ما هي علاقة رجال الدين السريان في التأريخ؟
20120228
لقد
طرح علي أحد الإخوة هذا السؤال المهم و رغم إنشغالي
أحببت
التعليق لأهمية الموضوع أولا ثم أن السؤال للوهلة
الأولى قد يبدو بريئا
و لكننا - إذا وضعناه في نصه الأصلي - سنكتشف أن طارح
السؤال
يحاول الإدعاء أن رجال الدين السريان قد حاربوا
التسمية الأشورية
في تاريخنا القديم لأنها كانت تدل على الوثنيين
!
إليكم النص كما ورد في الفيسبوك
" Nabil Anni
سيد هنري انت تتكلم دائماً عن مصادرنا السريانية، وهي
دائماً مصادر من الكنيسة بطريركيين او قديسين من
الكنيسة السريانية الذين كتبو التاريخ.
سؤالي لك سيد هنري، ما هي علاقة رجال الدين في
التاريخ؟
هم رجال دين وباستطاعتهم ان يشرحو لنا الديانة وربما
من واجبنا ان نتبعهم ان آمنا في ذلك. لكن ماذا عن
التاريخ والواقع التاريخي!
هل كانو يعرفون شيئا عنه ام أرادو فقط ان يبعدوننا عن
تسمية آشورية لأنهم كانو يعرفون ان الآشوريين في
التاريخ كانو يعبدون الأصنام وهذا في الدين المسيحي
غير لائق."
السيد
نبيل يتسرع في الإجابة و يشكك في معرفتهم التاريخية و
هو
يروج أن معرفتهم تتعلق بالديانة و يدعي أنهم لا يعرفون
شيئا عن
هويتنا و أنهم أبعدونا عن الهوية / التسمية الأشورية
لأن الأشوريين
كانوا عباد أصنام
!
أولا - التأريخ عند السريان
.
أ -
المجتمع الآرامي السرياني القديم
ترك لنا الآراميون عشرات النصوص الآرامية القديمة و
أغلبها يتعلق
بأخبار بعض ملوكهم أو نص معاهدات أو شواهد لقبورهم. لم
يترك لنا
الآراميون القدامى مؤلفات تاريخية تتحدث عن أعمالهم
كما فعل اليونانيون و الرومان بعدهم .
يجب ألا يخفى على القارئ أن علم
التاريخ قد نشأ عند اليونان و تطور عندهم. هنالك عدد
كبير من
المؤرخين اليونان قد أرخوا للحروب التي جرت عندهم و
خاصة ضد
الإمبراطورية الفارسية.
بعد
مجيئ الإسكندر و إحتلاله للشرق إنتقلت العلوم
اليونانية الى
الآراميين و لكن إنتشار الحضارة الهلينية قد دفعت
بالعائلات الآرامية
أن تتشبه باليونانيين فأعطوا لأولادهم أسماء يونانية.
و كان الملك
سلوقس بعد إعلان نفسه ملك سوريا سنة ٣٠٤ ق٠م قد عمد
الى إعطاء
أسماء يونانية للمدن الجديدة التي بناها مثل إنطاكيا و
خاصة إعطاء
أسماء يونانية للمدن الآرامية القديمة... لا شك أن
الطبقة الغنية الآرامية قد تهلينت و أكثرية الشعب
الآرامي
مثل كل الشعوب القديمة كانت تعمل في الزراعة.
بالرغم أن الشعب
الآرامي كان قد سبق اليونانيين في إستخدام أبجدية
متطورة فإنهم لم
يتركوا أعمالا أدبية كثيرة أو أن عامل الزمن قد أتلفها
فلم تصل إلينا
.
ملاحظة مهمة :
إن نصوص قمران قرب البحر الميت تثبت لنا أن
اليهود قد تركوا لنا باللغة الآرامية شروحات و صلوات
عديدة
...
كان اليونانيون قبل إنتشار الديانة المسيحية متمرسين
في كتابة التأريخ
بعكس الآراميين
.
