عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الفَصٌل الأول

تحديد كلمة آرامي

ملاحظة

كنا ننوي اصدار تاريخ الآراميين على حدة، وما زالت لدينا الوثائق والمعدات الازمة. وقد اكتفينا هنا بما يتعلق بموضوع هذا الكتاب الحاضر، ومع ذلك سيجد القارئ  هذا الجزء اوسع الكتاب لما لهذا العنصر السامي من اهمية، ولكونه الرابط الاكبر المجهول بين شعوب اسيا الصغرى وسوريا والعراق والصحراء بينهما وبين شمال شبه الجزيرة العربية. هذا فضلاً عما خلفه الآراميون في عالم الادب واللغات.

ونحيل القارئ المستزيد الى كتاب Les Araméens  طبعة باريس لسنة 1949 لواضعه دوبون سومير 65Dupont Sommer  وهو حجة في هذا البحث.

كلمتا "سامي" و "آرامي" ما زالتا غامضتين لدى العامة كما كانتا لدى الخاصة الى وقت قريب. ذلك لان الاولى اصطلاحية منذ أواخر القرن الثامن عشر كما قلنا، ولان الثانية صفة كما هي اسماء الشعوب السامية 66 ولأنها بوجه خاص كانت مجهولة عند مفسري التوراة كما سنرى.

يقرأ المسيحيون الى الآن مثلاً، ان اليهود في عهد المسيح كانوا يتكلمون بهذه اللغة، ويسمعون عند تلاوة نصوص العهد الجديد، بعض كلمات او جمل من هذه اللغة، ولا يتعدى بحثهم مدى اوسع من هذا.

ان كلمة "آرامي" انتشرت منذ قرون تقريباً. ذلك ان القديس ايرونيموس الذي ترجم التوراة الة اللاتينية في القرن الرابع، وسميت ترجمته فلجات استعمل في تفسر سفر دانيال كلمة "كلدي" وتبعه في ذلك سائر المفسرين، ومن ذلك ان علماء الموارنة انما ظهروا في أوربه في القرنين 17 و18 لان لغتهم الطقسية كانت سريانية فرأى فيهم الغربيون علماء اعلام في اللغة "الكلدية"  Chaldayque

بعد ذلك اعاد علماء الآثار السامية التسمية الحقيقة الى نصوص اطلقت عليها في الماضي تسميات منوعة، واثبتوا نهائياً انها آرامية.

وعلينا الآن ان نحدد هذه الكلمة تحديداً دقيقاً فنقول:

الآرامية القديمة

الآرامية القديمة هي اللغة التي وردت في نقوش قديمة او على اوراق البردي وقطع الفخار، او في نصوص العهد القديم، كما وردت ايضاً في الآثار النبطية والتدمرية.

اما الآرامية التي تقترب من عصرنا فتقسم الى آرامية غربية وآرامية شرقية.

الآرامية الغربية

فالآرامية الغربية هي لهجة اليهود الفلسطينيين في كتب الترجوم (التراجم الآرامية للتوراة) وفي التلمود الفلسطيني. وهي ايضاً لهجة السامريين والمسيحيين الفلسطينيين كما هي لهجة بعض قرى سوريا ومنا قرية معلولا الشهيرة وجبعدين وبخعة، جنوب وشمال معلولا.

وقد زرت البلدة الاولى وعلمت ان في بخعا معبد يسميه المسيحيون سكان معلولة "دير القديس اندراوس" ويسميه المسلمون في بخعة " ابو شينان" وفي عيد القديس في 7-6 كانون الاول يذهب المسيحيون في معلولا مع كاهنهم ويقدسون في المام بالقرب من الجامع، وللمقام املاك هناك. هذا من الشواهد العديدة على روح التسامح والاخاء العنصري الذي لا تحجبه العقائد. وقد يكون المقام سابقاً لعهدي المسيحية والاسلام اذ كانت السماحة اساساً للعقائد قبل تأتي اديان "التوحيد". وقد قال الشاعر احمد شوقي، رحمه الله، الى المصريين ما معناه: لقد كنا قبل المسيح ومحمد نعبد النيل معاً.

يختلط  الامر الى الآن على جميع كتابنا الشرقيين الذين اطلعنا على كتاباتهم او سمعناهم سواء في ذلك رجال الدنيا ام رجال الدين الذين يتلون صلواتهم بهذه الله..

الفارق بين الآرامية الغربية والآرامية الشرقية ليس بانتهاء الكلمات بالضم في الاولى وبالفتح في الثانية. يلفظ كهنة الموارنة والسريان " بشم آبو وبرا وروحا دقودشا" فيقولون ان هذا آرامي غربي (سرياني) ويسمعون لفظ كنة الكلدان:" بشم آبا وبرا وروحا دقودشا" فيقولون هذا آرامي شرقي (كلداني) ثم يدهشون اذ يجدون في تسمية القرى والامكنة العديدة في لبنا اسماء على وهمهم "شرقية" اي كلدية: بكفيا رشميا فاريا راشيا حاصبيا..

والواقع ان النهاية الشرقية هي " إيه" é لا آيا، واحياناً ayé  آيه. ومن ذلك ان كلمة بكفيا لو لفظت بالآرامية الشرقية لكانت " بيت كيفيه" Bet Kifé اي بيت الحجر، او بعد اختزالها بكفيّه Bekfiyé.

الآرامية الشرقية

الآرامية الشرقية تشمل السريانية لغة الكتاب المسيحيين الاقدمين، والآرامية الواردة في التلمود البابلي، والمندية. وكذلك الآرامية الحديثة التي يتكلم بها الى يومنا هذا سكان الشمال الاقصى لبلاد ما بين النهرين.

الآراميون ظهروا على مسرح التاريخ في سورية وبين النهرين في وقت مقارب لظهور العبريين في فلسطين وقد اعدهم الرواة العبريون من اصل واحد يجمع بني  اسرائيل، ولكن النبي عاموس (9/7 ) بعد ظهور دمشق وحربها مع اليهود كان يفرق بين الشعبيين حين يقول على لسان يهوه: "ألم أخرج اسرائيل من ارض مصر! والفلسطينيين  من كفتور وآرام من قير؟"  67 (توراة اليسوعيين).

فرّق عاموس بين الشعبيين بالرغم مما ورد في سفر تثنية الاشتراع حيث يفرض على اليهود ان يصلوا قائلين:  (ان ابي كان آراميا تائها)  (26 -1 – 5) نقول او ان قير اسم علم لقنا ان عاموس فرق بين الشعبين في سبيل هدف سياسي فكفر بنص كتابه المنزل. وعليه فلا غضاضة على من يجمع العناصر في ايامنا. او يفرق بينها للهدف السياسي... ولا حرج على هتلر وغيره في ذلك..

ان النقوش الاشورية قد اعطتنا معلومات عن تاريخ الآراميين القديم في بلاد بين النهرين واتضح منا انهم اجتاحوا تلك المنطقة في عصر تغلت فلصر الاول في القرن الثاني عشر ق.م. ولكن الكثيرين منهم اتخذوا سورية كأرض ميعاد لهم ولم يلبثوا ان حكموا بعض مقاطعاتها ومنها دمشق التي اصبحت " رأس آرام" كما يلقبها اشعيا (7 /8)

وفي سورية اتخذ الآراميون الابجدية الفينيقية اساساً لخطهم وفيها كما يبدو تطورت لغتهم الى لغة مكتوبة مع تطورهم السياسي. ثم سقطت دمشق في السبة 732 تحت ضربات تغلت فلصر الثالث الذي خربها واحلى سكانها. وعليه فاذا كانت قير في شمال اشور كان هذا الاجلاء سبباً لانتشار الآرامية في انحاء اشور. والثابت ان هذه اللغة كانت واسعة الانتشار في عهد الانحطاط في اشور كما دلّت لوحات تل خلف العائدة الى القرن السابع وقطع الفخار في اشور التي تثبت نص مراسلة بالآرامية بين زعيم اشوري وزعيم بابلي68 في ذاك العهد.

عند سقوط اشور تولى الآراميون بلاد  ما بين النهرين واستعمل الميديون اللغة الآرامية للتفاهم  مع سكان البلاد، واصبحت الآرامية لغة التخاطب ما بين غير الساميين والشعوب السامية الى ان باتت في العهد الفارسي لغة التراسل العالمي.

وبناء على ما ورد في التوراة من قرابة الاراميين واليهود كان اليهود يختلطون بالآراميين في المهاجر ومنها في جزيرة فيله ( انس الوجود) الواقعة في النيل تجاه اصوان. وقد كرس معهد بروكلين لأوراق البردي الآرامية التي وجدت في تلك الجزيرة بحثأً مطولاً كما أورد جميع النصوص التي كتب بها يهود جالية فيلة 69.

اما في عصر النهضة اليهودية في اورشليم فقد عاد اليهود بعد السبي الى استعمال لغتهم العبرية واعتمدها النبيان حجاي وزكريا في عهد داريوس الاول ولكن الآرامية عادت في المدن الممتدة بين القرنين الخامس والرابع واثرت تأثيراً عميق الغور بالعبرية مظهرت الآثار الآرامية في كتابات المتأخرين  70 بشكل يثبت ان الكتاب باتوا يحررون بلغة قومية قديمة، ويتحدثون بلغة أحرى هي الآرامية، اللغة الرئيسية منذ زمن طويل في انحاء فلسطين باستثناء بعض النواحي منها.

وفي المقاطع الآرامية من كتابات عزرا ما يدل على استعمال هذه اللغة في القرن الخامس او الرابع ق.م. وعلى كل فالثابت ان القراء اليهود بين السنين 300 الى 150 ق.م. كانوا يفهمون اللغتين، اللغة العبرية القديمة المقدسة واللغة الآرامية التي كانت سائدة في انحاء الشرق الادنى.

في عهد اليونان والرومان زاد انتشار الآرامية بين اليهود حتى ادى الامر الى احتياج اليهود ال ترجمة التوراة، ومن هنا جاء "الترجوم" (أي  التراجم).

اما الابجدية الآرامية فقد حلت محل الفينيقية منذ القرن  الثالث 71 ق.م.

(يتبع)

المراجع

65) الراء في الفرنسية لا تلفظ في مثل كلمة Sommer   ولكننا سمعناها ملفوظة بفم الرجل الذي يحمل هذا الاسم. ولما اطلعنا على الحوليات الاثرية السورية، التي تصدر عن هيئة علمية رسمية في سوريا قرأنا في الحواشي العديدة من عددها الاخير Sommaire !

66) انظر " اوغاريت " فصل 3 " اسماء الساميين صفات"

67) قال العلماء ان قير كما يبدو من نبوة اشعيا 22/ 6 قد تكون قريبة من عيلام والسم لم يدد في النقوش الاشورية وقد يكون هو جبل القيارة كما كما ارتأى فورر ( ليبزيج 1920) اي على حدود اشور الشمالية. وهنا نلاحظ ان قير لم ترد في اسماء المدن المؤابية كاسم علم بل استعملت بمعنى قرية او مدينة.

68) DUPONT SOMMER - L'Ostracori araméen  d' Assour— dans

69) The Brooklyn Museum Aramaic Papyri, Newhaven 1953

70; EMIL KAUTZSCH - dans « Die Aramaismen in Alten Testament» Leipzig1902

71) Abbé M. DELCOR - Les Manuscrits de la Mer Morte — Paris, 195S, p 15

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها