الموسيقا السريانية الكنسية
(الجزء الثالث عشر)
الخصائص الموسيقية للألحان الكنسية
(1)
وخصائص إنشاد
الألحان الكنسية
الخصائص الموسيقية
للألحان
الكنسية
قام الموسيقار السرياني القدير "نوري اسكندر" بتنويط الحان الكنيسة
السريانية
الارثوذكسية
كما هي منظمة في الكتاب الكنسي
ܒܝܬ
ܓܙܐ
ܕܩܝܢ̈ܬܐ
ܕܥܕܬܐ
ܣܘܪܝܝܬܐ
(مخزن ألحان الكنيسة السريانية الارثوذكسية)، وكان المطران المثقف (الأسير
حالياً) غريغوريوس يوحنا ابراهيم قد قام عام 1992 بطباعة الكتاب المذكور
بمجلد ضخم يضم بين دفتيه النص السرياني والنوتة الموسيقية.
كان الموسيقار المذكور نوري اسكندر قد
درس الأجناس الموسيقية لألحان الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية،
واستخرج منها "خصائص الموسيقا السريانية" ويقصد بها "خصائص ألحان الكنيسة
السريانية"، والتي أتفق معه حولها، وسأوردها هنا بإختصار كمعرفة عامة
ليتعرف عليها القارىء الكريم، قبل أن ندخل في خصائص الإنشاد الديني أي
(خصائص غناء الألحان السريانية الكنسية ) التي أستخرجناها بعد دراستنا
لكيفية إنشاد اللألحان السريانية الكنسية المعتمدة على خبرتنا المكتسبة من
تعاطينا وعزفنا للألحان الكنسية لسنوات طويلة.
خصائص الألحان السريانية الكنسية حسب الموسيقار نوري
اسكندر:
1- إن هذه الألحان السريانية هي موسيقا متوارثة ومتناقلة شفهياً.
2- تمتاز بالبساطة والعفوية وهي من نوع السهل الممتنع.
3- سلالمها شرقية تحوي ثلاثة أرباع الصوت.
4- تعتمد على أجناس موسيقية ثلاثية ورباعية وخماسية.
5- لها خاصية في التركيب التسلسلي المتتالي للجمل اللحنية في الصعود
والهبوط.
6- العبارات الشعرية لها تراكيب لحنية خاصة بها.
7- هناك اختلافات أو توافقات في الموازين الموسيقية مع الشعرية ومع الأوزان
الإيقاعية.
8- إقتصار الألحان غالباً على درجات قليلة في التركيب اللحني.
9- ارتباط القالب اللحني بالشعري.
10- ارتباط الألحان بالروح الاجتماعية.
خصائص إنشاد (غناء) الألحان الكنسية
كما استنتجناها
إن
الإنشاد الديني في الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية له خصائص
ومميّزات
معينة يشترك في بعضها مع
خصائص إنشاد
الكنائس الأخرى الشقيقة ويختلف
في بعضها
الآخر وخاصة فيما يتعلق بكيفيته أي بكيفية الإنشاد. وهذه بعض الخصائص التي
استنجناها:
:A
Cappellaالإنشاد
بدون مرافقات موسيقية
1-
1.1-
رغم أن المصطلح الموسيقي
A Cappella
له قواعده الموسيقية العالمية إلا أن فكرته الأساسية قائمة على عدم استعمال
آلات موسيقية.
والموسيقا
في الكنيسة السريانية هي
موسيقا صوتية بالكلية ولم تستعمل الآلات الموسيقية
مرافقة للإنشاد الكنسي، فالغناء أو الإنشاد
في الكنيسة يقوم على أساس واضح هو عدم مرافقة الآلات الموسيقية له، أي أن
الإنشاد الفردي للشمامسة والكهنة كما الإنشاد الجماعي للجوقات لا ترافقه
آلات موسيقية أثناء إقامة القداديس والصلوات اليومية وصلوات المناسبات
الأخرى. وتسمى عالمياً هذه الخاصية ب
A Cappella.
وتعتمد هذه الطريقة في الغناء على الخبرة الموسيقية للمنشدين في معرفتهم
للألحان الكنسية وتَغيّرها وعلى معرفتهم بتبديل وتعديل في الطبقات الصوتية،
ويكون أحد الشمامسة عادة، أو رئيسهم المتمكن من الألحان الكنسية خاصة في
القداديس، هو قائدهم الذي يقرر بمسيرة تغيير الألحان والطبقات الصوتية في
مجرى جميع صلوات الدينية.
