تاريخ الجمل العربي هو برهان على هويتنا الآرامية المميزة
20110625
أهدي هذا المقال المتواضع الى الأخ الآرامي أمير خلول ريشا الموقر
لشكره على نشاطه الدائم من أجل هويتنا الآرامية.
هنالك فرق كبير بين بحث أكاديمي و بين فكرة منتشرة بقوة بين
الناس ، بين تاريخ أكاديمي و تاريخ مسيس. هنالك فكرة منتشرة
في شرقنا الحبيب مفادها أن الشعوب" السامية " اي سكان الشرق القديم
قد خرجت من شبه الجزيرة العربية و بالتالي كل الشعوب الشرقية
القديمة هي عربية ! بعض العروبيين يحاولون الإستفادة من هذه
الفكرة و يؤكدون ان شرقنا كان عربيا قبل مجيئ الإسلام . السؤال هو
هل هذه الأفكار أو الطروحات تستند على براهين دامغة ؟ هل السريان
الآراميين هم شعب مميز ام شعب يتجاهل هويته العربية ؟
أولا - هل إنتشار فكرة معينة بقوة هو دليل على صحتها ؟
أ -
بعض الأنظمة السياسية تعمل على نشر أفكار مؤيدة لأنظمتها
السياسية و لكننا كشعب سرياني آرامي لا زلنا نعاني من إنتشار بعض
الأفكار الخاطئة مثل التسمية السرينية قد أطلقت على الآراميين الذين
إقتبلوا الديانة المسيحية . أغلبية السريان التي تدعي بالتسمية الأشورية
المزورة تردد و تؤكد ان التسمية السريانية تعني المسيحي و بعض
المغامرين تدعي ان التسمية السريانية لا تشير الى " شعب معين
"!
ب -
إنتشار فكرة معينة لا يعني صحتها و صدقها : سنة ١٨٩٠ قام
احد العلماء الأميركان بدراسة علمية حول نبات
السبانغ
Spinach
او
épinard
و لكن سكرتيرته أخطئت في كتابة تقريره و ضاعفت عشرة
مرات نسبة الحديد في السبانغ ! فإنتشرت هذه الفكرة ( الخاطئة ) ان
السبانغ هو النبات الذي يحمل أكبر نسبة من الحديد مما دفع بعدد
كبير من الأمهات في تشجيع اولادهم على أكل السبانغ
!
سنة ١٩٣٣ قام
Dave
وMax
Fleischer
بخلق شخصية
Popeye
البحار الذي كان يستمد قوته من أكل السبانغ و هذا مما
قوى الفكرة الخاطئة : نسبة الحديد في السبانغ هي عالية ! المضحك
أن بعض العلماء الألمان قد قاموا في أواسط القرن العشرين بدراسة
مختبرية حول نسبة الحديد في
السبانغ و وجدوا ان نسبة الحديد هي
أقل بعشرة مرات من مما كان شائعا
!
ج -
شيوع فكرة او طرح تاريخي لا يعني ان الفكرة هي حقيقة تاريخية
لأن الحقائق التاريخية تستد على البراهين المستمدة من المصادر
!
قد تستطيع بعض الأنظمة او الأحزاب او المؤسسات ان تنشر فكرة
تاريخية خاطئة و قد يصدقها البعض و لكن الحقيقية التاريخية لا
احد يستطيع ان يتلاعب بمضمونها لأن الحقائق التاريخية قد
أصبحت عالمية شاملة
!
ثانيا - الإهتمام العربي بتاريخ الشرق القديم
عدد الباحثين العرب المتخصصين بتاريخ الشرق هو قليل جدا بالرغم
من وجود عدة متاحف تحتوي على عدد كبير من الكتابات الأكادية
القديمة . من المؤسف ان الأكادميين العرب يؤيدون بعض الطروحات
العروبية التي تحول الشعوب
الشرقية القديمة مثل الأكاديين و العموريين
و الكنعانيين و الآراميين الى عرب قدامى
!
إن الصراع العربي الإسرائيلي قد دفع بعض الكتاب العرب بالإدعاء
أن آراميي مملكة دمشق التي إنتصرت عدة مرات على ملوك إسرائيل
كانوا من العرب القدامى !
و هم يتحججون أن بعض علماء الأشوريات
قد ذكروا في بداية القرن العشرين أن القبائل الأكادية قد قدمت من الغرب
و منهم من ذكر شبه الجزيرة العربية بالتحديد.
من المؤسف ان السريان في الماضي لم يتنبهوا الى خطورة هذه
الطروحات التاريخية السياسية التي تجردهم من هويتهم الآرامية
التي تؤكد تأصلهم في الشرق القديم
.
ملاحظة مهمة :
قبائل الأنباط كانت آرامية بهويتها و تاريخها و لغتها
و لكنها إستعربت في القرون الأولى بعد الميلاد و من المؤسف لنا
أن التيار الغالب حاليا يدعي بأن الأنباط كانوا عربا يتكلمون اللغة
الآرامية
!
بعض مسرحيات الرحابنة تحولهم الى عرب أقحاح و تدمر الآرامية
بسكانها و لغتها و حضارتها تتحول الى عربية!
لا يزال التاريخ المسيس هو السائد في العالم العربي : نتمنى ربيعا
عربيا في إحترام تواريخ الشعوب الشرقية القديمة و مساعدة السريان
الآراميين كي يحافظوا على هويتهم التاريخية المميزة
!
