عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

المَخطوطات السريانية الطَقسية : تُراث المَوارنة العَريق وأدَبهم الجَليل (1) 

إعداد روجيه عفيف

(تمهيد : يشكّل هذا البحث ، محاولة أوليّة مختصرة وليس بحثًا متكاملاً ، عن الادب الماروني العريق ، الذي عُدنا اليوم نجده في تراثنا الاصيل والصريح والعريق والصحيح ، بفضل علاّمة الليتورجيّا المارونية والأعرف بأمورها ليس في لبنان وحسب ، بل في الكون أجمع ، عَنيتُ به قُدس الأباتي يوحنّا تابت الجزيل الاحترام ، الذي له الفضل الكبير والعظيم في دراسة الليتورجيا المارونية ، وخاصةً الفَرض الالهي . وحاليًا يعمل الأباتي تابت على نشر هذا التراث الجليل ، بعد أن أخرجه من الظلمة ، ونبش أصوله ، ودرسه ونسّقه ، ليُترجمه بعلميّة رائدة وإتقان غير مسبوق ، ضمن منشورات معهد الليتورجيّا (في جامعة الروح القدس – الكسليك) - الذي أسّسه ، كأوّل معهد للطقوس الكنسية بمختلف عائلاتها ، في الشرق الاوسط سنة 1969- ويصدر هذا التراث في " سلسلة المصادر الليتورجية المارونية " منذ عام 2000م . فلقدس الأباتي تابت ألف تحيّة وسلام وتهنئة وشكر ، لأنّ لولاه لما رأينا ما نراه اليوم : "الأسس المتينة – الواحد تِلوَ الآخر- التي عليها ارتفع كلّ البناء الليتورجي الماروني عبر العصور")

مقدّمة :

إذا كان الموارنة يملكون أدبًا مُدوّنًا نُكر عليهم من كثيرين ، فإننا هنا ، نتوخّى عَمدًا وقصدًا ، إبراز هذا الادب الجليل المدوّن محليًا ، والتي تبنتّه الكنيسة المارونية ، فوضعته تحت تصرّفها بالاستعمال الطقسي ، في الاجيال السحيقة التي كُتب فيها . ولذلك أخذ هذا الادب مكانته المميّزة والراسخة على مرّ العصور ، ولكنّه طُمِس إبّان موجات الليتنة الثقافية للموارنة ، التي حجبت هذا الأدب الجليل ، أعني التراث الطقسي والليتورجي المقدّس .

1- ما هو الأدب الماروني ؟

الأدب الماروني هو كل النصوص المكتوبة ، التي دوّنها الموارنة عبر التاريخ ، في لبنان أو خارجه ، كتعبير عن تاريخهم أو حياتهم الاجتماعية أو طقوسهم . ولكي نحصر موضوعنا هنا نقول : نعني بالأدب الماروني ، تلك المصنّفات الطقسيّة المدوّنة محليًا ضمن مجلّدات ضخمة ومخطوطات كبرى ، باللغة السريانية (اللغة الطقسية للكنيسة المارونية) ، والسابقة للاتصال بروما عبر مدرستها سنة 1585م ، وبالتالي عن التأثير اللاتيني الذي شوّه هذا الطقس . وفي نفس الوقت ، يُبرز هذا الادب ، حفاظه على طابعه الانطاكي والسرياني والشرقي ، دون دخوله أو ذوبانه بطقس آخر ، بل حافظ على عناصر الطقس الماروني وهويّته المميّزة  .

2- محتوى الادب الماروني ومصادره العريقة

إنّ محتوى الادب الماروني ، نكتشفه من خلال عودتنا الى الاصول العريقة المدوّنة والتابعة للموارنة ، وهي وافرة بعودتها الى ما قبل القرن الخامس عشر م ، وما بعد القرن الحادي عشر م ، فتشكّل هذه الفترة ، مرحلة المصادر الطقسية الاصيلة ، للكنيسة الانطاكية السريانية المارونية ، أكانت تأليفًا أو نسخًا ، كما أنّ هذا الأدب قد بدأ بالتكوّن فعليًا وعلميًا ، منذ القرن الثامن وحتى القرن الثاني عشر م ، ولكن ضاعت أصوله وتلفت كما يقول المؤرّخ الدكتور أسد رستم "وقد سطَت يدُ الدهر وعَوادي الزَمن ، على آثار الموارنة الاوّلين ، فلم يبقَ منها شيء يُذكَر . وأقدم ما عند الموارنة كتاب الهدى ..." (كنيسة مدينة أنطاكية ، الجزء الثاني ، ص 57) .

