كان أبي آراميا تائها
هل اليهود ينتمون الى الآراميين ؟
سؤال مطروح منذ زمن بعيد و لكن طلب مني أحد الإخوة أن
أجيب على هذا السؤال .
سوف أحاول أن ألقي بعض الأضواء حول هذا الموضوع !
أولا - ما هي علاقة اليهود بالآراميين ؟
اليهود القدامى هم شعب سامي أي شرقي مثل الآراميين و
العموريين و غيرهم من سكان الشرق القديم .
من يتتبع تاريخ هذين الشعبين يلاحظ كثير من التقارب في
التاريخ القديم
*
شعوب بدوية كانت تتنقل في البادية
*
بعد هجوم" شعوب البحر" في حوالي ١٢٠٠ ق٠م سيؤسس اليهود
مملكة مستقلة في بلاد كنعان بينما الآراميون سيؤسسون
عدة ممالك في نهريما ( بيت نهرين أي الجزيرة السورية )
و بلاد عمورو ( سوريا القديمة ).
*
رغم إستقلال هذه الممالك اليهودية و الآرامية فإن
النظام القبلي ظل مسيطرا !
*
لقد وقعت حروب عديدة بين اليهود و مملكة آرام دمشق و
غالبا ما تكون نزاعا حول أراض مختلف عليها !
و قد دامت تلك الحروب في أيام عدة ملوك آراميين خاصة
الملك حزائيل ٨٤٣ - ٨٠٣ ق٠م فنرى في سفر الملوك
الثاني١٣:٣ " فحمي غضب الرب على اسرائيل فدفعهم ليد
حزائيل ملك ارام وليد بنهدد بن حزائيل كل الايام"
*
و لكن كان يوجد أيضا تحالفات سياسية و هذا واضح من
معارك قرقر سنة ٨٥٣ ق٠م و بعدها بين حدد عدري ملك دمشق
و أحاب ملك إسرائيل و ارحوليني ملك حماة ضد الهجمات
الأشورية !
ثانيا
- ما معنى " كان أبي آراميا تائها " ؟
لقد وردت هذه الجملة في سفر التثنية 26:5 و هذا السفر
يتكلم عن النبي موسى و كيف أخرج اليهود من بلاد مصر .
أغلب المؤرخين يذكرون أن إبراهيم كان آراميا تائها .
أرجو أن يتفحص القارئ هذا الرابط و فيه عدة ترجمات
لأسفار التوراة
http://mlbible.com/deuteronomy/26-5.htm
لقد لاحظتم كيف ترجمت لفظة " آرامي " فهي تارة تترجم "
آرامي " و طورا " سرياني " !
و طبعا إذا كان الوالد آراميا فإن أبنائه و بكل تأكيد
سيكونون آراميين !
و من الطبيعي أن يتسائل السريان المهتمون إذا كان
اليهود ينتمون مثلنا الى الآراميين و لا شك أن هذه
الجملة تدفعهم الى تصديق هذه الفكرة !
قبل الإجابة يجدر بنا أن نتعرف على رأي العلماء
المتخصصين في تاريخ الشرق في ما دون في التوراة !
و السؤال هو كيف ينظر المسيحي الى التوراة اليوم ؟
ثالثا
- نظرة المسيحي الى التوراة ؟
أ
-
أغلبية المثقفين السريان يعتبرون التوراة كتابا مقدسا
و هم يصدقون كل ما ورد في التوراة .
نحن لا نلومهم لأنهم غير مطلعين على الدراسات حول
أسفار التوراة و ما ورد فيها من معلومات تاريخية ...
ب
-
نظرة المسيحي الى التوراة هي نظرة إيمانية و هو يعتقد
أن أدم هو أول إنسان وجد على الأرض !
هذه النظرة الإيمانية لا تدفعه الى تحكيم العقل و
المنطق : إذا كان أدم فعليا هو أول إنسان على الأرض
فكيف وصلت لنا قصته و الكتابة لم تكن موجودة بعد ؟
ج -
أغلبية المسيحيين الإنجليين ( البروتستنت ) يؤمنون أن
أدم هو فعليا أول إنسان على وجه الأرض و أن تاريح
البشرية هو حوالي ٦ ألاف سنة ! المشكلة أن هذا الإيمان
يناقض ما نعرفه اليوم عن حياة الإنسان على هذه الأرض
التي تقدر ببضعة مئات ألوف من السنين !