2.1-
إن
الكنيسة البيزنطية الشرقية وكما الكنيسة السريانية لم تُدخِل في إقامة
صلواتها آلات موسيقية مرافقة للإنشاد الكنسي أبداً، لأن الصوت البشري حسب
رأي آباء الكنيسة هو أجدر بتمجيد الرب لأنه يعبر بجلاء ودقة أكثر من الآلات
الموسيقية وخاصة تعبيره عن صدق عواطف الإنسان الطبيعية وصراحة شعوره.
وعملياً ومن حيث إنشاد الألحان فإن الكنيسة البيزنطية الشرقية منظمة بشكل
أفضل من الكنيسة السريانية، والفضل يعود لتقيّدها التام بقواعد الميلوس
والإيصن،
لأن الميلوس يتميز بمفاتيحه الموسيقية التي تعبّر عن نوعية اللحن ومسيرته
وعن درجته الصوتية، وأما
الإيصن فهو النوتة الموسيقية التي تضبط اللحن (أي العلامة الموسيقية التي
تحدد درجة الصوت الموسيقية)، ويتم إمساكها فيما يرتل المنشد التراتيل،
وأغلبها تمسك من قرار اللحن.
فتستخدم الأصوات البشرية لقسم من أعضاء الجوقة أثناء الإنشاد الكنسي
الجماعي والفردي كآلات موسيقية مرافقة للإنشاد، فالمقتدر من الجوقة أو من
الشمامسة
والعارف بالألحان الكنسية يبتدأ بها ويغيّرها ليسلمها للآخرين، بينما قسم
من
الجوقة يحافظ على الطبقة الصوتية بإصدارهم صوت واحد متواصل هو درجة استقرار
سلم مقام الانشودة أو قطعة الصلاة التي تنشد مثل الموال،
وهو على الأغلب الصوت القرار لصوت مستقر مقام
الانشودة، والذي يكون متفقاً عليه أو مكتوباً في التدوين الموسيقي
للانشودة.
وهذه طريقة تنظيمية رائعة تعوّض عن إستعمال الآلات الموسيقية بالمطلق.
3.1-
وجود تضارب آراء في الكنيسة السريانية بخصوص مرافقة الآلات
الموسيقية للمنشدين أو بعدم المرافقة، كما أكده ابن العبري في كتابه
الإيثيقون.
إن الألحان الكنسية السريانية مثلها مثل ألحان الكنيسة البيزنطية قائمة على
نظام (أ كابيللا)
A. Cappella
أي الإنشاد دون مرافقة آلات موسيقية، وهي الكفّة الأرجح في رأي الكنيسة.
وسندرس لاحقاً هذا الأمر الذي يوضِّح موقف الكنيسة من إيجاز دخول الآلات
الموسيقية للكنيسة أو عدم إيجازها.
:Melody
(ميلودية)
2- النغمية
ترتكز الألحان على نغمات موسيقية خاصة
تشكل إطارها اللحني العام، وتسمى هذه النغمات
اللحن الميلودي.
إن أغلب ألحان الكنائس الشرقية مثل القبطية والبيزنطية والسريانية بفرعيها
الغربي والشرقي هي نغمية (ميلودية)، أي أنها تعتمد على نغمات معينة في آداء
ألحانها.
والنظام إكاديس المتبع في الكنيسة السريانية الارثوذوكسية ذي النغمات
الثمان يعتمد إعتماداً مطلقاً على الغناء الفردي والجماعي الذين يحققان
الغناء النغمي بسهولة. وبالنتيجة فإن ألحاننا الكنسية هي ألحان نغميّة
(ميلوديّة) تعتمد في تنفيذها على الطريقة النغمية البسيطة في الغناء التي
تتقاطع مع الطريقة التركيبية الإنسجامية الغربية ولا تحققها، لأن طبيعة
وصفات وجوهر ألحاننا الكنسية ترفض تنفيذها بالطريقة التركيبية الغربية.
بالرغم من كثرة الألحان الكنسية يستطيع الكهنة والشمامسة القديرين، ورغم
إعتمادهم على الذاكرة والسمع، أن يميّزوا كل
لحن بواسطة نغمته الخاصة به عن الألحان الأخرى من خلال الفروقات النغمية
الموجودة في سلالمها الموسيقية، ويستطيع الموسيقي أيضاً أن يميّز نغمات
الألحان عن بعضها بواسطة سلالمها الموسيقية.
3- الأُحادية
(مونودية)
Monody
:
إن
الكنيستين البيزنطية والسريانية تعتمدان على اسلوب أُحادي الصوت في الإنشاد
الكنسي المسمّى
مونودي "الصوت الواحد"، أي على آداء الألحان بطريقة أُحادية بدون مرافقات
صوتية أخرى تختلف عنها بالدرجات الموسيقية، فلا تعتمد بالإطلاق على طريقة
تعدد الأصوات
المسماة (بوليفوني) في آداء الألحان، ويمكن أن ينشد اللحن من قبل منشد واحد
يقوم بدور الصوليست (الغناء الإفرادي) دون مرافقات صوتية أخرى له، أو
بواسطة جوقة
ما
ترتل اللحن وبصوت واحد فقط (على سلم واحد)
وليس بتعددية صوتية، وكأن الإنشاد الجماعي هو تماماً غناء إفرادي.
أسباب
كون ألحاننا مونودية أحادية:
1-
تعتمد ألحاننا الكنسية على اسلوب الميلودي المونودي (اللحن النغمي
الأُحادي) في الآداء، وليس على الاسلوب البوليفوني (التركيبي)، أي الأصوات
المتعددة التي تنشد على سلالم موسيقية مختلفة لتندمج بإنسجام تام وتُخرِج
لحناً آخراً رائعاً، أو لتستعمل كطريقة تجميلية للحن، مثل طريقة الجوقات
الاوروبية في الترتيل.
2-
إن البناء اللحني للألحان الكنسية في المشرق هي من النوع النغمي الميلودي
المونودي، وهي تماماً مثل المقامات الشرقية (الفارسية التركية العربية
وغيرها) التي تمتاز بكونها أُحادية الصوت وليست من الأنواع التركيبية
التناغمية التي تحوي أكثر من صوت ودرجة.
3-
تعتمد أغلب الكنائس المشرقية ومنها الكنيستين السريانية الأرثوذوكسية
والبيزنطية المشرقية إعتماداً كليا وكبيراً وبشكل كثيف على النغمات الشرقية
التي تحوي سلالمها الموسيقية على ثلاثة أرباع الصوت، ومن الصعوبة تطبيق
قواعد "البوليفوني" التعددية الصوتية التناغمية عليها.
4-
بسبب وجود نصوص كثيرة وقراءات طويلة في الكنيسة السريانية فمن الصعوبة أن
تطبق الكنيسة الطريقة التركيبية البوليفونية في صياغة ألحانها وطرق غنائها.
الموسيقا الشرقية ميلودية ومونودية
الموسيقا الشرقية بكليتها هي موسيقا نغمية وأحادية الصوت ومن بالغ الصعوبة
تطبيق القواعد الغربية مثل الهرموني والبوليفوني إلّا على جزء صغير منها،
فكل المقامات الشرقية لها سلالمها الموسيقية المبنية من نغمات ميلودية
معينة وتغنى بصوت واحد (مونودي)، ولكل مقام نغمته الخاصة به التي تغنّى
فتميّزها عن صديقاتها الأخر من النغمات، فتميّز المقام عن بقية المقامات
الأخرى وتكسبه هويته اللحنية الخاصة به.
وبشكل عام يجب ألّا تدخل الطريقة الغربية البوليفونية على نغمات المقامات،
أي الطريقة التعددية التركيبية المتناغمة في الأصوات، لئلّا تفقدها شرقيتها
وخصوصيتها.
والكنائس المشرقية بشكل خاص تشترك مع
المقامات الشرقية بميّزتها الميلودية المونودية، لكن في الآونة الأخيرة
غيّرت بعض جوقات هذه الكنائس الخصوصية الشرقية في إنشادها الجماعي وأدخلت
على غنائها الطريقة الغربية البوليفونية على إنشادها مع مرافقات موسيقية
هرمونية، ولم تعد تحافظ على تقليدها الكنسي أو بدأت على الأقل بعدم
الإلتزام به والخروج عنه، وإحداها هي بعض جوقات الكنيسة السريانية
الأرثوذوكسية.
وتحياتنا لكم
الجزء الرابع عشر
|