آرامية، سريانية، ام آشورية
English
نشرت مجلة:"The
Assyrian،المثقف الآثورى" مقالة بعنوان:
" آرامية ، سريانية ، ام آشورية
"
الرد
على مقالة
1992
لقد دهشت وذهلت
جداً , بالواقع
لدى مطالعتي
مقالة تاريخية بعنوان " آرامية , سريانية أم آشورية " ربما إنني أهتم
كثيراً
بتاريخ أمتي السريانية – الآرامية , فقد قرأت هذه المقالة عدة مرات , ليس
أهميتها
العلمية , بل لكثرة الأخطاء التاريخية التي تتضمنها .
لذلك لن أفشي سراً
إذا قلت
بأنني كنت سعيداً لما طلُب مني الرد على هذه المقالة , تاركاً الحكم على
ردى هذا
للمؤرخين والباحثين والمثقفين من القراء الأعزاء
...
من المؤسف
حقاً أن
صاحب
المقالة المذكورة , يهمه بالدرجة الأولى , أن يوجه رسالته إلى " فئة " معينة
من القراء
بهدف " تثقيفهم " أي إعطائهم معلومات جديدة و " صحيحة " عن تاريخ الأمم
القديمة .
والشيء الجديد وغير الصحيح , بأن الملاحظ في هذه المقالة , هو أن كاتبها
يحاول بكل
الوسائل أن يبرهن بأن اللغة الآشورية القديمة لم تمت , وبالتالي الشعب
الآشوري لم
ينقرض , وخاصة أنه لا يعترف بوجود شعب سرياني آرامي , وبأنه لا يعترف
حتى بوجود
لغة سريانية – آرامية .
وبالطبع هذه الفكرة الراسخة في ذهن كاتب المقالة
هذه , تجعله
يقع في عدة أخطاء تاريخية جسيمة سوف أعرض لها محاولاً تصحيحها وتصويبها
, من أجل
الحقيقة التاريخية العلمية , لا غير
.
قبل كل شيء
, أحب أن أذكر هنا "
السياسية
الميكيافلية " التي اعتمدها كاتب المقال , والتي ليس لها دين أو مذهب أو
رائحة أو
لون , وبالتالي فأن " كل الوسائل " مباحة في سبيل تحقيق الهدف السياسي
المطلوب.
انطلاقاً من هذا المبدأ , يحاول صاحب المقال أن يؤكد الأمور التالية
:
أولاً : إن التسمية السريانية أطلقها على الشعب
الآشوري وبالتالي فإن السريان
آشوريين
.
ثانياً : لا يوجد شعب آرامي إذ يقول " لقد كان
اليهود يطلقون كلمة
آرامي على
الشعوب الأخرى مثلما كان الإغريق يسمون الشعوب غير الإغريقية بـ
" البرابرة
" .
-2-
ثالثاً : لا يوجد لغة آرامية في سوريا مغايرة
للغة
التي كان يتكلم بها
الآشوريون والبابليون .
رابعاً : إن ما قيل عن صراع الآشورية
مع الآرامية
وهزيمة اللغة الآشورية هو محض خيال
.
خامساً : إن الآشوريين
والكلدانيين
المعاصرين , يتكلمون اللغة الآشورية القديمة ولكن مع بعض التغيير ومن
هذا نستنتج
إن اللغة الآشورية لم تنقرض ولم تتخل عن موقعها لأية لغة أخرى وإن
" اللغة
السريانية " هي امتداد للغة الآشورية البابلية ذاتها
.
سادساً
: حروف
الأبجدية هي من ابتكار الآشوريين أيضاً لا من ابتكار الفينيقيين كما يزعم
البعض
.
سابعاً : الأدب السرياني يجب أن يسمى بالأدب
الآشوري ...
لقد
تخلى عدد ,
لا يستهان به , من السريان الشرقيين عن التسمية السريانية وذلك لأسباب
عدة أهمها "
الجهل " الذي سيطر على الشرق , خلال الحكم العثماني, ثم
الانتماء
الكنسي الطائفي , الذي تحول في أيام العثمانيين إلى مفهوم " الكنيسة
" الملة "
الشعب " .
عندما انضم قسم كبير من السريان النساطرة إلى الكنيسة
الكاثوليكية
, أطلق لقب بطريرك بابل على رئيسهم الديني , وفيما بعد صار النساطرة
الكاثوليك
يعرفون بالكلدان . أي أن تسمية الكنيسة الكلدانية أُطلقت على السريان
الشرقيين ,
الذين قبلوا الكثلكة في أوائل القرن السادس عشر !
لذا فأن أبناء هذه
الكنيسة
الحبيبة لم يتنكروا للتسمية القديمة السريانية , ولم يشوهوا أسم اللغة
الآرامية
التي حافظوا عليها ألوف السنين .
أما السريان النساطرة , وبسبب عامل الجهل
الذي كان
مخيماً عليهم وذلك لسكنهم في مناطق جبلية وعرة المسالك , فقد قام الإنكليز
والأميركان
في أواخر القرن التاسع عشر في إرسال البعثات العديدة " لمساعدة " أبناء
هذه الكنيسة
. يرجح أن الإنكليز(1) هم أول من
أطلق التسمية " الآشورية " على
السريان
النساطرة . هذه التسمية الجديدة , يحاول دعاة القومية الآشورية أن
يطلقوها
ويعمموها على كل المسيحيين في الشرق
.
في عام 1935
, صدر ليوسف مالك
كتاب
بالإنكليزية هو " الخيانة البريطانية للآشوريين " , جاء فيها : " رغم أن
الآشوريين
يمثلون " أمـة " واحدة , وإنهم الورثة الحقيقيون للإمبراطورية العتيدة
, إلا أنهم
منقسمون مذهبياً إلى خمس طوائف دينية ... هي النساطرة – الكلدان – السريان
الكاثوليك –
الموارنة – اليعاقبة " . ثم يذكر : " ... إن ملاحظة بسيطة
تكفي لتدل
على ما سبق , إن السلطات فيما إذا تناول حديثها طائفة اليعاقبة أو
كنيسة
اليعاقبة مثلاً , فأنها لم تكن توحي بوجود قومية يعقوبية
" .
مشكلة
القوميين
الآشوريين اليوم , أنهم رغم كل التقدم العلمي في دراسة تاريخنا القديم
, لا يزالون
" يشوهون " عن قصد وتصميم التاريخ الحقيقي لشعبنا وذلك لخدمة
قضيتهم
الآشورية التي لا تمت إلينا إطلاقاً عن قريب أو بعيد . الأيام تثبت لنا
أن الحقيقة
أقوى من الخيال وأن التاريخ العلمي أقوى من التاريخ السياسي المزيف
.
طبعاً
الموارنة لم يسمعوا أبداً أنهم أبناء الأمة الآشورية ! كذلك السريان الغربيون
والسريان
الشرقيون . إذ انخدع قسم من النساطرة بالسياسة الإنكليزية الاستعمارية
في الماضي ,
فهذا لا يعني أننا يجب أن نكون مخدوعين
! .
-3-
إذا كانت
الكنيسة اليعقوبية , لا توحي بوجود قومية يعقوبية فذلك يعود
إلى سبب
بسيط , وهو أن الكنيسة اليعقوبية كانت تؤلف جزءاً كبيراً مهماً من الشعب
السرياني ,
وإن أبناء الكنيسة اليعقوبية ( السريان الأرثوذكس اليوم ) كانوا يشعرون
في الماضي
كما اليوم , إنهم أبناء الأمة السريانية – الآرامية وهذا واضح في كل
المؤلفات
التي تركها لنا الأجداد .
لا شك أن بعض السريان اليوم قد هجروا التسمية
السريانية –
الآرامية وذلك بسبب المقالات والأفكار غير الصحيحة التي يبسها القوميون
الآشوريون
في سبيل سياستهم الخاصة.
إن صاحب المقال بدل
من أن يتأكد من
المعلومات
والأفكار التي تدعي أن " السريان هم الآشوريون " , كان بالأحرى أن يتأكد
من التاريخ
الآشوري الحقيقي .
إليكم الآن
بعض المغالطات والأخطاء التي
أرتكبها
صاحب المقال :
أولاً : التسمية
السريانية
.
في الصفحة الأولى
يطرح
صاحب المقال السؤال
التالي :
هل بين الشعوب
السامية شعب عرف بإسم الشعب
السرياني ؟
ومن أين جاءت هذه
التسمية ؟
ويجيب صاحب المقال
بتسرع لينفي وجود شعب
إسمه الشعب
السرياني مستنداً إلى ما ذكره المؤرخ هيرودوت :
إن جميع الشعوب
البربرية
تُسمي هذا الشعب بالآشوريين
"Assyrians "
إلا أننا نحن
الإغريق نسميهم
سرياناً
" Syrians "
فكلمة سريان ليست
سوى تسمية يونانية للشعب الآشوري " . فإذا
كانت هذه
النتيجة التي توصل إليها صاحب المقال , فإننا نقول بأن هناك عدة آراء حول
مصدر
التسمية السريانية , ولكن الرأي العلمي الغالب هو تسمية
" Syrians "
قد اشتقت
من كلمة
"Assyrians "
ولكن هذا لا يعني
أبداً بأن السريان هم آشوريون , وذلك لما
يلي :
إذ معلوم لدى كل
الباحثين والمثقفين بأن السريان قديماً يسمّون
بالآراميين
, وقد دخلوا حلبة التاريخ في القرن الثاني عشر قبل المسيح ومن
المعلوم
أنهم سيطروا على بلاد عمورو ( سوريا ) وبيت نهرين ( الجزيرة ) وحتى على
أجزاء عديدة
من بلاد بابل وهذا ما عُرف في التاريخ بـ " الغزاوات الآرامية
" وقد
استطاع الملك الآشوري تغلت فلأ سر الأول 1116 – 1.76 ق.م.
أن يوقف تلك
الغزاوات
الآرامية ,
مخلفاً وراءه لنا كتابات عديدة منحوتة تتحدث بعجرفة وكبرياء عن
انتصاراته
تلك على الآراميين غير أن خلفاءه من الملوك كانوا ضعفاء مما
سمح
للآراميين أن يؤلفوا عدة ممالك صغيرة في بيت نهرين ( الجزيرة ) وفي عمورو
)
سوريا ) . وفي
أوائل القرن التاسع ق.م.
بدأ الملوك الآشوريين بالتوسع نحو الغرب
وذلك من أجل
السيطرة على طرق المواصلات وفرض الضرائب , فاصطدموا بالدول الآرامية
الصغيرة
واستولوا عليها الواحدة تلو الأخرى , إلى أن سقطت أخر دولة في بيت نهرين
وهي مملكة
بيت عديني(3) وذلك سنة 855 ق.م.
هذا التوسع الآشوري
أقلق الدول
الآرامية
الموجودة في بلاد ما وراء النهرين (سوريا ) فعمد ملك دمشق الآرامي " حداد
عدري "
ومعناه في اللغة الآرامية " الإله " حداد مساعدي , إذ عمد الملك إلى تشكيل
اتحاد يضم
الدول الآرامية والمدن الفينيقية وذلك في سبيل وقف الزحف الآشوري ورده
على أعقابه
, كما جرى في معركة قرقر (4) 853
ق.م. وفي السنوات اللاحقة 849 ق.م
و 845 ق.م.
-4-
لقد وجدت عدة نصوص
آرامية في منطقة " سفيرة " قرب حلب وهي تخبر عن هذه الاتحادات
. هذه
النصوص يعود تاريخها إلى أواسط القرن الثامن , وقد ورد فيها اسم " آرام
العليا
وآرام السفلي " وخاصة تسمية " كل آرام
" . المهم
أنه بعد مقاومة
آرامية
شديدة تمكن الآشوريون من القضاء على مملكة دمشق وذلك في
سنة 732
ق.م.
وضموا
هذه البلاد إلى الإمبراطورية الآشورية . لم يدم الاحتلال الآشوري لبلاد
سوريا , إلا
حوالي 12 سنة وذلك بسبب سقوط الدولة الآشورية على أيدي الكلدانيين
– الآراميين
(في بلاد بابل ) والميديين في سنة 612 ق.م. و 6.9 ق.م.
الجدير
بالذكر هنا
بأن الملوك الآشوريين , قد تركوا كتابات ووثائق عديدة , عن هذه الفترة
ولكن لم يرد
في أي منها , ولا مرة , لفظة " سوريا " وهذا يعني بأن اسم سوريا لم يطق
على بلاد
آرام أو على بلاد امورو أي
" الغرب "
وهي التسمية الآكادية القديمة
.
لا بل
أننا نلاحظ إن الكلدانيين 612 – 539 ق.م. قد استعملوا تسمية " حاتي
" ليشيروا
إلى بلاد سوريا , فالملك نبوخذ نصّر يقول :
" أن حكام بلاد
حاتي الواقعة
بين نهر
الفرات وحتى بلاد غروب الشمس قد جلبوا خشب الأرز من جبل لبنان إلى بابل
" .
ونرى
أيضاً الملك نبونيد قد استعمل نفس هذه التسمية " حاتي " ليعني بها سوريا
(7)
ومن المعلوم
أن تسمية حاتي كانت تستعمل في القديم للدلالة على ممالك الحثيين في
شمال سوريا
. إنني أود أن أُضيف هذه المعلومات المهمة حتى أطرح بدوري هذا السؤال
: "
هل يحق
لنا أن نطرح تسمية " حثيين " على سكان سوريا القدماء
المعروفين
اليوم بإسم السريان الآراميين ! ؟
" .
معظم
الوثائق تشير إلى أن
اليونان هم
الذين استعملوا تسمية " سوريا " والأرجح إنهم أخذوا هذه التسمية من
الفرس الذين
كانوا يطلقون إسم " أسورستان " أي بلاد آشور على المناطق التي استولوا
عليها من
الدولة الكلدانية .
ولكن يجب أن نمييز بين تسمية " آشور " القديمة وهي تقع
على نهر
الدجلة شرق النهر ويجدها جنوباً نهر الذاب الأصغر , وبين
التسمية
الإدراية " أسورستان " التي أطلقها الفرس 539 – 332 ق.م. على البلاد التي
استولوا
عليها مؤخراً في الغرب وأطلقوا عليها " المرزبانة الخامسة " وكانت تتألف من
بلاد بابل
وبلاد آشور وبيت نهرين وبلاد ما وراء النهر
(سوريا)
وفلسطين وحتى جزيرة
قبرص .
لا أحد ينكر بأن
سكان بلاد آشور القديمة كانوا من الشعب الآشوري , ولكن
اليوم لا
يوجد أي مؤرخ (8) يدعي بأن سكان
" أسورستان " هم جميعاً من الشعب الآشوري
! ؟
.لقد ترك
الفرس عدة كتابات تعدد أسماء الولايات التي كانت تشكل
الإمبراطورية الفارسية القديمة , في هذه الكتابات كتابة بهستون وبرسوبوليس
وشوش ونقش
الرستم , وإننا نلاحظ بأن جميع هذه الكتابات قد استعمل تسمية
" أسورستان
"(9) وذلك للدلالة على بلاد بابل
وبلاد آشور وبلاد ما وراء النهر وبيت
نهرين .
ويظهر أنه فيما بعد أصبحت بلاد بابل تؤلف مرزبانة ( ولاية ) منفصلة عن
أسورستان ,
وهذا حتى يتأكد القارئ بأن تسمية " أسورستان " هي تسمية إدارية
تتسع وتضيق
لأنها لم تكن تعني أبداً وحدة أثنية أو قومية
.
-5-
ربما لهذا السبب
إننا نرى العهد القديم بقي متمسكاً بالتسمية القديمة أي بلاد عبر
النهر ( سفر
عزرا 4 و 1. ) لا بل وجدت بعض النقوش الفارسية عن
حاكم بلاد
عبر النهر وكيليكيا (10)
.
الجدير بالذكر أن اللغة الفارسية الرسمية قد
استعملت
تعبير " الشعب الآشوري " في كتابة شوش وهي تقصد الشعب الموجود في سوريا
( الآرامي )
بينما الترجمة الآكادية لهذا النص تستعمل الشعب الساكن في عبر النهر (11)
.
لم يعد سراً إذا
قلنا بأن اليونان قد أخذوا إسم " أسورستان " الإداري من
الفرس وليس
من الآشوريين , والدليل على ذلك في اللغة الفارسية القديمة كان حرف " أ
" يسقط أمام
الحروف الساكنة , وهكذا صارت كلمة " أسورستان " تلفظ " سورستان
" (12)
وقد حفظت لنا
المصادر العربية لفظة " سورستان "
(13) كذلك في اللغة
الأرمنية ,
لا تزال لفظة " آسوري " تطلق على الآشوريين القدامى وعلى سريان اليوم
. بالنسبة
إلى الأرمن مار أفرام هو " آسوري " أي سرياني وليس " آشورياً " كما يحاول
البعض
استغلال عدم إدراك مصدر التسمية السورية
.
كان
من الطبيعي على هيرودوت
, أن يعمد
إلى استعمال إسم سريان , لأنه كان الإسم الفارسي الذي يطلق على المنطقة
. وهذا ما
أوقع المؤرخين والجغرافيين اليونان في أخطاء عديدة من حيث موقع آسيريا
القديم
.
من المؤسف حقاً بأن
عدداً كبيراً من السريان اليوم يعتبرون أنفسهم
متحدرين من
الشعب الآشوري , لا بل يحاولون أن يجعلوا هذه التسمية السريانية
مرادفة
للتسمية الآشورية , بحجة أن هيروديت قد كتب بأن اليونان يطلقون تسمية
السريان على
الآشوريين ! لقد قدمت عدة أدلة على أن " أسورستان " هي تسمية إدارية
فارسية لا
تحمل أي صفة قومية .
إنني أتمنى على الذين يعتبرون بأن كلمة أو تسمية
" آشوري "
قد أطلقت على سكان بابل وبيت نهرين وسوريا وفلسطين منذ عهد الآشوريين
القدامى ,
أطلب منهم أن يقدموا لنا نصاً آشورياً واحداً ترد فيه تسميت " آشوريين
" بمعنى
يشمل سكان الشرق القديم
...
بالطبع إنني لن
أنتظر جوابهم الذي لن يأتي
وسوف أُكمل
بُحوثي , خاصة فيما تركه لنا آباؤنا وأجدادنا من وثائق وكتب تاريخية
. إذا كان
بعض السريان يشكون في ولائهم وإنتمائهم إلى الأمة الآرامية , ترى هل كان
أجدادنا
يشكون أيضاً في إنتمائهم هذا ؟
! .
سنة 333 ق.م. دخل
الإسكندر المقدوني
إلى الشرق ,
وفي سنوات قليلة قضى على الإمبراطورية الفارسية ووصل في فتوحاته في
الهند .
وحين نظّم إمبراطوريته الواسعة الأطراف أطلق إسم سوريا على بلاد سوريا
الحالية .
وهكذا أصبحت التسمية " سوريا " تسمية إدارية وجغرافية . وصار على الباحث
أن يمييز
بين :
أ – بلاد آشور القديمة ( آسيريا
).
ب– التسمية الإدارية
" آسورا "
في عهد الفرس 539-332 ق.م. التي كانت تشمل العراق وسوريا - فلسطي
.
