الخط السرياني في بحث فيليب دي طرازي
060716
لقد انتشرت كتب و ابحاث العالم فيليب دي طرازي بين المثقفين السريان .
لقد اعيد
طبع كتابه المشهور " عصر السريان الذهبي " ثلاث مرات و ذلك لأهمية أبحاثه و
ربما لعطش المثقفين السريان لمعرفة تواريخ أجدادهم . من الملاحظ ان كتابات دي
طرازي تعتمد على المصادر السريانية والمراجع العلمية ، و كان يحاول توعية
السريان و بث الروح القومية بين مثقفيهم وكان من ضمن مجموعة من العلماء السريان
مثل قداسة البطريرك افرام برصوم و الأب اسحق ارملة،الذين تمسكوا بجذورهم
الآرامية .
ذكر دي طرازي في مقدمته هذا التعبير " الأمة الآرامية السريانية " كما ذكر ايضا
" لعل ذلك الماضي المجيد يبعث في هذه الأمة روح اليقظة و النهضة ...
نشر موقع حضارتي السريانية النشيط فصلا من كتاب عصر السريان الذهبي وعنوانه "
الخط السرياني " نحب ان نعلق على بعض الافكار و شرح بعض التعابير و تصحيح بعض
المعلومات الخاطئة التي وردت في هذا البحث .
لقد دعت رابطة الاكادميين السريان الاراميين الى اعتماد النقد العلمي البناء
،
فأرجو ألاّ يستغرب القارئ من انتقادنا لبعض أخطاء دي طرازي مع أننا من
المعجبين بأعمال دي طرازي وأبحاثه . فنحن نبحث عن " الحقيقة التاريخية " قبل كل
شيء .
1 ـ لقد ذكر دي طرازي "لا شك أن الذي استنبط
صناعة الكتابة أولى الجنس البشري منة عظيم " دي طرازي يقصد بالكتابة الأحرف
الأبجدية ، و هذا واضح في الجملة التالية .
2 ـ يكتب دي طرازي" و الرأي السائد بين العلماء
هو أن الكتابة استنبطتها الأمة الفينيقية التي سكنت سواحل فينيق" هنا يتضح لنا
ما هو المقصود بالكتابة؟
لا شك انه يقصد الأبجدية الفينيقية.
طبعا أول كتابة وصلت إلينا هي الكتابة المسمارية السومرية ثم الهيروغليفية
الفرعونية القديمة وهاتان الكتابتان أقدم من الأبجدية الفينيقية بحوالي 2200
سنة.
3 ـ ينهي دي طرازي جملته " و هذا وحده كاف ليجعل
للسريان حق الفخر باستنباط الكتابة. لأن بلاد فينيقي كصور و صيدا و بيروت و
جبيل الخ ليست إلا بقعة صغيرة من بلاده".
للاسف دي طرزي يخطئ ،أجدادنا السريان ـ الآراميون لم يستنبطوا الأبجدية فمن
المعلوم أنهم اخذوا الأبجدية من الفينيقيين .
تذكير للقراء ، اليونانيون هم الذين أطلقوا التسمية " الفينيقية " على
الكنعانيين سكان الساحل .
ن أو الفينيقيين من الشعب الآرامي .
4 ـ نقل دي طرازي نصا عن البحاثة اللغوي المطران
اقليميس يوسف داود ورد فيه " جاء في صحف اليونانيين القدماء أنه في نحو السنة
1590 قبل المسيح وصلت إلى أرض اليونانيين من بلاد الفينيق التي يقال لها فونيقي
و هي أقصى أرض السريان غرباً..... فئة من الشاميين في مقدامها رجل اسمه قدمو و
جلبت إلى هناك صناعة الكتابة، و صار اليونانيون منذ ذلك الزمان يكتبون بالحروف
السريانية إلى يومنا ".
