أسباب
تعلّم اللّغة السّريانيّة
إنّ الأسباب التي تدفعنا إلى تعلّم اللّغة السّريانيّة هي ثلاثة:
1-
الآرامية
لغة
المسيح:
إنّ
السّيد المسيح تكلّم
الآرامية
باللّهة
الجليلية. فاللّغة العبرية كانت تُستعمل كلغةٍ طقسيّة فقط (نتيجة سبي بابل).
كما أنّ الرّسل بشّروا باللّغة
الآرامية.
فإنجيل متى، كُتِبَ أصلاً با
الآرامية
، كما كتب
مار بولس رسالته إلى العبرانيين باللّغة
الآرامية.
كذلك القديس يوحنا فم الذهب ومار أفرام السّرياني كنّارة الرّوح القدس، كتبا
با
الآرامية.
حتّى مار يوحنا الدّمشقي الذي عاش في القرن الثامن م.، تحت الحكم العباسي،
كتب بالسّريانيّة.
شواهد من الإنجيل:
برنابا بيت عنيا بيت حسدا عمانوئيل كيفا ايلي ايلي لما شبقتني
موران اتا "طليتا قومي"!
2- السّريانيّة
هي لغة كنيستنا:
إنّ السّريانيّة هي لغتنا الطّقسية، أي الطّقس الانطاكي السّرياني.
(للكنيسة الانطاكية السّريانيّة المارونية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
أو اليعاقبة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الكنيسة البيزنطية
الأرثوذكسية الكنيسة البيزنطية الكاثوليكية).
وكوننا جماعةٌ علمانيةٌ رَعَوية، هدفنا أن نشارك بالقدّاس وأن نفهم
الطّقوس والتّراتيل، لذلك سنحاول أن نتعلّم تلاوة المسبحة بالسّريانيّة.
3- أمّا السّبب
الثالث والأهمّ فهو أنّ السّريانيّة هي لغتنا الأمّ:
أي أنّ السّريانية هي اللّغة الأصلية للمسيحيين المشرقيين بمختلف
طوائفهم. فلغتنا التّاريخيّة مرتبطةٌ بلغتنا الكنسية، وتاريخ الكنيسة هو
تاريخ الشّعب والعكس صحيحٌ في لبنان.
اللّغة الآرامية السّريانيّة هي لغة المشرق المسيحي كلّه. وقد ظلّت
اللّغة القوميّة في مختلف المناطق وخاصةً في لبنان، إذ أنّها ظلّت تُحكى حتى
القرن السابع عشر، أي بعد الاجتياح الإسلامي بألف سنة.
في وثيقةٍ
من سنة 1715، ذكر السمعاني أنّه عندما زار دير صيدنايا، أعطته الرئيسة
والرهبان
بعض المخطوطات السّريانيّة ومعظمها من طقسيات الكنيسة الرومية،
وكانت مطروحةً في إحدى زوايا الهيكل طعمةً للصراصر والعث.
ومن الجدير بالذكر، ان العلاّمة السمعاني، لمّا عاد إلى لبنان بصفته
موفداً بابوياً إلى المجمع اللبناني سنة 1736، زار والدته في بلدة حصرون في
جبة بشري وتكلّم معها بالسّريانية...
وقد إستمرّ استعمال الحرف الكرشوني حتى سنة 1782، لأجل الجاهلين للحرف
العربي، وهو عبارةٌ عن كتابة الكلمات العربية بالحرف السّرياني.
أمّا أسباب تراجع اللّغة السّريانيّة وانحسارها بالطّقوس الدينية فقط،
فهذا موضوعٌ طويلٌ نبحث فيه بالمستقبل.
إنّ وَعْيَنا للسّريانية هو وعيٌ لكلّ الإرث التّاريخيّ لشعبنا
المسيحي، وهو تفتيشٌ عن جذورنا الحضاريّة الحقيقية. ولهذا التّفتيش عن الجذور
وجهان: وجهٌ جغرافيٌّ ماديّ، ووجهٌ تاريخيّ حضاريّ، وهو الموضوع والتّوجه
الذي نحن بصدده الآن، إذ أنّ هذا الوجه التّاريخيّ الحضاريّ يكوّن هويّتنا
القوميّة الحقيقيّة.
وهذه الهويّة ترتكز على أربع أسسٍ هي: الدّين، التّاريخ، اللّغة
والثّقافة.
إنّ دراستنا للّغة السّريانيّة ستكون مدخلاً للتّاريخ والثّقافة
والحضارة السّريانيّة المشرقيّة. (الحضارة بمعنى التّراث والتقاليد والعادات
والأعراف).
إنّ الهويّة جزءٌ أساسي من تكوين مطلق شعبٍ، فالأرمني مثلاً يعرف أنّ
هوّيته الحضاريّة هي الأرمنية، أي أنّه مسيحي الدّيانة وأرمني اللّغة
والثّقافة، من بلادٍ أرمنيّة وتاريخه هو تاريخ الشّعب الأرمني. والمدارس
الأرمنية تعلّم الأولاد اللّغة والتّاريخ الأرمنيين.
