دراسة تاريخية حول مقدمة اللمعة الشهية
20100830
القسم الأول = مقدمة عامة
إطلعت على كتاب " اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية
"منذ
اكثر من ٤٠ سنة و هو للمطران أقليمس يوسف داود.
لقد إكتشفت من خلال دراساتي
المتواضعة ان الرعيل الاول من القوميين
السريان في
بداية القرن العشرين قد اخذوا معلوماتهم التاريخية من
"الكتب"
التي إنتشرت في نهاية القرن التاسع عشر و ليس من المصادر
السريانية. لقد وضعت الكتب بين هلالين كي أشير الى عموم الكتب
من تاريخية و كنسية و خاصة حول اللغة السريانية
.
إن موضوع التسمية السريانية و الهوية السريانية التاريخية
التي تتحجج بعض الفئات المتطرفة بأنها غير واضحة او انها
تدل على إنتماء السريان الى الأشوريين تعتمد بالدرجة الأولى
الكتابات التاريخية التي انتشرت
بين السريان المشارقة و المغاربة
في نهاية القرن التاسع عشر
.
اللمعة الشهية هو كتاب حول اللغة السريانية و
قواعدها و فيه
مقدمة طويلة حول تاريخ الشعب
السرياني و اللغة السريانية الآرامية.
صدرت الطبعة الأولى في الموصل سنة 1879 اي ان معلومات المطران دواد مبنية
على ما كان يعرفه في اواسط
القرن التاسع عشر.
اولا - أسباب اختياري لهذا الموضوع
أ -
لقد نشرت منذ حوالي ٢٠ سنة دراسة نقدية في مجلة آرام حول مقدمة المطران
اوجين منا ، من اللممكن الإطلاع عليها الرابط
http://www.kaldaya.net/2006News/Dec06.asp
من الممكن معاينة المقالات الثلاثة في موقع كلدايا نت
.
لقد وجدت ان المطران اوجين منا قد تأثر بمفاهيم المطران داود و عرفت من
خلال ابحاث الاب المؤرخ البير ابونا ان المطران اوجين منا كان طالبا عندما
كان المطران داود مدرسا
.
ب -
اهداني صديقي الدكتور أسعد صوما أسعد كتاب " اللمعة الشهية" منذ عدة سنوات
و قال لي باسما
"
ليتك تقوم بدراسة نقدية لتفيد القراء السريان..."
هدية صديقي د. أسعد هي دعوة غير مباشرة لدراسة علمية لمقدمة تاريخية عمرها
اكثر من ١٣٠ سنة
!
ج -
لقد اعاد موقع السرياني الحر نشر اللمعة الشهية على الشبكة العنكبوتية .
و
في خلال عدة اشهر بلغ عدد القراء الى عدة مئات.
و قد بلغ عدد القراء اليوم الى حوالي ١٢ ألف مشاهد و كتاب اللمعة الشهية هو
الأكثر قراءة في هذا الموقع ربما لأن السريان الذين يرغبون في التعمق في
نحو اللغة السريانية يعتمدون هذا الكتاب الذائع الصيت
!
من يريد الإطلاع او تحميل كتاب اللمعة الشهية عليه النقر على هذا الرابط
http://freesuryoyo.org/index.php?option=com_content&task=view&id=588&Itemid=2
ه -
لقد انتشر كتاب اللمعة الشهية بين كل مدرسي اللغة السريانية و قد عمد
البطريرك إغناطيوس أفرام الثاني رحماني سنة ١٨٩٦ الى ترجمة اللمعة الشهية
الى اللغة اللاتينية ، لغة الدراسات التاريخية في الغرب في القرن التاسع
عشر و بداية القرن العشرين .
كما اعيد طبعه للمرة الثانية في الموصل سنة١٨٩٦
انتشار الكتاب و شهرة الكاتب يجب ألا تكون حاجزا لأي باحث في النقد او
دراسة نقدية منهجية بعد تطور
الدراسات حول التسمية السريانية و تاريخ الشعب السرياني الآرامي و تاريخ و
هوية اللغة الآرامية السريانية
.
و
-
نجد في مقدمة اللمعة الشهية معلومات كثيرة صحيحة و كان المطران داود اول من
نفض الغبار عنها:
*الصفحة
٢٥ الطبعة الثانية : يؤكد لنا ان سيدنا يسوع المسيح
قد تكلم اللغة الآرامية و ليس اليونانية.
*صفحة
٦٤ : يؤكد ان السريان الغربيين كانوا قديما يلفظون السريانية مثل السريان
الشرقيين اي بالفتح.
ولكن يوجد في مقدمة اللمعة الشهية اخطاء تاريخية و جغرافية واضحة و من
المؤسف ان بعض اصحاب الطروحات التاريخية و القومية المتطرفة يستغلون شهرة
اللمعة الشهية و مكانة المطران داود العلمية و يستشهدون ببعض تعابيره او
مفاهيمه الخاطئة مما يخلق الضياع بين السريان
.
ثانيا - من هو المطران إقليمس يوسف داود ؟
يخصص الأب الباحث ألبير أبونا أربع صفحات في كتبه الشهير أدب اللغة
الآرامية.
ولد
يوسف بن داود سنة ١٨٢٩ و توفي سنة١٨٩٠
الطريف ان الأب أبونا يخبرنا - صفحة ٥٣٦ - ان الطفل يوسف قد عمده كاهن
نسطوري (سرياني شرقي) و في نفس الصفحة يخبرنا ايضا انه سافر الى روما
لمواصلة دروسه " و قد اختار آنذاك ان يكون على الطقس السرياني
".
هذه
إشارة الى ان كل مسيحي العراق كانوا و لا يزالون ينتمون الى شعب واحد له
لغة واحدة و حضارة و هوية واحدة هي السريانية الآرامية
.
بعد رسامته الكهنوتية سنة ١٨٥٥ في روما عاد الكاهن الشاب الى الموصل و
انصرف الى التدريس خاصة اللغة السريانية وفي سنة ١٨٧٩ رسم مطرانا و عين على
دمشق.
الجدير بذكره ما كتبه الأب أبونا عنه " هو أول من زود البلاد الشرقية بكتب
منقحة على الطريقة المدرسية في الصرف و النحو و العروض و الخطابة و التاريخ
و الجغرافية و الحساب
...".
و إذا تمعنا قليلا في الصفحة ٥٣٨ في الكتب التي ألفها المطران داود
لوجدناها تتعلق بالكتب الكنسية مثل الصلوات و الخدمة و دليل الشماس و الفرض
اليومي...
المطران داود هو رجل دين قدم الكثير للحفاظ على اللغة السريانية لقد إطلع
بحكم منصبه و تنقلاته على معلومات عديدة حول اللهجات السريانية المحكية و
لكن تحليلاته حول علاقة التسمية السريانية بالتسمية الأثورية سوف تؤدي الى
نتائج تتعارض مع مصادرنا السريانية.
سوف اعالج في القسم الثاني بعض الأخطاء التاريخية و الجغرافية في مقدمة
اللمعة الشهية
.
ثالثا - منهجية النقد
:
ا -
يفتقر شعبنا السرياني الآرامي الى مجلات تاريخية تعمل فعلا
على تصحيح الأخطاء بين المثقفين السريان.
المثقف
السرياني لم
يتعود على الدراسات النقدية و هو يعتقد في أغلب الأحيان ان الناقد
يتهجم على الباحث او
صاحب دراسة معينة .
النقد العلمي هو وسيلة
للوصول الى الحقيقة التاريخية و كثير من الأحيان يشارك باحثين
يعلمون في جامعات مرموقة في النقاشات التاريخية الدائرة.
هؤلاء
العلماء يعرفون جيدا ان دراساتهم النقدية سيطلع عليها عدد كبير
من المتخصصين في تلك المواضيع لذلك تكون مشاركتهم قد ألقت
أضواء جديدة على المواضيع المطروحة
.
ب -
لا اهدف التقليل من مكانة المطران داود العلمية و التاريخية
و إنني أكيد لو كان يعيش في هذا العصر لكان من اعظم المؤرخين
!
من يتابع تطور الفكر القومي بين السريان يجد ان مقدمة " اللمعة
الشهية" التاريخية قد أثرت بقوة على الباحثين و اللغويين في اواخر
القرن التاسع عشر.
ج -
يتضايق بعض الغيورين لأنني أذكر اسماء بعض المفكرين
الذين يتبنون طروحات تاريخية خاطئة :
و يتضايقون أكثر عندما
اصحح طروحات بعض رجال الدين مع إنني اقدر جهودهم الجبارة
و غيرتهم على امتنا السريانية و تراثها الآرامي العريق و لكنني
أشعر من واجبي تصحيح المغالطات لأن هدفنا هو معرفة تاريخنا
الصحيح و العودة الى جذورنا الحقيقية.
اتمنى
على الاخوة أن
يشجعوا النقد البناء كي تنتشر المعلومات التاريخية الصحيحة:
مثلا حمورابي كان عموريا و هذا يعني انه لم يكن أشوريا و لا
كلدانيا و لا سريانيا
!
رابعا - ما هي منهجية المطران داود التاريخية ؟
أ-
لقد إنتشرت في اوروبا و اميركا - خلال القرن التاسع عشر – عدة
مدارس تأريخية تؤكد ان التأريخ لم يعد يدرس كأدب بل كعلم يهدف
الى معرفة التاريخ الصحيح و رمي النظريات غير العلمية
.
سوف نرى لاحقا أن المطران داود - و بالرغم من عدم دراسته
و تخصصه في التاريخ - عرف ان هدف البحث التاريخي هو
الوصول الى الحقيقة كما هي.
لقد وجدنا بعض المفكرين السريان
يتبجحون أن اللغة السريانية الآرامية هي اقدم لغة في العالم
!
نجد
في اللمعة الشهية صفحة ١٥ " اننا لا نعتقد أن اللغة الآرامية
هي أقدم اللغات السامية كما زعم قوم و أقل من ذلك أنها اقدم لغات
العالم كما زعم غيرهم بلا بينة و لا أساس
"
لقد سبق المطران داود في مفهومه لمنهجية البحث التاريخي
الكثيرين من السريان الذين لم يفهموا بعد أن التاريخ هو البحث عن
حقائق و ليس سرد لأحلام شوفينية متعصبة
.
أصاب المطران داود عين الحقيقة بالنسبة الى قدم اللغة الآرامية
فهي ليست اقدم لغة في العالم و ليست اقدم اللغات السامية/الشرقية
فهنالك اللغات السومرية و الأكادية و العمورية و الكنعانية التي هي
اقدم منها
.
ب -
من يتمعن في مقدمة اللمعة الشهية يلحظ ان المطران داود
بالرغم من تمسكه بهويته السريانية الآرامية و غيرته في نشر
الكتب لتعليم اللغة السريانية فهولا يتلاعب في الحقائق التاريخية
كي يفاخر بعصبية عمياء في اللغة السريانية!
ج -
المدهش في مقدمة اللمعة الشهية ما كتبه المطران حول اللغة
العربية صفحة ١٢ " و انما ذكرنا العربية اولا بين اللغات السامية
لأن العربية باعتراف جميع المحققين هي أشرف اللغات السامية
من حيث هي لغة و أقدمهن و أغناهن".
لن اتطرق الى موضوع " أشرف اللغات السامية" لأنه يفتح
بابا للجدل نحن بغنى عنه و لا اعتقد أن احد القراء يخالفنا إذا
قلنا ان اللغة العربية قد أصبحت أغنى اللغات الشرقية في مفرداتها
و تقبلها للعلوم و التطور .
و لكن - و بكل تأكيد - اللغة العربية
لم تكن اقدم اللغات الشرقية فاللغة الأكادية اقدم من اللغة العربية
بأكثر من ٢٥٠٠ سنة و اللغة الآرامية
-
العزيزة على قلب المطران
داود - هي أقدم من العربية بألف سنة
!
د -
من المستحيل على الباحث في التاريخ ان يتحقق في كل الأمور
التاريخية التي يكتب عنها و المطران داود كان عالما لغويا فرضت
عليه الظروف ان يكتب عن تاريخ الشعب و اللغة السريانية الآرامية.
لا
يحق علينا اليوم ان نصدر حكما قاسيا بحق هذا العالم لأنه عاش
في الصدر الثاني من القرن التاسع عشر و لم يستفد من الدراسات
السريانية الجديدة حول المصادر السريانية الغنية
.
حكمنا القاسي هو على اصحاب الطروحات المتحجرة الذين لا
يريدون ان يتحققوا و لكنهم يستغلون " أخطاء" المقدمة في اللمعة
الشهية متوهمين أنها براهين علمية لطروحاتهم المزيفة
خامسا -
مصادر و مراجع المطران داود كل ناقد لبحث تاريخي يبدأ بدراسة سريعة للمصادر
و المراجع
التي إعتمد عليها صاحب البحث . أغلب المفكرين السريان في
نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لم يذكروا المراجع
و المصادر التي إعتمدوا عليها
.
ا -
المطران دواد لم يترك لنا فهرسا بمصادره و مراجعه :
إذا كانت
هذه العادة مقبولة في نهاية القرن التاسع عشر فهي غير مقبولة
في البحث التاريخي المعاصر .
و طبعا مقدمة المطران داود ليست
مدرسة او طريقة علمية يجب علينا إتباعها بل بالعكس يجب تجنبها
.
كتابات فريد نزها حول هويتنا السريانية هي مجرد آراء فكرية
و ليس دراسات تاريخية معمقة و مبرهنة بمصادر و مراجع علمية
.
ب -
من يتفحص المقدمة يلاحظ ان المطران داود قد استشهد
يالمؤرخ يوسيفوس اليهودي و قد ذكر أسماء بعض العلماء الأوروبيين
و لكن للأسف لم يذكر لنا أسماء كتبهم و يحدد لنا الصفحة كي
نستطيع مراجعتها و التأكد من صحتها
.
ج -
في الصفحة ١٢ يذكر لنا إسم العالم الفرنسي رينان و يستشهد
بنص مشهور له مما يوحي للقارئ أن المطران داود قد إطلع على
كتاب العالم الفرنسي و لكنه حقيقة لقد أخذ هذا - النص المشهور
-
من قاموس بايان سميث (راجع الصفحة ١١
(.
د -
إن أغلبية معلومات المطران داود عن الآراميين السريان هي
مأخوذة من التوراة .
لا
بد لنا ان نشير الى ان التوراة - حتى اواخر
القرن التاسع عشر - كان يعتبر مصدرا و مرجعا لمعرفة تاريخ
الشرق القديم .
و لكن بعد نشر و ترجمة و دراسة الكتابات السومرية
و خاصة الأكادية صار العلماء يملكون مصادر تسمح لهم في التدقيق
في روايات التوراة :
الطوفان
هو قصة منقولة من الأساطير التي
كانت منتشرة في العراق القديم
.
ه -
لقد وصلتنا مئات النصوص الأكادية و الآرامية التي تخبرنا عن
تاريخ اجدادنا الآراميين :
هذه النصوص لم يتطلع عليها المطران
داود و بالتالي لم يكن يعرف مدى إنتشار الآراميين في شرقنا
الحبيب و لم يكن مطلعا على إنصهار بقايا الشعوب القديمة ضمن
الشعب الآرامي
.
و -
يجدر بنا ان نذكر القارئ ان المطران داود هو رجل دين مسيحي
له نظرة مقدسة لأخبار التوراة لأنه يؤمن انه كتاب موحى من الله
.
فالمطران داود لا يدقق في خبريات التوراة و بالنسبة له هي أخبار
حقيقية لا غبار عليها بينما العلماء المتخصصون في تاريخ الشرق
يحققون و يدققون في أخبار التوراة فهم يشككون في وجود الملك
داود و لكن إكتشاف نصوص تل دان الآرامية حيث ورد تعبير
"
بيت داود " قد بدد شكوكهم .
اما
عن وجود شخصيات مثل ابراهيم
و يعقوب و سام و نوح فأكثرية العلماء لا تؤمن بوجودهم. قصة
موسى في مصر مأخوذة من حكاية تتكلم عن حياة سركون الأكادي
!
ز -
إن تصديق المطران داود لكل أخبار التوراة سوف تدفعه
الى الوقوع في أخطاء تاريخية و جغرافية عديدة :
سوف اكتفي
بذكر مغالطة جغرافية كبيرة اذ يذكر المطران داود في بداية مقدمته
الصفحة ٧ الطبعة الثانية:
"اعلم
أن اللغة السريانية كانت يوما لغة أمة عظيمة ساكنة في
قسم كبير من أرض آسيا ٠
اي بلاد الشام مع جزائرها و الجزيرة
و العراق و آثور و ما يجاور هذه البلاد الى حدود الفرس شرقا
و بلاد الارمن و بلاد اليونانيين في أسيا الصغرى شمالا و حدود
بلاد العرب جنوبا .
و
كانت هذه كلها يقال لها عند اليهود أرام لأن
أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله".
*
لا يوجد اي نص في التوراة يوحي لنا ان الآراميين قد
سكنوا كل هذه المناطق الشاسعة
.
