التطرف
الإسلامي يغزو "الثورة السورية"
20130122
بدخول مجموعات الإرهاب الإسلامي، متمثلة
بجبهة النصرة، منطقة الجزيرة السورية ومحافظة الحسكة، تأخذ الحرب في سوريا
منحى جديداً يزيد الصورة المأساوية قتامة وسواداً.
فالثورة السورية التي بدأت حراكاً سلمياً مثالياً مطالباً بإصلاحات سياسية
على نظام آل الأسد القمعي المترهل، ما لبثت أن تحولت، بفعل عسكرتها، نتيجة
رد النظام الوحشي على مطالبها العادلة، إلى حرب ضروس بين "الجيش السوري
الحر" تسانده جماعات إسلامية متطرفة أغلب عناصرها جهاديون مرتزقة غير
سوريين تسللوا قادمين إليها من الحدود التركية بعد سيطرة "الجيش السوري
الحر" على معابرها من جهة، و جيش النظام السوري و شبّيحته ومرتزقته من
الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزبلله الإرهابية من جهة ثانية، في دراما
مأسوية تجسد الصراع بين "ذروتي" التطرف العقائدي السني الوهابي في الرياض و
الشيعي في طهران في أبشع وأشنع صورة.
أما وقود هذه الحرب الضروس الشعواء فهو الإنسان السوري العادي البسيط
المسالم الذي خسر كل شيء في أتون هذا الجنون المطبق: اذ فقد الأحبة والأهل
والمنزل والأرض والعمل و الأمل...
وكما أشرنا في بيان سابق،
فإن مسؤولية تطور الأوضاع على هذا النحو المأساوي يتحمله نظام بشار الأسد
بسياساته الحمقى الطائشة أولاً، والولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد
الأوربي موقفها المتقاعس المتذبذب من تركيا ودول الخليج، وخاصة السعودية
وقطر، راعيتي وممولتي حركات التطرف السني الأساسيتين ثانياً. و بالطبع ايضا
روسيا والصين الداعمتين لنظام البعثفاشي في دمشق لحسابات إقليمية
وجيوسياسية مختلفة. و إن ننسى فلا ننسى نظام الملالي في إيران وحزبلله
مشاركتهما الفعالة في تدمير سوريا وذبح أبناءها.
من ناحية أخرى تشكل مواقف المعارضة السورية السياسية المتخاذلة من أعمال
مجموعات التطرف الإسلامي ما يثير القلق وما لا يبشر بالخير.
فغني عن القول بأن جرائم التنظيمات تلك فاقت، في كثير من الأحيان، في عنفها
ووحشيتها أفعال نظام بشار الأسد نفسه.
فعدا عمليات التفجير الإنتحارية في صفوف المدنيين الأبرياء، تقوم عناصر هذه
الجماعات بعمليات خطف وقتل وذبح أفراد الأقليات، وخاصة المسيحية منها، دون
أن يصدر عن مسؤولي المعارضة و ممثليها كلمة تنديد أو شجب أو حتى تعاطف مع
أهالي الضحايا. بل على العكس، تحاول بعض أطراف المعارضة تصوير الأمر على
أنه مجرد إشاعات وأكاذيب درج عليها نظام بشار الأسد، حتى بلغت القحة
والإستخفاف بعقول الناس تقدم بعض مسؤولي "الإئتلاف الوطني" بالطلب من
الإدارة الأمريكية بإنزال "جبهة النصرة" من على لائحة الإرهاب!
إنه لمن المؤكد أن حمام الدم في سوريا لن يتوقف حتى سقوط النظام الأسدي
نهائياً. فحتى ذلك الحين كيف يمكن إيقاف، أو أقله، التخفيف من مصائب ومحن
المسيحيين، وخصوصاً شعبنا الآرامي هناك؟ وكيف ستكون الصورة في سوريا نفسها
بعد نهاية الحرب؟ أيكون مصيرها التقسيم إلى دول ثلاث: كردية وعلوية وسنية،
أم نظام فيدرالي بين هذه الدويلات، أم تغدو سوريا المزرعة المشرعة يقتطع
فيها كل "أمير" حرب ما يراه مناسباً لنفسه و لأولياء أموره؟ وماذا سيكون
مصير المسيحيين، وبشكل خاص الآراميين منهم - شعب سوريا الأصلي؟
كنا في بياننا المار ذكره ناشدنا دول العالم الحر "استعادة زمام المبادرة
والتدخل العسكري لإنهاء حكم البعث دون العودة إلى مجلس الأمن، تجنباً
للفيتو الروسي والصيني، وتمركز قوات الناتو في سوريا وإعادة إعمارها
وتأهيلها لبناء الدولة التعددية المدنية العلمانية الديمقراطية..."
فنحن
لا نرى غير هذا سبيلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا والحفاظ على الوجود
المسيحي والآرامي فيها. وعليه يجب تضافر وتوحيد جهود جميع الكنائس
والمنظمات والأحزاب المسيحية في الأوطان الأم والشتات واستثمار جميع
العلاقات لممارسة ضغوط فعلية على تركيا، وعلى الأردن أيضاً، لضبط حدودهما و
منع المتطرفين من التسلل إلى سوريا. و كذلك الضغط على قطر والسعودية
والمعارضة السورية من جهة أخرى للتأثير على الجيش السوري الحر لتوحيد
قيادته وإيقاف عمليات المنظمات الإرهابية الإسلامية الدموية.
أما المسيحيون من أعضاء مجالس وأحزاب المعارضة وائتلافاتها فيجب عليهم
ممارسة دورهم بجدية وصدق، إذ لا يجوز لهم الإكتفاء بدور المتفرج وشاهد
الزور، بل التحلي بالشجاعة التامة والقيام بإثارة موضوع الوجود المسيحي
والأخطار المحيقة به ووضعه في سلم الأولويات والطلب من نظرائهم المسلمين
المتنورين في هذه المنابر باتخاذ مواقف جدية فعلية وخطوات فعالة ملموسة،
عوضاً عن معسول الكلام، للتأثير على مجريات الأحداث على الأرض لما فيه خير
سوريا و المسيحيين فيها.
التنظيم الآرامي الديمقراطي
|