اسباب إستقلال الكنيسة السريانية الآرامية المناهضة لمجمع
خلقيدونيا 451 م
ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إستقلال
(1) الكنيسة السريانية - الأرامية المناهضة لمجمع خلقيدونيا 451 م؟ لقد
تَرددتُ كثيراً قبل أن أختار هذا الموضوع عن الكنيسة السريانية
الأرثوذكسية, لأن المؤرخين مختلفين حول التسميات القديمة لهذه الكنيسة,
وخاصةً حول التسمية المونوفيزتية والأسباب الحقيقية التي دفعت بهذه الكنيسة
نحو الإستقلال والإنفصال عن الكنيسة الواحدة بعد مجمع خلقيدونيا451م.
نُلاحظ اليوم أن خلاف المؤرخين حول التسميات قد خَفّ كثيراً ويصف المتخصصون
في تاريخ هذه الكنيسة أنها "مناهضة لخلقيدونيا"(2)
Anti-Chalcédonienne
. لا توجد اليوم دراسات تصف أبناء هذه الكنيسة بالهراطقة أو أصحاب الطبيعة
الواحدة وذلك بسبب الدراسات العديدة التي تثبت "ارثوذكسية" أبناء هذه
الكنيسة. فما هي أسباب إنفصال أبناء هذه الكنيسة عن الكنيسة الانطاكية
الأم؟
يختلف رأي المؤرخين حول هذا الموضوع:
1-التيار العقائدي:
يرى أن الخلافات العقائدية خاصة حول طبيعة يسوع المسيح, هي السبب الحقيقي
لإنفصال هذه الكنيسة.
2-التيار القومي:
يَرى أن الأسباب القومية أي الإنتماء إلى الشعب السرياني هو العامل الرئيسي
لإنفصال السريان. أغلبية مؤيدي هذا التيار هم من المتخضصين في تاريخ
الأمبرطورية البيزنطية, ويّدعون أن السريان إستعملوا الخلافات العقائدية
كقناع كي يستروا مطاليبهم القومية وهي الإستقلال والإنفصال عن الإمبراطورية
البيزنطية! إلى الصراع الثقافي والعلمي بين الشعب السرياني والحضارة
اليونانية ففي تقريظة لمار أفرام, كتب مار يعقوب السروجي (3) أي: كان (مار
أفرام) خطيباً مشهوراً فاق اليونانيين في كلامه. أي: هذا الذي صار إكليلاً
للإمة الأرامية جمعاء.
(1) إنني أُفضل تعبيير "إستقلال" على تعبيير "إنشقاق".
(2) في أوائل وأواسط القرن العشرين إنتشر تداول تسميات "مونوفيزتية" "أتباع
سويريوس" و"يعاقبة" إلخ ...
(3)MAR,
J.P., A metrical homily on holy Mar Ephrem by Mar Jacob of Saroug in
PATROLOGIA ORIENTALIS .
Tome 47 - N 209 (1995) p. 64 et 32
.
2- أغلب مؤرخي الكنيسة يؤيدون التيار العقائدي, ولكن المشكلة تكمن في
إعتمادهم الكُلّي على المصادر اليونانية , التي لم تكن منصفة في حق الكنائس
المناهضة لمجمع خلقيدونيا. في المصادر السريانية إشارات عديدة ...
ـ فهل أهمل التيار العقائدي حساسية السريان ضد اليونانين؟ أو لم يأخذها
بعين الاعتبار؟
ـ هل تناسى إنتماء أبناء الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا إلى
الأمة الآرامية العريقة؟
لم يعتمد التيار القومي المصادر السريانية, وبالتالي لم يقدم أي براهين
تُثبت إن الشعور القومي السرياني هو العامل الرئيسي لإستقلال هذه الكنيسة .
مؤيدي هذا التيار يَدّعون بأن أغلبية السريان كانوا مناهضين لمجمع
خلقيدونيا , وإن أغلبية اليونانيين كانوا مؤيدين لتعاليم هذا المجمع, أي أن
الصراع لم يتوقف في الأمور الكنسية وحسب بل تحوّل إلى صراع قومي: "السريان
ضد اليونانيين". فالمسألة التي ما برحت تنتظر جواباً تكمن في تحديد نوعية
الصراع الذي أدّى إلى إستقلالية هذه الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا: هل هو
صراع قومي أم صراع عقائدي؟
أولاً : أسباب إختيار الموضوع والمنهجية المتبعة .