*ير
صحيح ان أسفار التوراة قد أطلقت تسمية " بلاد آرام"
على الشرق: إن تعبير " بلاد آرام" و
"
ملك آرام" كان يطلق
حصريا على ملك دمشق الآرامي ، و حدود مملكة دمشق التاريخية
معروفة جغرافيا
.
*إن
الآراميين كانوا يشكلون أكثرية ساحقة في الشرق منذ القرن
الثامن قبل الميلاد ليس " لأن أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله ".
و لكن لأن العلماء و من خلال دراسة النصوص الأكادية
توصلوا الى معرفة إنتشار الممالك و القبائل الآرامية في كل الشرق
و صهرها لبقايا الشعوب القديمة
.
*إن
التوراة قد دونت في بداية القرن السادس قبل الميلاد و هي
تشير لنا عن دور الآراميين في تاريخ الشرق.
فنحن لا نصدق حرفيا
أن " أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله " و لكن هذه
الجملة تعني بكل بساطة أن الآراميين هم الأكثرية في الشرق.
سادسا -الأخطاء التاريخية حول تاريخ اللغة الآرامية
أ -
قلة المصادر حول الآراميين و لغتهم الآرامية سوف تدفع المطران
داود الى إرتكاب أخطاء تاريخية رهيبة .
بالرغم من إطلاعه على
الدراسات الحديثة (في أواسط القرن التاسع عشر) فإنه يشكك بتلك
الدراسات و سيبقى على رأيه المسبق و هو ان الأشوريين كانوا
يتكلمون اللغة الآرامية
.
ذكر المطران داود عن مصادره عن الآراميين
صفحة ٥٨"
...
و تحتاج للوقوف على ذلك الى مطالعة كتب الاجنبيين و لاسيما
اليهود و اليونانيين. لاننا لولا كتب اليهود و اليونانيين لما عرفنا شيئا
عن احوال الآراميين القدمآء و البلاد التي يسكنونها الى زمان ظهور
المسيح
".
إن اسفار التوراة و الروايات التاريخية فيها لا تعتبر مصدرا أمينا
و موثوقا لمعرفة تاريخ الشرق القديم:
لقد كان التوراة قبل فك رموز
الكتابة المسمارية يعتبر "مصدرا" وحيدا لمعرفة تاريخ الشرق القديم.
إن
الكتابات الأكادية هي المصدر الرئيسي لمعرفة تاريخ الآراميين
و إنتشارهم في الشرق القديم.
اما كتابات اليونانيين القدامى عن شعوب الشرق القديم فهي غير
موثوقة لأنها يغلب فيها الطابع الإسطوري:
هنالك فرق كبير بين
أسطورة سميراميس و تاريخها الحقيقي!
ب -
يؤكد المطران داود - إستنادا على التوراة - ان الأشوريين القدامى
كانوا يتكلمون اللغة الآرامية فهو يكتب صفحة٨٩ " اما الاول فهو
حقيقة تاريخية
اكيدة لا تحتمل ادنى ريب و هي ان لغة الاثوريين
و البابليين كانت ارامية اي عين اللغة الدارجة يوما في بلاد الشام و ما
يجاورها و التي يستعملها السريان اليوم في الكتابة مع اختلاف
يسير طرأ عليها من صروف الزمان اما الاثوريون فيشهد الكتاب
المقدس ان لسانهم كان الارامي محضا من دون قيد.
اذ ورد في سفر
الملوك الثاني ١٨ : ٢٦
...".
كان المطران داود يعتقد ان لغة الاشوريين الأم هي اللغة
الآرامية و سوف نراه لاحقا يرفض نتائج الإكتشافات الجديدة المبنية
على الكتابات المسمارية الأكادية.
نحن اليوم نعلم ان الشعب الأشوري
كان يتكلم اللغة الأكادية ولكنه " صار" في القرن الثامن يتكلم اللغة
الآرامية لأن ملوك أشور قد سبوا القبائل الأرامية الثائرة الى بلاد
اشور فصار عدد الآراميين اكثر من الأشوريين في بلاد أشور!
من يريد البراهين عليه ان يطالع بحث
HAYIM TADMOR" THE ARAMAIZATION OF ASSYRIA"
على الرابط
http://www.aramaic-dem.org/English/History/Hayim-Tadmor.pdf
ج -
هذا الإعتقاد الخاطئ ( لغة الأشوريين الأم هي الآرامية) سوف تدفع المطران
داود الى " الإدعاء" الباطل بان الكتابات المسمارية هي آرامية !!!
فهو يكتب صفحة ١٦ " الا اننا عندنا ما عدا شهادة التواريخ المذكورة شهادة
جليلة على قدم اللغة الآرامية من الكتابات المنقوشة على الاحجار التي منذ
خمسين او ستين سنة بدئ ان يكشف عليها في موقع نينوى القديمة بجوار الموصل
و بابل القديمة.
و هي بالقلم الارمي الذي يقال له المسماري لأن حروفه تشبه المسامير و التي
بلا شك هي مكتوبة باللسان الارامي كما سنبين فيما بعد ان شاء الله."
يجدر التذكير بأنه لا يوجد اي عالم متخصص في تاريخ اللغة الأكادية يذكر
انها آرامية!
و بكل صراحة إدعاء ان الكتابات المسمارية القديمة هي آرامية هو من فكر
المطران داود ولا اعتقد ان احد العلماء من القرن التاسع عشر قد تبنى هذه
الفكرة!
د-
كان المطران داود يعتقد - إستنادا على التوراة - ان قدم اللغة الآرامية
يعود الى القرن الثامن عشر قبل الميلاد و هذا غير صحيح تاريخيا . أقدم
النصوص الآرامية تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد و الكتابة الابجدية لم
تكن موجودة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد!