ج
–
سوريا الولاية التي أنشأها الإسكندر . وبعد موته كانت من نصب قائده سلوقس الذي
أسس
مملكة السلوقيين,
الذين كانوا
يعرفون بملوك سوريا . وفيما بعد حين استولى الرومان
على هذه
المنطقة ظلوا يستعملون تسمية " سوريا " وهي سوريا الحالية , لكن دون منطقة
الجزيرة (
بيت نهرين ) والمنطقة الساحلية (فينيقي
)
.
-6-
د-
ولاية
أسورستان :
وهي جزء من
الإمبراطورية الفارسية , التي أسستها الأسرة الساسانية في
القرن
الثالث الميلادي وارثة المملكة الفرثية .
وكانت هذه الولاية تشمل جنوب ووسط
العراق .
وكان سكان هذه الولاية يطلقون على أنفسهم أسم آراميين وعلى الولاية إسم
: بلاد
الآراميين (13)
.
الآن بوسع
القارئ أن يمييز بين التسميات الجغرافية
والقومية ,
فالتسمية الأولى " أ " هي قومية وهي خاصة بالآشوريين القدامى
.
إذا
كانت
التسمية السريانية تعني الآشوريين وذلك فقط عند اليونان في القرن الخامس ق.م.
, فإنها لم
تعد صحيحة بعد إستلاء اليونان على الشرق , وخاصة بعدما أصبح لتسمية
سوريا معنى
جغرافياً وفيما بعد معنى قومياً.
كيف نستطيع أن نفسر هذا النص الذي كتبه
كسنوفون
(14) المؤرخ اليوناني الشهير "
ولكن ملك آشور بعد أن أخضع السريان وهم أمة
محترمة
" .
من هم السريان
" Syrian "
في هذا النص ؟
لقد أمضيت
أشهر
طويلة وأنا أبحث عن
الجواب لأهميته البالغة في دراستي التي أعدها عن الشعب السرياني
– الآرامي .
وقد عثرت على عدة أدلة تثبت بأن المقصود بالسريان هو الشعب الآرامي
. ويقول
سترابون
(15) الجغرافي اليوناني ( القرن
الميلادي الأول قبل المسيح)
:
" يقول لنا
أيضاً بوسيدونيس إن هؤلاء الذين أطلق عليهم اليونان إسم السريان
" Syrian "
فإنهم يطلقون على أنفسهم إسم الآراميين
" .
لا بل إننا
نرى في الترجمة
اليونانية
للعهد القديم , بأن تسمية بلاد آرام تترجم إلى بلاد سوريا ودائما كان
يترجم الشعب
الآرامي إلى الشعب السرياني .
لا يستطيع أحد أن يدعي بأن " حداد عدري
" ملك آرام
كان آشورياً وبالتالي لا أحد يستطيع أن ينكر بأن تسمية السريان قد أصبحت
مرادفة
للآراميين .
المؤرخ فلافيوس
جوزيف (16) , في كتابه الشهير
عن اليهود كان
يستعمل
التسمية الآشورية ليعني بها الأمة الآشورية القديمة , وكان يستعمل التسمية
السريانية
ليقصد بها الآرامية كقوله
:
كان لسام أحد أبناء
نوح خمسة أبناء :
آشور وهو الثاني
وقد بنى مدينة نينوى وأعطى إسم الآشوريين (أسيريان) لأتباعه
الذين كانوا
أغنياء وأقوياء جداً ... ومن آرام وهو الرابع يتحدر الآراميون الذين
يطلق عليهم
اليونان إسم سريان " .
إن علم
التاريخ , في الحقيقة , كعلم قائم
بذاته أسوة
بالعلوم الأخرى التي تبحث عن الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة , ولا يعتمد
تسلسل
الشعوب , حسب ما ورد في التوراة عن سام بن نوح , لأن التوراة في تفسيرها , قد
تقصد بها
إضفاء نوع من الترابط والتقارب بين الشعوب المتعددة , إذ ليس من المنطق في
شيء أن يكون
آشور أخاً لآرام , بينما هناك حقبة طويلة من الزمن بين التاريخ الآشوري
والتاريخ
الآرامي .
-7-
إذاً لا وجود لرابط
بين الشعبين الآشوري والآرامي سوى رابط الشعوب السامية فقط وقد
أوردت هذا
البرهان كي يتأكد القارئ بأن إسم السريان أصبح مرادفاً لإسم آرام
.
وإنطلاقاً
من أصول وقواعد التاريخ الثابتة أحببت أن أُعرّف ما كان يقوله
أجدادنا عن
أنفسهم وعن لغتهم .
هل كانوا يقولون
عنها سريانية – آرامية أم آشورية
؟
يقول مار
يعقوب السروجي (17) ( توفي عام
521 م ) في تقريظة لمار أفرام
:
"هذا الذي
أضحى إكليلاً للأمة الآرامية جمعاء وبه نالت محاسن روحية
" .
ورد
في إحدى
كتابات " مار فيلوكسينوس المنبجي " ( توفي عام 523 م
)
:
" إن تعبر
إختلاط ,
إمتزاج , يوجد في معظم كتب آبائنا إن كان عند الآراميين أو عند اليونان
" .
كذلك عند
مار يعقوب مطران الرها (19)
(توفي في أوائل القرن الثامن الميلادي).
يقول
في أحد الميامر : " وهكذا عندنا نحن الآراميين أو السريان
".
كذلك نجد في
تاريخ مار
ديونوسيوس التلمحري (20)
(توفي
في القرن التاسع الميلادي
)
:
ومنذ ذلك
الوقت بدأ
أبناء هاجر ( العرب ) يستعبدون الآراميين استعباداً مصرياً
.
ومن
المعلوم أن
العرب قد دخلوا بلادنا في القرن السابع الميلادي , تُرى لماذا مار
ديونوسيوس
يُسمّي سكان سوريا بالآراميين ؟
هل لأنهم آشوريون
أم بكل بساطة
لأنهم
آراميون ؟ !
ولعل أفضل دليل على
ذلك هو ما كتبه المؤرخ مار مخايل الكبير
(توفي
سنة 1199م ) في ملحق خاص ضمن تاريخه يرد فيه على اليونان الذين كانوا يعيّرون
السريان
بقولهم " لم يخرج ملك من شعبكم
" .
كتب مار
مخائيل (21)
:بمساعدة
من الله سوف
نذكر أخبار الممالك التي أُقيمت في القديم , بفضل أمتنا الآرامية, أي
أبناء آرام
, الذين أطلقت عليهم تسمية سريان " أو " سكان سوريان
... " .
بالطبع القارئ
المدقق يستطيع أن يتحقق من صحة هذه المعلومات وما عليه إلا أن
يفتح صفحة
كل كتاب ورد ذكره في بحثي هذا
.
لقد ذُكرت
سابقاً أن النصوص الآرامية
التي وجدت
في سفيرة قرب حلب قد استعملت التسميات التالية :
آرام العليا (حلب)
آرام السفلى
( دمشق ) وكل آرام أي كل بلاد رام . ومن المعلوم أن المؤرخين اليونان
كانوا
يستعملون " سوريا كولن " مما دعا عدداً من المؤرخين
(22) أن يرى في " كولن
" اليونانية
الأسم الآرامي القديم .
ولقد وردت
هذه التسميات مرات عدة في تاريخ
فلافيوس
جوزيف وذلك في حديثة عن السريان الآراميين ( وليس الآشوريين
)
.
" كان
لآرام أربعة
أولاد أحدهم عوض وهو البكر ... بنى مدينة دمشق الواقعة بين فلسطين
وسوريا
الملقبة بكولن (23)
" .
وفي مكان
أخر يستعمل تسمية سوريا السفلى وسوريا
العليا
(24) . أليس هذا دليلاً على أن
إسم سوريا قد أصبح مرادفاً بلاد آرام ؟
.
-8-
بالطبع , إن
اعتمادنا واستعمالنا للبراهين الكثيرة لا يعني مطلقاً أننا نشك
بإنتمائنا
إلى أمتنا الآرامية , لكن هذه البراهين جمعت من أجل بعض السريان الذين
يجهلون
الحقيقة والذين يتبعون التسمية الآشورية آملاً لهولاء أن يتأكدوا من الحقيقة
المجردة ثم
يتبعوها حيث هي .
أُنهى هذا القسم من البحث , بالتأكيد على أن
هيرودوت قد
استعمل تسمية " أسورستان " الفارسية التي هي محض إدارية إذ يقول (25)
:
هذه
المرزبانة تشمل كل فينيقيا وسوريا المسماة فلسطين وقبرص , هذه كانت
المرزبانة
الخامسة " لو كانت التسمية السريانية تعني الشعب الآشوري لكانت
فلسطين
وسكانها وسكان قبرص وفينيقيا جميعهم آشوريين
" .
ثانياً : عدم
إعتراف صاحب
المقال بوجود شعب سرياني – آرامي
.
يقول صاحب
المقال : " إن اليهود
كانوا
يطلقون كلمة آرامي على الشعوب الأخرى ... فالناس في نظر اليهود اثنين
: اليهود
والآراميون أي المؤمنون والوثنيون فالآرامي في اللغة العبرية ( لغة اليهود
(تعني
الوثني , ولغته من أي جنس كان هي لغة آرامية أي " لغة الوثنيين
" .
لقد نسى
صاحب المقال
إن الآشوريين قد حفظوا لنا إسم " آرام "
(26) في الكتابات العديدة التي
تركوها . هل
كان الآشوريين أيضاً يقسمون الناس إلى قسمين : الشعب الآشوري والشعب
الآرامي
(يعني الشعوب الأخرى) ؟
ذكرت في
القسم الأول أن الكتابات الآرامية قد
حفظت لنا
إسم آرام . غير صحيح أبداً بأن كلمة آرامي عند اليهود كانت تعني الشعب
الوثني فلو
كان هذا الأمر صحيحاً لكان اليهود أطلقوا تسمية " آراميين
" على
المصريين وعلى الفينيقيين وحتى على الآشوريين . إذا كان الآراميون قبل المسيح
عبدة أوثان
, فهذا لا يعني أن كل وثني في نظر اليهود هو آرامي.
إن صاحب المقال
يريد أن
ينفي وجود الشعب السرياني – الآرامي وبالتالي اللغة السريانية الآرامية وهو
يعلم جيداً
أن السريان الشرقيين كانوا ولا يزالون يتكلمون اللغة السريانية
– الآرامية
الشرقية . ولكنه يهدف إلى نفي وجود الآراميين كشعب لأنه يعلم أن المؤرخين
والعلماء في
أوروبا وأميركا لا بل علماء السريان الشرقيين أنفسهم يسمون لغتنا
بالسريانية
– الآرامية .
إنني أستغرب
, لماذا تصدر حالياً عشرات الكتب والمقالات
عن الشعب
الآرامي واللغة الآرامية-السريانية في جامعات أوروبا وأميركا , وكيف تسمح
هذه
الجامعات والمعاهد العلمية لنفسها بأن تشوه سمعتها العلمية وذلك بالكتابة عن
شعب لم يكن
موجوداً في التاريخ ؟ ! هل السريان بحاجة إلى شهادة وتذكرة هوية ؟
-9-
ثالثاً : عدم وجود
لغة آرامية في سورية مغايرة للغة التي يتكلم بها الآشوريون
.
صاحب المقال
يكمل حديثه " ... بالنسبة له لا يوجد شعب سرياني – آرامي , إذن لا
توجد لغة
سريانية – آرامية . وهذا يعني - بالنسبة له – إن السريان يتكلمون اللغة
الآشورية
البابلية وكم في هذا التفسير من خجل وحياء لأنه يجافي ويناقض كل الحقائق
التاريخية .
للأسف الشديد إن القوميين الآشوريين قد صدقوا هذه الأساطير في الماضي
وها إنهم
يحاولون بكل الوسائل أن يبرهنوا أن اللغة السريانية هي اللغة الآشورية
ذاتها
!!!!
إن السريان
قد تساهلوا كثيراً بالنسبة إلى تسمية اللغة السريانية
خلال القرن
العشرين . وهذا ما أفسح المجال للقوميين الآشوريين أن يموهوا الحقيقة
ويشوهوها في
تسمية اللغة السريانية . فصاروا يسمونها " لغتهم الخاصة الآشورية
" .
وذلك
في منشوراتهم العديدة . واليوم عدد كبير من السريان – الآراميين يعتقد فعلاً
أن القوميين
الآشوريين يتكلمون فعلاً اللغة الآشورية
!
ذكر العلامة
اللغوي توما
أودو
الكلداني في قاموسه السرياني
:
" الآراميون
= السريان و اللغة الآرامية
= اللغة
السريانية " .
طبعاً ,
عندما فتشت على كلمة آشوري فإنني لم أجد لهما أي
أثر لا في
قاموس المطران توما أودو ولا في غيره من القواميس ! لأنك الشعب
الآشوري
القديم قد إنقرض وإنقرضت معه اللغة التي كان يتكلمها في ذلك الوقت
أعني
الآكادية . وإذا أراد صاحب المقال أن يثبت للعالم أن الشعب الآشوري لم ينقرض
, فعليه أن
يجد وسائل علمية مقنعة ! لا أن يسطو على تسمية لغتنا السريانية – الآرامية
.
السريان –
الآراميون لن يقبلوا بالتساهل في تسمية لغتنا السريانية – الآرامية
أو غيرها .
لقد خسرنا عناصر عديدة من تراثنا التاريخي خلال 7.. سنة
من التقهقر
والانحطاط ! فلا نريد أبداً اليوم أن نخسر " لغتنا المقدسة
".
رابعاً : الصراع
الآشورية مع الآرامية
.
يكمل صاحب
المقال حديثه ويقول : "
إن ما قيل
عن صراع الآشورية مع الآرامية وهزيمة اللغة الآشورية هو محض خيال
" ويضيف
بأنه لم توجد لغة إسمها اللغة الآرامية
! .
إذا كان
فعلاً لا وجود للغة
آرامية ,
فلا داعي إذاً أن يتكلم صاحب المقال عن صراع اللغة الآشورية مع اللغة
الآرامية !
لا أُريد أن أقول بأن اللغة الآرامية قد إنتصرت على اللغة الآشورية
, ذلك إن
السريان – الآراميين يعرف عنهم إنهم بعيدون عن الكبرياء والتعجرف . ولكنني
أقول إن
اللغة الآرامية قد بدأت تحل مكان اللغة الآكادية ( لغة الآشوريين القدامى
)
كلغة رسمية
وذلك في عهد الإمبراطورية الآشورية قبل زوالها . الكلدنيون أيضاً من
بعدهم الفرس
استعملوا " لغتنا الآرامية " (27)
.
الشعب
اليهودي استعمل اللغة
الآرامية
وصارت لغة الشعب العامة , طبعاً يسوع المسيح قد تكلم الآرامية . يقول
Bardy (28)
عن يسوع المسيح : " أنه من الطبيعي أن يتكلم اللغة التي كان يتكلمها
شعبه (
اليهود ) أي اللغة الآرامية ... " إذاً ليس من المعيب على القوميين
الآشوريين
أن يتكلموا اللغة الآرامية
! .
-10-
لقد ذكر صاحب
المقال أنه لا يعترف بوجود شعب آرامي إذ بالنسبة له آرامي يعني وثني
ويقول في
نفس الوقت " لم يخضع الآشوريين يوماً للآراميين بل بالعكس كان
الآراميون –
كما يعترف المؤرخون – رعايا الإمبراطورية الآشورية
" .
إنني
أستغرب
وأتعجب للتناقض الفاضح في حديث صاحب المقال عندما لا يعترف بوجود شعب آرامي
ثم بوجوده
في آن معاً . إن صاحب المقال نكر وجود الآراميين أولاً ثم يقول إن
الآراميين –
كما يعترف المؤرخون – كانوا رعايا الإمبراطورية الآشورية .
إن المؤرخين
يعترفون
بوجود الشعب الآرامي , لكن صاحب المقال لا يريد الإعتراف علناً بوجود هذا
الشعب .
صاحب المقال يعلم جيداً أننا مسيحيو الشرق , سريان – آراميون , أو لا شيء
أخر على
الإطلاق ! .
السياسيون
قالوا : أنت آشوري , أنت تتكلم الآشورية , أنت
وريث
الإمبراطورية الآشورية !
غير أن الحقيقة والتاريخ يقولان له أنت
سرياني –
آرامي – أنت تتكلم اللغة السريانية – الآرامية , أنت وريث
الحضارة
الآرامية ! لذلك صاحب المقال يريد أن يزيل وجود شعب كامل بـ " شطحة قلم
" أي بجملة
واحدة . إذا كان السريان –الآراميون جاهلين لتاريخهم في الماضي
, إلا إنهم
منكبون على صفحات تاريخهم الذهبي ويكشفون الحقائق بأنفسهم لا كما يريدها
لهم غيرهم
.
لا أحد ينكر
أن السريان – الآراميين قد مروا في مرحلة " ضعف " دامت
مئات
السنيين , لا بل إن حالات " الضعف " هذه لا تزال تنخر في الأوساط الآرامية
وذلك لأسباب
عديدة . أما القوميون الآشوريون فإنهم لم يستفيدوا أبداً من " نهضتهم
القومية " .
لا شك إنهم سبقوا سائر السريان الآراميين في المفهوم القومي والعمل
السياسي ,
إلا أن نقطة الضعف عندهم , هي مفهومهم للتاريخ , إذ خلال أكثر من خمسين
سنة نراهم
يرددون نفس الأخطاء :
أ – إصرارهم على كون مسيحي الشرق من الشعب
الآشوري
.
ب- إصرارهم على كونهم يتكلمون " اللغة الآشورية
" .
ج- إعتمادهم
على السياسة
قبل الحقيقة , أي أن التاريخ يجب أن يبرهن على أنهم " آشوريون
وإنهم
يتكلمون الآشورية " وليس " التاريخ يبحث عن الحقيقة , كاستنتاج صاحب المقال
عندما يقول
: " ... ومن هذا نستنتج بأن اللغة الآشورية لم تنقرض ولم تتخل عن
مواقعها
لأية لغة أخرى ... وأن اللغة السريانية هي إمتداد للغة الآشورية
– البابلية
ذاتها" . هذه الشطحات الغير تاريخية سوف تؤذي الأجيال الصاعدة من
القوميين
الآشوريين.
إن السريان
– الآراميين قد تعلموا كثيراً من تجربة
القوميين
الآشوريين , إنهم يعلمون جيداً إن القوة بدون حق لن تؤدي إلى شيء ! لذلك
تراهم
مصرّين على درس تاريخهم الحقيقي مع كل العيوب والأخطاء التي يحملها هذا
التاريخ !
هذه الخطوة الجبارة في إصرار السريان – الآراميين على البحث عن " الحقيقة
" وليس
الأهداف السياسية الوهمية , سوف تسمح لهم في المستقبل أن يحافظوا على وجودهم
وعلى لغتهم
وحضارتهم .
-11-
طالما إن القوميين
الآشوريين يضعون الأهداف السياسية قبل البحث عن " الحقيقة " بحد
ذاتها ,
فإنهم لن يصححوا " المغالطات الكبيرة " التي وردت في مقالة آرامية
, سريانية ,
أم آشورية " .