قبل أن أتحدث عن تطور الدراسات حول الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع
خلقيدونيا في القرن العشرين, أريد أن أشير إلى "أهمية" هذا الموضوع اليوم
وإلى أسباب أختياره وأخيراً إلى المنهجية العلمية التي سوف أتبعها :
1- أهمية الموضوع :
أ-
الموضوع يعالج بطريقة غير مباشرة رؤية الأباطرة البيزنطيين إلى الكنيسة .
فألإمبرطورية البيزنطية هي واحدة إذن يجب أن تكون الكنيسة هي أيضاً واحدة
(مفهوم واحد وإيمان واحد). فشل هذه النظرية سوف يجبر الأباطرة إلى إضطهاد
المخالفين في الرأي مما سيؤدي إلى استقلال الأقباط والسريان والأرمن فيما
بعد.
ب -لا
يوجد حتى اليوم أي بحث علمي حول "الأسباب الحقيقية" لإستقلال الكنيسة
السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا. ولا نعرف هل الأسباب كانت قومية أم
عقائدية ؟
ج-
الموضوع يُلقي الأضواء على وضع المسيحيين في الشرق قبل دخول العرب إليه.
ويساعدنا على "فهم" الأسباب التي دعت السريان, سنة 636 م لفتح أبواب مدنهم
وقراهم أمام العرب. لا يوجد اليوم أية دراسة علمية حول النتائج التي
أفرزتها الإنقسامات الدينية في الكنيسة السريانية وفي الشعب السرياني .
هـ-
أخيراً سنحاول تصحيح المعلومات الخاطئة التي لا تزال "منتشرة" حتى اليوم
حول التسمية السريانية والتسمية اليعقوبية والتواجد السرياني في الشرق
وخاصةً الدور الكبير الذي لعبه البطريرك سويريوس.
2- أسباب إختياري لهذا الموضوع :
أ-
المشكلة مطروحة منذ سنة 1916 عندما ربط "وودوارد" - كما سنرى في القسم
الثاني- بين الإنشقاقات الكنسية والحركات القومية. بعد دراسات عديدة
وإستناداً إلى النصوص السريانية وجدت "حلاً علمياً " لهذه المشكلة .
ب-
الرد العلمي على المؤرخين المتخصصين في تاريخ الأمبرطورية البيزنطية (4)
الذين ما برحوا يؤكدون أن الأسباب القومية هي المحرك الرئيسي لإستقلال
السريان. يجب "الرد" على هذه الإدعاءات التي تزوّر تاريخنا المسيحي الشرقي.
ج-
إن إنتمائي إلى هذه الكنيسة السريانية يدفعني لإيجاد الحلول العلمية
الموضوعية للمشاكل المطروحة.
3- المنهجية العلمية المتبعة :
أ-
المنهجية هي ضرورية لكل بحث علمي. فنحن لم ولن نتأثر بالآراء التي لا تقدم
البراهين المسندة إلى نصوص علمية. سنرى في القسم الثاني بعض كبار المؤرخين
الذين أيّدوا التيار القومي بدون أن يقدموا البراهين العلمية.
ب-
سوف نعتمد على المصادر السريانية لمعرفة \"الأسباب الحقيقية\". اللغة
السريانية ليست عائقاً كوني أُجيد اللغة السريانية الفصحى. لقد وجدت بعض
المصادر السريانية المنشورة ككتاب \"حياة القديسين الشرقيين\" للمؤرح يوحنا
الأفسسي (5) وخاصة حياة يوحنا برافتونيا (6) التي تلقي أضواء جديدة على
تاريخ الكنيسة السريانية في هذه المرحلة.
ج-
للوصول إلى أهدافنا المرتجات , قسمّنا الموضوع كما يلي :
- القسم الأول : من هم السريان ؟
أولاً أود أن أعرّف بالآراميين وهم أجداد السريان, والتسمية السريانية
وأخيراً أن أوضح معضلة الانتشار السرياني في الشرق
القسم الثاني : معارضة مجمع خلقيدونيا 451 - 518 م .