ذكر المطران داود صفحة ٩١ " فلا شك اذا ان نينوى و بابل كانت لهما لغة
واحدة منذ الازمان القديمة و ان هذه اللغة كانت الآرامية وهي اللغة التي في
القرن الثامن عشر نفسه قبل المسيح (طالع سفر التكوين٣١
:(٤٧
كانت عين اللغة السريانية الدارجة في بلاد الشام..."
ه -
اعتماد المطران داود المطلق على التوراة سوف تدفعه الى الإعتقاد ان اللغة
الآرامية كانت محكية في بلاد اشور منذ القدم لذلك لن يقبل ما توصل له
العلماء المتخصصون في تاريخ الشرق القديم. و هذا الرفض واضح من خلال النصوص
التالية:
*-
النص الأول صفحة ٩٢"
ولنرجع الآن الى اللغة التي ذكرنا ان العلماء الإفرنجيين زعموا انها لغة
الاثوريين و البابليين القدماء و انهم وجدوها بقرآءتهم الكتابات المسمارية
.
فنقول انه من بعد كل ما بيناه الى الآن يسوغ لنا ان نحكم جازمين بانه إن
كانت هذه اللغة ارامية فمن المحتمل انها كانت لغة بابل و اثور و إلا فيجب
رفضها و إنكارها و الحال ان هذه اللغة التي وجدها علمآء الافرنج ليست
ارامية بإعتراف مخترعيها أنفسهم فإذا لا يمكن ان تكون هذه اللغة هي لغة
البابليين و الكلدانيين".
التعليق هو ان المطران داود ينطلق من اعتقاده الراسخ بان الأشوريين كانوا
يتكلمون الآرامية وبالتالي اذا كانت الكتابة المسمارية هي آرامية فإنها قد
تكون لغة الاشوريين اما إذا كانت غير آرامية فهذا يعني له ان الكتابات
المسمارية ليست للشعب الأشوري القديم.
-*النص
الثاني صفحة ٩٦"
فليعترف اذا العلامة
OPPERT
أبرت و المعلم
MENANT
منان و اتباعهما في هذا المذهب و يقروا بأنهم لسؤ الحظ مع كل جدهم الممدوح
و إجتهادهم المأثور و عنائهم المشكور و غزارة علمهم الفائقة التي يعترف بها
كل العلمآء و يشكر لهم عليها لم يتوصلوا بعد الى كشف السر المكتوم في
الكتابات المسمارية.
و
ليداوموا على البحث و التنقيب و الاجتهاد و المعالجة و على الخصوص فليحكموا
معرفة اللغة الارامية ... لعل الزمان يتيح لهم في الآخر وجدان الضالة نفسها
لا خيالها فيؤتوا العالم معروفا يبقى ذكره مخلدا في بطون التواريخ".
في بداية الخمسينات من القرن التاسع عشر كان التنافس جاريا بين العلماء في
الغرب لفك رموز الكتابة المسمارية و لكن سنة 1857 اجتمع عدة علماء و قاموا
- كل واحد بمفرده- بترجمة كتابة مسمارية ثم جمعت الترجمات و قورنت فوجد
العلماء ان اغلب الترجمات كانت متطابقة
.
المطران داود لا يزال يعتقد ان العلماء لم يفلحوا بفك رموز الكتابة
المسمارية و هو ينصحهم في التعمق في دراسة اللغة الآرامية لأنه كان يتوهم
ان الكتابة المسمارية هي آرامية!
و طبعا هذا غير صحيح.
-*النص
الثالث صفحة ٩٧"
و حسبنا الآن ان نعتبر انه ان كان اللغة الاثورية التي استخرجها العلمآء
الذين الكلام عنهم لا يمكن ثباتها و قبولها كما بينا الى الآن أفليس لنا حق
ان نشك في صحة اللغة الاكادية او السومرية التي يزعمون انهم استخرجوها ايضا
من الكتابات المذكورة بل نرفضها و ننفيها كما رفضها و نفاها قوم من علماء
الافرنج انفسهم
".
لا شك ان القارئ المثقف يعرف كيف تسرع العلماء في إطلاق التسمية الأشورية
على الكتابة المسمارية لانهم وجدوا ان الكتابات المسمارية تسمي هذه اللغة
باللغة الاكادية تمييزا عن لغة اقدم هي اللغة السومرية. اللغة السومرية
كانت لغة هندو اوروبية بينما اللغة الأكادية كانت لغة شرقية (سامية).
المطران داود يشكك من وجود السومريين و يسخر من العلماء الذين - حسب تعبيره
- يزعمون بوجود شعب و لغة سومرية قبل الاشوريين.
قد يكون المطران داود قد عاش في عصر لم تنتشر فيه المعلومات التاريخية
المبنية على مصادر موثوقة و لكن عناده في رفض النتائج التاريخية التي توصل
لها علماء الشرق القديم تشير لنا بقوة ان المطران داود و بالرغم من
إطلاعاته التاريخية انه أسير قصص التوراة
.
لقد اوردت سابقا بعض الأخطاء التاريخية و الجغرافية و في تاريخ
اللغة الآرامية قي مقدمة اللمعة الشهية . لقد أثر المطران داود على
المفكرين السريان الذين عاصروه و خاصة الرعيل الأول من
القوميين السريان في بداية القرن العشرين لأنهم نقلوا " مفاهيم"
المطران داود بدون التحقق بصحتها.
لا يزال بعض السريان اليوم يرددون طروحات المطران داود
الخاطئة و يعتبرونها " صحيحة" لأنها تسمح لهم بالإدعاء بهوية
أشورية بالرغم من زيفها و تقسيمها للأمة السريانية الآرامية
.
سابعا - من هم السريان في مفهوم المطران داود ؟
أ -
من يتعمق في دراسة مقدمة اللمعة الشهية يلاحظ ان المطران
داود كان يعتقد ان التسمية السريانية كانت أقدم من
التسمية الآرامية
.فهو
يذكر في بداية المقدمة صفحة ٧:
"
اعلم ان اللغة السريانية كانت يوما لغة امة عظيمة ساكنة في قسم
كبير من أرض آسيا ... وكانت هذه البلاد كلها يقال لها عند اليهود
أرام لأن أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله ... و لذلك
فاللغة السريانية لا تسمى في العهد القديم الا ارامية
".
