هل اسم سوريا هو يوناني مشتق من إيسوريا
Isauria
؟
لقد
طلب مني أحد الإخوة أن أطلع و أعلق على موضوع تاريخي ثقافي
كتبه
الأستاذ تيسير خلف عنوانه " سوريا وأسماؤها المتعددة
".و
قد ورد حرفيا ما يلي"عريبي:
الاسم
الذي أطلقه الآشوريون على منطقة غربي بلاد الرافدين، ويعني اتجاه الغرب ثم
أصبح يخص منطقة البادية السورية تحديداً من جنوب حلب إلى تدمر إلى حوران.
سوريا:
الاسم
الذي أطلقه اليونان على المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الاقليم اليوناني
القديم إيسوريا الواقع إلى الشمال من منطقة حلب. وكان سكان هذا الاقليم في
غالبيتهم من الآراميين فعمت التسمية اليونانية من هذا المنطلق على كامل
المنطقة التي أصبح اسمها سوريا اشتقاقاً من إقليم إيسوريا، ولا علاقة للاسم
بآشور كما تذهب تخمينات بعض الباحثين أو تخريجاتهم اللغوية.. سوريا تسمية
يونانية محضة."
قبل
التعليق حول صلب الموضوع أود أن أشير الى أن بعض المفكرين
هم
متأثرون جدا بالمفاهيم المنتشرة في مجتمعاتهم و يحاولون إيجاد
براهين
تاريخية ( إن وجدت ) لمفاهيمهم الخاطئة...
السيد
تيسير خلف يتكلم عن سوريا القديمة كأنها كانت موجودة كما هي
اليوم
و قد يكون متأثرا بالتعابير التي درجت حديثا مثل " سوريا الكبرى"
و "
سوريا الطبيعية " . و من المؤسف إنه لم يكن دقيقا عندما ذكر
أن
السومريين قد أطلقوا تعبير " مرتو " و الأكاديين تعبير " عمورو
" و
هي تعني الغرب على سوريا القديمة و الأصح إنها اطلقت هذه
التسميات على المناطق الواقعة غرب نهر الفرات الذي كان يلعب دورا
كبيرا
عبر التاريخ كحدود طبيعية بين العراق و سوريا القديمة
.
أولا - إن نهر الفرات هو النهر الأهم في نظر
الشعوب القديمة لأن العلاقات التجارية كانت تتم عبره . أما نهر دجلة فإنه
لم
يكن
مهما جدا كما كان نهر الفرات و غير صحيح أبدا أن النهرين
دجلة و
الفرات كانا يؤلفان حدودا تاريخية أو جغرافية أو طبيعية لبلاد
إسمها
" بلاد ما بين النهرين
" !
من
يريد البراهين أرجو أن يراجع بحثي " بيث تهرين تسميتها - موقعها - حدودها "
على هذا الرابط
http://www.aramaic-dem.org/Henri_Kifa/History_of_the_Orient/1993.htm
ثانيا
-إن
أهمية نهر الفرات عند الشعوب القديمة تظهر لنا عندما
نعرف
إن منطقة الجزيرة السورية كانت تعرف في
المصادر السريانية
ب "
بيت نهرين " و هي المنطقة الواقعة بين الفرات الأوسط و رافده
البليخ
ثم إمتدت التسمية الى نهر الخابور و وصلت الى نهر دجلة
فيما
بعد . و لكن هذه التسمية " بيت نهرين " هي ترجمة لتسمية
أكادية
قديمة هي
mat biritim
ki
أو
birit
narim
و هذه
التسميات
الجغرافية لم تطلق يوما على العراق القديم !
أو
بمعنى أخر أن مدن
بلاد
أكاد و بلاد أشور لم تكن تقع في birit
narim أو
بيت نهرين
!
الجدير
بذكره هنا هو أن العالم اليوناني
Pliny
the Elderفي
كتابه
the
Natural History قد
ذكر أن مسوبوتاميا هي البلاد
الواقعة بين نهري دجلة و الفرات :
المؤسف
في هذا الأمر هو
أ
- إن مطرانية مشهورة في بطريركية أنطاكيا كان اسمها بيت
نهرين
باللغة
السريانية و مسوبوتاميا باللغة اليونانية و هي الجزيرة السورية
.