إن صاحب المقال
يربط بين الشعب الآشوري واللغة الآشورية
القديمة
التي يؤكد إن لغة الآشوريين لم تنقرض ! مع إن اللغة الآشورية
القديمة (
الآكادية ) انقرضت منذ أكثر من ألفي عام وهذا ما يعرفه كل إنسان يطالع
التاريخ
العلمي . أما ما تبقى من الشعب الآشوري القديم فلقد انصهر في الشعب
السرياني
الآرامي ولم يعد أي ذكر للآشوريين كشعب أو حضارة.
خامساً : الآشوريون
والكلدان المعاصرون يتكلمون اللغة الآشورية
القديمة
.
لقد ذكرنا
سابقاً إن السريان الشرقيين ولا يزالون يتكلمون اللغة
السريانية –
الآرامية بينما صاحب المقال يتجاهل هذه الحقيقة ويعطي برهاناً ما كتبه
عالم الآثار
" هنري لا يارد " في كتابه " نينوى وبقاياها " , إذ يقول : " إن
الكلدان
والنساطرة واليعاقبة القاطنين في القرى القريبة من مدينة الموصل أو أولئك
الساكنين في
المناطق الوعرة من كردستان هم من سلالة الآشوريين والكلدان وما زالوا
حتى يومنا
هذا يتكلمون اللغة نفسها التي كانت تُحكى في نينوى وبابل
" .
كان من
المفترض أن
أقرأ هذا الكتاب ولكن حين علمت أنه صدر سنة 1849 فإنني غيرّت رأيي لا شك
أن " هنري
لا يارد " قد أخطأ حين أكّد أن الكلدان والنساطرة واليعاقبة يتكلمون
الآكادية ,
لأنهم كانوا ولا يزالون يتكلمون السريانية الآرامية . وهي لغة شرقية
قريبة من
اللغة الآكادية . بعض الكلمات والأفعال والأسماء , كإسم الأشهر مثلاً , قد
دخلت في
اللغة الآرامية ولكن هذا لا يعني حكماً بأن الآرامية والآكادية هما لغة
واحدة
.
يحق لكل
باحث أن يطرح نظرية معينة ولكنه يجب أن يُقنع وأن يعطي البراهين
الكافية .
فهل " هنري لا يارد " أو حتى صاحب المقال قد أعطيا برهاناً واحداً لإثبات
نظريتهم ؟
!
إذا كانت
اللغة الآرامية هي نفس اللغة الآكادية مع بعض الفروقات
, فهذا يعني
أن كل إنسان يجيد اللغة الآرامية باستطاعته أن يجيد اللغة
الآكادية ,
وهذا غير صحيح أبداً . " صاحب المقال " يريد أن يكون المحامي
الناجح الذي
يربح دائماً ولكنه تولى " قضية " خاسرة من البداية : السريان
– الآراميون
(الشرقيون والغربيون) يتكلمون السريانية – الآرامية بكل
بساطة
.
-12
سادساً : حروف
الأبجدية من إبتكار الآشوريون
.
إن الروح
القومية وليس (
البحث العلمي )
تدفع صاحب المقال إلى القول " إن حروف الأبجدية هي من إبتكار الآشوريين ولا من
إبتكار الفينيقيين كما يزعم البعض " .
لماذا لا يقول صاحب المقال
أيضاً " بأن
الآشوريين القدماء قد صعدوا إلى القمر قبل الأميركان ! "
لا شيء يمنع
صاحب المقال
أن يقول هذه الأشياء , إذ كان البحث عنده هو تمجيد وتعظيم الشعب
الآشوري
القديم بأسلوب إنشائي بعيد عن أي برهان أو إثبات علمي
!!! .
إن صاحب
المقال يعرف
جيداً أن الحروف الأبجدية هي من ابتكار الفينيقيين ولكنه يريد أن يجعل
اختراع
الأبجدية هي من ابتكار الشعب الآشوري , وطبعاً لا يعطي برهاناً مقنعاً ؟ لما
البراهين ؟
لقد تعود القوميون الآشوريون على درس " التاريخ , بدون حاجة إلى براهين
.
من المعلوم
بأن الفينيقيين , هم أول من أستعمل الحروف الأبجدية ومنهم انتقلت
إلى أجدادنا
الآراميين , لقد وجدت عدة نصوص بالأبجدية الفينيقية ( الكنعانية ) في
رأس شمرا
وجبيل وصور ( أي في فينيقيا ) يعود بعضها إلى القرن الحادي عشر قبل
الميلاد .
لماذا لم يجد علماء الآثار هذه الحروف في ممتلكات الدولة الآشورية ؟ صحيح
أنه وجدت
بعض الكتابات الفينيقية على أول فخارية كشفت في بلاد آشور القديمة ولكن
هذه الأواني
هي من صنع الفينيقيين .
إذا
كان الآشوريين قد أوجدوا الحروف
الأبجدية
فلماذا استعملوا إذا الكتابة الآرامية ؟ لقد ذكرت سابقاً أن ملوك
الآشوريين
قد استعملوا اللغة الآرامية , ويعود تاريخ أقدم نص آرامي وحد في بلاد
آشور إلى
عهد الملك تغلت فلأسر الثالث ( 745 – 727 ق.م. ) .
وإن النصوص الآرامية قد
وجدت في
سوريا الحالية . إنني أؤكد للقارئ بأنه لا يوجد أي باحث أو مؤرخ أوروبي قد
إدعى بأن
الآشوريين هم الذين إبتكروا الحروف الأبجدية بل بالعكس إنهم مجمعون على أن
الفينيقيين
هم الذين أوجدوا هذه الحروف
.
سابعاً : الأدب
السرياني يجب أن
يُسمى
بالأدب الآشوري
.
هذه هي
النتيجة " العلمية " التي توصل إليها صاحب المقال
. إنها "
مسك الختام " كما يقال .
كل هذه المعلومات الخاطئة التي قدمها صاحب المقال
كي يصل إلى
الهدف المستحيل وهو إحياء شعب آشوري انقرض منذ أكثر من ألفي سنة ! إنه
يريد أن
يحيي شعب غير موجود على حساب شعب موجود وهو الشعب السرياني – الآرامي
! .
