية
أخرى
ينتقل
الشيطان
إلى
الشماس
الطاعن في السن ليقول له: يا
لهذا
الجيل
المتكبر
صاحب
الأصوات
الطفولية
البعيدة
عن
الأداء
الرجولي، فيقع
هو
أيضاً بذات الفخ،
ويبدأ
بتحصين
مواقعه
تحسباً
لأي
اختراق
شبابي
يهدد
تقاليد
الكنيسة.
هكذا
ينشئ
الصراع
بين
الأثنين،
ويصبحان
كالأعداء
يريد
أن
يحطم
كل
منهما
صوت
الآخر
بالتشويش عليه،
لنصل
بالنهاية
إلى
تشتيت
المصلّين
وإفساد
جو
الصلاة.
وهذا أمر موجود
بين شماسات الجوقة الكنسية أيضاً، فالصراع قائم بينهن كذلك، فترى جيل
الكبيرات عدم المعرفة والمياعة وعدم التربية في جيل الصغيرات، وجيل
الصغيرات ترى في الكبيرات متخلفات وأصواتهن قبيحة ولا يريدن التغيير
والتجديد ولا يعطين الدور للصغيرات ذات الأصوات الجميلة الملائكية.
وهنا تقول
الكنيسة
بالتضحية
والمحبة
الكاملة
بين
الجيلين
وبالتواضع والإبتعاد عن الكبرياء، وأنهما في الكنيسة لأجل الخدمة الروحية
وليس للتباري في الاصوات والصراع على من ينشد هذه القطعة او تلك، ومن صوته
أجمل من الآخر، وعلى الشماس/الشماسة الشاب ان يستفيد من خبرة
الشماس/الشماسة كبير العمر في الخدمة ومن معرفته في الطقوس البيعية وفي
اللغة وغيرها. والحل الأنسب بينهما أن تكون خدمتهما بتكامل
الأدوار
وليس
بإنتصار
جيل على
آخر.
وهكذا
تبين لنا مما
سبق أن
الدور
الجوهري
للشمامسة والجوقة وقائدها وموسيقييها
في
قيادة
التسبيح
أن يكون
موجهاً
نحو
الله
وليس
نحو
الأنا
الفردية.
حضور
الشعب للكنيسة
وكما على
الكهنة والشمامسة والجوقات شروط لتقديم الذبيحة الإلهية، هناك شروط لآداب
حضور الشعب للكنيسة لأجل الصلاة والمشاركة في القداس الإلهي مثل:
أن يكون الحضور
للصلاة وليس لقضاء واجب او عادة اجتماعية، او حضور مفروض عليه.
- الإحتشام فرض
وواجب والخشوع مطلوب.
- المشاركة
الفعلية في الصلاة، فالرعيّة
المصليّة
وصوت
سيء
هو
أفضل
بكثير
من
الرعيّة
المتفرّجة الغير مشاركة في الذبيحة الإلهية
وصوتها
جيد
وجميل، فيكون حضورها كحضور حفل موسيقي غنائي.
ويقول المطران
العلامة اسحق ساكا (1931- 2011)م في كتابه الشهير "تفسير القداس"
(ص104-105) مضيفاً لشروط حضور الشعب للقداس، يتطلب من المؤمن:
- طهارة النفس
والجسد
- أن يكون
مشدود الوسط كقول بولس الرسول أف 14:6.
- الحضور الى
الكنيسة قبل ابتداء القداس بنصف ساعة لتأدية الصلاة الفرضية.
- الصوم قبل
سماع القداس الإلهي.
- الوقوف
المصحوب ببعض الحركات المعينة كالسجود، والإنحناء، ورفع اليدين وجمعها،
ورفع الرأس ونكسه، والإصغاء التام والتأمل في هذا السر العظيم، بحيث يصبح
المستمع مشاركاً الطغمات الملائكية المحيطة بالمذبح المقدس.
- لزوم الصمت
والهدوء وعدم إحداث وشوشة او ضجيج.
- توحيد نيّة
المستمع مع الكاهن.
- عدم تلاوة اي
صلاة فرضية كانت ام خصوصية خلال القداس سوى عبارة: يارب ارحمنا او آمين.
عدم الخروج من
الكنيسة قبل بركة الكاهن.
- شكر الرب على
التنعم بالمائدة السماوية.
الجزء
التاسع والعشرين
|