ب -
لقد ورد في نصوص سريانية مكتشفة حديثا ما معناه " أن مدينة
الرها
هي ام المدن ( عاصمة ) في بيت نهرين" : و هذا يؤكد ما يعرفه
كل
مطلع على تاريخ السريان العريق
.
ج -
مشكلتنا هي أن علماء الآثار في بداية القرن العشرين قد إصطلحوا أن يطلقوا
تسمية " مسوبوتاميا " على العراق القديم متوهمين أن ما ذكرهPliny
the Elder هو
حقيقة
تاريخية!
ثالثا - أهمية نهر الفرات هي لأنه كان "
النهر " الذي يفصل بين منطقتين مهمتين و هما سوريا القديمة و الجزيرة
السورية. نهر الفرات في أسفله لم يكن يكون حدودا بين سوريا القديمة و بين
بلاد أكاد لأنه في الواقع أن بادية سوريا هي التي كانت حاجزا بين المنطقتين!
على
القارئ أن يعلم أنه في التاريخ القديم لم تكن قوافل التجار تتنقل بين مدينة
بابل و دمشق عبر البادية السورية و لكن عبر طريق تجاري صعودا على محازاة
نهر الفرات حتى بلوغ الجزيرة السورية و من هناك يتم عبور نهر الفرات ثم الى
مدينة حلب ثم جنوبا الى دمشق
.
للتذكير
فقط : إن الأكاديين قد أطلقوا تسمية" عمورو " على سوريا القديمة و حتى على
البحر الأبيض المتوسط فهو بحر " عمورو
"!
و
لكنهم أطلقوا لاحقا تسمية على سوريا القديمة هي
" mat
ebirtim"
و
"eber
narim" وقد
تم كشف تسمية
ebirtim
في
الكتابات الملكية لمدينة ماري ،اما تسمية
eber
narim فهي
مذكورة في التوراة والكتابات الفارسية القديمة. و
"eber
narim" تعني
" بلاد عبر النهر " و طبعا
النهر هو الفرات
!
رابعا
- لقد ذكر الأستاذ تيسير خلف"عريبي:
الاسم الذي أطلقه الآشوريون على منطقة غربي بلاد الرافدين، ويعني اتجاه
الغرب ثم أصبح يخص منطقة البادية السورية تحديداً من جنوب حلب إلى تدمر إلى
حوران."
رأي
الاستاذ خلف هو خاطئ للأسباب التالية
:
أ -
لم يطلق الأشوريون تسمية "عريبي " على أي منطقة في سوريا القديمة
.
ب -
إسم
"عريبي
" لم يرد في الكتابات الأكادية كتسمية جغرافية و ليت الأستاذ خلف يذكر لنا
من أين أخذ هذه الفكرة
!
ج -
لقد استخدم الأشوريون عدة تسميات للإشارة الى سوريا و قد ذكرتها في أبحاثي
و هي " بلاد عمورو " و " بلاد حاثي " و " بلاد آرام
"و
لكنهم لم يستخدموا هذه التسمية
"عريبي
" لأن العرب لم يكونوا من سكان سوريا القديمة
.
د -
لم يطلق الأشوريون تسمية
"عريبي
" على البادية السورية و لكن تسمية " نباطو " و هي من أشهر القبائل
الآرامية
.
ه - قد
يكون الأستاذ خلف قد خلط بين
"عريبي
" و التسمية الآرامية"
بيت
عربايا ". فتسمية بيت عربايا قد وجدت في عدة نصوص آرامية في مدينة حضر غرب
بلاد أشور القديمة و هذه التسمية حسب أهم العلماء الذين درسوا نصوص حضر
تعني البادية و ليس العرب
!
و -
نحن لا نلوم الأستاذ خلف لأننا وجدنا عددا كبيرا من السريان يرددون أن بيت
عربايا هي دليل على وجود العرب في الجزيرة السورية.
و من
المؤسف إنهم يشجعون التفسيرات الخاطئة: فسكان بيت عربايا و عاصمتها مدينة
نصيبين كانوا آراميين لفترة أكثر من ٢٠٠٠ سنة و أشهرهم مار افرام السرياني
!