كل هذه
الأخطاء التاريخية لا تؤثر بشيء على القارئ المثقف ! إذ من المعلوم أن
السياسة
الماهرة اليوم هي فن الممكن , هل بإمكاننا اليوم أن نقول بأن الأدب
السرياني
يجب أن يسمى بالأدب الآثوري أو الآشوري ؟
هل هذا
الشيء ممكن ؟ إن
العلماء في
أوروبا وأميركا يسمون هذا الأدب بالسرياني أو بالأدب الآرامي , مثلاً
" كتاب الأب
البير أبونا " وغيره . وبالطبع إذا كان هناك من يدعي من مؤرخي السريان
الشرقيين
بأن هذا الأدب يجب أن يسمى بالآشوري , فعليه أن يكتب ويعلن ذلك
على الملأ
لأن العلماء في أوروبا والعالم سوف يشكرونه على اكتشافه العظيم! .
-13-
لقد ذكرت
عدة مرات في بحثي أن الشعب الآشوري القديم قد انقرض ؟
طبعاً
القارئ
بحاجة إلى براهين :
لا يوجد أي
ذكر للشعب الآشوري في الوثائق القديمة
. ولا يوجد
أي شعور قومي آشوري عند السريان الشرقيين أو الغربيين . وذلك واضح في
قاموس حسن
بن بهلول السرياني النسطوري ( القرن العاشر الميلادي ) , لنرى ماذا يعني
له التسمية
الآشورية إذا فتحنا قاموسه الصفحة 322 نرى
:
آثوري = عدو
.
أليس
هذا بدليل
واحد كاف على أن السريان الشرقيين لم يكونوا آشوريين قط ! ثم يجب أن نعلم
بأن السريان
الشرقيين كانوا آراميين , يقول حسن بن بهلول:
" منذ القديم كانت
السريان
يعرفون بالآراميين ... " .
إن كل باحث
في التاريخ المسيحي أو في تاريخ
الشرق
القديم يعلم بأن تسمية أسورستان هي تسمية إدارية فارسية , وإن هذه التسمية
لم تستعمل
بمعنى الأمة الآشورية على الإطلاق
.
إن محاولة
صاحب المقال في جعل كل
سرياني
آشوري مكتوب لها الفشل . من المستحيل أن يكون
مار يعقوب
السروجي , وهو المولود في قرية بنطان بين نهر الفرات والبليخ
, آشورياً
وذلك لأنه ولد في بيت نهرين(الجزيرة) وإنه يتمجد بالأمة الآرامية
! ...
وعملاً بالقول المأثور " كل بناء يبنى على الرمل يتهدم بهبوب أول عاصفة قوية "
من
هنا نتمنى على صاحب
المقال بأن يبني بحوثه ومقالاته على قواعد ثابتة وليس على أوهام.
وسأختم بحثي
هذا , مستشهداً , بما أعلنه وكتبه البطريرك مار أغناطيوس أفرام
الأول برصوم
عام 1952 , متصدياً لمحاولات التزييف وتغيير الحقائق واقع
اللغة
والشعب " في إسم الأمة السريانية " جاء فيه(
ص 44
)
:
أما استعمال
لفظة
Assyrian ,
آثوري للغة والملة ( الشعب ) فهو مخالف
:
1-
لحقيقة التاريخ.
2-
للتقاليد القديم
الذي أجمع عليه علماؤنا .
3-
للعرف العام
لشعبنا وسائر
البلاد
.
4-
لما أجمع
عليه عموم الغرب من إفرنسيين وإنكليز وألمان وإيطاليين
وأميركيين
.
في النهاية
, أستشهد بالقول المنطقي المأثور
:
" يمكن أن
تخدع بعض
الناس لبعض الوقت , ولكن لا يمكنك مطلقاً أن تخدع كل الناس كل الوقت
" .
هوامش البحث
1-FIE,S. "Assyriens" ou Araméens ? P.152
2-يوسف مالك ,
الخيانة البريطانية للآشوريين , ترجمة يونان ايليا يونان
سنة 1981 ص 13 .
3-SADER,H. les États Araméens au
Syrie depuis leur fondation jusqu'à leur transformation en provinces
Assyriennes P. 98 .
4-UNGER,M.F , Israel and the Arameans of Damascus , P.68 .
5-DUPONT-SOMMER , Les Inscriptions Araméennes de Sefire P. 17-18 .
6-LONGDON, S. , Die New Babylonischen Kongsinschriften, P.148.
7-GADD, C.J., The Harran Inscription of Nabonidus in Antalian studies t-8 ,
1958 , P.6..
8-HONIGMANN, E . et MARICQ.A., Recherche sur les Res Gestae divi saporis
dans , : Memoires de l'Academie Royale de Belgique . T.47 , 1953 , P-41 .
9-RAINEY, A.F., The Satrapy Beyond the river , in : Australian journal of
Biblical Archelogy T-1 , 1969 , P.54.
1.-COOKE, G.A. , A texte book of North semitic inscriptions . P.346.
11-RAINEY, A.F., The Satrapy P-54.
12-HONIGMANN, et MARICQ . Recherches … P.42.
13-IBID , P42 note No. 42.
14-XENOPHON , Cyropédie I(5) 2 .
15-STRABON , Geographie , I (2) , 34 .
16-FLAVIUS JOSEF, Histoire ancienne des Juifs , I (6)
.
17-المطران يعقوب أوجين منّا , مقدمة قاموس كلداني
– عربي ص 15 .
18-PHILOXENE DE MABOUG, Memra contre
Habib dans patrologie Orientalis , T-13 , P.692 .
19-JACQUES D'EDESSE, Scolie , dans Patrologie Orientalis , T-29 , 196.,
P-196 .
2.-CHABOT , J.B., Quatrième partie de la chronique Syriaque de Denys de tell
Mahrétexte Syriaque P-11.
21-CHABOT , J.B., La chronique Syriaque de Michel le Syrien , T-3 , P.442 .
22-MAZAR, B., The Aramean Empire and its relations with Israel in : Biblical
Archelogist T-25, 1962 , P.119.
23-FLAVUIS JOSEPHE , Histoire Ancienne de Juifs , Livre , I chapitre 6 .
24-IBID , Livre VIII chapitre 2.
25-HERODOTUS , Histoire, Livre III ,92.
26-BRINKMAN , J.A.,A Political History of postkasite Babylonia 1158-722 B.C
., P.267.
27-BOWMAN , A.R., Arameans , Aramaic and the bible , in jounal of near
Eastern studies , T-7 ,1948 , P.78 .
28-BARDY, G ., La question des langues l'Eglise
ancienne , P.2.
االال
عن مجلة آرام
بقلم: يوآرش هيدو، في عددها رقم 28، ص 14. |