من المهم جداً أن نعلم أن المعارضة كانت حول المفاهيم المسيحانية الايمانية
والعقائدية. أن الصراع في هذه الفترة كان حول تفسير قانون الوحدة 482 م
الخاص بالإمبرطور زينون ، كان مطابقاً أو مغايراً لتعاليم مجمع خلقيدونيا ؟
(4)
MASPERO(J) , VASILIEV (A.A) , STEIN (E) et STRATOS (A.N) -.. Jean
D'Ephèse , vies des saints orientaux dans Patrologie Oriental Tome 19 .
(5) Vie de Jean Bar Aphtonia , Ed et trad NAU (F) dans la
bibliographique Orientale ,Tome 2 (6)
القسم الثالث : الإضطهادات ضدّ مناهضي خلقيدونيا وبداية الإستقلال الذاتي
518 - 538 م .
لقد حاول الإمبرطور يوستان الأول 518-527 م فرض تعاليم خلقيدونيا بالقوة
على مطارنة الشرق وإجبارهم بقبول منشور البابا هورميزدا حول الإيمان . هذا
الإضطهاد العنيف لاقى مقاومة شديدة من قبل مناهضي مجمع خلقيدونيا. (عندنا
أسماء 52 مطراناً فضّلوا التخلي عن كراسيهم وعدد كبير من الأديرة حيث أُجبر
الرهبان على التشرد ...). وهنا نؤكد أن الإضطهاد لم يكن لأسباب قومية , وفي
المقابل المقاومة لم تكن قومية بل حول العقيدة المسيحانية. هذا "الإضطهاد"
سوف يكون السبب الرئيسي الذي سيدفع بالبطريرك سويريوس بالسماح لرسامة
الشمامسة والكهنة إلى جانب الكهنة الخلقيدونيين , أي الخطوة الأولى نحو
بداية الاستقلال الذاتي . وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن البطريرك سويريوس
المناهض لمجمع خلقيدونيا كان يونانياً، وفي المقابل كان أفرام الآمدي
بطريرك أنطاكيا الخلقيدوني 527 - 544 م " سريانياً ", وهو الذي لعب دوراً
كبيراً في طرد البطريرك سويريوس من القسطنطينية سنة 536 م وهو نفسه أيضاً
الذي قام بالإضطهادات العنيفة في شتاء 537 م .
القسم الرابع : الإستقلال التام وتحوّل الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا إلى
كنيسة سريانية وطنية 538 - 636 م .
المطران يعقوب البرادعي يعيد تنظيم الكنيسة سنة 553 م (رسامة خليفة لسويروس
سنة 557 م). إن سياسة الإضطهادات الدينية التي مارسها الأباطرة البيزنطيون
نجحت في إستمالة سكان المدن ، وفشلت في القرى والأرياف، مما سيسمح للكنيسة
المناهضة لمجمع خلقيدونيا بالإنتشار في المناطق البعيدة عن المدن أي بين
أبناء الشعب السرياني .المُلفت أن الإحتلال الفارسي لسوريا بين سنتي 614 و
628 م سوف يوقف الإضطهادات البيزنطية وسيسمح لأبناء هذه الكنيسة السريانية
بالإستقلال التام. تُرى ماذا سيكون موقف أبناء هذه الكنيسة من الجيوش
العربية التي ستحاصر مدنهم بعد سنة 636
تَطوّر الدراسات حول الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا
]
عتبر العالم "نو"
"NAU\"
من طلائع المؤرخين الذين دافعوا عن أرثوذكسية السريان , وذلك لإعتماده على
المصادر السريانية فهو يؤكد في مقالته المشهورة: "لم يكن اليعاقبة يوماً من
أتباع أوطيخا" (7) ,أما \"جوزيف لوبون" فإنه يمييز بين المونوفيزتية
الفعلية والمونوفيزتية الإسمية , وأعتبر السريان "مونوفيزيتيين بالإسم" (8)
فقط
.
