هيئة الثقافة السريانية ثورة مؤقتة أم ثروة دائمة؟
16/12/2005
الصيف الفائت وأثناء تحضيري لمحاضرة بعنوان "هويتنا الآرامية عبر التاريخ"
تعرّفت
على أعضاء " هيئة الثقافة السريانية" الذين أبدوا إهتماماً وحماساً كبيرين
بموضوع المحاضرة وساعدوني من ناحية التجهيز والمكان وإلخ ...
اليوم وخلال وجودي
في لبنان , سنحت لي الفرصة أن أتعرف عليهم عن كثب . فلقد دعاني الأخوة في
الهيئة
إلى المشاركة في إحدى الحصص التعليمية للغة السريانية . فلبيت الدعوة بكل
سرور ولكم
كانت دهشتي كبيرة لدى مشاهدة عطش ولهفة الشباب اللبناني المسيحي للتعرف إلى
لغة
أجدادة " السريانية " .
خلال الدرس أثر إنتباهي بعض المواضيع وأهمها :
أ-لقد
إندهشت كثيراً , إذ أن أعضاء هيئة الثقافة السريانية ليسوا " ضليعين أو
معلمين
محترفين " باللغة السريانية لكنهم يحاولون بشتى الوسائل المتاحة لهم من كتب
وقواميس
وكمبيوتر لتعليم اللغة السريانية مجاناً تعلموها مجاناً يعلموها , المدهش
أن البعض
منهم لا يزال يتقدم في تعلّمها بهدف تعليم الآخرين .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا
,
هو : كم من الأخوة السريان الآراميين الذين يجيدون اللغة السريانية ,
يعملون
لتعليمها , ونشرها ؟
أتمنى على كل سرياني آرامي يجيد اللغة أن يعلمها بين
الأوساط السريانية التي أستعربت ونسيت جذورها الآرامية .
ب- كان الطلاب من
الجنسين , وعددهم إثنى وعشرين أي على عدد أحرف الأبجدية السريانية , وهم في
رعين
الشباب بحيث تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين
ج-قبل
البدء بالدرس , ضجة خفيفة وهمسات , وما أن يدخل المدرّس حتى يخيم الصمت على
قاعة التعليم . إحترام فائق لهفة للعلم عطش للمعرفة : الأفواه مقفلة ,
الآذان صاغية
,
العيون مسمّرة بالمدرّس . يتعلمون الأحرف السريانية بلذة . طُلب منهم كتابة
أسمائهم ولأول مرة فشرع كل منهم يكتب إسمه بلغة أجداده وكم كانت فرحتهم
كبيرة إذ
استطاع كل منهم القيام بما طلب منه .
د-يُقال إن شبابنا غير منضبط , لكن
هؤلاء أظهروا عكس ذلك , إذ أبدوا إنضباطاً كبيراً , أبدوا إستعدادهم
للتضحية
بأوقاتهم لتعلّم لغتهم الأم وتراث أجدادهم " من له أذنان سامعتان فليسمع "
.
لا
يسعني هنا سوى أن أقدم احترامي وتقديري لهؤلاء الشباب الذين يظهرون القدوة
لمتعطشي
العودة إلى جذورنا .
هـ-وكم هو عتبنا كبير بحيث أصبح القداس السرياني بأكمله
لا يحتوي سوى " الكلام الجوهري " باللغة السرياينة . في وقت يزدادا عدد
الكنائس
التي تفضل تلاوة صلاة " الأبانا " بلغة أبائها السريانية . يجب التوقف عن "
تعريب " القداس والصلوات والتراتيل السريانية . فكيف نحافظ على تراثنا
ولغتنا
وألحاننا السريانية إذا عرّبنا القداس ؟
و-أمنيتنا أن يتعلّم أطفالنا أيضاً
لغة أجدادهم المقدسة !
ولما لا يتعلموها في المدارس ساعة واحدة أسبوعية
تكون كافية
,
البرنامج الدراسي يسمح بذلك , المشكلة ليس مشكلة وقت أو إمكانية لكنها
مشكلة
الرغبة .
علماً أن التلامذة في أوروبا يتعلمون اللغات القديمة كاللاتينية
واليونانية وغيرها فلما لا يتعلم أطفالنا لغة المسيح المقدسة .
إليس من
المنطق أن
يتعلّم أطفالنا لغة أجدادهم وهم صغار ؟
ز-أعضاء " هيئة الثقافة السريانية "
,
يحاضرون دائماً عن تاريخ شعبنا وهويته ولغته السريانية , ويتابعون كافة
المحاضرات
والنشاطات التي تتعلق بتاريخنا ومصيرنا .
إيمانهم بالتاريخ الأكاديمي يجعلهم
يناقشون الموضوع بكل علمية فهم لا يكتفون بالمعرفة فقط – بصراحة أن أغلبية
المثقفين
السريان يعتبرون أن المعرفة وحدها كافية – أما هم فلا , بل يحاولون جاهداً
العمل
على إظهار الحقيقة كما هي .
-طلب
مني الأخوة في " هيئة الثقافة
السريانية " أن أحضر إجتماعم الدوري فلبّيت الطلب مسروراً .
