هل كانت القبائل الآرامية القديمة تنتمي الى الشعب الأشوري
؟
20111008
بصراحة
لا يوجد اي مؤرخ متخصص في تاريخ الشرق القديم او في تاريخ أجدادنا
الآراميين كان قد طرح هذا السؤال لأنهم بحكم إختصاصهم يفرقون بين تاريخ
الشعبين الأشوري و الآرامي .
لقد
أحببت أن أطرح السؤال لأن بعض السريان الضالين يتجاهلون تاريخنا الأكاديمي
و يتنكرون لهوية و تراث أجدادهم الآراميين متحججين أن رواد الفكر القومي في
بداية القرن العشرين لم يفرقوا بين التسميتين السريانية و الأشورية و
بالتالي مار افرام السرياني يتحول الى مار افرام الأشوري و حتى برديصان
الآرامي هو أيضا يصبح أشوريا!
أتمنى
من خلال طرحي لهذا الموضوع تحذير الغيورين من السريان من خطورة ترديد
طروحات الفكر الأشوري المتحجر الذي يرفض تاريخنا الأكاديمي الموحد .
أولا - من هم الأشوريون القدامى ؟
أ - علماء الأشوريات غير متفقين حول أصل
التسمية الأشورية فمنهم من يعتقد انه إسم مدينة و منهم من يرجح أنه إسم إله
" أشور" . و قد تناقل السريان بعض التفسيرات غير العلمية مفادها أن إسم
أشور هو باللغة السريانية و هو يعني " البداية " من فعل " شري" !
ب -
جغرافية الكيان او البلاد التاريخية للشعب الأشوري هي المناطق الواقعة شرقي
نهر دجلة بين الرافدين الزاب الأعلى و الأسفل . هذه المنطقة سوف تتوسع مع
الزمن نحو الجنوب و نحو الغرب و نحو الشمال فتصتدم بالقبائل الآرامية في
تلك المناطق .
ج -
بداية التاريخ الأشوري القديم يكتنفه الكثير من الغموض : المؤرخون لا
يعرفون شيئا يذكر عن " الأشوريين " في الألف الثالث قبل الميلاد . يعتبر
شمشي ادد الأول مؤسس الدولة الأشورية و هو ينتمي الى العموريين و قد حكم
أشور بين ١٨١٣ و ١٧٨١ ق.م و لكن " الأشوريين " سيخضعون للشعب الميتني سنوات
طويلة !
د -
الشعب الأشوري القديم هو شعب خليط من شعوب شرقية ( سامية) مثل الأكاديين و
العموريين و شعوب هندو أروبية مثل الشعب الحوري و خاصة الشعب الميتني . هذا
رابط مهم حول تاريخ الميتنيين
http://www.livius.org/mi-mn/mitanni/mitanni.html
ه -
إستطاع علماء الآثار سنة ١٨٥٧ فك رموز الكتابة المسمارية و بما انها كانت
موجودة في مكتبة أشوربانيبال فقد سموها " اللغة الأشورية " . بعد سنوات
قليلة إكتشف هؤلاء العلماء أن الكتابات المسمارية تتحدث عن لغتين السومرية
القديمة ( لغة غير شرقية ) و اللغة الأكادية و هي أقدم لغة شرقية ( سامية )
معروفة ! لقد صحح علماء الشرق القديم خطأهم و لم يعد أحد منهم يستخدم تعبير " اللغة
الأشورية " لأن الأشوريين أنفسهم كانوا يسمون لغتهم الأكادية !
و -
بعض
علماء الأشوريات يطلقون صفة " الإمبراطورية " على المملكة الأشورية منذ
أواسط القرن التاسع ق.م حتى سقوط الدولة الأشورية و لكن أكثرية العلماء
تؤكد أن الدولة الأشورية قد توسعت في عهد الملك تغلت فلأسر الثالث (744 ـ
727) ق.م. المدهش أن بعض إخوتنا من السريان الذين يتوهمون بجذور أشورية
يدعون أن الإمبراطورية الأشورية قد بدأت في القرن الثالث عشر ق.م و بعضهم
يقول منذ القرن الثامن عشر ق.م ؟
ثانيا - لمحة عن تاريخ الآراميين
أ -
يعتقد بعض المؤرخين أن الآراميين كانوا متواجدين في الشرق ( بادية سوريا )
منذ القرن الثالث و العشرين ق.م . لقد بدأت القبائل السوتو ثم الأحلامو
تتنقل في العراق القديم و تهاجم القوافل التجارية منذ أواسط الألف الثاني .
ب -
١٢٠٠
ق.م هجوم الهكسوس ( شعوب البحر) على الشرق سيقضي على الإمبراطورية الحثية و
يبعد النفوذ المصري مما سيسمح للقبائل الآرامية في الإنتشار في كل الشرق و
تأسيسهم لعدد كبير من الممالك العشائرية الآرامية .
ج -
مع الوقت و لدرء الأخطار كانت الممالك الآرامية تتحد ( معارك قرقر ...)
د -
رغم سقوط المنطقة بيت نهرين تحت النير الأشوري فإن المنطقة قد حافظت على
آراميتها و ظلت تثور ضد الحكم الأشوري . لقد نشر العالم
COLE
أرشيف نيبور و هو مجموعة من الرسائل المتبادلة بين القبائل الكلدانية و
الآرامية في حوالي سنة ٧٣٠ ق.م
COLE,
ST.W, Nippur IV, The Early Neo-Babylonian Governor’s Archive From Nippur.
1996
و قد
ورد ذكر القبيلة الآرامية بيت بخياني و كانت سابقا ( القرن العاشر) مملكة
مستقلة و لكنها وقعت تحت السيطرة الأشورية .
ثالثا - بعض النظريات المغرضة ( غير العلمية ) التي تدعي أن الآراميين
ينتمون الى الأشوريين القدامى .
أ -
الرابطة السامية ( الشرقية ) لقد ورد في أسفار التوراة أن أشور و آرام هما
من أبناء سام و بالتالي الأشوريون و الآراميون هم شعب واحد ! صحيح أن
التوراة يردد هذه الفكرة و لكن علينا أن نعرف ان أسفار التوراة قد دونت بين القرنين السادس و
الأول ق.م والتوراة ليست مصدرا وثيقا لتاريخ الشرق القديم و قد حوت الكثير
من الأخطاء التاريخية : الفرس شعب سامي ؟ نبوخدنصر ملك أشوري ؟ ...
ب -
تاريخ ميخائيل الكبير لقد نقل البطريرك ميخائيل الكبير نصا من أوسابيوس
القيصري الذي نقله بدوره من تاريخ فلافيوس جوزيف اليهودي ، ورد في النص : "
ܟܠܕܝܐ
. ܐܬܘܪܝܐ
. ܐܪܡܝܐ
ܕܗܢܘܢ
ܣܘܪܝܝܐ
."النص
واضح الآراميون الذين هم السريان و ليس الكلدان و الأشوريين القدامى و
الآراميون هم سريان !
ج -
نفي تاريخ او وجود شعب آرامي لأن بعض " الشاطرين " يروجون أن الشعب اليهودي
كانوا يطلقون التسمية الآرامية على الوثنيين و أن القواميس السريانية تؤكد
أن التسمية الآرامية تعني الوثني و السريانية تعني المسيحي ! النتيجة
المنطقية حسب هؤلاء الشطار : السريان هم أحفاد الأشوريين !
د -
ذكر احد المؤرخين في بداية القرن العشرين أن التسمية الآرامية تعني باللغة
الآرامية " أرعا راما " اي " الأراضي المرتفعة " . و قد أيد الأب المؤرخ
البير ابونا هذا التفسير و قد يكون السبب الظاهر لإنتشار هذه الفكرة بين
السريان . السبب الحقيقي لإنتشار هذه الفكرة هي أن بعض إخوتنا من السريان
يريدون خداع و إقناع السريان الطيبين أن الآراميين - حسب معنى إسمهم في
لغتنا - هم " الأشوريون سكان الأراضي المرتفعة "
بعض الملاحظات
*
إن الأب المؤرخ البير ابونا لا يستنتج أن الآراميين حسب المعنى هم
الأشوريون سكان الأراضي المرتفعة .
* أنه لمن العار لهؤلاء السريان الضائعين
أن يستغلوا هذه النظرية و أن يشاهدوها في كتاب الأب البير ابونا و ألا
يشاهدوا البراهين العديدة التي يرددها من أن السريان هم الأراميون أنفسهم !
* الإدعاء أن التسمية الآرامية تعني سكان
الآراضي المرتفعة هو تفسير غير منطقي لا يتطابق مع تاريخ الآراميين لأن
أصلهم بدوي وكان
موطنهم
بادية سوريا و ليس الجبال او المرتفعات !
* إن تاريخ تطور اللغة الآرامية القديمة
يقدم لنا برهانا لغويا قاطعا : النصوص الآرامية القديمة بين ١٠٠٠ و٥٠٠ سنة
قبل المسيح كانت تستخدم لفظة "
ܐܪܩ
"
اي "
أرق " للإشارة الى الأرض. و قد قلب حرف القاف الى عين في فترة إنتشار اللغة
الآرامية في عهد الفرس فصارت كلمة "
ܐܪܥ
"
أو "
ܐܪܥܐ
"
تعني
الأرض !
رابعا - هل يوجد براهين حسية تميز بين الأشوريين القدامى و أجدادنا
الآراميين ؟
هنالك
مجموعة كبيرة من التماثيل و النصب الأشورية منتشرة في عدة متاحف مشهورة .
يستطيع كل إنسان أن يزور تلك المتاحف عبر النت و يتأكد بنفسه . عدد التماثيل و النصب الآرامية هو أقل بكثير من النصب
الأشورية و لكنه يسمح لنا المقارنة .
نصب
آرامي في متحف اللوفر
نصب
أشوري في متحف اللوفر
طبعا
هنالك فرق كبير بين الفنين الأشوري و الآرامي و لكن من يدقق يلاحظ أن
الأشوريين يضعون " حلقة " في أذنيهم بينما الآراميون و بقية الشعوب الشرقية
رجالها لا تضع الحلق في أذنهم .
الخاتمة
المثل
الصيني يقول " إذا أشار لك أحدهم بإصبعه الى السماء ، فمن الحكمة أن تنظر
الى السماء و ليس الى أصبعه "الآراميون القدامى لا ينتمون الى الأشوريين و
لكن " الأشوريون الجدد" ينتمون الى الشعب السرياني/ الآرامي !
التواضع العلمي ليس إهانة لكل سرياني يغامر في ترديد النظريات بدون التحقق
من صحتها.
التواضع العلمي يدفعنا الى الإيمان أن علم التاريخ يتطور بين الشعوب التي
نتعايش او نعيش في جوارها و لا يحق لنا ربط مصيرنا بطروحات غير علمية مزيفة
!
|