عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
   د. أندريه كحّالة

د. أندريه كحّالة

بيروت – لبنان


محاضرة للدكتور اندره كحالة

مار افرام: ملهم لايامنا

جامعة ستوكهولم - السويد

وتمر "الذكرى 1700 على ولادة مار افرام"                                                                 2-3 كانون الاول 06

 

شلومو – وشينو لكلخون

قبل البدء اود التوجه اليكم بتحية من هيئة الثقافة السريانية في لبنان وكلمة شكر الى الرفاق والاجباء في جمعية سومِك في السويد والتي نحن على توأمة معها.

لقد تسنى لنا التعرف على مار افرام عند انعقاد المؤتمر في حلب أيار 2006 تحت عنوان "مار افرام شار لأيامنا" تبّين لنا ان هذا القديس العظيم هو أكثر من شاعر فهو قدوة وملهم لأيامنا.

وكما يقول الدكتور الأب يوسف مونس: " ان مار افرام بقي لأنه سكن الكلمة التي هي الله، لا نتذكر أي اسم ممن كانوا في زمنه. وحدها الكلمة التي كتبها والقصائد التي نظمها والفكر الذي طرحه لم يقدر عليه الزمن ولا الحسّاد ولا المتلّهون بمظاهر الوجود".

ليس من السهل التكلم عن مار افرام، لكثرة الصفات التي كان يتمتع بها، فهو الى جانب كونه معلما للكنيسة وكنارة الروح القدس، بقي شماساً ولم يعتبر نفسه أهلا لان يحمل بيديه جسد السيد المسيح.

كان مثالا في التواضع والتقوى والخدمة وكان رجل صلاة وتأمل ومعرفة.

نقل روحانية ورؤية العهد القديم الى العهد الجديد، علّم 38 عاما وكتب الكثير وغلب الشعر على مؤلفاته حتى وصلت الى ثلاثة ملايين من الأبيات اللاهوتية، التي انتشرت في أيامه وما زلنا نغرف من فكره ومحبته لله ولمريم العذراء التي قال عنها:

" عظامي تصرخ من القبر، ان مريم قد ولدت ابن الله" ومن خلالها دافع عن المرأة ورفع شأنها.

كان دوره وتأثيره كبيرين في الحياة النسكية التي ازدهرت في المشرق السرياني خلال القرون اللاحقة.

نحن اليوم في كلمتنا هذه، وفي محاولتنا لمقاربة جديدة لحياة مار افرام وتأثيره، حيث ان البابا بندكتوس الخامس عشر أعنانة "معلما" للكنيسة الجامعة سنة 1925 فيكون بحثنا قد تحوّل من تأثير مار افرام الى استخلاص الدروس التي يعطينا انطلاقا من حياته ومن كتاباته ومن قداسته.

1-    الدرس الأول: في أهمية الإيمان المسيحي الواحد

2-    الدرس الثاني: في أولويه المقاومة والتجذر

3-    الدرس الثالث: في الالتزام بالهوية الآرامية السريانية

1-    في موضوع الايمان الواحد:

لقد عايش مار افرام المشاكل اللاهوتية منذ يدايتها خاصة مع انعقاد المجمع النيقوي سنة 325-( والذي رافق معلمه مار يعقوب إليه) حول الأسرار اللاهوتية الثلاث: الثالوث- التجسد- الفداء. والتي تسببت بالانشقاقات على مرّ العصور، لان الفكر الإنساني اعجز من الاحاطة بالسر الإلهي، من ناحية أخرى كان مار افرام صلب العقيدة خاصة بما يمس والدة الله مريم. وكتاباته مازالت مادة للصلاة والتأمل حتى يومنا هذا.

في كنيستنا السريانية المارونية نجد وجهين لهذا اللاهوت المريمي:

- الوجه الأول في الكنائس والاديار، فالأكثرية الساحقة من أديار البطريركية المارونية عبر التاريخ هي على اسم العذرراء. فالكنيسة المارونية منذ نشأتها وضعت نفسها تحت حماية القديسة مريم خلال حقبات المحن والاضطهاد.

ان الأب بطرس ضو في الجزء الثامن "من تاريخ الموارنة" يحصي نحو 506 كنيسة في لبنان على اسم العذراء.

-الوجه الثاني لهذا اللاهوت المريمي نجده في الليتورجيا المارونية:

تعطي الكنيسة المارونية حيزاً كبيراً للعذراء مريم وهذه الصلوات تعرف باسم " الافراميات" وهي تستعمل في مناسبات عديدة خلال السنة الطقسية. وقد كان لهذه الصلوات والتراتيل الدور الأساسي في إيصال اللاهوت المريمي الى العامة من الشعب نطريقة مبسطة وبعيدة عن التعقيدات اللاهوتية.

اننا نجد مارافرام وكأنه اخذ من المجمع المسكوني الأول أهم ما صدر عنه وهو قانون الأيمان النيقوي مستبقا صيغته النهائية في مجمع القسطنطينية والذي ينتهي " بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية" فيا ليتنا نأخذ نحن أيضا بهذه النتيجة لتكون درسنا الأول في الإيمان المسيحي.

2-    في موضوع المقاومة و التجذر:

لم تخل مراحل حياة مار افرام من القلاقل السياسية والعسكرية، وأهمها اضطراره الى الانتقال من نصيبين (حيث ولد وترعرع سنة 306) التي وقعت تحت الاحتلال الفارسي، الى الرها حيث أكمل مهمته التعليمية في مدرستها للسنوات العشر الأخيرة من حياته (توفي سنة 373).

هذا التهجير مهم جدا بما يعلمنا إياة من الاولويات في النضال وفي الأهداف. ان مار افرام لم يفقد الأمل مع سقوط نصيبين ولم يتراجع أمام التنافس مع مدرسة الرها لان هدفه كان بتعبيرنا العصري: "مجد الله وخلاص النفوس".

كانت حياة مار افرام مليئة بالعمل في الكنيسة وفي الرعية مع الصلاة الدائمة والعميقة بما امتزج فيها من ترهب و استحباس، تبعاً للطريقة الانطاكية السريانية بالتنسّك الداخلي...

هذا الالتزام بقضية شعبنا، هو درسنا الثاني الذي علينا ان نتبعه في أولوية المقاومة والتجذر.

إن المحن المتتالية واحتلالات المتتابعة التي مرّت على مشرقنا السرياني كان لها آثاراً سلبية على الصعيد القومي والحضاري الى جانب الآثار العسكري والسياسية.

فالمشرق الآرامي السرياني كان موحداً أيام مار افرام في القرن الرابع وحتى القرن السابع على الصعيد الحضاري والثقافي واللغوي والديني الى ان جاء الاحتلال العربي الإسلامي.

لقد كتب د. أنيس فريحة عدة كتب عن صمود الهوية السريانية حتي القرن العشرين، فاللغة السريانية لم تمت ومازالت تستعمل وبلهجتيها الشرقية والغربية، في أوساط مختلفة في الشرق الأدنى وفي الليتورجيا.

وقد جمع في معجم المفردات العربية العامة التي هي سريانية الأصل، ودرس أسماء المناطق والقرى في لبنان و سوريا والتي تحمل أسماء سريانية وتعدّ بالآلاف.

-3- في موضوع الهوية:

ان مارافرام لم يأخذ له كنية باسم منطقة أو مدينة بل منذ القدم كان اسم السرياني ملازما له. والسريانية مرادفة للآرامية، كما يقول في دراساته الملفونو هنري كيفا...

أهم برهان على تلازم السريانية و الآرامية برأينا، ما قال عنه مار يعقوب السروجي في القرن السادس (توفي 512)

" هذا الذي صار أكليلا للآراميين ..... هذا الذي صار بليغا عند السريان:.

ان ذكر السريان والآراميين في بيتين متلاحقين دليل على اعتبار العبارتين ذات مدلول واحد.

وان امتزاج الهوية الآرامية والسريانية حتى القرن السادس حين كتب مار يعقوب السروجي وصمود هذه الهوية الارامية السريانية الواحدة لقرون عديدة في ما بعد هذا أساس مهم في الالتزام تجاه هويتنا المشرقية المسيحية.

علينا اليوم ان نتشرب هذا الفكر الجامع لأننا آراميون تراثا وتاريخاً، وكما إننا سريان لغة وثقافة، ومسيحيون ديناً وهذه بمجملها تشكل هويتنا القومية الكيانية المميزة في هذا المشرق التعددي وعلينا مسؤولية تاريخية ألا نسمح لأحد ان ينزع منا هويتنا الكيانية ليلبسنا أية هوية أخرى.

وهذا يكون الدرس الثالث في المحافظة على الهوية الارامية السريانية.