كتب المؤرخ "شتاين" : "إن العقيدة الإيمانية عند المونوفيزتيين هي نفسها
عقيدة سوريوس الإنطاكي, أما التنظيم الذي بفضله صمد إلى يومنا هذا في مصر
وسوريا فهو يعود إلى يعقوب البرادعي, وإنه لمن الأصح ألاّ يسمى هذا التنظيم
بالكنيسة السوريوسية بل بالكنيسة اليعقوبية" (9)
يعتقد "شتاين" أن الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا قد سميّت "يعقوبية" بفضل دور
ونشاط يعقوب البرادعي .المؤرخ "فان روي" (10) يؤيد هذه الفكرة
.
من الملاحظ أن خصوم(11) هذه الكنيسة كانوا يسمونها "يعقوبية" ويدرجونها ضمن
البدع المانوية , الأريوسية والنسطورية وغيرها
.
ذكر البطريرك ميخائيل الكبير في تاريخه : " كثيرون كانوا يؤيدون فكرة يعقوب
الطاعن في السنّ , لأنهم كانوا متعلقين به , ولهذا السبب أُطلِقت عليهم
تسمية اليعاقبة" (12).
NAU(F) , dans quelle mesure les jacobites sont-ils monophysites ?
(7) Dans Revue de l’Orient Chrétien T-10 , p. 131 .
LEBON(J) , le monophysisme Sévérien … P. 15 note (3)
(8)Stein (E) , Histoire du Bas Empire . T-2 , p-626 .
(9)VAN ROEY (A) , les débuts de l’église jacobite dans , Das Konzil Von
Chalkedon
(10)T-2, p-339-60
Nicephore Callistas . H.E dans P.G. T-147 col 438 citée par BUNDY(D.D)
(11) Jacob Baradeux , dans le MUSEON .
MICHEL LE SYRIEN , chronique , livre X , chap XIII P-324 .
(12)
-7-
ما ذكره البطريريك ميخائيل الكبير هو نصف الحقيقة , أما الحقيقة الكاملة
موجودة في تاريخ يوحنا الأفسسي(13), فهو عاصر هذه الأحداث وكتب عنها ,
ويُخبرنا عن إختلاف يعقوب البرادعي مع البطريرك بولس حول امور داخلية
متعلقة ببطريركية الأسكندرية , فإختلاف أبناء هذه الكنيسة بين مؤيّد ليعقوب
البرادعي ومؤيّد للبطريرك بولس.
تسمية "اليعاقبة" جاءت من هذا الخلاف وليس بسبب نشاط وتنظيم الكنيسة بواسطة
يعقوب البرادعي
!
لا يتفق البعض مع ما ذكره "شتاين" و "فان روي" حول دور يعقوب البرادعي في
"تنظيم" الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا فالبطريرك سويريوس ظلّ, بعد طرده من
كرسي أنطاكيا سنة 518 م, يدير شؤون الكنيسة, وهذا واضح من رسائله العديدة
التي وصلتنا فكان على علاقة مع الرهبان السريان بواسطة برافتونيا رئيس دير
مار باس (14) وهو الذي سَمح ليوحنا التلي برسامة الكهنة والشمامسة (15)،
وأخيراً البطريرك سويريوس هو الذي أخذ القرار "باستقلالية" الكنيسة
المناهضة لخلقيدونيا
.
المتخصصون في تاريخ الكنيسة السريانية المناهضة لخلقيدونيا يؤكدون إن
الخلاف حول العقائد المسيحانية بين الفريقين لم يكن "جوهرياً", لا بل نحن
نرى بعض المؤرخين القدماء قد أشاروا في كتاباتهم إلى هذا الخلاف "السطحي".
المؤرخ أفاغر من القرن السادس الميلادي أشار إلى عدم إدراك بعض التعابير:
"أن يقال من طبيعتين, يُفهم بأنه مُركّب من طبيعتين" (16) كان مناهضي
خلقيدونيا يعتقدون أن الخلقيدونيين يؤمنون بوجود "طبيعتين" عند يسوع المسيح
وبالتالي فهم كالنساطرة يؤمنون بوجود : يسوع الإنسان ويسوع الإله طبعاً
الخلقيدونيون لم يؤمنوا بهذه العقيدة
أكّد القديس يوحنا الدمشقي من القرن السابع بأن اليعاقبة: "قد أبتعدوا عن
الإيمان الكاثوليكي بحجة مجمع خلقيدونيا, أما في سائر الأمور فهم أرثوذكس"
(17)
JEAN D’EPHESE . H.E Livre IV Chap.17 .
(13) JEAN , vie de Sévère , P-25
(14) JEAN D’EPHESE , vies des saints orientaux , P-316 (15)
EVAGRE , HISTOIRE , II (5) (16) Saint JEAN DAMASCENE.
DE HOER , 83 P.G C X IV citée par MASPERO(S), (17) Histoire des
Patriarches P-12 .
-8-
يجب أن لا نستغرب بما كتبه " جيجي ": " المونوفيزتية (عند سويريوس) كانت
انقساماً أكثر من أن تكون بدعة , كانت خلافاً في الكلمات أكثر من أن تكون
إختلافاً في العقائد" (18).
نقل " ماسبورو " هذه الفكرة في تاريخه: " على كل الأحوال المونوفيزتية
(سويريوس) ليست ببدعة ولكنها فكرة إنقسامية فقط "
.(19)
"
جيجي" كتب وقصد إنقسامات داخل الكنيسة, سرعان ما يحّولها "ماسبورو " إلى
فكرة إنقسامية داخل الامبراطورية البيزنطية "كان الأقباط يكنّون ضد الحكومة
البيزنطية كراهية عنصرية من شعب إلى شعب أخر" (20) .
لقد أخطأ "ماسبورو" عندما إعتبر السريان والأقباط شعبين عنصرييّن يعارضان
الأمبرطورية البيزنطية . فحتى أواخر القرن السادس الميلادي كان المسيحيون
في القسم الشرقي للأمبرطورية البيزنطية : الأقباط , الأرمن , اليونانيون
والسريان 000 يشـعرون بأنهم جميعاً متحدين لأنهم ينتمون إلى الشعب المسيحي
(21).
من المهم جداً أن نعرف ما هو المقصود بهذه " الفكرة الإنقسامية " ومتى ظهرت
عند مناهضي مجمع خلقيدونيا؟
أ-
هل هي إستقلال ذاتي كنسي؟ مثل إستقلال الكنيسة السريانية الشرقية في
الأمبراطورية الفارسية في آواخر القرن الخامس
.
ب-
هل هي إستقلال كنسي- قومي مثل الكنيسة الأرمنية ؟
ج-
هل هي الإستقلال الوطني للسريان والإنفصال عن الامبرطورية البيزنطية كما
ذكر "فاسيليف" (22).
"خلف
الخلافات الدينية التي تزداد صعوبة , بدأنا نرى بشكل واضح ظهور الخلافات
الوطنية خاصة في سوريا ومصر، رويداً رويداً , تبنّت الشعوب الوطنية في مصر
وسوريا فكرة الإنفصال عن بيزنطيا وأرادت تحقيقها".
د-
أخيراً هل "فكرة الإنفصال" هي سبب أم نتيجة لوجود الكنيسة السريانية
المناهضة لمجمع خلقيدونيا؟
JUGIE , La primauté romaine d’après les premiers théologiens
monophysites
(18) Dans Echos de l’Orient , T-33 P. 181 .
MASPERO (J) , Histoire des patriarches P. 11
(19) IBID P-114 .(20)
FREND (W.H.C) The rise of monophysisme P. 70
(21) VAISILIEV (A.A) Histoire de l’Empire Byzantin , T-1 , P. 135(22)
-9-
إن جميع هؤلاء المؤرخين لم يقدموا , أية نصوص سريانية تؤكد نظرياتهم
.
شتاين إعتبر المونوفيزتية مثل "القناع" (23), إستتر خلفه التيار الشعبي
والقومي, ولكن للأسف بدون أية براهين تماماً مثل "وودوارد" (24) الذي
يُعتبر أول من ربط بين الإنشقاقات الكنسية والحركات القومي. وكان "وودوارد"
(25) قد رأى "شعوراً قومياً" عند السريان ضدّ الأقباط وذلك بعد خلافهم
الداخلي بين "البولسيين" و "اليعاقبة"
!
نلاحظ أن "ويغرام" (26) في كتابه عن الكنيسة السريانية قد رَفض فكرة
الإستقلال لأسباب قومية
!
أما "جونس" فهو بالحقيقة يُعتبر أول من تصدى للتيار القومي, وقد قدّم عدة
أسباب أو براهين من أهمها عدم خيانة السريان (27) للبيزنطينيين أو مساعدتهم
للفرس خلال الحروب في عهود يوستنيان ويوستان الثاني وطيبر الثاني 0 وخاصة
عدم وجود فكرة الإستقلال في كتب المؤرخين السريان المونوفيزتيين
.
سنة 1973 قدّم "فوبيس" المختص في السريانيات دراسة حول بدء الكنيسة
المونوفيزتية ذكر فيها: "يوجد عند السريان شعور قوي جداً بالوعي الذاتي من
أجل الإستقلال" (28) , وخاصة أنه يؤكد أن هذه "الرغبة" في الإستقلال موجودة
في كل المصادر السريانية
.
نحن الآن على خلاف جديد حول المصادر السريانية بين جونس الذي يؤكد عدم وجود
فكرة الإستقلال في المصادر السريانية وبين فوبيس الذي يؤكد وجود هذه
الأفكار من المؤسف أن فوبيس, لكي يؤكد أفكاره الجديدة, يطلب منا العودة إلى
كتبه بشكل عام، وبالتالي لم يقدم لنا نصوصاً سريانية تؤكد بوضوح وجود الوعي
الذاتي من أجل الإستقلال
.
أخيراً رغم تقدم وتطور الدراسات التاريخية العلمية حول المواضيع المتعلقة
بالشعب واللغة والكنيسة السريانية, فنحن لا نزال حتى اليوم لا نعرف الأسباب
الحقيقية لنشأة الكنيسة السريانية المناهضة لمجمع خلقيدونيا ومن هنا أهمية
هذا الموضوع
.
STEIN (E) , Histoire du Bas Empire , T-2, P-389 .
(23) WOODWARD(E.L), Christianity and Nationalism in the later Roman
Empire P-VI . (24) IBID P-64 .
(25) WIGRAM(W.A) The Separation of the Monophisites P-65 .
(26) JONS (AHM) , were ancient heresies national or social movements in
disquise ?
(27) dans JTS(1959) p-298 .
VOOBUS (A) , The origin of the Monophysite Church in Syria and
Mesopotamia ,(28) dans , Church History T-42 (1973) P-17 .
-10-
الأسئلة التي تُطرح الآن
:
أ -
هل توجد نصوص جديدة تؤكد التيار القومي أو التيار العقائدي ؟
ب-
هل نستطيع اليوم أن نتبع أحد التيارين ونرفض الأخر ؟
ج-
هل نستطيع إستناداً إلى المصادر السريانية أن نجد " حلاً " لهذه المشكلة ؟
خلاصة
:
نأمل أن نقدم الأجوبة العلمية لكل هذه الأسئلة , إستناداً إلى المصادر
السريانية التي تلقي الأضواء حول بداية الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا
وتطورها وتحولها -عبر مراحل- إلى كنيسة سريانية وطنيةّ , وأن نصحّح بعض
المعلومات الخاطئة حول "الخلقيدونيين"؛ هنالك شبه إجماع على كونهم من
العنصر اليوناني, وهذا الأمر صحيح في آسيا الصغرى وبلاد اليونان, أما في
الشرق فالأكثرية الساحقة من أتباع خلقيدونيا هم من السريان! يجب أن لا ننسى
البطريرك أفرام الآمدي 527-544 م السرياني الذي لعب دوراً كبيراً ضدّ
السريان مناهضي مجمع خلقيدونيا, وكذلك رهبان دير مار مارون السريان في
سوريا الثانية, بصمودهم ضد تعاليم سويريوس, وبالتالي فالخلافات العقائدية
لم تقسّم الكنيسة وحسب , بل قسّمت أيضاً الشعب السرياني في الشرق
.
أخيراً نأمل أن نقدم البراهين التي تثبت أن الشعور الوطني عند السريان لم
يكن " سبباً " بل " نتيجة " لقيام الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا.
|