ماذا يمنع أن ندعوا أنفسنا آراميين؟
20121123
عادة تصلني تعليقات صبيانية مضحكة من نوع "
إسمنا التاريخي غير
مهم و لكن وضعنا الحالي ..."
أو " نحن شعب واحد بثلاث أسماء..."
أو " شعب واحد , حضارة واحدة , لغة واحد , نحن
" أشوريون " ؟..."
و لكن مؤخرا وصلني تعليق من صديق يسألني حرفيا
:
"ماذا
يمنع أن ندعوا أنفسنا بالأرامية فقط فالأجيال
الجديدة لا تضيع بين التسميتين . هل يوجد خلاف
بيننا على هذا؟"
لا
أعرف كيف أرد على سؤال صديقي؟
و بصراحة لا أعرف إذا
كان سؤالا بريئا أم هي محاولة جريئة لوضع
النقاط على الحرووف ؟
أخيرا من يقصد " هل يوجد خلاف بيننا على هذا؟
" فكلمة " بيننا
"هنا
هي المشكلة
!
سأحاول الرد على إقتراح صديقي بشكل مبسط
:
أولا - " ماذا يمنع أن ندعوا أنفسنا..."
طبعا أنت لا تقصد بتعبيرك " ندعوا أنفسنا" أن
" نختار بأنفسنا إسما
أو هوية لشعبنا " لأنك تعرف جيدا أن لشعبنا
تسميتين مترادفتين
!
بعض السريان يتوهمون أن للتسمية الأشورية
حسنات و يضحكون على
البسطاء من السريان قائلين لهم:
أنظرا إلى عصبة الأمم فهي تستخدم
التسمية الأشورية و الأفضل لنا أن نختار
التسمية الأشورية
!"
الأغلبية الساحقة من السريان الذين يعيشون في
لبنان يتمسكون بالهوية
اللبنانية مدعين إنها هوية إتنية قديمة تعود
الى أكثر من ٤٠٠٠ سنة
!
من المؤسف انهم يخلطون بين المواطنة اللبنانية
و الهوية التاريخية
الحقيقية فهم يتخلون عن هويتهم السريانية
الآرامية من أجل هوية
لبنانية حديثة
!
لا
أحد يختار هوية أجداده التاريخية و لا يحق
لأحد أن يدعو أو
أن يسمي أجداده بغير إسمهم التاريخي العلمي
!
ثانيا - "ماذا يمنع أن ندعوا أنفسنا بالأرامية
فقط
"
أ
-
ترادف التسميتين السريانية و الآرامية
لقد كتبت حول هذا الموضوع في مقال سابق ما يلي
;
"
من هم السريان
" Syrian "
في هذا النص ؟
كيف نستطيع أن نفسر هذا النص الذي كتبه
كسنوفون (14) المؤرخ اليوناني الشهير " ولكن
ملك آشور بعد أن أخضع السريان وهم أمة محترمة
".
لقد
أمضيت أشهر طويلة وأنا أبحث عن الجواب لأهميته
البالغة في دراستي التي أعدها عن الشعب
السرياني – الآرامي .
وقد عثرت على عدة أدلة تثبت بأن المقصود
بالسريان هو الشعب الآرامي .
ويقول سترابون (15) الجغرافي اليوناني ( القرن
الميلادي الأول قبل المسيح(.
يقول
لنا أيضاً بوسيدونيس إن هؤلاء الذين أطلق
عليهم اليونان إسم السريان
" Syrian "
فإنهم يطلقون على أنفسهم إسم الآراميين
"
لا بل إننا نرى في الترجمة اليونانية للعهد
القديم, بأن تسمية بلاد آرام تترجم إلى بلاد
سوريا ودائما كان يترجم الشعب الآرامي إلى
الشعب السرياني.
لا يستطيع أحد أن يدعي بأن " حداد عدري " ملك
آرام كان آشورياً وبالتالي لا أحد يستطيع أن
ينكر بأن تسمية السريان قد أصبحت مرادفة
للآراميين
.