المطران اقليمس داود هو عالم لغوي اكثر من ان يكون مؤرخا ، معلوماته عن
الفينيقيين هي من اواسط القرن الـ 19 عشر لذلك نجد فيها الكثير من الأخطاء
التاريخية . النص الذي ينقله عن قدمو هو حكاية اسطورية ـ
اقدم نص كنعاني او
فينيقي يرجع الى حوالي 1100 ق.م. لقد وصلت الابجدية الفينيقية الى بلاد اليونان
في حوالي القرن التاسع أو الثامن ق.م. و ليس سنة 1590 ق.م. هذا رقم خيالي .
حكاية قدموس تقول انه قدم من جبيل و ليس من سوريا .
5 ـ نقل دي طرازي نصوصا يونانية جاء فيها " أثبت
العلماء أن الأمم العريقة في الحضارة اقتبست صناعة الخط عن السريان. وهاك ما
يؤيد ذلك: قال ديودورس الصقلي المؤرخ الشهير في القرن السابق لميلاد:\" إن
استنباط الكتابة يعود فضله إلى السريان". و كتب اقليميس الإسكندري في القرن
الثاني للميلاد:\" ذهب كثيرون من القدماء إلى أن السريان هم الذين استنبطوا
الكتابة".
من المهم جدا معرفة مفهوم التسمية السريانية في المصادر اليونانية .
في حوالي
300 سنة ق.م. اعلن سلوقس قائد الاسكندر نفسه " ملك سوريا " و كانت سوريا تضم كل
المناطق في الشرق الخاضعة له و من ضمنها فييقيا.
و قد قسم الرومان سوريا الى
ولايات عديدة من ضمنها فينيقيا الاؤلى اي الساحلية ثم فينيقيا الثانية او
الداخلية و عاصمتها دمشق ثم سوريا الاؤلى و سوريا الثانية و غيرها و قد ظل هذا
التنظيم معتمدا حتى دخول العرب الى سوريا .
و قد ظلت التسمية السريانية تطلق على جميع تلك الولايات ، و واضح من خلال كتاب
العالم لوسيان السمسياطي وعنوانه الآلهة السريانية وهو يتكلم عن العادات
الدينية و الاحتفالات في المدن السريانية، في البداية يتكلم عن منبج قرب الفرات
ثم القسم الأكبر من كتابه يتكلم عن صور و صيدا و بعلبك ،لذلك يجب التحقيق في ما
كتبه ديودورس الصقلي و اقليمس الاسكندري عن المقصود بالتسمية السريانية ؟
ملاحظة صغيرة .... ذكر دي طرازي في بحثه عن الخطاطين و النساخ السريان لربان
ربولا في القرن السادس و هو منمق الإنجيل المصور المحفوظ في مكتبة فلورنسا .
الربان ربولا هو ربولا مطران الرها الشهير و عاش 365؟ ـ 435 م،اي في القرن
الخامس ، و هو ليس " منمق " الإنجيل المشهور المعروف بـ انجيل ربولا المحفوظ في
مكتبة فلورنسا.
اخيرا يختم دي طراي بحثه " تكفي إذاً الأمة السريانية هذه المزية الفريدة ليسجل
لها التاريخ ذكرى منزلتها المثلى في الحضارة و الثقافة. فقد أصبحت باستنباطها
صناعة الخط مرجعاً لكل الأمم المتحضرة حتى لقبت بجدارة (أميرة الثقافة) و (أم
الحضارة) ".
يوجد اليوم اقساما حول تاريخ و اللغة السريانية في أشهر جامعات العالم ، اهتمام
المؤرخين في دراسة الحضارة و الثقافة السريانية ليس لان السريان استنبطوا
الكتابة (الابجدية)،
كما ادعى دي طرازي ـ
و هذا ادعاء خاطئ كما برهناـ و لكن اهتمام المؤرخين اليوم
هو بسبب الدور الكبير الذي لعبه اجدادنا خاصة في ميادين الحضارة و الثقافة.
المؤرخون المتخصصون في تاريخ الشرق القديم يميزون بين الشعب الكنعاني و الشعب
الآرامي، لم أجد أي مؤرخ يعتبر الكنعانيي.