ما هي لغة الموارنة القديمة؟
أهدي هذا المقال الى جميع الأخوة الموارنة
الذين يناضلون مثلنا لإحياء اللغة السريانية
بين جميع مسيحيي لبنان بشكل خاص و بين مسيحيي
شرقنا الحبيب بشكل عام .
قبل ذكر الجواب البديهي العلمي أحب أن أؤكد أن
ما أذكره قد وقع فعلا لي و نظرا لإلحاح بعض
الإخوة سوف أنشر هذا الموضوع و إنني أكيد أن
رفاقي ( ١٩٧٨) في الجامعة اللبنانية الفنار
يتذكرون هذا الموضوع ...
أخيرا الغاية الأولى هي النقد البناء ...
كما أن لي هدف غير مباشر و هو الرد على أحد
الإخوة الذي ذكر لي " لما تقول أن الدكتور
صوما هو باحث أكاديمي نزيه !
فكل باحث في التاريخ يجب أن أكاديميا ..."
سأسرد حادثة وقعت معي تثبت أن بعض الباحثين
يزيفون التاريخ من أجل مبادئهم السياسية .
أولا : ما هو الموضوع الذي و بعد ٣٤ لا يزال
عالقا في ذاكرتي ؟
*
سنة ١٩٧٨ كنت في السنة الثانية في قسم التاريخ
و كان عندنا سبع مواد إو مواضيع تاريخية في
برنامجنا الدراسي.
كان رئيس قسم التاريخ بنفسه يلقي علينا درس
تاريخ لبنان الوسيط .
و كنا نهتم كثيرا في هذا الموضوع لأن استاذنا
الدكتور (...) كان رئيس قسم التاريخ و كان من
المؤيدين لأحد أكبر الأحزاب اللبنانية
المسيحية في ذلك الوقت !
*
لقد ركز كثيرا الدكتور (...) على موضوع
الإختلافات بين العرب القادمين الذين إحتلوا
أراضي لبنان حسب قوله (الإسم التاريخي في ذلك
الوقت لتلك المنطقة كان فينيقيا الأولى أو
فينيقيا الساحلية ) و سكان لبنان و كان يسميهم
تارة الموارنة و طورا السكان الأصيلين .
*
الإختلافات الرئيسية هي كما كتب على اللوح :
الديانة الإسلامية للعرب و الديانة المسيحية
لسكان لبنان , ثم الجغرافيا العرب قادمون من
الصحراء بينما سكان لبنان يعيشون في مناطق
جبلية دفعتهم للدفاع عن حريتهم !
*
هل يرى القارئ إختلافا جوهريا بين العرب و"
الموارنة " سنة ٦٣٦م؟
أنا السرياني الشاب ( ٢٢ سنة ) الطالب الجديد
في علم التاريخ رفعت يدي و قلت و بكل ثقة " يا
أستاذ هنالك إختلاف جوهري و هو اللغة فالعرب
يتكلمون اللغة العربية بينما الموارنة يتكلمون
اللغة السريانية !".
لم يعلق الأستاذ على ما أنا ذكرت و لا أعرف
إذا رفاقي قد نقلوا تعليقي أم لا ...
ثانيا : المشكلة إمتحانات آخر السنة ( صيف
١٩٧٨ )!
*
مثل الوزنات ... كل إنسان عنده مواهب عديدة
كما ورد في الإنجيل :
منهم عشر وزنات و منهم خمس وزنات و أخيرا وزنة
واحدة فقط .
لقد كنت أشعر في تلك السنة أنه يجب أن أنمي
معرفتي في التاريخ و أحصل على علامات عالية
تسمح لي أن أكون من المتفوقين كي أكمل تحصيلي
العلمي في فرنسا.
*
كانت مادة " تاريخ لبنان الوسيط " تأخذ مني
كثيرا من الوقت ربما لأن أستاذي الدكتور (...)
له نظرة سياسية لتاريخ لبنان أكثر من أن تكون
أكادمية فطبعا لم يذكر يوما أن الموارنة هم
سريان و عندما تكلم عن المردة لم يذكر أيضا أن
علمهم كان رسم صليب مكتوب عليه باللغة
السريانية " بك نطعن أعدائنا "!