أمّا الهويّة المشرقيّة فهي بالاتّساع عينه. فالمسيحية ديننا
والسّريانيّة لغتنا وتاريخنا هو تاريخ المعاناة المسيحية وثقافتنا مشرقيّة.
فالشعب لا يموت تحت الاحتلال، لكنه يموت عندما يتخلّى عن ثقافته.
من هنا نفهم الغايات المبيّتة المطالِبة
بتوحيد كتب التّاريخ كجزءٍ من المعركة السّياسيّة الهادفة إلى محو الهويّة
الخاصة بالمسيحيين لصالح التّذويب في الهويّة العربية الإسلامية. ذلك أن
التّاريخ هو جزءٌ مهمٌّ من الهويّة القوميّة والشّعب الذي ليس له تاريخٌ
ليس له وجود.
فالشّعب الذي لا
ماضي له، ليس له مستقبل!!
لا ننسى شعار
الرهبان اليسوعيين التربوي: "من أمسك بالتربية، أمسك بالمستقبل".
A-
أمثلة لغوية عن أسبقية اللّغة السّريانيّة في لغتنا المحكيّة:
1-
شوب زمط بريشو
انقطع حيلو راس الطور الشماس معمدان - الزياح الدنح..
2- أسماء العلم: نهرا شليطا سابا مرتا شينا زخيا اشعيا ...
3- تركيب الجمل في اللّهجة اللبنانية المحكية: راحوا لولاد عالمدرسي! رايح
عالبيت
4- تسكين الحرف بأول الكلمة: بريق كبير بحمدون كتوب.
5- تأثيرات اللّهجة السّريانيّة الغربية على لفظ سكان شمالي لبنان.
6- أسماء القرى التي بأكثريتها الساحقة من أصلٍ سرياني: بكفيا عين طورا
جزين راشيا فاريا.
7- تسكين الفعل وحذف الهمزة في الأمر: فْتَحْ دْروسْ سْمِعْ - كْتوب
B-
في الألفاظ العربية المأخوذة من السّريانيّة:
آب، آمين، باعوث، توبة، توراة، جبروت، زياح، تسبيح، سبط، شعانين، سفر،
إشبين، شماس، إصحاح، صلوة، طاغوت، طوبى، طور، عرّاب، عماد، فردوس، فصح، قداس،
قربان، قسيس، أقنوم، كاهن، كاروز،كنيسة، كهنوت، لاهوت، مار، مزمور، مسحة،
ملكوت، ميمر، ناسوت، ناقوس.
C-
اللغات الهلالية هي إثنتين: الآرامية والعبرانية
إنقسمت اللّغة الآرامية إلى فروعٍ ولهجاتٍ عديدةٍ وصلت إلى خمسة:
الرهاوية، الفسلطينية، التدمرية، النبطية والمندية، ومع مرور السنين سيطرت
اللّهجة الرهاوية في مناطق غرب الفرات، وعُرِفت باللهجة السريانية الغربية.
أمّا لهجة نصيبين، فعُرِفت باللهجة السريانية الشرقية (أشورية وكلدانية) وهي
الأقدم.
في تصنيف غريغوريوس أبي الفرج ابن العبري
تقع اللّغة السّريانيّة في ثلاث لهجاتٍ أساسيةٍ:
1-
أصفاها الآرامية الشائعة في الرها ومران والأطراف السورية.
2-
تليها الفلسطينية التي هي أيضاً لهجة الشام وجبل لبنان وبقية سوريا الداخلية.
3-
وأكثرها عكراً اللّهجة الكلدانية النبطية الشائعة في آشور والريف العراقي.
D-
الخطّ السّرياني:
أمّا بالنسبة إلى تطوّر الخط، فنبدأ مع الفينيقيين الذين عمّموا خطّهم
المعروف بالخط الفينيقي منذ القرن الثامن ق.م. والذي اقتبسه الفرس وعمّموه
على أمبراطوريتهم بعد القرن الخامس ق.م.
ياتي بعده
الخط الرهاوي المعروف بالسترنغلو (STRANGELO)
وهي كلمةٌ يونانيةٌ بمعنى المستدير. هذا الخط تطوّر حتى القرن الثاني عشر بعد
المسيح إلى الخط الكلداني المعروف اليوم.
أمّا الخط
الغربي المعروف تحت إسم
SERTO،
فقد تطوّر في القرن السابع م.
في تصنيف الأرشمندريت توما بيطار:
أمّا الكتابة السّريانيّة، فخطان أساسيان:
1-
ما يُعرَف بالسطرنجلي وهو الكلداني النسطوري لسريان شرق الفرات، ويُعرَف
أيضاً بالمربع، وله الخط الفلسطيني والملكي يشبهانه.
2-
وما يُعرَف بالمستدير، وإليه تنتمي كتابة اليعاقبة أو السّريان الغربيين
والموارنة، المسمّى "سِرتو". هذا التغاير في الكتابة ذكّته الخلافات
العقائدية بين مسيحيي سوريا في القرنين الخامس والسابع. والإختلاف الكتابي
رافقه اختلافٌ لفظي.
