عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الفَصٌل الثَالِث

هجرات آرام

نزح الآراميون من الصحارى المجاورة للبلاد المشرقية، كما يبدو التقليد التوراتي ومن النقوش.

1-                   المصادر التوراتية

يجدر بنا اولاً تحديد مؤدى اسم آرام كما جاء في التوراة:

يقول الاب دورم Dhorme 83 ان الكلديين هم ابناء كاسد المذكور في التوراة في سلسلة نسب سام. ومن اسم كاسد سميت قبيلة الكسديم، ومفردها " كسدو" المذكور في بعض النصوص المسمارية باسم "كلدو" لأن لغة أطاد التي كتب بها بعض النصوص المسمارية تحوّل السين الى لام متى سبقت حرفاً ملفوظاً مثل الدال.

ويستنج علماء المجلة التوراتية في العدد والصفحة المذكورين في الحاشية 83 قبل، ان الكلديين كانوا في جنوب ما بين النهرين بنوع خاص وان الآراميين كانوا في شمال. وان الشعبيين الشقيقين كانا متحدين في محاربة الامبراطوريات الأشورية والبابلية. كانا في البدء مختلطين ولكنهما ابتعدا وتفرقا بنسبة تصاعدية تتفق  مع عدد الاسر واشتداد بأسها. ولنا ذلك مثال في التوراة:

"وكان ابرام غنياً جداً بالماشية والفضة والذهب... وكان للوط السائر مع ابرام غنم وبقر وخيام. فلم يحتمل ضيق الآراض ان يقيما فيها معاً... فكانت خصومة بين رعاة ماشية ابرام ورعاة ماشية لوط. والكنعانيون والفرزيون حينئذ مقيمون في الارض. فقال ابرام للوط لا تكن خصومة بيني وبينك.. اعتزل عني انا الى الشمال فأتيامن عنك، واما الى اليمن، فأتياسر فاختار لوط لنفسه كل بقعة الأردن". واقام ابرام في ارض كنعان..

تكوين 13 /2- 12)

ونر الاثنين مقيمين على امتن الصلات الأخوية لا سيما في اوقات الخطير: "فجاء من افلت واخبر ابرام العبراني.. فلما سمع ابرام ان اخاه قد أُسر جرد حشمه المولودين في بيته.. فاسترجع جميع المال، ولوط اخاه وماله ردهما".

تكوين 14/ 13- 16)

 

2-                   النقوش

تذكر رسائل تل العمارنة 84 اخبار "الاخلام" (إحلامو) وهم الآراميون الزاحفون على مناطق الفرات في القرن 14 ق.م. ثم تأتي نصوص اشورية من عهدالملك الاشوري اريك دان ايلو (1325 – 1311) لتروي انتصار هذا الملك على "الاحلامو" و "السوتو" في منطقة الفرات الأعلى 85 . وفي سنة 1275 تدل رسالة وجهها الملك الحثي " خاتوشيل الثالث" الى ملك بابل "كاداشمان انليل" على اضطراب المواصلات بين مملكتيهما بفعل الاحلام 86 وقد حارب شلمنصر الاول (1280- 1256) الحثيين والاحلام في جهة الخابور 87 كما فتح خلفه تيكولتي نينورتا الأول ( 1255- 1218) جبال الأحلام 88.

وحوالي السنة 1200 عند انهيار الامبراطورية الحثية واجتياح " شعوب البحر" آسيا الصغرى وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، تبقى اشور بعيدة عن هذا السيل الجارف، ويحاول الملك " اثور ريش ايشي" (1149- 1117) التوسع الى ناحية الغرب في سهول بين النهرين التي تتحكم بطريق البحر المتوسط ولكنه يرتطم بالآراميين ويذكر 89 انه قتل منهم جموعاً كبيرة.

وفي السنة 1116 يخلف تغلات فلصّر الاول واله اثور ريش ايشي ويستمر ملكه الى شنة 1090 وفي 1112 يحارب الاحلامو ويقول 90

" في حمى سيدي الاله اشور اخذت عرباتي الحربية وابطالي ودخلت الصحراء وسرت الى الأحلامو الآراميين اعداء سيدي الاله اشور. ومن بلاد سوخي الى قرقميش التي في بلاد الحثيين في يوم واحد اجتحت البلاد ومزقتهم وحملت معي اسلابهم ومقتنياتهم واملاكهم التي لا تحصى. والباقي من جموعهم هرب واجتاز الفرات امام اسلحة سيدي الاله اشور الرهيبة ولحق بهم في قوارب من الجلد. وستاً من مدنهم المنبسطة تحت حبل بشري فتح، واحرقت بالنار وهدمت ولاشيت.. وحملت مقتنياتهم واسلابهم الى مدينتي اشور".

وبد ذلك يتجه فلصّر نحو لبنان وارض الاموريين ويصل البحر ويأخذ جزية من جبيل وصيدا وأرواد.

ولمن حملاته تبقى موقوتة النتائج ولذا فهو ينقش في آخر عهده:

" 28 مرة وراء الاحلامو الآراميين اجتزت الفرات، مرتين في كل سنة. ومن مدينة تدمر في بلاد الامورو، ومن مدينة انات في بلاد سوخي الى مدينة رقيقو من بلاد كاردونياس كسرتهم وحملت الى مدينتي اشور اسلابهم مقتنياتهم 91 .

سيل الآراميين لا ينقطع اذن نحو شواطئ الفرات من قرقميش في الشمال الى بابل، وهم فوق ذلك يستوطنون ويؤسسون المدن ومنها الست التي يذكرها نقش تغلات فلصر الأول. جموعهم تتكون وتزحف من قلب الصحراء من تدمر، والى هذه المدينة يصل ملك اشور في مي ملاحقتهم.

