من هم
عسكر الخمسين و ما هي مهمتهم
؟
20130107
قريبا
سنقيم الذكرى المئوية الأولى لتعرض الشعوب الأرمنية و
السريانية
الآرامية و اليونانية لأول حرب إبادة عرفها التاريخ !
و من أجل الدقة
التاريخية على القارئ أن يعلم أن أول شعب تعرض لحرب إبادة
هو
الشعب الأرمني الشقيق
!
سوف أنشر عدة أبحاث حول هذا الموضوع المهم " سيفو أو حرب
الإبادة
GENOCIDE
التي تعرض لها أجدادنا السريان خلال الحرب
الكونية ( الأولى)
!
هل تعلمون أن المؤرخين ظلوا في العشرينات و الثلاثينات من
القرن
الماضي يطلقون تسمية " الحرب الكونية" على المعارك التي دارت
بين
سنتي ١٩١٤ و ١٩١٨ م و لكنهم بعد إندلاع الحرب في نهاية سنة١٩٣٩
صاروا يصفون الحرب العالمية بالأولى لأنهم خاضوا حربا
عالمية كبرى ستعرف بالثانية
!
الشعب الأرمني الأصيل و الشعب السرياني الآرامي الأصيل سيقيمان
"
الذكرى المئوية الأولى" و قد يتبعها في المستقبل البعيد "
الذكرى المئوية
الثانية ثم الثالثة..." سنناضل من أجل أن تعترف تركيا بحرب
الإبادة
و من أجل التعويضات ( الأملاك, الأراضي ,الكنائس...) فمن له
أذنان
سامعتان فليسمع
!
أتمنى من كل سرياني و أرمني غيور أن ينشر و يوضح للآخرين
ما هي حرب الإبادة التي تعرض لها أجدادنا لأن الكثيرين لا
يعرفون
و بالتالي لا يشعرون معنا بفداحة ما تعرض له أجدادنا الأبرياء
!
أولا
- أوضاع السلطنة العثمانية في بداية القرن العشرين
.
أ - ضعف السلطنة و تلقيبها بالرجل المريض
في بداية القرن السادس عشر كانت السلطنة العثمانية من أقوى دول
العالم فالسلطان سليم الأول ينتصر على المماليك في معركة مرج
دابق
سنة ١٥١٦م و يستولي على الشرق و بلاد مصر .
أما ابنه و خليفته
سليمان الملقب بالقانوني فسوف يحتل مناطق عديدة من أوروبا :
صربيا
ثم هنغاريا و أخيرا بلاد البوسنة و كرواتيا ... و في سنة ١٥٢٩
م سوف
يحاصر مدينة فيينا و لكنها ستصمد رغم تفوق الجيش العثماني
...في
القرنين الثامن و التاسع عشر ستصبح السلطنة دولة ضعيفة
لا تستطيع أن تدافع عن ممتلكاتها و لقبت بحق " الرجل المريض "
في
أوروبا فإستقلت اليونان و نرى جيوش علي باشا بقيادة إبنه
ابراهيم
باشا تنتصر في عدة معارك على جيوش السلطنة و لولا التدخل
الأوروبي
لوصلت جيوش مصر الى العاصمة الإستانة نفسها
...بدأت
الدول الأوروبية (بريطانيا و فرنسا) تستولي على ممتلكات
السلطنة :
عدن , الكويت , السودان , قبرص , الجزائر , تونس
...و
كانت هذه الدول تؤمن الحماية للسلطنة العثمانية ضد الأطماع
الروسية بإستعادة القسطنطينية و الوصول الى المياه الدافئة
!
ب - التحالف الألماني العثماني
لقد إنتصرت بروسيا سنة ١٨٧١ م على فرنسا و حققت وحدتها
الألمانية و إسترجعت بالقوة مقاطعات الألزاس و اللورين من
فرنسا
!
و قد أعلنت بروسيا في ١٨ كانون الثاني وفي قصر فرساي قرب باريس
تحولها الى " إمبراطورية ألمانية " !
و قد أصبحت خلال بضعة سنوات
من أقوى دول أوروبا عسكريا و إقتصاديا
!
سنة ١٩٠٨ نجحت جمعية أو حزب الإتحاد و الترقي في خلع السلطان
عبد الحميد الثاني و عدلت الدستور العثماني و قد ألزمت
المسيحيين في الخدمة في الجيش العثماني .
و لكن رغم المساعدات
الألمانية فأن السلطنة ستفقد ليبيا سنة ١٩١١ و ستخسر حروبها في
البلقان سنة ١٩١٢ مما سيدفع حزب الإتحاد و الترقي الى إتباع
سياسة
جديدة و هي المعروفة ب
Pantouranisme
أي سياسة " تتريك
"العثمانيين
!
متوهمين أنهم يستطيعون النجاح في سياستهم كما فعلت
بروسيا سنة ١٨٧١
!
ج - أسباب دخول السلطنة العثمانية في الحرب الكونية ( الأولى)
لقد تأخر العثمانيون في إعلان إنضمامهم الى جانب
الإمبراطوريتين
الألمانية و النمساوية و كانوا يتوهمون أن تأخيرهم في دخول
الحرب سوف يفاجئ الروس
!
كان حزب الإتحاد و الترقي يخطط إلى
:
أ - إسترجاع قناة السويس
لأهميتها الإقتصادية و الستراتيجية
.
ب - القضاء المبرم على الشعب
الأرمني الذي إنتشر بين نخبه
مناضلون يؤمنون بهويتهم الأرمنية و يرفضون ظلم السلاطين و
سياسة التتريك...
ج - الرهان على إنتصار ألمانيا و
الإستفادة من إندحار روسيا المرتقب
و إسترجاع بعض المناطق في القوقاز التي كانت خاضعة لها سابقا
!
ثانيا
- ما هي خطة الحكومة العثمانية للقضاء على الشعب الأرمني ؟
أ
-
على القارئ أن يعرف ما هو الفرق بين التعبيرين " مجزرة " و "
حرب
إبادة " أي
genocide .
لقد عرف التاريخ القديم و الوسيط و الحديث
مجازر عديدة و كانت بأغلبيتها الساحقة ضد فرق من الجيوش العدوة
أو ضد جماعات مناوئة و قد تكون هذه المجازر مخطط لها كما حدث
في مجزرة أبي فطرس سنة ٧٤٩ م حيث قضى العباسيون على الأمراء
الأمويين !
و قد تكون بعض تلك المجازر " ردة فعل " غير مخطط لها
كما حدث لبعض الوحدات الأميركية التي كانت تحارب في الفيتنام... (تعرض
الجنود لكمين في ضيعة فيتنامية و مقتل بعض المقاتلين كان
يؤدي بعض الأحيان الى ردة فعل رفاقهم و الإنتقام من أهالي
القرية
(و
لكن حرب الإبادة هي عمليات مخطط لها و على فترات زمنية عديدة
من أجل قتل شعب بأكمله من نساء و أطفال و حتى الرجال الطاعنين
في السن
!
ب - الأرمن و حركة الإصلاح في
السلطنة العثمانية
كان الشعب الأرمني مشهورا بفن صناعة الذهب و الجلد و غيرها و
كانت جالية كبيرة منهم قد إنتقلت الى إستنبول و سميرنة من أجل
العمل في الصناعات و الإدارات و كان يقدر عددهم بحوالي ٢٥٠ ألف
نسمة
!
رقي الشعب الأرمني دفعه الى المطالبة بالإصلاحات في عهد
السلطان
عبد الحميد الثاني فأمر بإرتكاب المجازر بهم بين سنتي ١٨٩٤
و١٨٩٦و قد ذهب ضحيتها عشرات الألوف من الأرمن و السريان
الأبرياء
!
و لكن بعد وصول حزب الإتحاد و الترقي و سياسة التتريك الظالمة
للشعوب غير التركية , صار المفكرون الأرمن معرضين لسياسة القمع
من السلطة و فريسة سهلة للعامة
!
ج - إتهام الشعب الأرمني
بالتعامل مع العدو الروسي
...لا
شك هنالك تقارب مذهبي أرثودكسي بين الشعبين الروسي و الأرمني !
و كانت النخبة الأرمنية تعرف جيدا أن تقربها من روسيا
سيكون حجة لإرتكاب مجازر جديدة بحق الشعب الأرمني كما حدث
سنة ١٩٠٩ في أضنة !