المؤرخ
فلافيوس جوزيف (16) , في كتابه الشهير عن
اليهود كان يستعمل التسمية الآشورية ليعني بها
الأمة الآشورية القديمة , وكان يستعمل التسمية
السريانية ليقصد بها الآرامية كقوله :
كان لسام أحد أبناء نوح خمسة أبناء :
آشور وهو الثاني وقد بنى مدينة نينوى وأعطى
إسم الآشوريين (أسيريان) لأتباعه الذين كانوا
أغنياء وأقوياء جداً ...
ومن آرام وهو الرابع يتحدر الآراميون الذين
يطلق عليهم اليونان إسم سريان
" .
إن علم التاريخ , في الحقيقة , كعلم قائم
بذاته أسوة بالعلوم الأخرى التي تبحث عن
الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة , ولا يعتمد
تسلسل الشعوب , حسب ما ورد في التوراة عن سام
بن نوح , لأن التوراة في تفسيرها , قد تقصد
بها إضفاء نوع من الترابط والتقارب بين الشعوب
المتعددة , إذ ليس من المنطق في شيء أن يكون
آشور أخاً لآرام , بينما هناك حقبة طويلة من
الزمن بين التاريخ الآشوري والتاريخ الآرامي
.
14-XENOPHON , Cyropédie I(5) 2 .
15-STRABON , Geographie , I (2) , 34 .
16-FLAVIUS JOSEF, Histoire ancienne des
Juifs , I (6)
ب -
العودة الى جذورنا الآرامية
!
هي حركة فكرية قام بها عدد كبير من الأكادميين
السريان الذين
يعيشون في السويد و ألمانيا و سوريا و لبنان و
هي بكل بساطة
إعتماد التاريخ الأكاديمي الذي يعتمد على
البراهين العلمية لتأكيد
الطروحات التاريخية التي تتعلق مباشرة بشعبنا
و هويته و لغته
!
و
خير ممثل لهذه الحركة هو" رابطة الأكادميين
الآراميين " التي
أصدرت مجلة " آرام " لأكثر من عشر سنوات
!
نحن
نؤكد جذورنا الآرامية لأنه و بكل بساطة لأن
أجدادنا كانوا يؤمنون
أنهم آراميين و سأكتفي هنا بذكر ما كتبه
المطران ذكر يعقوب ألرهاوي ( 633- 708 م)
"
ܗܘ ܗܟܘܬ ܐܳܦ ܚܢܰܢ ܐܪܡܝܐ ܐܘ ܟܺܝܬ ܣܘܪ̈ܝܝܐ
"
أي " هكذا عندنا نحن ألأراميين أو ألسريان
"
هنالك عشرات النصوص السريانية التي تثبت أن
أجدادنا كانوا فعلا
يفتخرون بإسمهم الآرامي
.
ج -
و لكن هنالك مشكلة صغيرة و هي إنتشار فكرة أو
نظرية خاطئة
مفادها أن أجدادنا الآراميين قد تخلوا عن
إسمهم الآرامي حين إعتنقوا
الديانة المسيحية و فضلوا أن يسموا سريانا !
هذه النظرية العجيبة
يؤمن بها عدد كبير من رجال الدين و ينشرونها
في كتبهم و يرددونها
في مقابلاتهم .
لقد نشرنا عدة دراسات و قدمنا عدة براهين تثبت
أن السريان لم يتخلوا عن إسمهم الآرامي و
لكننا و يا للأسف لا زلنا
نرى في بعض المؤتمرات ترديدات لهذه النظرية !
راجع
افكار تتلاقى وأقلام تتلاقح في اليوم الثاني
من ايام الحلقة الدراسية حول دور السريان في
الثقافة العراقية.
على الرابط
http://syriacculture.org/ar/akhbarDetails.php?recordID=172
حيث
نرى ملخصا للباحث عبد الرافع جاسم محمد/جامعة
الموصل حول"
اسهامات السريان في الحضارة العربية الأسلامية
في العصر العباسي الأول" ورد فيه ما يلي "
السُرْيان:
كلمة أطلقت على العناصر الآراميّة التي اعتنقت
المسيحيّة، وهي تسمية أطلقها عليهم اليونان
بعد اتِّصالهم بهم في سورية، وقد ارتبط اسم
السريان بالعقيدة المسيحية منذ القرون الأولى
من العصر الميلادي، وترجع أصولهم إلى القبائل
الآرامية التي استقرت في بلاد الشام،
والآراميون أقوام خرجوا من الجزيرة العربية
وكان لهم حضور سياسي في بلاد الشام ووادي
الرافدين، ولعل أقدم إشارة ترد عنهم تعود إلى
عهد الملك الأكدي نرام سين (2291 – 2255 ق. م
)، ويكثر ذكرهم في الإسفار اليهودية ويعود
استيطانهم في بلاد الشام إلى الإلف الثالثة ق.
م".
*التسمية
السريانية لم تطلق أبدا على العناصر الآرامية
" التي اعتنقت المسيحيّة "!
فأجدادنا ظلوا يتسمون آراميين و هنالك نصوص
سريانية من القرن الثالث عشر تثبت حفاظهم على
إسمهم الآرامي
!
*الآراميون
لم يخرجوا من الجزيرة العربية و لكن من
البادية السورية
لأن أجدادنا لم يستخدموا الجمال في تنقلاتهم
!
*هل
يحق لنا أن نلوم هذا الباحث و نحن لا زلنا نرى
السريان
أنفسهم يدعون أن أجدادهم قد تخلوا عن إسمهم
الآرامي
!
ثالثا - " فالأجيال الجديدة لا تضيع بين
التسميتين
..."
هويتنا التاريخية تشبه كثيرا قطعة نقود معدنية
فنحن شعب واحدو هوية واحدة و لكن لنا إسمان
تاريخيان مترادفان:
الآراميون و السريان
و صدقني هنالك عشرات الألوف من السريان التي
تؤمن و تعترف أن
لنا تسميتين تاريخيتين الآرامية و السريانية
!
أ -
للأسف هنالك صراع فكري بين السريان الذين
يؤمنون بهويتنا
الآرامية فالبعض منهم يريدون التمسك بالتسمية
الآرامية فقط لأنها
التسمية الأقدم و الأشمل :
و حجتهم إنك حين تعرف عن نفسك بأنك
آرامي فلا غموض حول التسمية و الهوية
!
ب -
بعض السريان يرون أن التسمية السريانية هي
الأفضل لأنها
الأحدث و لأن رجال الدين يؤمنون بها و يرددون
أنها تستطيع أن
توحد جميع مسيحي الشرق و لأن السريان النساطرة
الذين يدعون
بالهوية الأشورية المزيفة لا يزالون يسمون
أنفسهم " سورايا أي سريان
!"
و لكن المشكلة هي أن التسمية السريانية
باللغات الأجنبية تطلق على
سكان دولة سوريا و على أبناء شعبنا الآرامي
!
ج -
نحن نفضل إستخدام التسميتين مترافدتين " شعبنا
السرياني الآرامي
أو هويتنا السريانية الآرامية..."
منعا للإلتباس مع سكان سوريا المواطنين
و منعا لتفسيرات خاطئة للتسمية السريانية تهدف
الى تزييف هويتنا
الآرامية من نوع " سورايا أصلها أسورايا ..."
و غيرها من النظريات
الخاطئة
...
د -
بشكل عام أبناء الكنائس السريانية الأرثودكسية
و الكاثوليكية
و الإنجيلية يتقبلون التسميتين السريانية و
الآرامية و لكن المشكلة
هي عند أبناء بقية الكنائس الشرقية كما سنرى
لاحقا
!
رابعا - " هل يوجد خلاف بيننا على هذا ؟"
نعم يوجد خلافات و هي عديدة حول التسمية و
الهوية الآرامية
!
أ -
هنالك رأي شائع و خاطئ مفاده أن السريان هم
الذين ينتمون الى
الكنائس:
السريانية الأرثودكسية و السريانية
الكاثوليكية و السريانية
الإنجيلية!
بعض السريان يتطرفون في تفسيراتهم فيدعون أن
كنيستهم
هي سريانية أما هويتهم فهي " أشورية " و
يقدمون برهانا صبيانيا
و يقولون أن في الهند كنائس سريانية في
ليتورجيتها و لكنها هندية
في قوميتها
!