ب -
كتابة التأريخ عند السريان
الشعوب القديمة لم تترك جميعها مؤلفات أو كتابات
تاريخية حول
أخبارها و منجزاتها .
سوف نرى أن دخول الآراميين الى الديانة المسيحية
سوف يدفعهم الى كتابة تاريخ الكنيسة و تاريخ الشعوب
المجاورة
.منذ
نهاية القرن الخامس الميلادي ، بدأ السريان أحفاد
الآراميين في
التأريخ :
مؤلف " تاريخ الرها " المجهول , تاريخ يشوع العمودي ,
التاريخ
الكنسي ليوحنا الأفسسي و غيرها
...
منذ ثلاث سنوات أقيم مؤتمر حول التأريخ عند السريان :
للإطلاع
مؤتمر حول " التأريخ عند السريان" القسم الأول
http://www.nesrosuryoyo.com/forums/viewtopic.php?f=182&t=3255
مؤتمر حول " التأريخ عند السريان"القسم الثاني
http://www.nesrosuryoyo.com/forums/viewtopic.php?f=182&t=3227
من يدقق في معرفة المؤرخين السريان سيجد أنهم جميع من
رجال
الدين : من بطاركة و مطارنة و رهبان لأن هدف التأريخ
عندهم هو
تأريخ الكنيسة و ليس تأريخ للشعب الآرامي السرياني.
على القارئ أن يعرف أن دخول الآراميين الى الديانة
المسيحية كان
من أهم الأسباب التي دفعتهم الى إنشاء المدارس , هذه
المدارس
ستطور لتصبح مثل الجامعات اليوم يقصدها الطلاب من كل
أنحاء
الشرق و الطلاب هم بأغلبيتهم الساحقة من الرهبان الذين
سيتعلمون
القراءة و الكتابة في المرحلة الأولى ثم اللغة
اليونانية خاصة في مدرسة
الرها طبعا مع شروحات لأسفار التوراة و الإنجيل
.
الشعب الآرامي السرياني هو شعب تقي تفانى في محبة
المسيح
و من يدرس حياة الرهبان في القرنين الخامس و السادس
الميلادي
يجد أن الرهبان كانوا ينتمون الى الطبقة الغنية من
الشعب السرياني
.
فلا عجب أن يكون رجال الدين
السريان ضليعين في كل العلوم والآداب التي كانت
منتشرة بينهم و ليس فقط كتابة التأريخ.
ثانيا - لما عداوة الفكر الأشوري للمصادر السريانية ؟
إخوتنا من دعاة الفكر الأشوري يتجاهلون المصادر
السريانية لعدة
أسباب
:
*
السريان المشارقة النساطرة يدعون بالهوية الأشورية بعد
هربهم من
جبال حكاري الى العراق حيث إستخدمهم الإنكليز و تخلوا
عنهم...
في عام 1935 , صدر ليوسف مالك كتاب بالإنكليزية هو "
الخيانة البريطانية للآشوريين " , جاء فيها : "
رغم أن
الآشوريين يمثلون " أمـة " واحدة , وإنهم الورثة
الحقيقيون للإمبراطورية العتيدة , إلا أنهم منقسمون
مذهبياً إلى خمس طوائف دينية… هي النساطرة – الكلدان –
السريان الكاثوليك – الموارنة – اليعاقبة " .
السريان النساطرة يعتمدون على
طروحات تاريخية مسيسة تدعي زورا أنهم أشوريين .
المصادر السريانية
النسطورية تثبت لنا زيف الفكر الأشوري لأن السريان
النساطرة كانوا
يفتخرون بجذورهم السريانية الآرامية
!
*السريان
المغاربة يعتمدون على " رواد النهضة القومية " و ما
يعرف
بمدرسة نعوم فائق القومية : مع أن الأستاذ نعوم فائق
لم يكتب دراسات
تاريخية حول السريان و بالرغم أنه عالم لغوي خلط بين
التسميتين
السريانية و الأشورية فإن بعض السريان ينكرون تاريخ
أجدادهم و هويتهم الآرامية بحجة أنهم أوفياء و أمينين
لمدرسة فائق القومية
!