التسمية السريانية هنا هي مرادفة للتسمية الآرامية بشكل واضح
بالرغم من ترديده ان اليهود يسمون هذه اليلاد " أرام" فإنه من واجبنا
ان نصحح معلوماته :
اجدادنا الآراميون هم الذين أطلقوا تسمية
بلاد " آرام" على مواطنهم . بعض الكتابات الآرامية هي اقدم من
تدوين آسفار التوراة (القرن السادس قبل الميلاد) قد ذكرت حرفيا
بلاد آرام فهنالك نقش ذكير ملك حماة الآرامي و يعود الى اواخر
القرن التاسع قبل الميلاد حيث ورد " برهدد بر حزائيل ملك آرام"
راجع هذا الرابط
http://www.formerthings.com/king_hamath.htm
كما وردت تسمية " كل آرام" في نصوص سفيرة المشهورة و التي
تعود الى أواسط القرن الثامن قبل الميلاد
.
ب -
لقد ذكر المطران داود صفحة ٢٣
"
"و
اما في الازمان القديمة السابقة للنصرانية فكل خبير بالتواريخ يعلم ان اول
الممالك في الدنيا قامت لدى السريان اي في بابل و نينوى
و ان السريان الشرقيين و لا سيما اهل بابل هم
اول الامم الذين اشتغلوا بالعلوم ... و استنبطوا صناعة الكتابة النفيسة كما
سنرى...".
في النص الاول السريان هم الآراميون و لكن من خلال هذا النص
نرى ان المطران داود قد ادخل ضمن الشعب السرياني الآرامي
شعوبا عديدة مثل الاكاديين و الأشوريين و هذه الشعوب قد انقرضت
و ذابت ضمن الآراميين
.
لقد إنتشرت القبائل الآرامية في العراق القديم ولذلك عرف ببلاد
الآراميين .
راجع بحثي "إنتشار القبائل الآرامية في العراق القديم
"
على الرابط
http://www.nesrosuryoyo.com/forums/viewtopic.php?f=129&t=2449
لذلك نحن نرى استخدام تعبير " السريان المشارقة" هنا لهو تاريخي
لا غبار عليه اما ترديده " اول الممالك في الدنيا قامت لدى السريان اي في
بابل و نينوى" فنحن لا نوافق لأن السريان الآراميين هم
شعب مغاير عن الشعوب الاكادية و الأشورية.
من الواضح ان المطران داود ينقل لنا بعض المفاهيم الخاطئة
التي كانت تعتمد المصادر اليونانية غير الموثوقة
:
*-
قبل احتلال الإسكندر لشرقنا الحبيب كانت المصادر اليونانية تطلق على الشرق
تارة
ASSYRIA
وطورا
.SYRIA
*-
بعض المصادر اليونانية و اللاتينية كانت تستخدم تعبير
SYRIAN
لتقصد به الشعب الأشوري القديم
.
*-
الشعب الأشوري هو الذي حكم في نينوى و ليس الشعب السرياني
و غير صحيح ان الأشوريين و البابليين هم الذين أسسوا اول الممالك
في العالم:
هذه خبريات اسطورية منقولة من المصادر اليونانية
و نحن نعلم ان شعوبا عديدة مثل السومريين و المصريين كانت لهم
ممالك قبل البابليين ( الاكاديين) و الأشوريين
.
*-
الشعب الكوشي
CASSITE
هم الذين ادخلوا علم الفلك الى
بلاد أكاد و هم شعب هندو اوروبي و انتقل هذا العلم الى الكلدان
الآراميين و اشتهروا به
.
*-
تعود اقدم كتابة الى الشعب السومري و هو ايضا شعب هندو
اوروبي و السريان ليسوا بمستنبطي الكتابة و لا عار
في ذلك
!
ج -
السريان في مصر ؟
ذكر المطران داود " و يجدر بنا هنا ان نذكر ما يعلم من التاريخ
اليقين منذ قديم الازمان و هو ان الامة السريانية انتشرت الى البلاد
البعيدة و استوطنتها و تظاهرت فيها و خلفت فيها آثارا جليلة .
فمن
ذلك الجماعة السريانية التي
تبوأت بلاد مصر منذ الازمان القديمة
و تركت هناك آثارا كثيرة سريانية..."
من المؤسف ان المطران داود يدعي ان السريان قد استوطنوا
مصر في تاريخهم القديم و هذا قول غير صحيح لأن الكتابات
الآرامية التي يستشهد بها تعود الى جنود آراميين و يهود يخدمون
في الجيش الفارسي.
د -
هل التسمية السريانية هي أقدم من التسمية الآرامية ؟
كتب المطران داود صفحة ٩:"
فاليونانيون لما سموا الآراميين
سريانا لم يخترعوا هذا الاسم لكن سمعوه من السريان أنفسهم اذ
خالطوهم و عاشروهم " ثم يشرح لنا حول التسمية الآرامية
:
"أما
اسم الارامي فلا يظن ظان أنه لم يكن معروفا عند السريان
و انهم تعلموه من الكتاب المقدس العبراني.
فانه
لو سلمنا ما ليس
باكيد و هو ان مترجم العهد القديم الى السريانية انما استعمل لفظة
الارامي بمعنى السرياني لانه وجدها في الاصل العبراني الذي ترجمه
لا يصح ذلك البتة من جهة العهد الجديد فان مترجم أسفار هذا العهد
حيثما وجد فيها لفظة اليوناني بمعنى الصابئ او الغير يهودي عبر
عنها في السريانية بلفظة الارامي... و كذلك في لوقا ٤ : ٢٧ حيث الاصل
اليوناني يسمي نعمان سريانيا سماه المترجم السرياني اراميا"
*-
صحيح ان اسمنا السرياني كان مرادفا لاسمنا الآرامي و لكن
يظهر ان المطران داود كان حائرا لا يعرف ايهما هو الاسم الاقدم.