ب -
لقد شرحت سابقا حول الإختلافات حول أفضلية
التسميات
"الآرامية
" أو " السريانية " أو " السريانية الآرامية
"؟
ج -
هنالك كنائس شرقية كانت تسمى سريانية في
الماضي و لكنها
أخذت أسماء جديدة و صارت تدعي بهويات جديدة
مستعارة من الشعوب
القديمة المندثرة
:
*السريان
الملكيون الذين إتبعوا تعاليم مجمع خلقيدونيا
و قد إنفصلت
منهم كنيسة سريانية مارونية كانت تفتخر
بهويتها السريانية الآرامية في
الماضي و لكنها صارت تفضل أن تسمى اليوم
بالكنيسة المارونية
و بالرغم من وجود نخبة لا تزال تؤمن بهويتها
السريانية فأغلبية إخوتنا
الموارنة تتجاهل هويتها السريانية الآرامية
!
أما
القسم الأخر من السريان الملكيين فقد أطلقت
عليهم تسمية الروم
لأنهم تخلوا عن الليتورجيا السريانية في
طقوسهم و إستبدلوها بالطقس
البيزنطي باللغة اليونانية ! أحفادهم اليوم
يؤمنون بأنهم عرب و البعض
الآخر أنهم يونانيين
!
*السريان
المشارقة النساطرة و قد إنفصلت عنهم كنيسة
كاثوليكية
صارت تدعى كلدانية في التاريخ الحديث و لكن
علماء هذه الكنيسة
كانوا يؤمنون في أواخر القرن التاسع عشر بأنهم
سريان آراميين و بالرغم
من وجود علماء نخبة متخصصين في التاريخ
السرياني مثل الأب المؤرخ ألبير أبونا أم
سيادة المطران الدكتور لويس ساكو فإن أغلبية
إخوتنا الكلدان تتهرب من هويتهم السريانية
الآرامية !
و المضحك المبكي
أن القبائل الكلدانية كانت تنتمي الى
الآراميين
!
أما السريان النساطرة و بحجة إنزوائهم الطويل
في جبال حكاري و حفاظهم على اللغة السريانية و
إنتماء عشائري خاضع لسلطة بطريركهم
الذي كانت سلطته تنتقل بالوراثة!
فقد إدعوا بهوية أشورية في بداية
القرن العشرين و بعد هربهم من العراق و تشردهم
في العالم ألفوا
أحزابا تناضل من أجل " قضيتهم الأشورية "
المزعومة!
و صارت
كنيستهم تدعى أشورية منذ سنة ١٩٧٦ و هم
يعتبرون أنفسهم وحدهم
العاملين و المحافظين على هوية أجدادهم "
الأشوريين "!
بعض
المتطرفين منهم يدعون أن جميع مسيحيي الشرق
يتحدرون من الأشوريين القدامى
!
الخاتمة
نعم
إن هويتنا التاريخية الحقيقية هي الآرامية و
الآرامية اليوم ليست
فكرا إيديولجيا و لكنها حقيقة تاريخية مبرهنة
بالمصادر السريانية الشرقية
و الغربية معا!
و لكن و بالرغم من تأييد عدد كبير من العلماء
لترادف
الإسمين الآرامي و السرياني مثل سبستيان بروك
و دافيد تايلر
...
فإن أغلبية ساحقة لا تزال تتجاهل أهمية جذورنا
و هوية أجدادنا الآراميين
!
نحن ندعو المؤسسات و الأحزاب و المواقع
السريانية الآرامية أن
تتسلح بالعلم لأنه الوسيلة الوحيدة لمحاربة
الطروحات المزيفة و طبعا
لأن التاريخ الأكاديمي هو الذي يوحد شعبنا
المقسم و يسمح لمؤرخ
مثل الأب ألبير أبونا أن يؤمن بأننا جميعا
نتحدر من الآراميين و أب
ماروني مثل الباحث جورج رحمة أن يصرخ" أقدّم
هذا الكتاب إلى روح آباني وأجدادي السريان
الآراميّيين الذين كان لهم الفضل الكبير على
التراث العالمي وإلى أحفادهم اليوم علّهم يعوا
قيمة حضارتهم ويعودوا إليها وينشروها في
العالم. |