هل تبقى اللغة الأرامية ضحية الفكر العروبي
المزيف؟
لقد نشر كاتب غير باحث في تاريخ الشرق و غير
متخصص في تاريخ اللغات الشرقية مقالا حول
اللغة الأرامية عنوانه " اللغة الآرامية..
* نشأتها ومراحل تطورها" و صاحب هذا المقال
المليئ بالأخطاء التاريخية هو د. هايل دعيسات
.
المقال موجود على هذا الرابط
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=
\Supplement2\2010\04\Supplement2_issue925_day23_id
230802.htm
اولا - هذه الكمية و النوعية من الأخطاء تؤكد
لنا ان دكتورا هذا الكاتب ليست في تاريخ الشرق
و إلى القارئ المثقف هذه الملاحظات :
أ - بعض العروبيين المتطرفين يدعون ان الشعب
السومري الهندو اوروبي هو عربي و لكن صاحب هذا
المقال قد عدد الشعوب:
" التقدم الحضاري الذي قام على أكتاف
الأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين
والآموريين والآراميين والكنعانيين والنبطيين
والتدمريين وغيرهم."
* لا يوجد شعب بابلي و لكن تسمية اطلقت على
الآراميين سكان
بلاد أكاد في الألف قبل الميلاد .
* الشعب العموري هو اقدم من الكلدانيين و
الأراميين .
* الشعب الكنعاني قد ظهر على مسرح التاريخ بعد
العموريين
و لكنه سبق الآراميين .
* الانباط مثل التدمريين هم من الشعب الأرامي
و كانت لغتهم الام هي الأرامية و لكن اختلاطهم
بسبب قربهم بالعرب سوف يدفعهم الى الانصهار
بالعرب في فترة ظهور الاسلام.
ب - كتب صاحب المقال " ليدل على اللغات التي
تكلمها المستوطنون في الأرض الخصيبة " . تعبير
غير دقيق لانه لا يوجد " لغات آرامية" بل لغة
آرامية واحدة مع " لهجات مختلفة" .
و كان من
الافضل ان يستخدم لفظة " الآراميون" بدل "
المستوطنون" لان شرقنا الحبيب كان آراميا
بسكانه و ليس بناطقين باللغة الآرامية .
ج -كتب صاحب المقال " وعندما انهارت
الإمبراطورية الآشورية مع نهاية القرن السابع
قبل الميلاد تحت ضربات التحالف الميدي
الكلداني ، ازدادت أهمية الآرامية كلغة
دبلوماسية دولية وأصبحت تشكل مع الإمبراطورية
الاخمينية إحدى لغات الأدب والإدارة والحكم
بخطها اليدوي."
*يجب ان نميز بين لغة شعبية و لغة رسمية
دبلوماسية .
*لقد كان الاراميون يشكلون اكثرية في الشرق
القديم لذلك كانت اللغة لآرامية الاكثر
انتشارا في اواخر عهد الاشوريين .
* الكلدان و بالرغم من انتمائهم الآرامي و من
ان لغتهم الام هي الآرامية فانهم حافظوا على
اللغة الاكادية كلغة رسمية في كل انحاء دولتهم
.
* استخدام الفرس للغتنا الآرامية كلغة رسمية
قد ساعد على خلق لغة و خط موحد و لكن هذا لا
يعني ان سكان افغانستان كانوا يتكلمون اللغة
الآرامية !
د - يردد صاحب المقال بعض النظريات الخاطئة
مثل قوله :
" ولإسم آرام هذا ، أو آرامي ، صلة بالسمو
والسيادة والارتفاع ، وقد أطلقت هذه الكلمة في
بادئ الأمر على المنطقة الشمالية لبلاد
الرافدين" ان اسم آرام لا يعني السمو و لا
السيادة و لا الإرتفاع و لم تطلق هذه التسمية
على اية مناطق مرتفعة لانه في النصوص الآرامية
القديمة ان الأرض كانت تكتب " ارق" و ليس "
ارع".
ه- اخطاء تاريخية بالجملة "عود هذه النقوش في
أغلبيتها إلى القرنين التاسع والثامن قبل
الميلاد ، وقد نقشت بالقلم الكنعاني الجنوبي
مع بعض المفردات الآرامية ومن بينها: نص منقوش
على مذبح نذري عثر عليه في غوزانا (تل حلف
حالياً في سورية) ، والتي كانت عاصمة لمملكة
بيت بختياني الآرامية ويعود تاريخها إلى القرن
التاسع قبل الميلاد.
ونص مسلة زاكير ، ملك
مملكة حماة الآرامية. وقد وجدت المسلة في آفس
الواقعة بالقرب من سراقب جنوبي حلب ، ويرجع
تاريخها إلى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد."
*ان الكتابات المكتشفة في شمأل زنجرلي في
كيليكيا كانت متأثرة بالأبجدية الكنعانية اما
الكتابات التي ذكرها صاحبنا فهي مكتوبة
بالأبجدية و اللغة الآرامية .
*بيت بخياني و ليس بختياني و يعود تاريخها الى
القرن العاشر و ليس التاسع .
*مسلة زاكير تعود الى اواخر القرن التاسع و
ليس أواسطه .
ز - كتب صاحب المقال " صوص منقوشة على عدة
مسلات اكتشفت في منطقة (السفيرة) جنوبي شرقي
حلب ، وتعود إلى منتصف القرن التاسع قبل
الميلاد."
هي ثلاث نصوص آرامية لغة و كتابة و مترجمة الى
عدة لغات مع دراسات تاريخية و لغوية قيمة.
تاريخ هذه النصوص يعود الى أواسط القرن الثامن
و ليس اواسط القرن التاسع كما ذكر...
ح - معلومات من القرن التاسع عشر ؟
ذكر صاحب المقال " هنا نود أن نلقي أضواء على
ما بقي متداولاً حتى هذا اليوم من الآرامية.
فما زال قسم من السكان القاطنين بين بحيرة
"وان" الواقعة جنوب شرقي تركية وبحيرة
"أورميا" في إيران وهم ينطقون لهجات آرامية
ويعتنقون المذهب النسطوري (نسبة إلى الكاهن
نسطوريوس بطريرك القسطنطينية 386 ـ 451 م الذي
نادى بمبدأ الطبيعتين الإلهية والبشرية(.
*يبدو ان صاحب المقال يجهل ان السريان
النساطرة قد هجروا من اراضيهم التاريخية في
منطقة حكاري خلال الحرب العالمية الاولى.
*كما يبدو انه يجهل ان نسطوريوس كان بطريرك
القسطنطينية ولا داع لذكر انه كاهن .
ط - كتب ايضا " يحتفظ المسيحيون اليعاقبة
(أنصار المفكر الديني يعقوب بارادوس الذي نادى
بوحدة طبيعة المسيح) الذين يقيمون في جبال طور
عابدين الواقعة بين نصيبين وديار بكر بلهجة
آرامية".
*الكاتب د. هايل دعيسات يجيد نقل المعلومات
الخاطئة من مراجع اجنبية فالقديس يعقوب
البرادعي يصبح يعقوب بارادوس !
*الكنيسة السريانية الآرامية الوطنية تتحول
الى انصار مفكر ديني !
*الشعب السرياني الآرامي الذي كان يشكل اكثرية
ساحقة و لمدة اكثر من 2000 عام يحصر جغرافيا
في طورعبدين!
ثانيا - تعريب قسري للشعوب الشرقية القديمة !
ليس معيبا ان يرتكب الكاتب و المفكر بعض
الاخطاء التاريخية لانه لا يتحقق من المعلومات
التي ينقلها من هنا و هناك . نحن سعيدون
لإهتمام العالم بتاريخ و اهمية اللغة الآرامية
و لكن د.
هايل دعيسات يتكلم عن اللغة الآرامية
التاريخية كأنها " اخت" للغة العربية بينما هي
اقدم منها بحوالي 1300 سنة و هي من الاصح "
ام" للغة العربية. و لكن الاخطر ان هذا الكاتب
يردد طروحات الفكر العروبي الذي يدعي بدون
براهين ان كل الشعوب القديمة هي عربية !
كتب د. هايل دعيسات :
"ما كان للبدوي العربي الناشئ بين ظمأ رمال
الصحراء ووهج الشمس ليستوقفنا لو لم يكن قد
أدهش البشرية بعد أن استقر في أكاد وبابل
ونينوى وماري وأوغاريت وإبلا وتدمر والبتراء ،
وغيرها من المدن العربية القديمة ، واندمج في
نسيجها الاجتماعي ليحقق التواصل والتفاهم في
المجتمع والحياة."
أ - ندرة المعلومات عن المناطق التي هاجرت
منها الشعوب القديمة الاكاديون و العموريون و
الكنعانيون و الآراميون، قد دفعت بعض الباحثين
الى إطلاق عدة نظريات لمعرفة من اين انطلقت
تلك الهجرات ؟
ب - في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن
العشرين اشتد الخلاف الفكري حول معرفة من اين
انطلقت الشعوب القديمة ؟ و اذا انطلقت من شبه
الجزيرة العربية فهل كانت تلك الشعوب عربية ؟
ج - الفكر العروبي لا يتابع تلك النقاشات
الاكادمية التي تبحث عن الحقائق المجردة
وبالتالي يدعي اصحاب الفكر العروبي ان الشعوب
القديمة قد هاجرت من صحراء الجزيرة العربية و
لذلك هذه شعوب عربية اللسان و الهوية !
د - الجمل " سفينة الصحراء " يفضح طروحات
العروبيين المزورة !
إذا كان الاكاديون هم من
العرب القدامى فالسؤال هو لما لم يستخدموا
الجمال في ترحالهم ؟ ان اقدم ذكر للجمال يعود
الى اواسط القرن التاسع قبل الميلاد حيث ورد
ذكر الف مقاتل عربي يمتطون الجمال ويشاركون في
التحالف الآرامي ضد الاشوريين في معركة قرقر !
ه - الشعوب الشرقية القديمة لم تستخدم الجمال
و هذا اكبر برهان على انها من سكان بادية
سوريا و ليس الصحراء العربية !
ان كتابات
مدينة ماري / ابوكمال تتحدث عن تنقلات هذه
الشعوب وهي تبرهن لنا ان الآراميين هم سكان
الشرق الأصيلين .
الخاتمة
بعض العروبيين يتظاهرون بالاهتمام بتراثنا
الآرامي ولكنهم لا يفعلون شيئا من اجله وهم
يريدون تعريب تاريخ الشعوب القديمة مدعين ان
دول الغرب قد قسمت الامة العربية خاصة بعد
معاهدة سايكس بيكو وان " علماء اوروبا" يدعون
- بدون براهين - ان الاكاديين ليسوا عربا !
ان العلوم تتقدم و تتطور في الغرب ومنها علم
التاريخ . نحن نتمنى نهضة علمية في الدول
العربية خاصة علوم التاريخ واللغات الشرقية
القديمة و الآثار حتى يهتم المسؤولون في
تراثنا و حضارتنا الآرامية .
ملاحظة مهم هنالك فرق كبير بين العربي الاصيل
الذي يعرف تاريخه و يريد المحافظة على عاداته
و تقاليده القيمة و بين " العروبي" الذي هو في
اكثر الاحيان لا ينتمي الى العرب الحقيقيين
فيحاول تعريب كل الشعوب القديمة من اجل
القضايا العربية !
ألف تحية لكل عربي اصيل يحترم تاريخ الشرق
الاكاديمي و من يدعي ان الشعوب القديمة هي
عربية فتاريخ الجمال العربية تفضح جهله و
تطرفه ! |