*-
لما سموا الآراميين سريانا " من الواضح ان الاسم السرياني
هو الدخيل على الاسم الآرامي
.
*-
أما اسم الارامي فلا يظن ظان أنه لم يكن معروفا عند السريان
و انهم تعلموه من الكتاب المقدس العبراني".
يبدو
هنا الاسم الارامي
هو الدخيل على الاسم السرياني و هذا واضح في كلامه عن نعمان
الآرامي فهو يقول" حيث الاصل اليوناني يسمي نعمان سريانيا سماه
المترجم السرياني اراميا ".
هذه الجملة توحي ان نعمان كان سريانيا
و ان الترجمة السريانية قد حولته الى نعمان الآرامي .
في
الحقيقة
ان نعمان كان قائدا آراميا في مملكة دمشق الآرامية وان الترجمة
السبعينية اليونانية قد ترجمت الاسم الآرامي الى سرياني
!
*-
من جهة العهد الجديد فان مترجم أسفار هذا العهد حيثما وجد فيها
لفظة اليوناني بمعنى الصابئ او الغير يهودي
عبرعنها في السريانية بلفظة الارامي".
هذا الرأي بحاجة الى تدقيق فإنني بحثت في طبعتين
سريانيتين و لم اجد براهين
تثبت رأي المطران داود
.
ه -
يستنتج المطران داود صفحة ١٠:"
و من ذلك يتضح بكل التأكيد ان اسم الارامي كان شائعا عند السريان
بقطع النظر عن اللغة العبرانية و عن العهد القديم حتى ان المسيحيين
الأولين جعلوه كناية عن الوثني او الصابئ اي الذي لم يكن يهوديا
"
*-
هذا استنتاج - بكل تأكيد - خاطئ لأن هذه النظرية التي
اطلقها العالم الفرنسي
QUATREMERE
لم يقدم لها أي برهان مقنع
و ان المصادر السريانية العديدة لم تستخدم التسمية الآرامية بمعنى
الوثني كما ان اجدادنا قد حافظوا على اسمهم الآرامي من مار افرام
الى ابن العبري
!
السريان هم في مفهوم المطران داود تارة آراميين و طورا شعوبا
اكادية و أشورية .
و
سوف نشرح لما خلط المطران
داود الشعب
السرياني الآرامي بالشعوب القديمة التي سكنت العراق القديم
.
ثامنا - المطران داود و نص رينان الشهير
!
منذ حوالي ١٧ سنة كتبت عدة دراسات نقدية حول مقدمة قاموس
المطران اوجين يعقوب منا.
و قد ذكرت ان المطران منا كان قد
نقل نصا من تاريخ اللغات السامية للعالم الفرنسي ارنست رينان
ولكن بدون ان يطلع على كتاب رينان.
لقد
ذكرت في ابحاثي
السابقة ان المطران اوجين منا قد نقل نص رينان من قاموس باين
سميث و لكن بعد التدقيق في مقدمة اللمعة الشهية وجدت ان المطران
منا قد نقل نص رينان " حرفيا " من مقدمة اللمعة الشهية
.
أ -
نص رينان الشهير
ولد
Ernest Renan
سنة 1823 و قد نال شهرة كبيرة
في فرنسا لأنه كان كاتبا و فيلسوفا و مؤرخا .
حصل
على شهرة
واسعة بعد كتابه " حياة يسوع"
Vie de Jésus
و لكن شهرته
بين الأوساط السريانية هي لأن المطران داود قد نقل " نصا" من
كتابه تاريخ اللغات السامية . سوف نرى لاحقا ان بعض المفكرين
سوف يستغلون هذا النص و يفسرونه بما يلائم الطروحات السياسية
التي تزيف هويتنا الآرامية التاريخية.
من يريد ان يتعرف أكثر على العالم رينان عليه ان يراجع الرابط
http://en.wikipedia.org/wiki/Ernest_Renan
و يجدر بنا ان نذكر ان نصه المشهور مأخوذ من حاشية من كتابه
تاريخ اللغات السامية الذي كتبه سنة 1855 اي قبل فك رموز
الكتابة المسمارية
.
كتب المطران داود صفحة ١٣
:
ثم أورد ( اي باين سميث صاحب القاموس السرياني اللاتيني)
ما قاله العالم الفرنساوي رينان ما نصه:
أخيرا
ام اسم آرام بدل في
زمان الملوك السلوقيين في الشرق باسم سوريا التي ليست الا اختصار
أسوريا ( اعني آثور او اثوريا حسب اللفظ اليوناني ) و هو اسم عام
كان يطلق عند اليونانيين على آسيا الداخلية كلها. لكن مع ذلك لم
يفقد اسم آرام من بلاد الشرق بالكلية بل اختص بالاراميين الذين
لم يعتنقوا الديانة المسيحية كالنبط و اهل مدينة حران.
و
لهذا السبب
جعلت لفظة الارامي عند علماء اللغة السريانية مرادفة للفظة الصابئ
او الوثني
..."
*-
ان اسم آرام بدل ... باسم سوريا
نحن في القرن الواحد و العشرين نعلم جيدا ان اسم آرام كان يطلق
على مملكة دمشق الآرامية و ان الترجمة السبعينية في بداية القرن
الثالث قبل الميلاد قد عمدت الى ترجمة بلاد آرام في اللغة العبرية
الى بلاد سوريا في اللغة اليونانية
.
*-
"سوريا
التي ليست الا اختصار أسوريا ( اعني آثور
..("المعادلة
الأولى: الآراميون = السريان هي صحيحة و
لكن هذا
لا يعني ان الآراميين هم آثوريون لأن التسمية السريانية مشتقة
من أسوريا!
*-
إن المصادر السريانية تثبت لنا ان اجدادنا ظلوا محافظين على
إسمهم و هويتهم الآرامية
.
ب -
ما هي الخلاصة التي توصل لها المطران داود من نص رينان ؟
كتب المطران داود
:
"فينتج
من ذلك ان الامة السريانية جمعاء شرقا و غربا كانت
قبل المسيح تدعى عند اهلها ارامية او آثورية كما ورد اسمها دائما
في الكتاب المقدس و ان اسم السريانية لم يكن الا اختصار اثورية
اختصره اليونانيون الذين كثروا في بلاد الارامية بعد الاسكندر ذي
القرنين و قلبوا ثاءه الى السين لسهولة اللفظ .
ثم لما اعتنق الاراميون
الديانة النصرانية اهملوا اسمهم القديم و تسموا باسم السريانيين
تمييزا لهم من الاراميين الوثنيين فلم يكن اسم السرياني اسما للملة
بل للديانة و ناهيك ان الباقين من الآراميين القدمآء في اثور و اذربيجان و
جبل عبدين الى يومنا هذا لا يتخذون لفظة السرياني
...
للملة بل للديانة فان هذه اللفظة عنهم مرادفة للفظة المسيحي
و النصراني
".
*-
"
ان الامة السريانية جمعاء ... تدعى عند اهلها ارامية او آثورية
"
هذا استنتاج خاطئ لأن معلوماتنا الحديثة عن الآراميين تؤكد على
انهم شعب شرقي مغاير للشعب الأشوري القديم. لا يوجد اي مؤرخ
متخصص في تاريخ الشرق القديم يقبل بهذا الاستنتاج السطحي
.
*-
لم يهمل اجدادنا اسمهم الآرامي كما يدعي المطران داود بدون اية
براهين. البرهان الساطع هو القديس مار افرام الذي لم يستخدم
التسمية السريانية في كتاباته بل التسمية الآرامية فقط: عندما يسمي
برديصان الآرامي فهو لا يعني ان برديصان كان وثنيا (برديصان
كان مسيحيا
(.
*-
المعنى الاول للتسمية السريانية هو الإنتماء الى الشعب السرياني
الآرامي .
قد
تكون التسمية السريانية مثل التسمية الارمنية و القبطية
صارت تحمل معنا آخر و هو الإنتماء المسيحي و لكن هذا لا يعني
ان التسمية السريانية التاريخية لا تدل على هوية شعب كما فهمها
بعض رجال الدين المعاصرين
!
*-
أخيرا ان المطران داود قد نقل نظرية العالم الفرنسي
QUATREMERE
استاذ العالم رينان بدون ان يطلع على
كتابه
و بدون ان يتحقق في براهينه.
لا يوجد اي نص سرياني يؤكد
نظرية
QUATREMERE
اي ان الآراميين بعد اعتناقهم الديانة
المسيحية تخلوا عن اسمهم الآرامي
!
ج -
هل يوجد اسباب دفعت المطران داود الى تبني هذه المفاهيم الخاطئة ؟
*-
كان المطران داود عالما لغويا و ليس باحثا متخصصا في التاريخ
و بالتالي لم يتحقق من المراجع التي اعتمدها .
فهو
لم يطلع على
كتابQUATREMERE
وحتى
نص رينان نقله من قاموس سميث و ليس من كتاب رينان . البحث التاريخي في
ايامه كان في بداية تقدمه و تطوره و لم يكن يملك المنهجية التي نعرفها
اليوم
.
*-
إيمان المطران داود الراسخ بأن أسفار التوراة تتكلم عن حقائق تاريخية سوف
تدفعه الى تصديقها و هذا مما سيدفعه الى تصديق كل نظرية لا تتعارض من
روايات الوراة .
كتب
المطران داود
صفحة ١٨ " و اما ارام ابو السريان فهو بعيد عن نوح بجيلين فقط و اذا
اعتبرنا الجد الثاني الذي منه نشأ الجنس السرياني و هو اشور او اثور الذي
هو على الخصوص ابو السريان الشرقيين الذين يقال لهم الاثوريون و البابليون
و الكلدان نراه هو ايضا ابنا لسام
".
*-
لقد تبنى بعض السريان مفاهيم المطران داود و طوروها بما تخدم طروحاتهم
التاريخية المتطرفة لذا يجدر بنا التنويه بان ارتكاب المطران داود لبعض
الاخطاء التاريخية لم يكن مقصودا و طبعا لم يكن له خلفيات سياسية.
الخاتمة
أ -
ان مقدمة اللمعة الشهية قد كتبت سنة ١٨٧٨ و تعتمد بالدرجة الأولى على
التوراة
و هي مليئة بالأخطاء التاريخية و رغم ذلك لا تزال بعض مفاهيم المطران داود
الخاطئة منتشرة بين السريان.
ب -
من المؤسف ان الرعيل الاول من القوميين السريان في بداية القرن العشرين قد
تبنوا مفاهيم المطران داود الخاطئة بدون ان يتأكدوا من صحتها فخلطوا بين
هويتنا السريانية الآرامية و بين التسمية الأثورية
.
ج -
لقد ذكر احد كبار رجال الدين السريان ان الشعب السرياني ينتمي الى
الآراميين والأشوريين: هذا قول يعتمد على ما ورد في اللمعة الشهية و ليس
على مصادرنا السريانية
.
د -
أنه لمن الطبيعي ان يرتكب المطران داود تلك الاخطاء التاريخية و لكن ليس من
الطبيعي ان يردد السريان المعاصرون تلك الاخطاء و لذلك كان بحثي المتواضع
مساهمة في تصحيح الاخطاء المتوارثة.
|