كنا جالسين نتحدث
وإذ بهم يقفون فجأة , فهمت أن عليي الوقوف أنا أيضاً , وكم كانت دهشتي
كبيرة عندما
بدأوا بتلاوة صلاة " الأبانا " باللغة السريانية . وعلمت لاحقاً بأنهم لا
يبدأوا
إجتماعهم قبل تلاوة " الأبانا " وطبعاً بالسريانية .
كم تمنيت أن تكثر في
مجتمعنا السرياني الجمعيات والهيئات التي ترعي بتعلم اللغة والثقافة
الآرامية كما
تفعل " هيئة الثقافة السريانية " .
طوال الاجتماع بقيت ساكناً استمع إلى
مناقشاتهم ومشاريعهم . كنت بين الحين والآخر أتأملهم, معظمهم غير متأهلين
وغير
مرتبطين مما يسمح لهم بالعطاء دون حساب أو مقابل .
فلا شك أن إرتباطاتهم
المستقبلية
سوف تبعدهم عن ميادين العطاء . لقد حملوا مشعل اللغة والهوية السريانية
الآرامية
عالياً .
قهم أشبه بفريق رياضي له محبيه ومشجعيه . فالرياضي يحمل المشعل
لمسافة ,
ويسلّمها لآخر وهنا نحب أن نؤكد لإعضاء " هيئة الثقافة السريانية " أن
الكثيرين من
الشباب السرياني الغيورين سيحملون بدورهم ذلك المشعل .
فيا سريان العالم
تابعوا
وشجعوا " هيئة الثقافة السريانية " وكل هيئة أو مجموعة تعمل لتعليم أو لنشر
تاريخنا العلمي .
أخيراً السؤال هو ما تأثير " هيئة الثقافة السريانية " في
المجتمع المسيحي اللبناني ؟
لا شكّ أن المجتمعات المسيحية تكره عبارة "
ثورة " فهي تنظر إلى الثورات بعين مشككة , ألم تأكل الثورة الفرنسية
أبنائها ؟
ألم تعمّ البلدان النامية ثورات تحت راية النهضة والتطوّر لكنها في المقابل
حوّلتها إلة مجتمعات أشد تخلفاً ! ؟
أما " هيئة الثقافة السريانية " هي ثورة
من نوع آخر فهي ثورة فكرية ترفض التقاليد البالية والتاريخ المزيف .
إنها
ثورة فكرية فاعلة رافضة أن تذوب هويتنا وتعمل على إحيائها . بعض المجموعات
ترفض
التزويب والتعريب ولكنها للأسف تكتفي بترداد عبارة " نحن لسنا عرباً "
بينما " هيئة
الثقافة السريانية " تعمل لإحياء الهوية السريانية الآرامية وكما يردد
الدكتور
اندره كحالة في كتاباته العديدة إذا سألت شاباً أرمنياً عن قوميته فهو لا
يقول "
أنا لست عربياً " بل يقول بكل بساطة " أنا أرمني ".
لا بدّ من الانتظار
لمعرفة مدى تأثير " هيئة الثقافة السريانية " في المجتمع المسيحي اللبناني
,
فالزمان وحده كفيل بالسماح لنا بمعرفة ما إذا كانت هي ثورة دائمة أم غيمة
صيف
عابرة . ولكن في كل الأحوال هي " ثروة " لمجتمعنا المسيحي لأنها بعيدة عن
السياسة
والمآرب الشخصية .
ملاحظات أخيرة :
1- معظم أعضاء " هيئة الثقافة
السريانية " ينتمون إلى الكنيسة السريانية المارونية .
2- يشدد الأخوة على
أنهم ليسوا الوحيدين على الساحة , فهم يذكرون جهود الأب جورج كامل الذي
يعلّم اللغة
السريانية في كنيسة مار يوسف برج حمود , وكذلك وجود " جمعية أصدقاء
اللغة السريانية " ومركزها في منطقة الروضة , وهم على تعاون وتنسيق دائمين
مع جميع
المهتمين باللغة السريانية .
3- يتمنى الأخوة العمل مع قناتي " تيلي لوميار "
و " نور سات " من أجل نشر المعلومات الصحيحة عن هويتنا وتراثنا ولغتنا
السريانية
.
4- حالياً , لديهم مشاريع عديدة , لا يمكنني الأفصاح عنها حالياً فرجاءً
تابعوا نشاطاتهم المستقبلية .
5- إلى ساميا , جانيت , طوني , اندريه , أمين
,
ادغار , جورج , رامي , جهاد , جوزف والآخرين ...
أرجو منكم أن تسامحوني فأنتم
مفخرة لنا , ونحن متأكدون إنكم لن تناموا على أمجادنا الغابرة .
فإن
تضحياتكم
اليوم هي خطوة أولى في رحلة الألف ميل , ونحن متأكدون أنها ستخلق جيلاً
جديداً من
الشباب الذي سيحمل مشعل هويتنا السريانية عالياً مثل ما تفعلون الآن .
ربما بعد
عشرين أو ثلاثين عاماً تستطيعون أن تفتخروا بأنكم حملتم هذا المشعل وبأنكم
أول من
شقّ الطريق , تابعوا ثورتكم الفكرية الشباب السرياني يراقبكم ويتمثل بكم .
شكر العالم كله لا يعبر عن شكرنا لكم .
رابطة الأكاديميين السريان
الآراميين تقول لكم كلمة واحدة " شكراً " .
|