*
عندما كنت أراجع دروسي وقع نظري على موضوع "
الإختلافات بين العرب و الموارنة " و فجأة
تذكرت أن أستاذي لم يعلق أي لم يؤيد و لم ينف
مما دفعني أن أسأل نفسي " و إذا طرح نفس
الموضوع في الإمتحان ماذا تجيب يا هنري الشاطر
؟ ".
أعتقد أن من يعرفني عن كثب يعرف ما هو الجواب
!
*
حظي السعيد !
نعم ثم نعم السؤال مطروح في أسئلة الإمتحان و
قد أجبت كل ما علمنا إياه الأستاذ (...) و قد
ذكرت أيضا (أنظروا كم كنت شاطرا) أن الموارنة
كانوا يتكلمون السريانية لغتهم الأم بعكس
العرب!
هدفي كان بسيطا جدا (ليس فقط النجاح كما كان
يفكر غالب الطلاب) و لكن الحصول على أعلى
علامة ممكنة!
*
هل كان حظي تعيسا أم أن أستاذي (...) لم يكن
نزيها!
لقد نجحت في ست مواد و حصلت على أعلى علامة في
ثلاث مواد و ثاني علامة في ثلاث مواد و لكنني
رسبت في مادة " تاريخ لبنان الوسيط "!
و هذه كانت المرة الوحيدة التي أسقط فيها خلال
دراستي في الجامعة اللبنانية (٤ سنين ليسانس و
سنتين ماجيستر).
*
لقد أجبرت في نهاية صيف ١٩٧٨ على إعادة تقديم
إمتحاني في مادة تاريخ لبنان الوسيط و بالرغم
من تمضية الصيف في التحضير فإنني كنت خائفا أن
يسأل مرة ثانية حول هذه المواضيع الحساسة التي
يحاول الموارنة تجاهلها !
الشكر لله لقد نجحت في الإمتحان الثاني و أشفق
علي أستاذي (...) و أعطاني علامة ٥٠ على مائة
أي أقل علامة حصلت عليها في الجامعة !
الخاتمة
سألني صديقي : " هل تكلمت مع أستاذك و شرحت
الأمر له ؟ "
لقد كنت حزينا جدا لحصولي على هذه العلامة ٥٠
على مئة و لكنني لم أشعر بالرغبة في فتح
الموضوع مع ذلك الأستاذ ربما لأنني كنت في تلك
الفترة مؤمنا مسيحيا متشددا.
لقد حققت الكثير من أهدافي و كنت من المتفوقين
في قسم التاريخ و حصلت على منحة دراسية
(دكتورا دولة لخمس أعوام) و سافرت الى باريس
في نهاية سنة ١٩٨٢ و كنت.
أذهب الى الكنيسة المارونية في قلب باريس
و قد إلتقيت في صالون الكنيسة بعدة أساتذة لي
و طبعا سلمت عليهم بحرارة لأنهم كانوا يطلبون
لقائي!
في أحد الأيام كنت في صالون الكنيسة و إذا بي
ألتقي وجها لوجه بأستاذي الدكتور (...) و طبعا
مررت بالقرب منه بدون أن أسلم عليه لأنني
تعرفت في جامعة السوربون على أساتذة أمينين
لعلم التاريخ !
أخيرا ما هو الجواب على السؤال " ما هي لغة
الموارنة القديمة ؟ "
الجواب العلمي هو اللغة السريانية و أكثرية
ساحقة من الموارنة تتجاهل هذه الحقيقة ربما
لإخفاء تخاذلها في تعليم اللغة السريانية (
على الأقل ) في مدارسها الخاصة!
أشكر الله بأنني تعرفت على عشرات الشباب من
الموارنة الذين تعلموا اللغة السريانية و
يعلموها بدورهم و هم يؤمنون بأننا جميعا ننتمي
الى شعب واحد و لنا لغة أم واحدة هي اللغة
السريانية الآرامية!
|