كتاب جديد مسيحيو العراق
لقد وقع نظري مؤخرا على كتاب أصدره الأب سهيل قاشا سنة ٢٠٠٩ حول مسيحيي العراق.
كتاب
قيم جمع فيه معلومات حول العلماء
و الأدباء في تاريخ العراق القديم و الحديث
.
لا شك أن الأب سهيل قاشا قد بذل جهدا كبيرا لتأليف هذا الكتاب:
له كل الشكر لأنه كان أمينا لهوية هؤلاء المسيحيين إذ ذكر حرفيا"
كانوا من بقايا الآراميين
".
بعض الملاحظات
:
أولا-
"
وسموا منذ أول النصرانية سريانا أي مسيحيين
"من
المؤسف أن الأب قاشا يردد هنا
"
نظرية كاترومير"
التي نقلها
بعض اللغويين في مقدمات قواميسهم في نهاية القرن التاسع عشر
.
هذه النظرية التي تدعي
-
بدون أية براهين-
أن
الآراميين أجدادنا
قد قبلوا بالتسمية السريانية عندما قبلوا الديانة المسيحية. المطران
يعقوب منا قد أكد أن التسمية السريانية منذ الأجيال الأولى قد أصبحت
مرادفة لمعنى مسيحي و التسمية الآرامية لمعنى وثني
!
كلام غير صحيح لأن التسمية السريانية لم تكن تشير الى المسيحي في الأجيال
الأولى ولكن الى الآرامي
...
اليوم صارت التسمية السريانية
–
مثل
التسمية الأرمنية و القبطية-
تحمل معنى المسيحي-
و
لكن المعنى
الأول هو الإنتماء الى الشعب السرياني الآرامي
.
للأمانة ليس الأب قاشا وحده يردد هذا الإدعاء بأن التسمية السريانية
تعني المسيحي منذ إنتشار الديانة المسيحية و لكن أغلبية رجال الدين
لأنهم إطلعوا على هذه الفكرة الخاطئة في قاموس المطران أوجين منا
.
ملاحظة مهمة:
لقد
أطلق الفرس إسم
"
بلاد بابل
"
على بلاد أكاد
القديمة التي إستوطنتها القبائل الآرامية منذ نهاية الألف الثاني
و إستطاعت أن تصهر بقايا الشعوب ضمن الآراميين.
أغلبية
آباء
الكنيسة السريانية النسطورية كانوا محافظين على التسمية القديمة
بيث آرامايا التي كانت تشمل القسم الأكبر من العراق و بيث آرامايا
تعني بلاد الآراميين و ليس بلاد الوثنيين
!
ثانيا-
و قد أطلق عليهم المسلمون بعد الفتح العربي اسم (النبط )على انهم من ولد نبيط ...بن
نوح و قيل إنهم سموا بذلك لإستنباطهم
الأرضين و المياه
"
أ
- يحق
لك عربي أن يستخدم هذه التعابير
"
الفتح العربي
"
و
"
الفتح الإسلامي
" ...
و لكنهم لا يستخدمون تعبير
"
الفتح الإسرائيلي
"
لأنه يعتبرون الإسرائليين محتلين غرباء
!
السؤال هو لما المفكرين السريان يستخدمون هم أيضا هذا التعبير
"
الفتح العربي
"
؟
فهل العرب المسلمون حرروا مناطق عربية في سوريا و العراق أم إحتلوا أراضي
سريانية آرمية ؟
ب- تعبير
"
قد أطلق عليهم المسلمون بعد الفتح العربي اسم النبط
"
هو غير دقيق و قد يوحي أن العرب هم الذين أوجدوا تسمية
النبط للإشارة الى السريان الآراميين أجدادنا
.
التسمية نبط أو أنباط هي تسمية قديمة جدا و قد ورد ذكر
"
نبطو
"
ضمن ٣٦ قبيلة في كتابة أكادية من عهد الملك الأشوري تغلت فلأسر الثالث ٧٤٥-
٧٢٤ ق٠م و قد أكد هذا النص أن جميع القبائل المذكورة هي آرامية
.
الأنباط هم آراميون سريان قبل أن تذكرهم المصادر العربية بأكثر من١٦٠٠ سنة
!
ج
-
السريان في العراق و سوريا و لبنان و فلسطين كانوا في أوج حضارتهم بعكس العرب
الذين إحتلوا (و ليس فتحوا)
مواطن السريان.
التفسير الذي نقله الأب قاشا عن المسعودي و مفاده
"
قيل إنهم سموا بذلك لإستنباطهم الأرضين و المياه
"
هو تفسير خاطئ لأن التسمية النبطية موجودة قبل المسلمين العرب بمئات السنين
.
ملاحظة مهمة جدا
:
إسم (
النبط )
لم
يأت من اللغة العربية و من فعل
"
إستنبط
"
بمعنى إخترع و أوجد و لكن مهم جدا:
إن
فعل
"
إستنبط
"
في اللغة العربية قد جاء من
"
النبط و نبط
"
نظرا لتطور العلوم و المعارف عند أجدادنا السريان الآراميين.
و
هنالك كتاب شبه مفقود اسمه
"
الزراعة النبطية
"
و هو ترجمة عربية عن نص سرياني مفقود يتكلم عن الزراعة.
ثالثا-
الهجرات العربية
.
لقد كتب الأب قاشا
"
ثم كانت الهجرات العربية الى العراق و مشارف الشام ، و ذلك بسبب الجدب ، و كثرة
عددهم ، و الحروب العديدة التي مزقتهم فخرجوا الى الشام و البحرين".
أ
-
الأب
سهيل قاشا يضخم حجم ما يسميه
"
الهجرات العربية
"
و القارئ سيظن أن القبائل العربية قد سكنت في العراق و
سوريا قبل إحتلال العرب المسلمين لتلك المناطق
.
القبائل العربية كانت تتنقل بين الجزيرة العربية و البادية السورية و لكنها لم
تستوطن مدن العراق أو سوريا
.
ب- هنالك
فرق كبير بين تعبيري
"
مشارف الشام
"
و
"
الشام
".
*
لقد
طلب البيزنطيون من الغساسنة أن يحرسوا أطراف الباديا السورية من غارات بعض
القبائل العربية خاصة من اللخميين
.
و كانت قبائل الغساسنة تسكن في المناطق الواقعة شرقي الأردن في أطراف البادية و
ليس في مدن دمشق و بيروت و حمص و حلب!
*
تعبير
"
الشام
"
قد أطلقه العرب على سوريا بشكل عام: المصادر العربية التي دونت في القرون
التاسع و العاشر لم تميز بين سوريا الرومانية المحددة جغرافيا و بين تعبير
"
بلاد الشام
"
المبهم
.
ج
-
الهجرات
العربية لم تكن في مدن العراق و لكن في مشارف العراق و في المنطقة التي تقع بين
نهر الفرات و شرق الباديا السورية
.
الخاتمة
ليت الأب قاشا لم يستخدم تعابير
"
نصارى العراق
"
و
"
الفتح الإسلامي"
و لم يتأثر بالمصادر العربية التي لم تكن دقيقة لجغرافية المنطقة.
إن
تعبير
"
الهجرات العربية
"
قد توحي أن عدد العرب في العراق و سوريا كان كثيفا و لكن من يطلع على تاريخ
التواجد الفعلي للعرب في الشرق سيجد انهم ظلوا
"
أقلية
"
في الشرق لفترة طويلة جدا بعد إحتلالهم لشرقنا الحبيب:
فترة طويلة هي أكثر من ٦٠٠ سنة! |