*كل
من يطلع على المصادر السريانية يجد أن السريان
المشارقة)
الكنيسة الكلدانية و الأشورية اليوم ) و السريان
المغاربة كانوا بكل
وضوح يؤمنون بالهوية السريانية الآرامية: اللؤلؤ
المنثور لقداسة
البطريرك افرام برصوم أو كتاب أدب اللغة الآرامية للأب
المؤرخ ألبيرأبونا
...
*الدكتور
أسعد صوما الأمين للمصادر السريانية ذكر في محاضرة له
أن التسمية الأشورية في قاموس حسن بن بهلول تعني
الأعداء!
و بدل أن يتحقق دعاة الفكر الأشوري المزيف من صحة هذه
الفكرة
و معرفة لما المصادر السريانية كانت تستخدم التسمية
الأشورية كلفظة
غير مستحبة فإنهم فضلوا إتهام العالم حسن بن بهلول
صاحب أهم
قاموس سرياني من القرن العاشر الميلادي بأنه " عربي
يكره الأشوريين
"
*المصادر
السريانية هي الحارس الأمين لهويتنا التاريخية و لهذا
السبب دعاة الفكر الأشوري يتجاهلونها و لكن عاجلا أم
أجلا سيعرف
السرياني بفضل المصادر السريانية زيف الطروحات
الأشورية
!
*دعاة
الفكر الأشوري يتلاعبون بإسمنا التاريخي " السرياني
ܣܘܪܝܝܐ"
فيحرفونه الى " أسوريويو
ܐܣܘܪܝܝܐ "
متوهمين أن السريان المعاصرين
لا يعرفون مصادرهم الغنية أو أن مجرد أن الأستاذ نعوم
فائق قد كتب
في بداية القرن العشرين أسمنا "
ܐܣܘܪܝܝܐ "
فهذا يعني أن كل
مصادرنا هي خاطئة
!
ثالثا - هل صحيح أن رجال الدين السريان المؤرخين قد
إبتعدوا عن
التسمية الأشورية لأنها تعني عباد الأصنام ؟
محاولة
جديدة للسيد نبيل الذي يدافع عن قضية خاسرة سلفا :
الشعب
الأشوري قد إنقرض مثل شعوب شرقية عديدة و ذابت بقاياه
ضمن
الشعب الآرامي .
إن مجرد طرح السؤال بهذا الشكل هو برهان على
محاولة - دعاة الفكر الأشوري المزيف و المقسم لشعبنا –
لإيجاد
طريقة تسمح لهم الإدعاء بالإستمرار في التاريخ
!
الشعب اليوناني كان وثنيا و بعد إنتشار المسيحية ظل
محافظا على
إسمه اليوناني
!
الشعب الأرمني كان وثنيا و بعد إنتشار المسيحية ظل
محافظا على
إسمه الأرمني
!
الشعب الآرامي كان وثنيا و بعد إنتشار المسيحية ظل
محافظا على
على إسمه الآرامي
!
بعض البراهين على إستمرار التسمية الآرامية
ورد
في إحدى كتابات " مار فيلوكسينوس المنبجي "( توفي عام
523 م
: ("
إن تعبر إختلاط , إمتزاج , يوجد في معظم كتب آبائنا إن
كان عند الآراميين أو عند اليونان"
.
كذلك
عند مار يعقوب مطران الرها (توفي في أوائل القرن
الثامن الميلادي).
يقول في أحد الميامر : " وهكذا عندنا نحن الآراميين
أو السريان
".
كذلك نجد في تاريخ مار ديونوسيوس التلمحري (توفي في
القرن التاسع الميلادي)
:ومنذ
ذلك الوقت بدأ أبناء هاجر ( العرب ) يستعبدون
الآراميين استعباداً مصرياً.
رابعا - إستقلال الكنيسة السريانية الأرذودكسية ينقذ
الهوية الآرامية
!
لقد إنتشرت نظرية خاطئة أطلقها العالم الفرنسي
QUATREMERE
هو اول من ربط بين التسمية السريانية و دخول اجدادنا
الاراميين الديانة المسيحية و ذلك في كتابه عن الانباط
NABATEENS
وقد نشر سنة 1831م.
كتب
QUATREMERE
في الصفحة٩٥" هذا الشعب الارامي تعود فيما بعد ان يسمي
نفسه بهذا الاسم سريان بينما كان الواجب يحتم عليه ان
يرفض هذا الاسم لانه غريب عليه، هذا الشعب" السرياني
"رضي ان يتخلى عن اسمه الحقيقي " الآرامي " و يرميه في
عالم النسيان، الاسم الذي حمله اجداده منذ زمن بعيد
..."
لقد نقل بعض علماء اللغة في أواخر القرن التاسع عشر
هذه النظرية
بدون التحقق من صحتها إذ لا يوجد أي برهان لها و
بالعكس المصادر
السريانية تؤكد لنا أن السريان قد يعرفون أن التسمية
الآرامية هي إسمهم
القديم.
لقد إنتشرت الديانة المسيحية على أساس أنها كنيسة
واحدة ممثلة
لسيدنا يسوع المسيح و كان الأباطرة البيزنطيون يشجعون
هذه الفكرة"
إمبراطورية واحدة و كنيسة واحدة " و هذا مما دفع
اليوناني و الأرمني
و القبطي و الآرامي بأنه ينتمي الى المسيحيين بدون
تفريق.
و لكن
بعد الإنقسامات و إستقلال الكنائس المناهضة لمجمع
خلقيدونيا
بدأت الكنائس في سوريا و مصر و أرمينيا تتحول الى
كنائس وطنية
!
فالمسيحي في سوريا صار يعرف عن نفسه بأنه سرياني آرامي
!
و عندما لقب اليونانيون قديسنا مار أفرام بالسرياني
فهم يقصدون بأنه
آرامي و ليس مسيحي
!
علماء الكنيسة السريانية الأرثودكسية مثل إبن العبري
من القرن
الثالث عشر الميلادي يؤكدون ترادف إسمنا الآرامي مع
السرياني
في نص مشهور يقول فيه " لم يرغب الآراميون (السريان)
أن يختلطوا
مع الآراميين الوثنيين.
"
أما إبن الصليبي : صفحة ١٦ من مقدمة المطران يعقوب منا
"أي
لكنهم (اعني اليونانيين) يسموننا تعييرا لنا عوض
السريان يعاقبة
و نحن نردهم قائلين أن إسم السريان الذي سلبتموه عنا
ليس عندنا من
الأسمآء الشريفة ... أما نحن فأننا من بني آرام و
باسمه كنا نسمى يوما
آراميين
..."
الخاتمة
أ -
المصادر السريانية هي التي تؤكد هويتنا الآرامية و كل
محاولات
السريان الذين يتنكرون لتاريخنا العلمي ستصاب بالفشل :
الفكر الأشوري
المزيف و تاريخنا العلمي يشكلان خطين متساويين لن
يلتقيا أبدا
!
ب -
بعض الشعوب لا تملك مصادر غنية لمعرفة تاريخها القديم
و نحن محظوظون لأن نملك مصادر سريانية تبرهن للعالم
أهمية
تاريخنا و عمق تواجدنا و إنتشارنا في الشرق : الفكر
الأشوري المزيف
يتنكر لمصادرنا و يحاول التقليل من أهميتها لأنها تفضح
زيفه
!
ج -
بعض المغامرين في طرح النظريات المزيفة يتوهمون أنهم
يدافعون
عن " هويتهم الأشورية " المزعومة و لكنهم يفضحون زيفها
!
د -
المصادر السريانية هي خط أحمر لا أحد يستطيع أن يتلاعب
بها و يفسرها حسب مفهومه السياسي ! السرياني الغيور لن
يبق
متفرجا و لن يقبل بنظريات مزيفة لتاريخ أجداده
الآراميين
! |