ويفيدنا الأستاذ "كوستاز" بوجهة نظره اللغوية، مُعلِّماً إيّانا: بأنّ
الخط "الأسطرنجلي" أي "الدائري"، أو "القصير"، أو "المربوع/المكبّل" هو
أقدم أنواع الكتابات السّريانيّة، وله علاقة بالخط البلميريّ. وقد ساد ذلك
النوع في القرنين، السابع والثامن بعد المسيح، وبقي معمولاً به، روتينياً،
حتّى القرن الخامس عشر، خصوصاً في ما سُمِّيَ ب "سوريا الشرقية". وقد نُشِرَت
مطبوعاتٌ علميّةٌ فرنسية، بلجيكية، أميركية وإنكليزية.... بالخط
"الاسطرنجلي".
أمّا الخط "السرتو" أي "الحروف"، أو "الأسطر"، أو "الخصائص"
المستعمل في "سوريا الغربية" منذ القرن السادس بعد الميلاد، فهو النوع الأكثر
رواجاً، وهو الذي اعتمده السّريان (من يعاقبة وغيرهم)، والموارنة، وغالبيّة
أصحاب دور النّشر في "الشرق".
والنوع الثالث هو "النسطوري"، أي الكلداني، وهو قريبٌ من "الاسطرنجلي"
الذي ينبثق منه، ويُستَعمَل في "سوريا الشرقية" منذ القرن السادس.
E-
تطوُّر اللّغة تاريخيّاً:
كما نجد أنّه مع حلول القرن الخامس م.: كتب تيودوريتوس أسقف قورش
(القرن الخامس) (393- 460) الذي كان في أسقفيته 800 رعية، وذكر أكثر من
مرّةٍ أنّ السكان المحليين هناك، لا يتكلمون إلاّ السّريانيّة.
وكان جلّ السكان في ضواحي أنطاكية، يتكلّم السّريانيّة.
القديس يوحنا الذهبي الفم (407) في عظةٍ عن الشهداء، أشار إلى أنّهم يتكلمون
السّريانية (بصفتها لغةٌ بربرية، أي غير يونانية)، كما قال في العظة 19 إلى
أهل أنطاكية "أنه يتأسّف لعدم معرفته للغة الألوف من سكان القرى الذين
تقاطروا إلى أنطاكية لحضور الحفلات الدينية".
من كتابات القديس مار يعقوب السروّجي (521) في ميمره في مار افرام
الملفان (473):
"هذا الذي صار إكليلاً للآراميين كلّهم"
"هذا الذي صار بليغاً كبيراً عند السّريان"
في المجمع الذي عُقَِدَ في القسطنطينية 869، حُكِيَ عن أسقف صور
الملكي، وصور هي إحدى أبرشيات الكرسي الأنطاكي، الذي كان يتكلّم اليونانية
بصعوبة.
وأخيراً، تأتي الحركات الخمس وهي مأخوذةٌ عن الحروف اليونانية، فقد
قام بها العالم تيوفيلوس في القرن الثامن بعد المسيح.
خلاصة:
أمّا دور اللّغة في تكوين الهويّة عند شعبٍ ما، فهو يندرج في الخصائص
التالية:
ركائز الهويّة القوميّة هي أربعة، والتي تميّز شعباً عن آخر:
1)
الدين: بصفته الفاصل الأكبر بين الشعوب، من حيث الموقف من الله والمجتمع
والإنسان.
2)
التّاريخ: لأنّ ظروف المعاناة التّاريخيّة تختلف من شعبٍ إلى آخر.
3)
اللّغة: في استعمالها أو لا، في تطوّرها أو لا...
4)
الثّقافة والحضارة بشكلٍ عام: وهي الكلّ المتناسق لأساليب العمل والتفكير
والشعور، المكوِّنة للأدوار التي تحدّد التصرّفات المتوقّعة للجماعات
والأفراد.
مفهوم الثّقافة يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والحقوق والأخلاق
والعادات والتقاليد وغيرها. فالثّقافة هي نظامٌ مشتركٌ للمعاني والقِيَم،
تتعلّمها مجموعةٌ من البشر.
كثيراً ما تكون الحياة والموت بالنسبة
للغةٍ ما، وقفاً على ثقلٍ حضاريّ أو دعمٍ سياسي أو تكريسٍ دينيّ. (وهو ما
حصل بالتسلسل التّاريخيّ للغة الآرامية السّريانيّة).:
-
ثقلٌ حضاريّ: سنة 540 ق.م.، إنتشرت اللّغة الآرامية مع الاحتلال الفارسي.
-
دعمٌ سياسي: اللّهجة الرهاوية سيطرت بدعمٍ من المملكة الرهاوية بعد سنة
300 م.
-
تكريسٌ ديني: كلغة طقسية في الكنائس السّريانيّة الأنطاكية والسريانية
الشرقية.
الدكتور أندريه كحاله
منشورات هيئة الثقافة السريانية
يتبع
* * * *
|