خامسا
- هل اسم سوريا هو يوناني مشتق من إيسوريا
Isauria
؟
كتب
الأستاذ خلف
"
سوريا:
الاسم الذي أطلقه اليونان على المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الاقليم
اليوناني القديم إيسوريا الواقع إلى الشمال من منطقة حلب. وكان سكان هذا
الاقليم في غالبيتهم من الآراميين فعمت التسمية اليونانية من هذا المنطلق
على كامل المنطقة التي أصبح اسمها سوريا اشتقاقاً من إقليم إيسوريا، ولا
علاقة للاسم بآشور كما تذهب تخمينات بعض الباحثين أو تخريجاتهم اللغوية..
سوريا تسمية يونانية محضة."
هذا
النص يحتوي على أخطاء جغرافية و معلومات تاريخية خاطئة
:
أ -
إن إيسوريا تقع في وسط آسيا الصغرى و تفصل بلاد كيليكيا بينها و بين سوريا
الشمالية
.
ب -
سكان إقليم
إيسوريا
Isauria
هو شعب
هندو أوروبي و ليس شعبا آراميا كما يفهم من هذا النص. و إن كان بعض قدامى
اليونانيين قد ادعوا بوجود شعب سرياني في وسط الأناضول فمن واجب الباحث
الأمين أن يتحقق قبل أن يتبنى هذه الادعاءات.
ج -
لقد لعب الإمبراطور البيزنطي زينون ٤٧٤- ٤٩١م دورا كبيرا في تاريخ
الاختلافات العقائدية بين مؤيدي و مناهضي مجمع خلقيدونيا سنة ٤٥١م . كان
الإمبراطور زينون ينتمي الى عائلة إيصورية عريقة.
لقد
اطلعت على جميع المصادر السريانية التي تذكر هذا الإمبراطور الذي ساعد
مناهضي مجمع خلقيدونيا و المدهش أنه في اللغة السريانية أن المنتمي الى
الإيصوريين كان يسمى
" ܐܣܘܪܝܐ
"و
هذه اللفظة قريبة جدا من سرياني "ܣܘܪܝܝܐ"
!
إن
تقارب الإسمين لا يعني أن نظرية الأستاذ خلف هي صحيحة
:
*الشعب
الإيصوري له تاريخ عريق ليس له أية علاقة مع الآراميين السريان
.
*انتشار
الآراميين في الشرق القديم لهو معروف و حسب المعلومات المتوفرة حاليا أن
مملكة سمأل ( زنجرلي ) هي أبعد مملكة آرامية في الشمال
...
*إن
لا أحدا من العلماء السريان قد ادعى أن الإمبراطور زينون الإيصوري هو آرامي
أو سرياني
!
د -
إن الاسم السرياني قد أخذه قدامى اليونان من التسمية الإدارية أسورستان و
كانوا يكتبونه تارة
Syria
و طورا
Assyria!
و هنالك عدة نصوص يونانية تذكر أن كيليكيا تقع على أبواب
تارة
Syria و
طورا Assyria
! و
هذا أكبر برهان أن اسم سوريا مشتق من التسمية
الإدارية الفارسية اسورستان و ليس من قدامى الأشوريين كما يدعي بعض السريان
الذين تنكروا لهوية أجدادهم
.
ه -
هنالك عدة نصوص إدارية فارسية و بعدة لغات حول المرزبانات الإدارية
. و اذا راجعنا هذا الرابط سنجد أن الفرس قد أطلقوا تسمية اسورستان
Assyria
على
شرقنا
http://www.livius.org/sao-sd/satrap/satrap.htm
للتذكير
الشعب الأشوري لم يسمي شرقنا " بلاد أشور
"
الخاتمة
صحيح
إنني أوافق رأي الأستاذ خلف بأن اسم سوريا ليس له علاقة بالشعب الأشوري
القديم الذي انقرض منذ أكثر من ٢٥٠٠ سنة و لكن اسم سوريا له علاقة قوية مع
التسمية الإدارية الفارسية أسورستان!
غير
صحيح أن اسم سوريا مشتق من أيسوريا كما كتب الأستاذ خلف!
تأكيد
أن تسمية سوريا هي تسمية يونانية محض هو غير دقيق لأن قدامى اليونانيين قد
أخذوها من تسمية إدارية فارسية موجودة
!
و
لكن يصح أن نقول أن اليونانيين قد عمموا تسمية سوريا التي كانت مرادفة
للآراميين و هذا واضح جدا في الترجمة السبعينية لأسفار التوراة:
فحين
نرى نص التوراة العبرية يتكلم عن هدد عدري ملك آرام نرى النص اليوناني
يترجمه الى " هدد عدري ملك سوريا
"!
|