و قد ترك الإنسان القديم مئات من الرسوم في المغاور
التي تسمح لنا اليوم أن نعرف الفترة الزمية التي عاش
فيها !
د -
منذ حوالي ٥٠ سنة أقر المجمع الفاتيكاني الثاني أن قصة
أدم و حواء في التوراة هي قصة إسطورية و رمزية !
رابعا
- هل ينظر العلماء الى التوراة كمصدر أمين ؟
أ
-لقد
كانت أسفار التوراة هي الوحيدة التي تتكلم عن تاريخ
الإنسان على الأرض في التاريخ القديم و الوسيط و لكن
منذ فك رموز الكتابة الهيروغلوفية و المسمارية في
أواسط القرن التاسع عشر صار العلماء يملكون مصادر
جديدة تسمح لهم بالتعرف على تاريخ الشرق و التأكد من
روايات التوراة !
ب -
بعض المفكرين يختارون بعض روايات التوراة لأنها تؤيد
فكرهم و إيديولوجيتهم و لكن الباحثين الأكادميين
يطبقون مبادئ علم التأريخ و ينظرون الى ما ورد في بعين
مجردة لأن هدفهم هو التوصل الى الحقيقة التاريخية !
ج -
من يعتمد فقط على أسفار التوراة سيصدق أن الملك سليمان
الحكيم هو الذي بنى مدينة أورشليم و كثير من الناس
يؤمنون أن إسم مدينة أورشليم هو عبري! بينما العلماء
يعلمون من الدراسات أن مدينة أورشليم كانت متواجدة قبل
سليمان بحوالي ٣٠٠ سنة !
لقد ورد في أسفار التوراة أن الملك سليمان قد أمر
العمال أن يحفروا نفقا تحت الأرض كي يدخل مياه عين الى
داخل أسوار المدينة !
لقد إكتشف علماء الآثار ذلك النفق مع كتابات عبرية
قديمة و هذا يثبت أن بعض أخبار التوراة هي صادقة !
د -
كثيرون من العلماء يشككون بوجود إبراهيم و موسى و
يعتبروهما شخصيات اسطورية !
أولا لأن المصادر القديمة لا تذكرهما و هم يتعجبون
كيف أن شخصية مثل موسى لا يوجد عنه أي ذكر في الكتابات
الهيروغلوفية !
ثم أن هؤلاء العلماء و لإطلاعهم على الكتابات
الأكادية القديمة صاروا يعرفون أن بعض قصص التوراة
منقولة من الأساطير المتداولة في العراق القديم !
إن قصة موسى في طفولته هي نقل حرفي لقصة سرجون الأكادي
الذي وضعته والدته في سلة من القش و تركتها والدته
تعوم في مياه نهر الفرات !
و من يريد أن يتعرف أكثر على اسطورة سرجون الأكادي ,
إليكم هذا الرابط
The Legend of Sargon of Akkadê, c. 2300 BCE
http://www.fordham.edu/halsall/ancient/2300sargon1.asp
ه -
أخيرا كان العلماء يشكون أيضا بصحة وجود الملك داود و
لكن إكتشاف كتابة آرامية في تل قاضي / تل دان في شمال
إسرائيل حيث ورد فيها تعبير " بيت داود " قد أبعد
الشكوك !
راجع هذا الرابط
Tel Dan Stele
http://en.wikipedia.org/wiki/Tel_Dan_Stele
الخاتمة
أ-
لقد دونت أسفار التوراة بين القرنين السادس و الأول
ق٠م و هي تتحدث عن تاريخ اليهود المزعوم في بداية
الألف الثاني !
السؤال المنطقي كيف إستطاع اليهود في النصف الثاني من
الألف الأول ق٠م أن يدونوا لحوادث وقعت قبل ١٣٠٠ سنة
تقريبا ؟
ب -
إبراهيم هو شخصية اسطورية و جملة " كان أبي آراميا
تائها " لا تعتبر مصدرا موثوقا و برهانا على أن اليهود
ينتمون الى الآراميين !
ج -
إن أهم مؤرخي تاريخ الشرق القديم مثل إدوارد ليبنسكي
تؤكد أن اللفظة الآرامية في " كان أبي آراميا تائها "
لا تعني الشعب الآرامي و لكن البداوة و تفسر الجملة "
كان أبي بدويا تائها "!
د -
إنني أعتقد أن هذا التفسير هو صحيح ! لأن أسفار
التوراة تتكلم كثيرا عن الآراميين و لا تذكر أن اليهود
أنفسهم ينتمون الى الآراميين ! |