و قد عبروا عن إنتمائهم للسلطنة العثمانية
و دعوا لها بالتقدم و الإزدهار ولكن في كانون الثاني سنة ١٩١٥
مني
الجيش العثماني الهاجم في جبال القوقاز بخسائر فادحة سمحت
للجيش
الروسي في التوغل في أراضي السلطنة العثمانية عشرات
الكيلومترات
!
أسرعت الحكومة العثمانية بإتهام الشعب الأرمني بالتعامل و
التسلح من
قبل روسيا !
إن مجرد هذا الإتهام بالتعامل مع روسيا هو دعوة للشعب
للإنقضاض على الأرمن
!
د - إلقاء القبض على المفكرين
الأرمن
بين ٢٣ و ٢٤ نيسان سنة ١٩١٥ تم إلقاء القبض على بضعة مئات
من المفكرين الأرمن (عددهم يتراوح بين ٢٠٠ و ٦٠٠) من سكان
العاصمة إستبول و تم قتلهم لاحقا
!
بعد القضاء على الرأس عمدت الحكومة العثمانية الى القضاء على
الرجال الأرمن الذين يخدمون في الجيش العثماني في فرق خاصة
!
و كان هؤلاء قد إنضموا الى الجيش العثماني منذ بداية الحرب و
في
أغلب الأحيان في فرق غير مسلحة تعمل في النقل أو تصليح الطرق
!
بعض الشهود من السريان أو حتى من الألمان الذين كانوا يدربون
الجيش العثماني يؤكدون أن الفرق الأرمنية في الجيش العثماني قد
تم قتل جميع أفرادها غدرا
!
بعد قتل النخبة من الشعب الأرمني و الغدر بشبابهم الذي يخدم
في الجيش العثماني جاء دور النساء و الأطفال و المسنين
!
ه - الإدعاء بنقل الأرمن من
مناطقهم لقربها من الجبهة الروسية
!
يعيش الشعب الأرمني منذ أكثر من ٣٠٠٠ سنة في أراضيهم التاريخية
و قد إنتقلت بعض العائلات الى المناطق المجاورة كدياربكر و
أورفا
و كيليكيا .
نستطيع أن نلخص تواجد الشعب الأرمني في القسم
الشرقي
في السلطنة العثمانية في سبعة ولايات, أربعة منها قريبة من
الحدود
الروسية و هي :
طرابزون و فان و أرزوم و بتليس و ثلاثة هي
بعيدة
و أهمها دياربكر و خربوط
...
لقد وجهت الحكومة العثمانية أوامر الى رؤساء الولايات و
السناجق
القريبة من الحدود الروسية أن يجمعوا سكان القرى في قوافل و
نقلهم
الى سوريا لقربهم من الجبهة
!
ثالثا - كيف تم القضاء على بقايا الشعب الأرمني ؟
أ- هنالك عدة وثائق تاريخية
كتبها شهود لتلك الحرب المشؤمة و أشهرها
كتاب " القصارى في نكبات النصارى " بقلم شاهد عيان و هو في
الحقيقة من تأليف الأب إسحق أرملة سنة ١٩١٩
!
في زيارتي الأخيرة للمكتبة التابعة للرابطة السريانية في بيروت
وجدت
كتابا جديديا عنوانه باللغة الفرنسية
:
Documents concernant Mardine
(1915).
و هو من تأليف
إذا صح التعبير السيد أو السيدة
P.V.M.
و هو كناية عن نشر عدة
شهادات لأناس عايشوا تلك الأحداث ... هذه الشهادات تلقي الكثير
من
الأضواء حول كيف تم نقل النساء و الأطفال الأرمن ( أو بالأصدق
كيف تمت عملية إبادتهم ...) نستطيع أن نترجم عنوان الكتاب الى
اللغة العربية " وثائق تتعلق بماردين ١٩١٥م"
ب - هنالك ثلاث وثائق باللغة
العربية ( اللهجة الماردينية ) مع ترجمة
فرنسية لها و وثيقة مهمة باللغة الإنكليزية هي مذكرات للمايجور
E.Noel ...سوف
أعتمد على الوثيقة الأولى و عنوانها " ماردين كما
أعرفها " من تأليف السيد ابراهيم كسبو١٨٩٩-١٩٨٧م ثم الوثيقة
الثانية و عنوانها " مذكرات حول ماردين ١٩١٥ " و هي من تأليف
السيد
A.H.B.
١٨٩٣-١٩٨٩
)
الشاهد هنا لا يذكر إسمه الحقيقي
.(
قبل
الإجابة على الأسئلة حول " عسكر الخمسين " أحب أن أشير
أن وثيقة السيد
A.H.B
هي أدق من وثيقة السيد كسبو لأنها في
كثير من الأحيان تذكر إسم المسلح الذي أخبر عن كيفية القضاء
على بعض القوافل
!
ج - من هم عسكر الخمسين ؟
يذكر السيد
A.H.B
أن الحكومة العثمانية بعد القضاء على أرمن
دياربكر أوكلت مهمة القضاء على الأرمن في ماردين الى ممدوح بك
الذي سافر في أيار ١٩١٥ الى ماردين و إجتمع بزعمائه و شيوخها
و طلب منهم ( صفحة ٧٦ ) " كل واحد منكم عنده رجال لا يعرفون
الرحمة يكونون قساة القلوب , يكونون ظالمين بدون رحمة , حتى
نشكل
عسكرا بسم عسكر الخمسين لاجل الفتك بالأرمن رجالا و نساء و
هجرالعائلات
".
و
في الصفحة ٧٧ يذكر السيد
A.H.B "
زعماء عسكر الخمسين هم
الشيخ نوري الأنصاري و طاهر الاأنصاري و فؤاد كرجيه... و مقدار
الجنود خمس ماية جندي .
و الحكومة أسندت لهم حمل السلاح داخل
البلدة و كانوا يراقبون رجال المسيحيين
..."أما
السيد ابراهيم كسبو فهو يسميهم صفحة ٢٤ " و إنتشر بالمدينة
الشرطة و جنود المليس ( الميليشيا ) الذين البسوهم لتنفيذ هذه
المجزرة
الرهيبة
"
د- كان أغلب الشباب و الرجال
العثمانيين يخدمون في الجيش و بما
أن أعداد الشرطة القليلة العدد لا تسمح لهم بمراقبة و جمع و
نقل
الأرمن في قوافل تتنقل خلال أيام طويلة فأوجودوا هذه الميليشيا
التي
عرفت بعسكر الخمسين , لا شك لأن أعمارهم كانت تقارب الخمسين
!
ه - مهمتهم كانت واضحة جدا و هي
في المرحلة الأولى جمع الرجال
الأرمن ( حوالي ٥٠٠ ) ثم نقلهم الى دياربكر و لكنهم سيقتلونهم
جميعا
بعد سلبهم و إهانتهم !
و كثير من الأحيان كان وجهاء ماردين المسلمين مديونين لبعض
الأغنياء الأرمن فكانوا يحرصون على قتلهم للتخلص من ديونهم
أيضا
!
بعض الملاحظات حول تصرفات عسكر الخمسين
:
أ - إنهم من سكان ماردين نفسها و هم جيران و بعض الأحيان شركاء
للوجهاء الأرمن
!
ب - رغم عشرتهم للأرمن و للسريان لسنوات طويلة و رغم أعمارهم
فإن قلوبهم المتحجرة لم تشفق على النساء و الأطفال فقد فتكوا
بهم
بدون رحمة
!
ج - إن عسكر الخمسين هو الذي قاد قوافل النساء و الأطفال نحو
مناطق سكن العشائر الكردية للقضاء على من بقي حيا...
د - كل قافلة كانت بحوالي ٥٠٠ من الشعب الأرمني بحراسة ١٥٠من
الشرطة و عسكر الخمسين و تحت مسؤولية أحد الشيوخ و المهمة
هي قتل الجميع بعد مسيرة ثلاث أو خمسة أيام !
و لكن الطمع بالمغانم
)
الذهب و الساعات ...) و حتى الثياب كان يدفعهم الى الإنقضاض
على النساء و الأطفال و الطاعنين في السن بعد خروجهم من ماردين
بثلاث ساعات و يحرقون الجثث لإخفاء جريمتهم الشنيعة
!
|