ان الإخطار والتحديات التاريخية التي تواجه الشعب المسيحي المشرقي هي ذاتها لم تتغير:

وهي المحاولات المتتابعة لسلبنا روحنا عبر تغيير هويتنا.

في مسح سريع للوضع المسيحي المشرقي الذي نستطيع تقسيمه الى 4 حالات أو مستويات:

-        الحالة الأولى : هي الوضع المسيحي في لبنان، وهو رغم تأزمه لايزال المثال الأعلى عند جميع مسيحي الشرق. لكن هذا الوضع يحتم علينا نحن مسيحي لبنان مسؤولية كبرى كما يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني " ان ازدهار المسيحية في لبنان هي شرط لبقاء الاقليات المسيحية في الشرق"

-        الحالة الثانية: تشمل الوجود المسيحي في الأران وسوريا ومصر حيث القوانين تمنع المسيحيين من المشاركة في السلطة بشكل فعّال أو بشكل  يتناسب مع حضورهم العددي (خاصة في مصر).

-        الحالة الثالثة: وهو الوضع المأساوي الذي يشمل تركيا و إيران و فلسطين والعراق حيث الهجرة المتسارعة سنة بعد سنة تؤشر الى تفريغ الوجود المسيحي من هذه البلدان.

-        الحالة الرابع’: في شبه الجزيرة العربية، يمنع بناء الكنائس وإقامة الصلوات المسيحية تنفيذاً لوصية نبي المسلمين " لايكون دينان في الجزيرة".

نحن اليوم نضم صوتنا الى السيد آلان ديرومو  Alain Desreumaux من جمعية الدراسات السريانية مركز الدراسات السامية – معهد باريس، والنداء الذي أطلقة في ذكرى مرور 1700 سنة على ولادة مار افرام، في مؤتمر حلب: "نعلن تعلقنا باللغة السريانية، ونعبر عن عرفان جميلنا لكل ما حملته الحضارة السريانية لسوريا ولبلاد الرافدين و لآسيا و أوروبا".

السريانية لغة عريقة، تجذرت في التاريخ الآرامي القديم، فكانت تعبيرا مدهشاً عن حضارات فلسفية ولاهوتية وطبية وعلمية، وما زالت بيوت وقرى تنطق بهذه اللغة الأم. لهذا نطلق نداءً رسميا الى القادة السياسيين والى المسؤولين عن الثقافة والتربية في بلداننا لكي يصبح تعليم اللغة السريانية وثقافتها جزءاً لا يتجزاً من برنامجنا.

ونلتزم بأن نساعد الجماعات حارسة الغنى الحضاري السرياني لكي تحمي وتحفظ وتصلح وتنشر المخطوطات والعمارات والتقاليد السريانية في هذا التراث...."

في النهاية: لا بد من التذكر بكلام البابا بولس الثاني ان جوهر لبنان هو كونه:

"أكثر من وطن، انه رسالة في الحرية ومثال في التعددية للشرق والغرب".

الوجود المسيحي في لبنان أو أي منطقة في المشرق وضمان حريتهم وحرية معتقدهم يبدأ بشكل عام بفهم تركيبة المجتمعات والتعمق بتاريخ البلدان والحضارات والغوص في أسباب الأحداث المعاصرة.

ففي لبنان، ما زال الصراع قائماً حول نهضة الهوية السريانية التي تضيع شيئاً فشيئاً لان المسيحيون يجهلون جذورهم، وتاريخهم.

لبنان الرسالة في خطر فلا الحريات مصانة ولا التعددية متعرف بها، وتغيرت الديموغرافيا، إذ أصبح المسلمون يشكلون 60 بالمائة من الشعب اللبناني، تسلح معظمهم وظهرت محموعات أصولية وإرهابية فيهم. لم تعد كلمة المسيحيون تسمع وبدأت السلطة تنتزع منهم كما نزعت هويتهم، وتضاعف الخطر على المسيحيين.. جاءت الهجرة و الاغتيالات والقمع، فعادالغرب أملنا الوحيد.

أنا أقف هنا اليوم ممثلا لهيئة الثقافية السريانية، أعلن التزامنا بالبقاء في أرضنا وباستمرار المقاومة الفكرية دفاعا عن تراثنا وحضارتنا كما فعل القديس مار افرام السرياني العظيم، ونمضي برسالتنا طالبين شفاعته وبركته.

يتبع

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها