عبر
من المعاناة التاريخية للمسيحيين المشرقيين
أقسام العرض:
1-
مقدمة
2-
جذور الحضارة المسيحية المشرقية
3-
المسيحية قبل الفتح الإسلامي
4-
من
الفتح الإسلامي إلى نهاية الحملات الصليبية
5-
الإحتلال المملوكي
6-
الإحتلال العثماني حتى القرن الثامن عشر
1- مقدمة:
"إذا أردت أن تلغي شعباً، تبدأ أولاً بشلّ ذاكرته، ثم تلغي كتبه
وثقافته وتاريخه، ثم يكتب له طرفٌ آخر كتباً أخرى ويعطيه ثقافةً أخرى ويخترع
له تاريخاً آخر... عندها ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان والعالم ينساه
أيضاً..."
هذا
هو مختصر المعاناةالتاريخية المسيحية المشرقية. أمّا بالنسبة إلى لبنان، فقد
قيل أيضاً: "إن الحرب المستمرة في لبنان هي في الواقع وبشكلٍ أساسيٍّ حربٌ
تهدف إلى تحديد ماهية التاريخ الصحيح للبلد".
فالقضية الأساسية عند الشعب المسيحي هي قضية هوية والمعركة الأساسية
هي للمحافظة على هذه الهوية. فالمرتكزات الأساسية تتعدى التاريخ لتشمل الدين
واللغة والحضارة والثقافة بشكلٍ عام... فإذا استثنينا المرتكز الديني، نجد أن
المرتكزات الأخرى غير مستقرةٍ أبداً وتظل عرضةً لموجاتٍ متتاليةٍ من التزوير
أحياناً واالاستيعاب أحياناً أخرى عبر مخططٍ تاريخي نلخصه بعبارتي "التعريب
والتذويب": نعطي مثلاً بسيطاً من تاريخنا الحديث، حيث أن التوافق الشفهي في
ميثاق 1943 على أن "لبنان ذو وجهٍ عربي"، وخلال خمسين سنةٍ، أدّى إلى الإقرار
خطياً سنة 1989 في دستور الطائف، بأنّ لبنان "عربي الهوية والانتماء"...
فالعبر التي علينا الأخذ بها، تأتي من محطاتٍ تاريخيةٍ عميقة القدم في
تاريخنا، لأن تاريخ لبنان لم يبدأ سنة 1943 ولا سنة 1920، ولبنان لم يولد على
يد فخر الدين الثاني، لكنّه وُلِدَ على يد المسيحيين من ثلاثة عشر قرناً.
فعلينا أن نحافظ على تاريخنا الحقيقي من جيلٍ إلى جيل لأن المعاناة رافقها
نضالٌ تاريخي للدفاع عن قضية حقٍ هي قضية الحرية وكرامة الإنسان. وأخيراً، إن
حق الشعوب بتقرير المصير هو بندٌ مدرجٌ في مقررات الأمم المتحدة وعلينا كشعبٍ
مسيحي مشرقي أن نقتنع بهذا الحق أولاً، ثم نسعى للمطالبة به إلى جانب حقوق
الأقليات.
فلزامٌ علينا إذاً، أن نتعرف على قضية شعبنا المسيحي بالعمق من جديدٍ
وذلك بالتنقيب عن تاريخنا الحقيقي الذي لن نجده في كتبنا المدرسية، ولا حتى
في كتبنا الجامعية "الموحَّدة والموحِّدة". هذا التاريخ سيساعدنا على الحفاظ
على وجودنا كمجتمعٍ وانتصار قضيتنا كشعبٍ وعدم خسارة أرضنا كوطن...
2- جذور الحضارة
المسيحية المشرقية:
إن تاريخنا كشعبٍ مسيحيٍّ مشرقيٍّ، له جذوره في الحضارة اليونانية
الهللينية مع اجتياح الإسكندر المقدوني حوالي 332 ق.م. بالرغم من الزمن
القليل الذي توحدت فيه المناطق المشرقية تحت حكمه، فإن الحضارة اليونانية
بفلسفتها وفنها وأدبها ولغتها سيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ على مدى قرونٍ عديدةٍ.
لكن في عودة إلى القضية اللغوية: فما هي اللغة التي كان يتكلمها سكان
الشرق قبل فتوحات الإسكندر؟ الجواب يعود بنا إلى 732 ق.م. "حين سيطر الملك
الأشوري تغلت فلصر الثالث على المنطقة، وقام بترحيل شعبها، مما أدى إلى
انتشار اللغة الآرامية في المملكة الأشورية إضافةً إلى الهلال الآرامي، كلغة
عامية للشرق القديم، ومن ثم اعتُمدت هذه اللغة الآرامية كلغةٍ رسميةٍ
للأمبراطورية الفارسية الأخمينية 530 ق.م. قبل انقسامها إلى عدة لهجاتٍ مع
قدوم الإسكندر والعصر الهلنستي" (آرام في العهد القديم تعني البلاد السورية).
مع موت الإسكندر المبكر سنة 323 ق.م. تقاسم قواده المناطق الشاسعة
التي كانوا يسيطرون عليها، كما نجد في التأريخ اليوناني: إن الشعب الذي ندعوه
سورياً يدعو نفسه آرامياً.
وهكذا، تكون البلاد "الآرامية أو السيرية" حسب التسمية اليونانية ومن ثم
الرومانية، من نصيب سلوقس الذي أسس مملكة عاصمتها انطاكية حوالي 300 ق.م. هذه
المملكة سوف تظل على صراعٍ دائمٍ مع المملكة اللجيدية وعاصمتها الإسكندرية
على مدى أكثر من قرنين ونصف إلى أن جاءت الفيالق الرومانية حوالي 64 ق.م.
ووحّدت المنطقة كلها تحت الإحتلال الروماني...
إذاً، نجد أن كلمة مملكة سوريا "تستعمل لأول مرةٍ في التاريخ حوالي
سنة 300 ق.م.،
بينما لا نجد في المراجع التاريخية القديمة كالعهد القديم مثلاً إلاّ تسمية
آرام وبلاد آرام.
3- المسيحية قبل
الفتح الإسلامي:
بلاد المشرق كانت تسمى بلاد آرام من قبل العبرانيين وبلاد سوريا من
قبل اليونان مثلما كان الساحل اللبناني يسمي نفسه بلاد كنعان بينما يطلق عليه
اليونان اسم بلاد فينيقيا.
هذا التوحيد "والسلم الروماني" الذي شمل حوض البحر الأبيض المتوسط سوف يسهل
البشارة المسيحية التي انطلقت من أورشليم لتصل إلى روما ومجمل أوروبا مع حلول
القرن الثاني ميلادي...
أما البشارة في بلاد المشرق، فقد سلكت طريق المدن الكبرى من صيدا وصور
إلى دمشق وأنطاكيا "حيث دعيوا لأول مرةٍ مسيحيين".
لكن المناطق الداخلية والجبال كانت صعبة التبشير وظلت المعابد الوثنية
مزدهرةً حيث نجد معبد الشمس في بعلبك يبنى في القرن الثاني ميلادي ومعابد
فقرا الوثنية.
في هذه الفترة الإنتقالية على صعيد التسمية: "وعندما تنصرنت "القبائل"
الآرامية تخلت عن اسمها القديم "آرام" لأن الإسم هذا كان يذكرها بوثنيتها،
وسميت باسم سريان.
(مع العلم بأن تسميتي آرامي وسرياني متلازمتان حتى اليوم).
مع حلول
القرن الرابع، توقف الاضطهاد تجاه المسيحيين نهائياً، وأعلن السماح بالدين
المسيحي حوالي 313 م. في أرجاء الأمبراطورية الرومانية على يد قسطنطين
الكبير. إن الوضع انقلب وابتدأ الاضطهاد المعاكس تجاه الديانات الوثنية
والمدارس الفلسفية الوثنية ومن ثم أصبح الأمبراطور يعتبر نفسه المدافِع الأول
ليس فقط عن الأمن السياسي في أمبراطوريته، ولكن عن السلام الكنسي والقضايا
اللاهوتية. فالوحدة الدينية والوحدة السياسية وجهان لعملةٍ واحدةٍ. بما عرف (Cesaro
– Papisme).
فكانت المجامع المسكونية تنعقد بناءً على طلب الأمبراطور وبرئاسته وحضوره
أكثر الأحيان. وكانت مقرراتها اللاهوتية أو التنظيمية الكنسية تنفذ بواسطة
أوامر الأمبراطور وأساليب عسكرية.
كانت المجامع التي هدفها توحيد المسيحيين ومحاربة البدع، تأتي بنتائج
عكسية وتسبب انشقاقاتٍ جديدةً ونشوء كنائس مستقلةٍ تعبر عن التوق إلى
الاستقلال السياسي، خاصةً بعد المجمع الرابع أو الخلقيدوني سنة 451 م. "إن
الأنشقاق الداخلي الذي حدث في الشرق إبان القرن السادس بين مناصري المجمع
الخلقيدوني ومناوئيه، كان سببه الاختلاف في التعابير اللاهوتية في طبيعتي
السيد المسيح. ولم تتأصل هذه الاختلافات اللاهوتية الدقيقة في عقول العامة
إلاّ بفضل ما أثير حولها من نعراتٍ قوميةٍ وطنيةٍ فتحمس لها الأقباط والسريان
والأرمن وهدفها مقاومة دولة "الروم المستعمرة".
هذا الوعي القومي تطوّر على مراحل عديدة دامت حوالي مئتي سنة وصولاً إلى
الاحتلال العربي الإسلامي...
بنفس التحليل، نجد الشعب السرياني الشرقي يعتنق البدعة النسطورية في
وقتٍ مبكرٍ بحيث يكون تأسيس الكنيسة السريانية الشرقية كعلامة تمايزٍ عن
الكنيسة البيزنطية والدولة البيزنطية وسبيلاً لاتقاء الاضطهاد من قبل الحكم
الفارسي...
لمناصرة هذا المجمع الخلقيدوني، كانت جماعةٌ رهبانيةٌ قد اقتدت
بالقديس مارون الذي توفي حوالي 410م. "وقد تمّ بناء دير مار مارون على العاصي
حوالي 452م. في منطقة أفاميا قرب حماة بأوامر من الأمبراطور مرقيانوس وسعي من
تيودوريطس أسقف قورش وذلك للدفاع عن التيار الملكي الخلقيدوني في بلاد سوريا.
هذا الدير الذي سيكون له الأسبقية على أديار المنطقة في القرن التالي".
إن التبشير المسيحي سينتشر من دير مار مارون على العاصي نحو جبل لبنان
حيث لا يزال نهر ابرهيم تيمناً بالراهب ابرهيم الذي بشّر أهل الجبال.
فالمنطقة المارونية الأولى في لبنان هي جرود بلاد جبيل التي هداها القديس
ابراهيم تلميذ مار مارون إلى الإيمان – وهي مناطق العاقورة وأفقا – ومراكز
عبادة عشتروت ويانوح وقرطبا...
أمّا الاضطهاد الذي سيمارسه اليعاقبة على الرهبان الموارنة سنة 517 والذي من
جرّائه سيستشهد حوالي 350 راهباً مارونياً، فسيكون سبباً للإتصال الأول مع
بابا روما حيث يشكو له الرهبان في رسالتهم مما يقاسونه من أجل المحافظة على
الإيمان الصحيح.
مع حلول القرن السابع، نجد الصورة المشرقية كما يلي: انقسامٌ ديني بشكل كنائس
قومية عند كلٍّ من الأقباط في مصر، السريان الشرقيين في بلاد فارس، الأرمن في
أرمينيا والسريان في بلاد السريان مع وجود الملكيين السريان الأرثوذكس
والملكيين السريان الموارنة...على الصعيد السياسي، نجد البلاد عرضةً لحربٍ
طاحنةٍ بعد الغزو الفارسي إبتداءً من 612 وسقوط إنطاكيا والمشرق السرياني
ومصر بحيث يقوم الأمبراطور هرقل بحرب استرجاعٍ للمناطق وللصليب المقدس حتى
سنة 628.
4- من الفتح
الإسلامي إلى نهاية الحملات الصليبية"
- المد الإسلامي:
أما المفصل التاريخي في مصير المشرق، فسوف يكون الإجتياح الإسلامي
الذي امتدّ خارج الجزيرة بعد موت النبي محمد حوالي 632م. بحيث تحولت الغارات
الخجولة إلى اكتساحٍ كاملٍ مع معركة اليرموك 636م. (من روافد نهر الأردن)
ومعركة القادسية 637 م. المعركة الأولى تمّ فيها انكسار الأمبراطورية
البيزنطية والمعركة الثانية تمّ فيها إنكسار الأمبراطورية الفارسية..
أمّا كيف استطاع الجيش الإسلامي الانتصار على الأمبراطوريتين البيزنطية
والفارسية، فالسببان الأساسيان هما: أولاً أن العقود القليلة التي سبقت هذا
الانتصار، شهدت حروباً داميةً بين هذين الجبارين أدّت إلى استنزاف قواهما على
طول الجبهات المشرقية، والسبب الثاني أن الشعب السرياني الآرامي كان موزعاً
على الكنائس المنفصلة عن الكنيسة البيزنطية، فكان موقفها المبدئي هو الترحيب
بالاحتلال الإسلامي، علّه يخلّصهم من الاستبداد البيزنطي،
فكان الإنتقال من تحت الدلفة لتحت المزراب...
عند هذا المنعطف الخطير، كان لابد للوجود المسيحي أن يواجه خياراتٍ مصيريةً،
وقد حدّدها الإسلام بثلاثة:
1-
الدخول في الإسلام: أسْلِم تَسْلَم (مما أدى إلى أسلمة الشعوب المشرقية وشمال
أفريقيا)
2-
الذمية والجزية: وهو خيار السكان المسيحيين الباقين بحيث حافظوا على أرواحهم
وممتلكاتهم مقابل التخلي عن حقوقهم المدنية والسياسية; إلى جانب ضريبة الخراج
على الزراعة، الظالمة جداً...
3-
الترحيل
والاقتلاع: كما يتم وصفها أحياناً بطريقة منقحة ومجمّلة: "لقد اتصفت العهود
الإسلامية الأولى بالسماحة ورحابة الصدر، فسمحت لمن شاء من السكان والرهبان
والموظفين بالهجرة إلى الأراضي البيزنطية، فغادر الدولة الإسلامية عددٌ وافرٌ
من نصارى سورية وأقاموا في بلاد الروم وفي جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية. وحافظ
الباقون على كنائسهم وأموالهم وحريتهم الدينية وشرائعهم الخاصة بقيادة
أساقفتهم"!!!
أمّا الخيار الرابع الذي لم يخطر ببال الإسلام، فهو المقاومة والنضال الذي
قرره موارنة بلاد السريان حيث التحقوا بموارنة جبل لبنان وقام القديس يوحنا
مارون بتأسيس البطريركية المارونية الإنطاكية حوالي 685م. متحدياً السلطة
الكنسية البيزنطية والسلطة العسكرية الإسلامية... على أن مركز البطريركية
المارونية لم يستقرّ في لبنان نهائياًً قبل حوالي سنة 938م. مع خراب دير مار
مارون على العاصي.
فكان القرار المصيري المرتكز على مبدأ "الوجود المسيحي الحرّ في لبنان".
هذا الصمود المسيحي في الجبل كان له مثالٌ واحدٌ على الأقل وهو صمود السريان
الشرقيين في شمال العراق، حيث طبيعة الأرض الجبلية كانت تسمح بالمقاومة
والعيش الحرّ كما في جبال لبنان.
أمّا في أرجاء الأمبراطورية الأموية التي امتدت من مشارف الصين
مروراً بالشرق الأوسط والجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا وإسبانيا حتى أواسط
فرنسا، فإن الإستعمار اللغوي والثقافي أخذ يشقّ طريقه ابتداءً من سنة 691
وذلك أولاً، باعتماد اللغة العربية كلغةٍ رسميةٍ في كل دواوين الدولة بدل
اليوناني والفارسي، وثانياً، باعتماد عملةٍ إسلاميةٍ بدل العملة البيزنطية.
هذان الإصلاحان كانا من أهم أسباب توطيد النفوذ الإسلامي وإعطاء الحكم صفةً
مركزيةً ممّا ساهم بترسيخ الهوية العربية الإسلامية بحيث أصبحت كلمة عروبة
ملازمة للإسلام.
هكذا أصبحت المعركة الثقافية واللغوية وجهاً ثانياً لمقاومة الشعب المسيحي
الذي ظلّ يحافظ على تراثه وحضارته من خلال إنتاجاته الفكرية المؤتمنة في
الأديرة ومن خلال لغته المحكية في القرى والجبال. فالقديس يوحنا الدمشقي الذي
عاش تحت الحكم الأموي في القرن الثامن، كتب نتاجه كلّه بالسريانية واليونانية
(توفي عام 754).
نجد إذاً، بعد أن كانت سائر المناطق قد أسلمت في دينها وتعرّبت في
لغتها، ظلّ جبل لبنان مسيحياً في دينه وسريانياً في لغته. "منذ ذلك الحين،
بدأ الجبل اللبناني بالظهور على المسرح السياسي في هذا القسم من العالم، هذا
الجبل اللبناني بقيادة الموارنة، وركائزه الجغرافية هي جبة بشري بلاد جبيل
وبلاد البترون".
أمّا عن معاناة المسيحيين الرازحين تحت الحكم الإسلامي، فهي توصف
كالتالي:
"فنزحت إلى أقسام لبنان الشمالية جماعاتٌ مسيحيةٌ من المناطق المجاورة،
والبعض هرب من دفع الجزية، أو تجنباً لأن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية،
والبعض هرب ممّا فرضه الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (717-720) من قيودٍ
وتمييزٍ بين المواطنين فرضت بشكل تشريعٍ على أهل الذمة كانت الأولى من نوعها:
وخلاصتها، أنه منع المسيحيين من الوظائف الحكومية العامة، وحظر عليهم لبس
العمائم، وطلب إليهم أن يلبسوا ثياباً ذات زنانير من جلدٍ تميزهم عن سائر
الناس، وأن يركبوا الدابة دون أن تسرج، أو أن يكون لها بردعة، وألاّ يبنوا
كنائس، وأن تكون صلواتهم بصوتٍ منخفضٍ لا يسمع بالخارج".
هذا الوصف كان ينطبق على أرجاء الأمبراطورية الأموية، لكنه لم ينطبق على دولة
المردة الحرة في جبل لبنان وعاصمتها بسكنتا، التي استطاعت فرض معاهدات
متتالية على الخلفاء الأمويين وأجبرتهم على دفع جزية لقاء عدم تعرّض دمشق
لغارات المردة...
مع قدوم الحكم العباسي، اتخذت الخطة المعروفة بالتعريب والتذويب
منحىً أكثر تشدداً، ولنا أن نعتقد أن هجرة المسيحيين إلى لبنان ازدادت أيام
العباسيين لاسيما في خلافة هارون الرشيد (786-809) وفي خلافة المتوكل
(847-861)، كما أنه عند منصرم القرن العاشر، أصبحت سوريا ومصر والعراق
بلداناً إسلاميةً في حياتها ومظاهرها العامة. أما في مصر، فإن القوانين التي
سنها الخلفةالفاطمي الحاكم بأمر الله (996-1021) أجهزت على ما تبقى من معالم
النصرانية وجعلت البلاد بلاداً إسلاميةً محضةً، كما أن الأمم المغلوبة على
أمرها أبدت من المقاومة اللغوية ما لم تبده في المقاومة الحربية أو الدينية،
ولم يتم انتصار العربية كلغةٍ يتكلمها الناس المغلوبون على أمرهم، إلا عند
منصرم العهد العباسي، أي في أوائل القرن الثالث عشر.
أما في أوروبا، فنجد المسيحيين الفرنسيين عرضةً للمعاناة نفسها، لأن الفتح
الإسلامي وصل إلى عمق فرنسا ولم يتراجع إلا بعد معركة بواتييه 732، بينما
استمر الإحتلال الإسلامي لإسبانيا لأكثر من سبعة قرون (712-1492).
في لبنان نستخلص ما يلي: إن تاريخ الشعب المسيحي ممتزجٌ بتاريخ
الكنيسة المارونية في جبل لبنان وهو تاريخ الاضطهاد والمقاومة: "فليس لدينا
عن حياة الموارنة في الجيل الثامن وحتى الحادي عشر إلا هذا المستندان:
الجنائن التي نحتوها في الصخور والصلوات التي كانوا يصلونها".
إذا كان تاريخ لبنان يبدأ منذ ستة آلاف سنة، كما يؤكد المدافعون عن
النظرية الفينيقية، فالحقيقة هذه أن تاريخ المسيحيين في لبنان كشعبٍ وعى
كيانه وأراد السيادة والحرية وضحى بكل شيء من أجلها، هذا التاريخ يبدأ مع
الإحتلال العربي: "إذ لم يكن للتمايز الحضاري من وجودٍ قبل هذه الفترة، لأن
لبنان المسيحي قبل القرن السابع كان مرتبطاً بسائر المشرق المسيحي كما بالغرب
داخل دائرةٍ حضاريةٍ واحدةٍ. ولكن تغيير ملامح المنطقة المشرقية وفرض الإسلام
والعروبة عليها، أدّى إلى فك الارتباط العضوي بين سكان لبنان المسيحي وسائر
المنطقة المعرضة بحيث شهدت المنطقة تناقضاً ومواجهةً بين شعبٍ عربيٍّ مسلمٍ
من جهةٍ، وشعبٍ سريانيٍّ مسيحيٍّ من جهةٍ أخرى، وصراعٍ بين حضارتين ما تزال
نتائجه تتفاعل حتى اليوم".
إن هذا التناقض الحضاري قد بدأ في لبنان مع حملات الخليفة العباسي
المنصور ابتداءً من سنة 758 الذي سهّل الاستيطان الإسلامي على السواحل
اللبنانية بواسطة القبائل القادمة من الجزيرة العربية، وهكذا تحولت طبيعة
الصراع من حربٍ بين الكيان المسيحي في جبل لبنان ودولةٍ إسلاميةٍ محيطةٍ بها،
إلى صراعٍ على الأرض الواحدة بين شعبين اعتبر المستوطنون أنفسهم السكان
الشرعيين.
أهمية هذه الصورة بالغ الخطورة، فهي ترشدنا إلى تطوّر النيّة الإسلامية في
المنطقة...
فإذا كانت ولادة القضية المشرقية تحدّد بحوالي سنة 636، أي بالفتح
الإسلامي وما استتبعه من مدٍّ على كل الأراضي المشرقية، ممّا بلور الهوية
المسيحية اللبنانية والنزعة الإستقلالية في جبل لبنان، فإن ولادة القضية
اللبنانية تحدّد بحوالي 758، أي بالخطة الاستيطانية على السواحل اللبنانية
وما ولدت من ثنائيةٍ في الهوية والانتماء وما زالت تتفاعل حتى يومنا: فمن
ناحيةٍ، هنالك الشعب المسيحي اللبناني، ومن الأخرى، هنالك الشعب المسلم
العربي في لبنان. وكل كلامٍ عن ووحدة الشعب هو من باب التغاضي عن حقائق
التاريخ أو من باب التزوير التاريخي. فإذا كنا نستطيع الكلام عن شعبٍ
يوغسلافي واحدٍ أو سعبٍ قبرصي واحدٍ، عندئذٍ نستطيع الكلام عن شعبٍ لبناني
واحدٍ....!!
- الحملات
الصليبية:
مع تقلبات الزمن ونهاية القرن الحادي عشر، وصلت الحملات الصليبية بين
1097-1099، فتنادت المدن الساحلية لمقاومة الإفرنج، هذه المدن التي كانت ذات
طابعٍ إسلاميٍّ وتابعةً للحكم الفاطمي تارةً، والعباسي طوراً. أما مسيحيو
الجبل، فقيل عنهم: "ولما وصل الفرنج فوق مدينة طرابلس في زحفهم على أورشليم،
بعد فتح إنطاكية، هبط إليهم جماعةٌ من المؤمنين السريان الذين يسكنون جبل
لبنان فوق جبيل والبترون وطرابلس... لأجل تهنئتهم وعرض خدماتهم عليهم. فرحبوا
بهم بعواطف الحب الأخوي واتخذوا منهم هداةً يرشدونهم".
لكن هذه الحملات التي دامت مئتي سنةً، كانت من القضايا الكبرى الخاسرة
في التاريخ، فهي لم تستطع تحقيق هدفها الأساسي، وهو تحرير الأراضي المقدسة،
كما أن مساحة الاحتلال الصليبي جاءت صغيرةً جداً، فلم تشمل لا دمشق ولا حمص
ولا حماه ولا حلب. كما أن الثمن الذي دفعه المسيحيون بعد الانسحاب الصليبي من
المشرق جاء باهظاً جداً... إن من حيث التهجير الجديد من المدن الداخلية كحلب
وغيرها، وإن من حيث الحملات العسكرية على جبل لبنان كما سنرى.
فالمماليك قاموا بحملاتٍ متتاليةٍ على جبل لبنان لإخضاعه بمشاركة
التنوخيين، وذلك بين سنت 1283 (معركة إهدن)
وسنة 1305، بهدف القضاء على دولة المردة المستقلة في جبل لبنان التي كانت
عاصمتها "بسكنتا". هذه الاستقلالية التي دامت أكثر من ستة قرونٍ لن يتم
التركيز عليها في أيّ كتابٍ للتاريخ حفاظاً على الوحدة الوطنية... كما أن
معركة 1293 التي انتصر فيه الجيش المسيحي بما عرف بمثلث الفيدار جبيل
المدفون، حيث واجه 30 ألف مسيحي نحو مئة ألف من جيوش المماليك والعشائر
العربية وانتصروا عليها من دون مساندة الصليبيين ولا البيزنطيين.
لا نجد لها ذكراً في كتب التاريخ...
هذه المعركة لا يتكلم عنها تاريخنا الرسمي حفاظاً على وحدة الشعب...
هذه المعركة كانت آخر وقفةٍ استقلاليةٍ للكيان المسيحي، لأن حملةً هائلةً تمّ
تجريدها على كسروان سنة 1305، قد غيّرت هذه الحملة مرةً أخرى وجه التاريخ،
فإذا كانت معركة اليرموك هي المفصل التاريخي المصيري الذي سمح للغزو الإسلامي
أن يمتدّ إلى مناطق المشرق المسيحي، وسيطر عليها ما عدا جبل لبنان الذي حافظ
على استقلاليته وكيانه طيلة سبعة قرونٍ، فإن حملة كسروان واجتياحها، قد أدّت
إلى سقوط الكيان المسيحي وإلى سيطرة الحكم الإسلامي المملوكي على جبل لبنان،
أي ما تبقى من بقعةٍ حرّةٍ في المنطقة المشرقية.
5- الإحتلال
المملوكي:
قام المماليك بخطةٍ إستيطانيةٍ جديدةٍ يصفها كتاب التاريخ المدرسي كما
يلي: "عمد المماليك إلى توزيع المناطق على أعوانهم، فأقطعوا كسروان للعسافيين
والعرب وبيروت للتنوخيين، وذلك منعاً لنزول الصليبيين إلى البر وحرصاً على أن
لا يتمّ بينهم وبين الكسروانيين أيّ اتصالٍ"
وهذا المقطع غنيٌّ عن أيّ تعليقٍ. فوجود القرى الإسلامية ناحية ترشيش مثلاً،
سببه مراقبة مرفأ بيروت لصالح المماليك... "وفي النهاية، قام المماليك بردم
المرافئ لمنع أيّ إنزالٍ بحري".
إن مرحلة الاحتلال المملوكي هي مرحلةٌ مظلمةٌ، إن من حيث المعاناة
المسيحية وإن من حيث قلّة الوثائق التاريخية... لكن الأكيد، أن العنصر
الأساسي الذي مكّن الشعب المسيحي من الاستمرار بالرغم من نير الاحتلال، هو
التفافه حول المؤسسة الكنسية الممثلة بالبطريركية، التي استمرت بدورها
التاريخي وجمعت بين المسؤولية الدينية والمسؤولية المدنية إلى جانب السياسة
التي كانت بيد المقدمين (حتى يتسنى للمماليك جمع الجزية بسهولةٍ).
من تواريخ المعاناة في القرن الرابع عشر حوالي سنة 1367، تاريخ
استشهاد البطريرك حجولا حرقاً على أبواب طرابلس،
مما أضعف سلطة البطريركية لمصلحة المقدمين وحصولهم على الرتبة الشدياقية...
إن الاضطهاد الذي طاول الكرسي البطريركي قد أدّى إلى نزوح البطريرك يوحنا
الجاجي من إيليج في ميفوق إلى وادي قنوبين سنة 1440، حيث استمرت البطريركية
بين أحضان الوادي المقدس في الأديار المنحوتية في الصخر ما يقارب الأربعماية
سنة.
6- الإحتلال
العثماني حتى القرن الثامن عشر:
إن سقوط القسطنطينية سنة 1453، قد فتح أبواب المنطقة أمام الغزو العثماني.
فبعد أن أكمل السلطان سليم فتحه تجاه الفرس، قام بالالتفال غدراً على
المماليك والانتصار عليهم في مرج دابق قرب حلب سنة 1516، مما سمح بالسيطرة
على المنطقة المشرقية وصولاً إلى مصر. فقد أصبح المسيحيون ذوو الطقس
البيزنطي، يتبعون بطريركاً يتم تعيينه من قبل السلطان العثماني في اسطنبول،
إمعاناً في السيطرة على الشعوب المسيحية تحت الإحتلال.
أما في لبنان، نجد أنه: "أثناء تفاوض السلطان سليم مع البطريرك شمعون
الحدثي الماروني، أقنعه البطريرك بأن لبنان منذ القدم يتمتع باستقلالٍ داخلي
والبطريرك لا يتلقى الفرمان كسائر البطاركة، فأعفى السلطان البطريرك الماروني
من قبول الفرمان الذي كان قد فرضه على بطاركة الشرق.
إن النظام السياسي العثماني قد حافظ على تقسيم الولايات كما كان يعين
الأمراء والحكام سنوياً لقاء مبالغ من الجزية والضرائب لتجديد هذا التعيين...
سنة 1535: الملك الفرنسي فرنسوا الأول يعقد معاهدات مع السلطان العثماني
سليمان القانوني، ذات طابعٍ اقتصادي وتجاري وديني، حيث كان لفرنسا دورٌ في
حماية الكاثوليك داخل السلطنة العثمانية، مما فتح المجال للإرساليات المختلفة
في المشرق.
سنة 1540، الأمير عساف التركماني، يسمح بعودة الموارنة إلى كسروان...
حيث بدأ حلفٌ بين بنو منصور وبنو عساف السنة، والموارنة ممثلين بآل حبيش.
"مع القرن السادس عشر، نرى نهضةً عند المسيحيين والموارنة على كل
الأصعدة، روحياً، اجتماعياً، اقتصادياً وسياسياً، طبقاً لهدفين كانا نصب أعين
الشعب الماروني:
الهدف الأول هو الحكم الذاتي داخل جبل لبنان،
الهدف الثاني هو التعاون الحر والمتبادل مع الجوار والحلفاء في داخل البلاد
وخارجها".
فقد كان لزيارة الموفد البابوي اليانو سنة 1579، الأثر الكبير من حيث عقد أول
مجمع ماروني، ومن حيث إنشاء المعهد الماروني في روما سنة 1584 (بعد مدرسة
القديس أتناسيوس لليونان سنة 1576) كما أنشئت المدرسة الأرمنية في روما...
هذا المعهد الماروني سيخرّج الإكليريكيين والمطارنة والبطاركة على مدى
قرنين من الزمن، مما شكّل نهضةً في جسم الكنيسة والمجتمع، عدا عن النهضة التي
قام بها الخريجون الذين انتشروا في دول أوروبا.
هنا نجد في تقارير الموفدين اليانو ثم دانديني، ذكر "للشعب الماروني"
و "للأمة المارونية"، ذلك لانتشارهم في مناطق محددة، حيث يمارسون طقوس
وصلواتٍ مميزةً، مع عاداتٍ وتقاليد مميزةٍ، في علومهم وفي بنيتهم العسكرية أو
السياسية داخل البلاد أو خارجها، مما شكّل بنيةً مجتمعيةً متماسكةٍ.
إن الاتصال مع الغرب سرّع النهضة الفكرية من حيث إدخال التقويم الغريغوري سنة
1606 وإدخال أول مطبعةٍ إلى الشرق سنة 1610 في دير مار أنطونيوس قزحيا.
أما تحت حكم فخر الدين، فقد أدّى الحلف الجديد مع الموارنة إلى
الانتشار السكاني في الشوف، كما شاركت الكنيسة في رسم السياسة الخارجية
للإمارة، عبر اتصالاتها مع الإمارات الإيطالية. كما أن الهيكلية العسكرية
اعتمدت أيضاً على الموارنة.
إبتداءً من سنة 1625، توافد المرسلون الغربيون إلى بلاد الشرق وخاصةً
إلى مدينة حلب، حيث سيكون لهذه الإرساليات ولجهود القنصلية الفرنسية الأثر
الفعال في اتحاد الكنائس الشرقية مع روما في القرن الثامن عشر، حيث نشأت
طائفة السريان الكاثوليك 1657، الروم الكاثوليك 1724 والأرمن الكاثوليك 1740.
وكانت مراكزها في جبل لبنان حيث تتأمن الحماية...
في نهاية القرن السابع عشر، نجد حدثين مهمين، الأول سياسي، وهو انتقال
الإمارة إلى الشهابيين سنة 1697، والثاني ديني، وهو الإصلاح الرهباني مع
البطريرك الدويهي، وتأسيس الرهبانيات المارونية الثلاث على مراحل... هذه
الرهبانيات، سوف تساهم كثيراً في التوزيع السكاني المسيحي وفي توزيع الملكيات
العقارية.
وفي النهاية، لا بد من ذكر المجمع اللبناني سنة 1736، حيث تم تنظيم
هيكلية الكنيسة المارونية وإنشاء الأبرشيات إلى جانب أمورٍ تنظيميةٍ
كثيرةٍ... حيث كان للموفد البابوي العلامة السمعني الحصروني، الدور الأساسي
في التحضير والمشاركة. كما أن الجدير بالذكر، هو لقاء المطران السمعاني مع
والدته في حصرون عند قدومه إلى لبنان وتكلم معها بالسريانية.
7- خلاصة:
العبر التي لا بد من استنتاجها من معاناتنا التاريخية، هي على
مستويين، مستوى القضية المسيحية ومستوى الهوية المسيحية.
أولاً:
بما يختص بالقضية المسيحية اللبنانية، فهي قضيةٌ مثلثة الجوانب، كما وصفها
الأستاذ طوني مفرج،
وهي الوجود المسيحي الحرّ في لبنان، ولهذا المثلث جذورٌ
تاريخيةٌ أحطناها في عرضنا.
ثانياً: ما يختص بالهوية المسيحية المشرقية، هذه الهوية في مكوناتها
تجمع الشعوب المسيحية المشرقية... فالمكونات الأربع للهوية القومية هي:
الدين، اللغة، التاريخ والحضارة الواحدة. من حيث الدين، نجد المسيحية تجمع
الشعوب المشرقية مع وجود الطوائف والطقوس المختلفة. من حيث اللغة، فإن
الينبوع اللغوي الأساسي للمنطقة هو الآرامي السرياني. من حيث التاريخ،
فالشعوب المسيحية المشرقية يجمعها تاريخٌ واحدٌ من المعاناة والنضال خلال 13
قرناً. من حيث الحضارة بالمعنى الواسع بما يشمل الإرث الثقافي والاجتماعي
والفكري، فهي بشكلٍ أساسيٍّ الحضارة المسيحية المشرقية.
نحن كشعبٍ مسيحي مشرقي أشبه بالهنود الحمر في دفاعنا عن الكيان
والهوية والوجود... فنحن أصحاب الأرض الأصليين، ونحن أصحاب الحضارة الأصليين،
أمّا خصوصية المشرق فتكمن في تعامل الفتح العربي الإسلامي معه، حيث انتقل من
سياسة الإبادة في المرحلة العسكرية الأولى، إلى سياسة الأسلمة للسكان في
المرحلة الإنتقالية، وأخيراً إلى سياسة التعريب في المراحل اللاحقة.
أقوال مأثورة
واستشهادات
"إن لبنان أكثر من وطن، إنه رسالةٌ في الحرية ومثالٌ في التعددية للشرق
والغرب".
وأيضاً: "إن ازدهار المسيحية في لبنان هو شرطٌ لوجود الأقليات المسيحية في
الشرق الأوسط.
"إن الخطر ليس على وجود لبنان، بل على هويته".
"إذا خيّرنا بين التعايش والحرية نختار الحرية".
في المقابل، ربّ قائلٍ: "أنا أعارض شعار "لبنان مجتمعٌ تعددي" وأقول "لبنان
مجتمعٌ متنوعٌ" وليس متعدداً وإذا أفسحنا مجالاً لمفهوم التعدديات، تكون هناك
مجتمعاتٌ، والترجمة السياسية للتعددية هي الكونفدرالية أو الفدرالية".
فنحن نوافق على الإستنتاج الأخير فقط.
الدكتور أندريه كحاله
منشورات هيئة الثقافة السريانية
يتبع
* * * * *
|