ثالثا - هل خرجت الشعوب الشرقية من صحراء شبه الجزيرة العربية ؟
أ -
الشعوب الشرقية القديمة هي القبائل الأكادية و العمورية و الكنعانية
و الآرامية و العربية و قد أصطلح على تسميتها بالشعوب السامية
نسبة الى سام بن نوح و هذه تسمية خاطئة لأننا لسنا أولاد سام ولكننا
أبناء هذا الشرق الحبيب . رواية نوح و الطوفان هي قصة رمزية
و هي حكاية مأخوذة من أسطورة الخلق و الطوفان و غلغامش من العراق القديم
.لا
شك هنالك روابط قوية تجمع بين الشعوب الشرقية القديمة : بعض
العلماء يؤكدون ان اللغة العمورية كانت قريبة جدا من اللغة الآرامية
.
يجدر بنا ان نعرف ان العلماء المتخصصين بتاريخ هذه الشعوب الشرقية يعتبرونها
شعوب
مستقلة بالرغم من ان لغاتها تتحدر من لغة
أم شرقية مشتركة . لا يوجد اي مؤرخ يعتبر العرب القدامى من الأكاديين
و لا يوجد اي مؤرخ محترم يدعي ان الأكاديين يتحدرون من العرب
القدامى
!
ب -
صحيح ان بعض العلماء قد طرح فكرة ان موطن الشعوب
السامية الشرقية هو شبه الجزيرة العربية و لكنه يجب ألا يغيب عن
بالنا أن هذه الفكرة غير مؤكدة بمصادر او تحليلات تاريخية مقنعة!
أكثرية العلماء تؤكد اليوم ان موطن الشعوب( السامية )الشرقية هو
البادية التي تعرف اليوم ببادية سوريا . سنرى لاحقا أن سوريا هي
موطن الشعوب الشرقية القديمة و ليس الصحراء العربية
.
ج -
معركة قرقر الشهيرة ٨٥٣ ق.م
قام الملك الأشوري بعدة محاولات لإخضاع بلاد آرام سوريا القديمة
و لكن تجمع عدة ملوك آراميين و كنعانيين و إسرائيلين و عرب لوقف
الزحف الأشوري . لقد إنتصر المتحالفون بقيادة ملك دمشق هدد عدري
على الجيوش الأشورية و قد ترك لنا شلمنصر الثالث كتابات تذكر
أرقام و اعداد الجيوش المتحالفة و قد ذكر مشاركة ألف مقاتل عربي
هجان بقيادة جندب .
أنظر الى الرابط
http://www.livius.org/q/qarqar/qarqar_battle.html
د - إن هذا النص هو اقدم ذكر للجمل ! و هذا يعني أن سكان
سوريا و العراق القديم لم يستخدموا الجمال للحمل او الترحال
.
الشعوب الشرقية ( السامية) قد خرجت من بادية سوريا و لم تستخدم
الجمال في تنقلاتها و ترحالها بعكس
القبائل العربية القادمة من
صحراء شبه الجزيرة العربية
.
الخاتمة
لقد هاجر الأكاديون الى العراق القديم الى بلاد سومر في حوالي
القرن السادس و العشرين قبل الميلاد اي في حوالي ألف و ستمائة
سنة قبل خروج العرب من صحراء شبه الجزيرة العربية . من حق
القارئ أن يظن أن القبائل الأكادية قد خرجت من صحراء شبه
الجزيرة العربية في وقت لم تكن فيه الجمال أليفة و لكن لا يحق
لأحد أن يؤكد ان القبائل
الأكادية كانت عربية إستنادا على ظنونه
!
الأكاديون و العموريون و الكنعانيون و الآراميون ليسوا بعرب لأنهم
عبر تاريخهم الطويل لم يذكروا شيئا يدفعنا الى الإعتقاد بأنهم من
العرب القدامى . لقد إرتبط إستخدام الجمال بالعرب في تاريخ الشرق
القديم ، الشعوب الشرقية القديمة لم تستخدم الجمال سفن الصحراء
لأنهم كانوا يعيشون في الباديا ( بادية سوريا
). من يبحث في تاريخ الآراميين القدامى ( الأحلامو السوتيين ) يجد
تواجدهم الدائم في الباديا السورية إستنادا الى النصوص الأكادية في مدينة ماري
( ابو كمال على الفرات اليوم ). لقد وجد علماء الآثار
عشرات النصوص الآرامية في شمالي العربية السعودية و هي تؤكد
أن الآراميين قد سكنوا البادية السوريا و ليس الصحراء العربية
!
إن كتابات ملوك أشور الأكادية كانت تطلق تسمية نباطو على
الباديا السوريا و حسب كتابات الملك تغلت فلأسر الثالث كانت قبيلة
نباطو ضمن القبائل الآرامية التي حاربها في بلاد أكاد .و طبعا لم
تكن قبيلة نباطو تستخدم الجمال لأنها كانت قبيلة آرامية
!
إن تاريخ الجمال الطبيعي هو برهان على أن الشعوب الشرقية
لم تخرج من الصحراء العربية ! إن الجمل العربي لهو برهان حي
على قدم هويتنا السريانية الآرامية
!
إذا كان بعض السريان لا يهتمون بإرثهم و تراثهم و إنتمائهم
الآرامي ( لأنهم يتوهمون بجذور أشورية مزيفة أو أشورية كلدانية
سريانية مصطنعة...) فعلى السريان اليوم أن يهتموا بدراسة تاريخهم
القديم و يدافعوا عن جذورهم الآرامية الحقيقية لأنها تعني انهم بالفعل
من أقدم الشعوب الشرقية التي حافظت على هويتها الآرامية المميزة
!
|