وفي النقشين الآخرين يذكر القوم باسم "احلامو آراميين" لا احلامو فحسب، وهكذا تستمر تسميتهم في بعض النقوش اللاحقة وخاصة في نقش لأشور نيراري الثاني (911- 890) الذي يلقبهم " اهل البراري"92

وفي نقش اشور ناصر بال الثاني (884- 859) يذكر هذا الملك انه اجلى 1500 من الاحلامو الآراميين من بيت زاماني (في الفرات الاعلى) الى بلاد اشور 93.

ولكنهم في اكثر الحالات التالية يلقبون بلقب " آراميين" فقط بينما يذكرون في نقوش اخرى باسم "الاحلامو".

فاسم " احلامو" يبقى اذن الى أواخر القرن الثاني عشر ق.م. ثم تضاف اليه كلمة "آراميون" ثم تحل هذا الكلمة الاخيرة محل اسم " احلامو".

ويتساءل العلماء الافرنج 94 عن هذه النقطة: هل يمكن الافتراض ان الآراميين كانوا قوماً من الاخلامو امتدت شهرتهم فعرف عنصرهم باسمهم كما كان اسم اسرائيلي يطلق في البدء على جزء من العبريين الى ان اخذ يحل محل اسمهم جميعاً في كثير من الحالات؟

نقول: التوراة تذكر اسم آرام على أنواع: تذكر اولاّ كإسم علم لشخص مرتين بمناسبة ذكرها الاباء الاول واستيطانهم "فدان آرام" ثم اذا ذكرت المالك الآرامية فيما بعد قالت "آرام صوبا وآرام بيت رحوب وآرام دمشق وآرام معكة وآرام نهارايم". يمكنا ان نكني عن مدينة فدان المذكورة في النص التوراتي بقولنا " سهل بلاد آرام" او مدينة فدان التي لسلالة آرام" انما في ذكرها لمالك آرامية يتغير الوضع وتصبح هكذا " سليلة آرام المقيمة في صوبا او دمشق الخ. او البدو الذين اسسوا دولة صوبا او دمشق كما نقول الان عرب (قبيلة) الحديدية وعرب الشام وعرب مصر ونقول بشكل آخر جزيرة العرب والعربية السعودية

فكلمة " آرام " كما ترى ذكرت مرة كاسم علم لشخص ثم اصبحت بعد ذلك اسم جنس او بالأحرى صفة كاسم "عرب" الآن وهذا ما تناولناه بتبسط في كتابنا "أوغاريت".

اما في النقوش فيبدو لنا ان "آرام او آراميين" صفة لجنس وان نفهمها هكذا :الاحلامو الآراميون" تعني " الاحلامو البدو" ويكون تحولها كما يلي:

اولا: الاحلامو عنصر من العاصر او شعب من الشعوب

ثانياً: الاحلامو الآراميون تعني الاحلامو البدو الغير متحضرين.

ثالثان: الآراميون هم الاحلامو بعد ان ضاع اسمهم في خلال القرون وتردد ذكر صفتهم فأصبحوا معروفين بصفتهم ولنا في ذلك امثلة تاريخية عديدة: فالهيكسوس مثلاً كلمتان مصريتان كانت تعنيان ملوك الرعاة (من هيكملك زعيم وشاسو بدو) والقوم اذن هم الشاسو وقد قلب اليونانيون الشين سيناً والحقوا سيناً بآخر الكلمة كما هي عادتهم واصبح الاسم هيكسوس علماً. وكلمة : ساراسين Sarrasins عنى بها الافرنج الشرقيين، او عنوا بها قبيلة السراقين ثم اصبحت علماً وكذلك كلمة المورMaures التي دلت عندهم على المسلمين وكان اصلها اهل الغرب او المغاربة.

وقد سبق لنا ذكر هذا في مجموعتنا " الاصول التاريخ" مجلد أول بيروت 1956 ص 34 حاشية رقم 2 ثم كتابنا " اوغاريت" فصل ثالث "اسماء الساميين صفات".

اما اسم احلامو او اخلام فقد حار في تفسيره علماء الآثار الشرقية الى ان اهتدينا اليه ( بعد كتابة ما تقدم) وذلك في النشرة السنوية لحكومة الاردن  Annual of the Departmet of Jorden مجلد 2 سنة 1953 ص 13 حيث جاء اسم احلم واحلم بن اشيم وسعد بن احلم بن درئيل وشرك بن حلم بن ايتم بين اسماء عديدة منها "نصر" "وهلبله" (وهب الله) "ومسعد بن احدث بن رمحة" و "عبدله" (عبدالله) الخ. وسيرد ذكر هذا عند الكلام عن الصفويين.

المراجع

 (يتبع)

83) انظر المجلة التوراتية  Revue Biblique   سنة 1928 مجلد 37 ص 484 حاشية رقم5.

84) انظر منشورات  Knudtzonعدد 200 فقرات 1 و 7-12

85) انظر نقش ولده " اداد نيراري الاول" في مجموعة دانيال دافيد لو كمبيل

Ancient Records of Assyria and Babylonia j Luckenbill

طبعة جامعة شيكاغو سنة 1972-1927

86)  0 نصوص بوغاز كوي) Keiischrifttexte aus Boghazkoi مجلد اول عدد 10و 36الخ

87) لو كمبيل مجلد اول – 116

88) لو كمبيل 1/ 166 

89) لو كمبيل 1/ 209 

90) لو كمبيل 1/ 239 

91) لو كمبيل 1/ 308 

92) لو كمبيل 1/ 363 

93) لو كمبيل 1/ 502 

94) انظر  Les Araméens  في مجموعة   L'Orient Ancien Illustré  باريس 1949 صفحة 19.

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها