عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
   د. أندريه كحّالة

د. أندريه كحّالة

بيروت – لبنان


  الموارنة والصليبيون 

       عند وصول الصليبيين إلى الشرق، كان الموارنة يسكنون المنطقة الجبلية الممتدّة من نهر الكلب جنوباً حتى عكار شمالاً وكانت خاضعةً للفاطميين الشيعة. أمّا من الجهتين الشرقية والجنوبية، فكانوا مطوّقين بولاية دمشق السلجوقية.

       لما وصل الصليبيون إلى عرقة، شمال شرق طرابلس، في نيسان 1099، إستبشر الموارنة خيراً وأملوا تحسُّناً في أوضاعهم إذ كانوا في ذلك الوقت رعايا من الدرجة الثانية ومستبعدين سياسياً من قِبَل المسلمين. فأمدّ الموارنة الصليبيين بالمؤن والإدلاء لإرشادهم على الطريق الساحلي نحو القدس.

       وبعد تأسيس الدويلات الصليبية، شملت كونتية طرابلس جميع المناطق المارونية من جبل لبنان.

       في أيام الحكم الصليبي، تعزّزت العلاقات بين الموارنة والكرسي البابوي، ونَعِمَ الموارنة بطمأنينة نسبية فجدّدوا طاعتهم للحبر الأعظم في عهد البطريرك غريغوريوس الحالاتي سنة 1130. وكان البطريرك بطرس الأول قد انتقل إلى وادي إيليج في ميفوق سنة 1121، بعد أن بقي البطاركة في يانوح حوالي 180 سنة.

       مرّت العلاقات بين الصليبيين والموارنة بأزمات عدّة منها ما كان لاهوتياً ومنها ما كان سياسياً.

       مثلاً على الصعيد اللاهوتي، كانت المناولة تتمّ عند الموارنة بالخبز والخمر كما سمحوا بزواج الكهنة، وهذه أمورٌ أدّت إلى خلافات بين الفريقين. أمّا الخلاف الأساسي، فكان على شكل الحكم الذي كان وراثياً عند الصليبيين، بينما كان شعبياً عند الموارنة إذ أنّ البطريرك كان رأس النظام ويستمدّ سلطته من الشعب الذي يوافق على انتخاب الأساقفة له، والمقدّمون كانوا منتخبين من الشعب ويتبعون البطريرك مباشرة.

       لم يتقبّل الموارنة طريقة الصليبيين في الحكم الوراثي. ولم يتّفقوا على رأيٍ واحدٍ حول موالاتهم للصليبيين، فتقرّب موارنة الساحل منهم بينما اتّخذ موارنةالجبل موقفاً متحفّظاً تجاههم لعدّة أسبابٍ أهمها:

-       محاولة الصليبيين امتصاص نزعة الموارنة الإستقلالية.

-       محاولة الكنيسة الرومانية ليتنة الموارنة التي أيّدها الإكليروس ورفضها الشعب.

-       الضرائب التي فرضها الصليبيون ولم يحتملها الموارنة.

وفي سنة 1199، انتخب ارميا العمشيتي بطريركاً فتمكّن من توحيد كلمة الموارنة، لكن الخلافات والإنقسامات عادت بعد وفاته سنة 1230.بسبب خلافة بارون جبيل هوغ امبرياتشي (Hugues Embriaci) الذي توفي سنة 1233 تاركاً ولداً قاصراً. فأعلن أهل الجبّة والمنيطرة عصيانهم وأقاموا عليهم أميراً من مقدمي لحفد ورسموا أسقفاً خاصاً بهم، بينما كان الفريق الآخر بقيادة البطريرك دانيال الشاماتي الذي خلف ارميا سنة 1230 والذي كان موالياً لأسرة امبرياتشي حاكمة جبيل. فانتقل من يانوح إلى دير كفيفان ثمّ إلى دير مار يوحنا مارون كفرحي ومنه إلى دير مار جرجس الكفر في بلاد جبيل هرباً من معارضيه.

إستمرّ هذا الوضع حتى أيام البطريرك شمعون البلوزاني الذي تسلّم رسالة من البابا ألكسندر الرابع في شباط 1256 يؤكد فيها على حقوق كنيسته ودعمه له ولطائفته.

الدكتور كريستاين حلو

منشورات هيئة الثقافة السريانية

يتبع

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها