خلاصة الكتاب
الاول
اخيرا، بوصولنا الى اوائل القرن العشرين، حيث بدأت دول العالم الكبرى تستعد
للحرب العالمية الاولى، نرى من خلال استعراضنا لتاريخ لبنان، أن ثمة حقائق
كثيرة قد خرجت الى النور، عندما سردت الوقائع من منظار الموضوعية التاريخية
المضافة الى سيرة الشعب اللبناني و تطلعاته في كافة مراحل التاريخ.
فالتحاليل التاريخية الجديدة التي رافقت استعراضنا للحقبات المتتالية، قد
اظهرت صورة لم نألفها من قبل في كتب التاريخ المدرسية الرسمية، حيث موّهت
اهم الوقائع و استبدلت معانيها الحقيقية بأخرى مستوردة.
و نعتقد هنا، أن الالتباس في فهم التاريخ قد ولد العناصر الاهم في التناقض
الحاصل على الساحة اللبنانية.
فالمسلمون يعلمون و يتجاهلون تاريخ المسيحيين. اما الاخرون، فيجهلون
تاريخهم و يجهلون تاريخ المسلمين، و لا يعلمون الا التاريخ الرسمي الذي
توفره لهم دولة الـ 43.
من هنا ندرك كيفية حصول الاصطدام الاول بين الفريقين، عندما يعلن المسلمون
انهم عرب و يضيفون خطاً أن المسيحيين هم عرب ايضا، دون الاخذ بتاريخ
النصرانية المختلف عن تاريخ العرب. اما المسيحيون فيعلنون انهم لبنانيون و
ان المسلمين لبنانيون ايضا رافضين عروبة هؤلاء. و الموقف المسيحي خاطئء
ايضا، حيث ان المسلمين عرب تاريخياً و ينتمون الى الحضارة و القومية
العربية كما رأينا.
من هنا، يمكننا ان نرى فائدة استطلاع التاريخ و فهمه على حقيقته لتجنب
الدخول في اخطاء جسيمة، إنما بديهية، ولكنها الحاجز الاساسي امام التفاهم
بين الاطراف المتصارعة، لأنه بتحديد هوية المتصارعين يمكن حلها و تحديد
المشكلة. و تحديد المشكلة هو المرحلة الاولى من حلها... تاريخ لبنان،
بالنسبة لنا يتخلص تحليلياً في شقين: شق يحتوي على العناصر الثابتة التي
تكونه، و شق يحصر المراحل التي مرت فيها هذه العناصر.
الشق الاول: العناصر الثابتة
1- وجدت في لبنان نتجة
لتحولات مختلفة، مجموعتان حضاريتان، مسيحية و اسلامية. و الوجود هذا ناتج
عن تعددية طبعت الشرق كله منذ الفتح العربي. فالمنطقة المسيحية المشرقية
دخلها عنصر عربي اسلامي، و حولها الى ارض مشتركة لنوعيتين من الوجود، او
الى وجود تعددي.
2- الوجود التعددي
انتج تاريخا متعددا او تاريخين بالتحديد. تاريخ العروبة و الاسلام، وتاريخ
المسيحية الشرقية.
الشق الثاني:
لقد افرز التطور التاريخي حقيقة نستطيع مراقبتها من خلال مرور السنين على
العناصر الثابتة.
الحقيقة هذه تلازم صيغة التعايش بين المجموعتين الحضارتين. نلاحظ أن
المجموعة المسيحية تبدأ دائماً بالاستقلال التام كما حصل عند دخول الجيوش
العربية، و تستمر في هذا الاستقلال، و لكنها تفقده لأسباب مختلفة، اهمها
الوضع الجغرافي و الانساني، كما حصل عند غزو المماليك سنة 1305.
بعد انحلال الاستقلال، يحاول المسيحيون ايجاد صيغة تعيد لهم كيانهم، من
خلال المشاركة بكيان آخر مرحليا، كما حصل ايام الامارة، حتى ينفردوا و
يستقلوا من جديد في وطن قومي لهم شبه مستقل، اي في مرحلة القائمقامية و
المتصرفية.
و لا يلبث هذا الكيان ان يزول، مع الحرب الكونية الاولى.
من جديد يحاول المسيحيون المشاركة في دولة، حتى يستطيعوا يوما ما ايجاد
كيانٍ لهم. نرى هنا، أن ثمة عجلة تدور في خط تاريخي واضح، و تعيد
بالمسيحيين الى كيان مستقل، بعد تجارب عدة. و قد نفهم من هذه الصورة أن
الحقيقة التاريخية، قد فرضت على المسيحيين ايجاد وطن قومي لهم، يعيشون فيه
حضارتهم و ثقافتهم، دونما التعرض الى نكسات و مذابح. و قد علم التاريخ
الاقلية النصرانية في الشرق من خلال اختياراتها المتعددة على طول قرون أن
نهاية توجههم القومي لا تكون الا ضمن دولة مستقلة لهم، تعيدهم الى وعاء
طبيعي، كانوا يعيشون فيه قبل الفتح العربي. فكأنما مغنطيسا تاريخيا جباراً
يشد هذا الشعب الى هدف باطني محدد لا يأبه بالتجارب و لا بالافتراضات و
التركيبات الاخرى.
من هنا يمكننا تشبيه هذه الحركة عند المسيحيين نحو الوطن القومي، بالحركة
عند العرب المسلمين نحو توحيد الامة العربية، و بالحركة عند أي شعب في
توحيده او تحريره او استقلاله، حسب الظروف التي يعيش بها.
فاذا كانت التعددية هي المشكلة الاساسية في تاريخ لبنان و المنطقة،
فالاتجاهات المتباينة التي تتخذها عناصر هذه التعددية في الشرق، تجعلنا
ندرك أن "الوعاء الذي خصص للحضارات العالمية كي تتفاعل"، قد تحول الى وعاء
تتفجر فيه التناقضات في مواجهات دامية.
لذا، فالاتجاه نحو اي تفاهم على نوعية المشكلة في لبنان، لا يجب ان يمر الا
بتفهم الوضع التعددي الانساني. لأن الانطلاق من تاريخ واحد لشعب واحد، لا
يخدم صيغة تعايش مرجوّة بين شعوب متعددة لكل منها تاريخها.
" إن قضية لبنان هي فريدة من نوعها و معقدة
لدرجة يصعب حلها"...
"إن فشل الفكر العالمي، و الغربي خاصة، لحل
القضية اللبنانية، يرجع الى بروز القضية كشواذ ليس له مثيل في العالم، وليس
لهذا الشواذ حل معتمد عالمياً"...
"إن عدم تجانس اللبنانيين بين بعضهم البعض
و عدم التصريح عن اسباب هذا الاختلافات الحقيقية، يدفع العالم الخارجي نحو
تصور القضية اللبنانية كقضية غير طبيعية و أن مطالب أطراف الأزمة اللبنانية
هي مطالب طفيليلة خارجة عن القوانين و المبادىء العالمية الاساسية". |