فالتراث الماروني ، المكوّن من الفروض الليتورجيّة على مختلف أنواعها والموزّعة على مجلّدات وخطوطات ضخمة كمًا ونوعًا ، " تُشكّل أكبر أدَب ليتورجي من نوعه في الكنيسة شَرقًا وغربًا " . والفرض الماروني هو "المجلّدات الضخمة التي كان يستعملها الموارنة في احتفالهم بفرض الساعات السبع اليومية على مدار السنة الطقسية " [1] .

وهذه الفروض ، أخِذَت من مصادر عريقة في القدم والأصالة ، دوّنها الكتّاب الموارنة ونسخها نسّاخهم ، قبل تنسيق فروضهم وهيكلتها وتوزيعها . وهذه المصادر هي من فئة البيت غازو (كلمتان سريانيّتان تعنيان : بيت الكنز أو بيت الأسرار) أي كميّة ضخمة من النصوص النثرية أو الشعرية ، تشكّل كَنزًا ليتورجيًا .

  ** ما هي البيت غازات ؟ وما أهميّتها وغنى محتواها ؟ **

 "البيتغازات هي التعبيرُ الأقدَمُ للصلاةِ المارونية"[2] ، كَمًا ونوعًا ، وهي النصّ الأعرق – تاريخيًا- للفروض المارونية ، والسابقة لأي تنظيم وهيكلية للفرض الماروني المنظّم لاحقًا . وبالتالي هي النصوص الأصيلة والأصليّة والينابيع الوافرة والغنيّة ، التي استقى منها الموارنة ، عبر علمائهم ونسّاكهم ونسّاخهم ، تنسيق طقوسهم وترتيبها لتصير قيد الاحتفال ، كون البيت غازو هو مجموعة ضخمة من الالحان لكل مناسبة والآبيات لكل لحن[3] .

البيت غازات المارونية ، وهي موجودة في بعض المخطوطات المارونية العريقة ، "هي كناية عن مجموعات صلواتٍ أو ألحان أو قراءات ، سابقة لأي ترتيب بُنيَوي" ، وقد اختير منها لاحقًا ، ما يلزَم من الصلوات المارونية وفروضها المتنوّعة والغنيّة[4]

ولا ينحصر البيت غازو بأنه مجموعة ضخمة من الالحان وأبياتها ، لا بل هو متنوّع المحتوى : فأحيانًا بيت غازو للقراءات ، او للجنازات ، أو لمواضيع لاهوتية عريقة ، أو لمتعيّدات ، أو للصلوات العادية (الشحيمة) ... وبالتالي فإنّ تعريف البيت غازو هو : " مخطوط يتضمّن مجموعة من الألحان والصلوات والقراءات الكتابية والنصوص ، المتعلّقة بالفرض الالهي ، أو بالجنّاّزات ، أو بسواها من الصلوات . وهي سابقة ، تاريخيًا ، للهيكلية الحالية ، أو المعروفة ، أو المتداولة "[5] .

البيت غازو هو "مجموعة كبيرة من الألحان ، المتعلّقة بموضوع معيّن" ، تصل الى عدد كبير من الألحان والأبيات والقراءات ، كَمًا ونوعًا . ولذلك "هي الينابيع التي غرف منها واضعو الشحيمة الحالية أو المتعيّدات السنة الطقسية"[6] ، ومختلف الفروض الليتورجية ، التي احتاجتها روزنامة الكنيسة المارونية برمّتها ، لتنظيم طقوسها الرعائيّة والرهبانيّة .

لقد عرف التراث الماروني ، هذا النوع من المخطوطات ، بكل تأكيد ودقّة ، ولا مجال لنفي وجودها أو طابعها الماروني المحلّي العريق ، وانتمائها الأكيد الى التراث الآرامي السرياني الأنطاكي الواسع والعريق .

(ملاحظة : بالنسبة للحواشي ، ذكرناها هنا مختصرة ، وسنذكر في آخر بحثنا لاحقًا ، البيبليوغرافيا بالتفصيل)

(يتبع)

للتواصل مع روجيه عفيف roger-afif@hotmail.com


[1]- الاب الياس خليفة ، الفرض الماروني هذيذ بكلمة الله ، محاضرة ، ص 225 . 

[2]- الأب يوحنا تابت ، أضواء جديدة على الفرض الماروني (محاضرة) ، ص 287 .

[3]- حول معلومات عن البيت غازو ومحتواه ونماذج عنه ، راجع : الأب يوحنّا تابت ، أضواء جديدة على الفرض الماروني (محاضرة) ، ص 264-268 .

1-    الاب يوحنا تابت ، الجنّاز الماروني : الماضي والحاضر (محاضرة) ، ص 67 .

2-    الاباتي يوحنا تابت ، البيت غازو الماروني 14701 (سنة 1263م) ، المقدمة ، ص 6 .

3-    الاباتي يوحنا تابت ، لوحة مريمية في الشحيمة المارونية ، محاضرة ، ص 94 .

 
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها