عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الفَصٌل الرابُع

الدول الآرامية آرام في الآوج

لم تكن حملة تغلات فلصر الاول الا موقوتة المفعول كما رأينا واذا ففي عهد ابنه " اشور بل كالا" الاول (1087- 1070) نجد الآراميين مستوطنين ضفتي الفرات حيث تقوم دولة لهم باسم " بيت آديني" مدينتها الكبرى " تل بارسيب " 95 ويتصل امتدادها ببلخ.

ومن نض لشلمنصر الثالث يتضح ان " ملك الآراميين " في عهد اشورابي" الثاني (1009- 990) فتح مدناً على الضفة اليسرى لنهر الفرات 96.

في القرن 11 بلغ اجتياح الآراميين اقصى حدته وبات فتحاً بأوسع مدى الكلمة. فتأسست بعد بيت آديني دول اخرى، منها اثنتان في وادي بلخ، وكثيرات في وادي الخابور، ومنها بيت بخياني التي عاصمتها جوزانا 97 وثلاث دول في شوق الخابور  الاعلى، منها  مدينة نصيبين، والدول الثلاث لقبيلة تيمنانا 98  . وفي اقصى الشرق قبائل تحتل شواطئ الفرات، منها السوخو واللقي في السهول الجنوبية الى جبل سنجار، والاتواتي على  دجلة بين الزاب الاسفل والادهم.

على ذلك باتت اشور محصورة وبائسة ولمن جيشها بقي منظماً وقوياً وارادتها حديدية.

ووقف الزحف الآرامي منذ القرن العاشر وتحضر الفاتحون وانفصلت دولهم وباتت عاجزة عن الاتحاد. واذا نجحت احداها في تكوين حلف قامت اخرى تزاحمها وثارث بينهما الحروب.

واتى وقت استغلت فيه اشور هذا الانقسام..

وكان السيل الآرامي يتدفق على بلاد بابل ايضاً منذ بدء القرن الحادي عشر ففي سنة 1038 ق.م. استولى الآرامي " ادد ابل الدين " على عرش بابل كما قلنا، ورأى ملك اشور المدعو اشور بل كالا ان يتقرب اليه فتزوج ابنته بينما استولت قبائل آرامية يقودها شيوخ ذوو عزيمة شيئاً فشيئاً على البلاد البابلية الواقعة جنوب بغداد ونما الكلديون ابناء عم الآراميين وملأوا شواطئ الخليج الفارسي وتكونت منهم دويلات لاراك وبيت دكورى ( او بيت آديني) وبيت اموكاني وبيت شيلاني وبيت شعلي وبيت ياكيني.

وفي سورية الشمالية انتشر الآراميون رغم المقاومة التي كان يبديها السكان الحثيين في قرقميش وحلب بعد زوال امبراطوريتهم، ودخلوا وادي كاراسو الى اقصى الشمال الى جبال امانوس حيث أسسوا مملكة ياءودي المسماة شمأل في الآرامية واتخذوا مدينة زنجيرلو عاصمة لهم.

وفي أو اخر القرن 11 كانت حماة في ايديهم. يدل على ذلك ما جاء في سفر الملوك الثاني 8/ 9 و 10 من ان ابن ملك حماة المدعو توعي كان له ابن يدعي جورام 99 اما في سفر اخبار الايام 18/ 9 و 15 فالاسم هادورام 100 ومعناه ( هدد يعلو) اما اسم يورام فمعناه ( يهوى يعلو) وهدد اسم اله الآراميين ويهوه اسم اله الاسرائيليين. والاسمان ساميان حتما. وقد دلت الحفائر الحديثة التي اجريت في حماة على وجود طبقة آرامية تحوى نقوشاً وهي تأتي فوق الطبقة الحثية 101.

وعلى ذلك فان الثابت الغير قابل النقاش ان الآراميين كانوا يحتلون وادي العاصي الأعلى منذ القرن 11 ووادي الليطاني وجميع انحاء سوريا الجنوبية حيث كان الاموريون والكنعانيون في انحطاط كلي، بعكس سواحل فينيقيا حيث صمدت صيدا وجبيل وصور والمنظمة تنظيماً حسناً واوقفت الفاتحين وصدتهم فلم يتمكنوا ابداً من الوصول الى البحر.

وفي جنوب سوريا اصطدم الآراميون بالملكة الفقية " اسرائيل" اذ شعرت القبائل العبرية من منتصف القرن 11 بالحاجة الى ملك امام الخطر الفلسطيني، فاقيم شاول:

" وتولى شاول الملك على اسرائيل وحارب كل من كان حوله الاعداء من الموآبين وبني عمون والادوميين وملوك صوبة والفلسطينيين وكان حيثا اتجه ظافراً". ( الملوك الاول 14/74).

وقد يكون اجمال هذا النص للموك الآراميين لأنهم كانوا بزعامة ملك آرام صوبه.

وقد عهد داود خليفة شاول طلب ملك العمونيين معونة الآراميين:

"ولما رأى بنو عمون انهم قد اصبحوا مكروهين عند داود ارسل بنو عمون واستأجروا آراميي بيت رحوب وآراميي صوبا، عشرين الف راجل، ومن ملك معكه الف رجل، ومن رجال طوب، اثني عشر الف رجل. فلما اخبر دواد ارسل يوآب وجميع جيش الابطال.

انكسر الآراميين حسب روية التوراة ولكن ملك صوبه او صوبا المدعو هدر عازر بين راحوب طلب معونة الآراميين عبر النهر (الفرات):

"فخرج بنو عمون واصطفوا للحرب عند مدخل الباب 102 وانفرد آراميو صوبا ورحوب ورجال طوب وكعكة في الصحراء. فرأى يوآب ان القتال مصوب الته من الامام والخلف فاختار قوماً من جميع منتخبي اسرائيل وصفهم للقاء الآراميين. وجعل بقية الشعب تحت يد أبيشاي اخيه فصفهم للقاء بني عمون وقال قوي علي الآراميون تكون انت لي نجدة...

سفر الملوك الاول (15/6-14)

"فلما رأى الآراميون انهم انكسروا امام اسرائيل اجتمعوا جميعاً.

" وارسل هدر عازر واخرج الآراميين الذين في عبر النهر فاتوا حيلام وفي مقدمتهم شوباك رئيس جيش هدر عازر ولما رأى جميع الملوك ان عبيد هدر عازر قد انكسرا امام اسرائيل دعروا وهربوا ... وصالحوا اسرائيل... وخاف الآراميون ان يعودوا الى نجدة بني عمون".

(الملوك الثاني 10/ 15-19)

وهناك حملة ثالثة ترويها التوراة. هدفها الاول ملك صوبه الذي اعاد سلطته على الفرات وحالف ملك دمشق الآرامي:

" وضرب داود هدد عازر بين رحوب ملك صوبه وقد كلن ذاهباً ليسترد سلطته على نهر الفرات.. فجاء آراميو دمشق لنجدة هدد عازر ملك صوبه فقتل داود من الآراميين اثنين الف رجل. وأقام داود محافظين في آرام دمشق فكان الآراميون عبيداً لداود يؤدون الجزية.. واخذ داود تروس الذهب التي كانت مع عبيد هدد عازر واتى بها الى اورشليم. واخذ الملك داود من باطح وبيرو تاي مدينتي هدد عازار نحاساً كثيراً جداً".

(الملوك ف 8 ع 3-8)

وهنا يظهر ملك حماة الآرامي الذي ذكرتاه قبل:

"وسمع توعي ملك حماة ان داود قد كسر كل جيش هدد عازر. فارسل توعي ابنه يورام الى داود الملك ليقرئه السلام ويباركه لا نه قاتل هدد عازر وكسره لان هدد عازر كانت له حروب مع توعي. وفي يد يورام آنية من  الفضة والذهب والنحاس... واقام داود بناء تذكار عند رجوعه بعدما قتل ثمانية عشر الفاً من الآراميين في وادي الملح.

( الملوك الثاني 9/ 10-13)

وتابع سليمان (973- 936) خطى والدخ داود، زحكم كما قيل من الفرات الى حدود مصر، وهنا يبدو ان نفوذ سليمان كان في تلك الاصقاع وان حكمه لم يكن فعلياً. حاء في اخبار الايام الثاني ( اصحاح 8 عدد 3-8)

"وذهب سليمان الى حماة صوبة 103 وقوي عليها. وبنى تدمر في البرية.. وبنى بيت حورون.. وبعلت وكل ما احب سليمان ان يبني في اورشليم ولبنان.. اما جميع الشعب الباقي من الحثيين والاموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين الذين لسوا من اسرائيل، وبينهم الذين بقوا بعدهم في الارض الذين لم يفنهم بنو اسرائيل جعل سليمان عليهم سخرة الى هذا اليوم".

وهنا تذكر التوراة شيئاً عن الآراميين في القرن العاشر:

" واقام يهوه خصماً لسليمان هدد الادومي...(الملوك الثالث 11/14) واقام يهوه خصماً آخر لسليمان رزون بن الياداع وكان هرب من عند سيده هدد عزر ملك صوبه. فجمع اليه رجالا فصار رئيس غزاة.. فانطلقوا الى دمشق واقاموا بها وملكوا في دمشق. وكان خصماً لإسرائيل كل ايام سليمان مع شر هدد. وملك على آرام".

(الملوك الثالث 11/23-25)

من هذا النص يتضح لنا قيام حركة عنصرية آرامية مقاومة الاسرائيل، تجلت في دمشق بعد ان كانت صوبه، فحلت دمشق القلب من الآراميين وكانت التوراة بعد ذلك تدعو ملك دمشق " ملك آرام" وبذا نرى ان ملك سليمان في سوريا لم يكن مرتكزاً ارتكازاً سياسيا قوياً وان نفوذه كان مع ذلك قوياً كما قلنا.

بلغت آرام اوج مجدها حول نهاية القرن 10 اذ بلغ الآراميون بلاد بين النهرين العليا وباتوا يهددون أشور.

وفي سورية حيث يتنازعون السياده مع الملكة الاسرائيل اصبحوا سادة الموقف بعد موت الملك سليمان وانقسام اليهود الى مملكة يهذا في الجنوب وعلى رأسها رجبعام بن سليمان، وعاصمتها اورشليم، ومملكة اسرائيل في الشمال، الخاضعة للمغتصب ياربعام.

وعلى رأس الآراميين الآن مملكة دمشق. 

(يتبع)

المراجع

95)هي الان التل الاحمر. وقد دلت على وجود الآراميين هناك الحفريات اتي أجريت في هذا الموقع. انظر تورو دانجان Thureau Dangin  في مؤلفه "تل بار سيب" باريس 1936.

96) لو كمبيل 1/603

97) الآن تل خلف كما دلت الحفريات انظر  Openheim "تل خلف " باريس 1939.

98) بعد 1900 سنة يذكر التلمحري اسم تيمنايا بين الاسر المقيمة في منبج بمناسبة مرور هرقل بعد عودته من حرب الفرس. انظر تاريخ الازمنة وما علقناه من الشرح في المجلة  البطريركيه للاب بولس قرألي، السنة 13/ جزء اول القاهرة سنة 1950.

99) "سمع توعي ملك حماة ان داود قد كسر كل جيش هدد عازر فارسل توعي ابنه يورام الى داود الملك ليقرئه السلام..."

100) "وسمع توعي ملك حماة ان داود  قد كسر كل جيش هدر عازر ملك صوبة. فارسل هدورام الى الملك داود ليقرئه السلام ويباركه لانه قاتل هدر عازر وكسره لان هدد عازر كانت لع حرب مع توعي"

100) انظر هـ ز انجولي Ingholt  التقرير الابتدائي عن الحفريات السبع التي اجريت في حماة سوريا ( طبع كوبنها جن سنة 1940) ومن رأيه ( ص 80) ان الساميين الآراميين احتلوا الحكم في حماة حوالي سنة 1000 ق.م.

102) باب ربّه المساة الآن عمان عاصمة المملكة الاردنية

103) هي حماة كما يرجح العلماء. وقد وجدت حديثاً في حفريات المدينة قطع كثيرة من الاجر عليها حروف " ص.ب.هـ." (صُبه) انظر تقرير انجولت عن حفريات حماة، طبعة كوبنهاجن سنة 1940 ص 115 وما يليها:

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها