الفكر العروبي و نصوص سفيرة الأرامية
080518
نشرت بحثا متواضعا حول دراسات بعض المؤرخين العرب إلى
تاريخنا الأرامي عنوانه "نظرة بعض علماء ألأثار
ألسوريين إلى تاريخنا ألأرامي " موجود على هذا
الرابط
http://www.syriane.com/forum/showthread.php?t=1563
لقد
لامني بعض الإخوة لأنني دافعت
عن أكادمية الدكتور علي أبو
عساف
.
وقد علق البعض إن وردة واحدة لا تعني الربيع و هم يقصدون
أن هذا المؤرخ قد يكون
"
الوحيد " الذي لم يزور تاريخنا الأرامي
.
لقد رديت على هؤلاء الإخوة:
إن النقد التاريخي و الأمانة العلمية
تلزم الباحث أن يذكر الحقائق كما هي، و د.
علي أبو عساف كتب
عن الأراميين
بصدق و أمانة تفرض علينا أن نحترمه
.
السؤال المطروح : هل الفكر العروبي يستطيع أن يزور تاريخنا
الأرامي ؟ قبل الإجابة على السؤال أحب أن أؤكد أن أغلب المواقع
العربية تذكر أن الأراميين هم عرب أو تستخدم هذا التعبير " الأراميون
العرب " .
سوف نعرض في الخاتمة حلا لهذه المشكلة
.
أولا - نصوص سفيرة الأرامية لقد إكتشفت هذه
النصوص في الثلاثينات من القرن العشرين ، وهي
كناية عن حلف
بين برجاية ملك كتك و متع إيل ملك بيت أغوشي
أي أرفاد . لقد ترجم المؤرخ
DUPONT-SOMMERهذه
النصوص و
حاول معرفة أسماء هؤلاء الملوك و الأماكن الجغرافية.
و هنالك ترجمات إنكليزية و ألمانية لنصوص
سفيرة الأرامية
وأكثر
من 100 دراسة حول تلك النصوص .
أشهر
تلك الدراسات هي
لباحثين فرنسيين عنوانها
Les Inscriptions Araméennes de Sfiré et l\'Assyrie de Shamshi-Illu .1984
A.LEMAIRE et J.M. DURAND
لقد إكتشق هذان العالمان من هو برجاية و أين تقع مملكة كتك
و ألقيا الأضواء على كثير من النقاط
التي كانت لا تزال غامضة.
ثانيا - مؤرخ عروبي ونصوص سفيرة في جريدة
الرياض
.
نشر الصحافي طلال الكايد مقالا تاريخيا عنوانه
"
معاهدات السلام تعود إلى عصور ما قبل الميلاد " تجدونه
على هذا
الرابط
http://www.alriyadh.com/2005/09/18/article94856.html
ذكر هذا الصحافي بعض المعلومات حول المعاهدات القديمة ومنها
المعاهدة التي وردت في نصوص سفيرة قرب حلب حيث إستشهد
"
اما بالنسبة لنقش السفيرة العربي الارامي يقول استاذ التاريخ القديم
واللهجات العربية القديمة في الجامعات الليبية والمنسق العام في اتحاد
الاثاريين العرب بدمشق بهجت القبيسي " .
نحن لا نلوم هذا الصحافي
على عدم إدراكه لتطور الدراسات حول نصوص سفيرة الأرامية
(و
ليس نقش السفيرة العربي الأرامي، لأنه لا يوجد أي مؤرخ مختص
في تاريخ الشرق القديم أو في تاريخ الأراميين قد " ذكر " أن الأراميين
هم عرب أو أن نصوص سفيرة هي عربية أرامية).
نقدنا موجه إلى الأستاذ بهجت القبيسي لأنه إرتكب أخطاء تاريخية
و قدم نظريات غير علمية تسيئ إلى الفكر العروبي
.
أ - قال القبيسي " كشفت لنا جغرافيا كبيرة فكلمة عراق موجودة بحسب المعاهدة
منذ حوالي عام 1200 قبل الميلاد
وليس كما يقول البعض انها ظهرت في العصر الاسلامي " .
لقد قرأت عدة مرات
نصوص سفيرة و لم أجد أي ذكر لتسمية " العراق ".
و
لم أجد أي
باحث قد ذكر أن إسم العراق موجود في المعاهدة . هذه نظرية للأستاذ
القبيسي غير مبنية على براهين أو تحاليل تاريخية علمية
.
ب - قال القبيسي أيضا
"
هذه المعاهدة اخذت مساحة جغرافية كبيرة حيث تمتد من اضنه في جنوب تركيا
وحتى مكة
المكرمة حيث ورد اسمها في المعاهدة باسم بكة واسم مصرورد في النقش كذلك
"
نعم إن إسم مصر قد ورد في
المعاهدة و لكن لا أحد من المؤرخين
)المتخصصين
في تاريخ الشرق القديم ) قد ذكر إن " مصر" في
المعاهدة هي
نفسها مصر الفرعونية
!
غير صحيح أن مكة المكرمة قد ورد ذكرها في المعاهدة .
صحيح
أن القبائل الأرامية
كان موطنها بادية سوريا و شمال شبه الجزيرة
العربية و لكن مدينة " بكة " في المعاهدة لا تعني مدينة مكة المكرمة
و بكل صراحة هذه هي أول مرة أسمع بهذه النظرية ( غير علمية طبعا(
ج - ثم يكمل أقويله ( البعيدة عن البحث الأكاديمي
)
فيذكر " وهذا النقش اضاء لنا فترة ضبابية مرت في التاريخ القديم حيث يبين
النقش اننا نحن العرب الاراميون موجودون منذ القرن ال 12 وال 11 قبل
الميلاد".
للأسف الشديد الأستاذ القبيسي يرتكب غلطة إذ يحدد زمن هذه المعاهدة
بين القرنين
12
و 11 قبل الميلاد ، بينما المؤرخون (المتخصصون)
يؤكدون إن زمن المعاهدة هو أواسط القرن الثامن قبل الميلاد
!
أخيرا
هنالك علاقة قربى تجمع بين الأراميين و العرب القدامى
و لكن لا يحق للأستاذ القبيسي " نهب " تاريخ الأراميين بهذا الشكل
"العرب
الأراميون "؟
د - يقول القبيسي " كما نجد 11,2 بالمئة من الكلمات التي نستعملها في
عاميتنا مثل برا جوا كمان هذه لهجات من
العربيات لكنها ليست من اللهجة العربية الحديثة" .
الأستاذ
القبيسي يستخدم في بداية الفقرة
تعبير " اللهجة العربية الارامية " و لكنه في نهاية النص يقول"
برا
وجوا كمان هذه لهجات من العربيات لكنها ليست من اللهجة العربية الحديثة
".
لقد
غابت التسمية الأرامية للغة مع أن تعبير برا و جوا
هي تعابير أرامية سريانية غير موجودة في اللغة العربية الفصحى!
لقد
" حول " الأستاذ
القبيسي بقدرة ساحر المفردات الأرامية الى " لهجات من العربيات"
ه - يقول أخير ( مسك الختام ) الأستاذ القبيسي " فالنظرية التي تقول ان
العرب استعمروا بلاد الشام غير صحيحة والصحيح انهم اتوا الى ابناء امتهم
والدليل على ذلك لغويا هو ان العربية الفصحى بقيت في العراق وجنوب تركيا
ولم
تبق في ايران لانها لم تكن غريبة عن لهجات المنطقة المحلية.
"
يتغلب الفكر القومي العروبي و العاطفي على أقاويل الأستاذ القبيسي
فهو بعد هذه الأخطاء التاريخية يسرع و يدافع عن إحتلال العرب
للبلاد الأرامية التي صارت تعرف ببلاد سوريا .
و المدهش أنه يستخدم
تعبير " العرب استعمروا بلاد الشام " و هو يقصد إحتلال سوريا ، طبعا
تعبير " إستعمار" هو تعبير خاطئ
.
لقد فتح أجدادنا الأراميون أبواب مدنهم المحصنة أمام الجيوش العربية
المسلمة لأنهم كانو متضايقين من تدخل الأباطرة البيزنطيين
في أمورهم الكنسية الخاصة .
إن
كره أجدادنا الأراميين السريان لسياسة
الأباطرة الظالمة هو السبب الرئيسي الذي دفعهم الى فتح مدنهمأمام الجيوش
العربية الغازية و التي لم تكن تملك أدوات الحصار من
المناجيق و غيرها
.
البرهان
الذي يقدمه القبيسي من بقاء اللغة العربية في العراق و ليس
في إيران يجب ألا يبعد عن فكرنا الأمور التالية
أن
الأراميين السريان كانوا يشكلون الأكثرية الساحقة في كل الشرق
القديم.
أن أغلب أسماء المدن و القرى هي أسماء أرامية سريانية.
أن ألأراميين السريان ظلوا يشكلون أكثرية في الشرق بعد " إحتلال
أو دخول " العرب إلى الشرق
.
إن تدخل الفرنج (الصليبيين) هو السبب الرئيسي لإنخفاض عدد
الأراميين السريان
.
إن أقلية من العروبيين تحاول " نهب " تاريخ الوجود الأرامي السرياني
في الشرق و تحويلهم الى " غرباء" في أراضي أجدادهم
.
إن " إستعراب " قسم كبير من الأراميين السريان على مرور الزمن
لا يعني بالضرورة أن اللغة العربية صمدت في العراق
.
لقد حافظ الأراميون على لغتهم الأرامية في سوريا و العراق حتى
القرن الميلادي الثاني عشر بالرغم من إنتماء اللغتين الأرامية و العربية
إلى لغة أم مشتركة
.
ثالثا - كيف نستطيع أن نوقف " تعريب
"
تاريخنا الأرامي ؟
إن بعض المواقع العربية تذكر أن الأراميين هم العرب القدامى ،
وقد لاحظت من خلال بعض التعليقات أن إخوتنا العرب يكنون حبا
و إحتراما كبيرين لأجدادنا الأراميين ، ربما لأن مملكة أرام دمشق
قد إشتهرت
بحروبها العديدة ضد ملوك إسرائيل ، كما أن أغلب
المكتشفات الأثرية الحديثة
تثبت للعالم مدى عمق التاريخ الأرامي
السرياني في سوريا و الجزيرة و العراق خاصة التي تعود إلى الألف
الأول قبل الميلاد .
( نصوص سفيرة و تمثال حداد يسعي و تل دان
...(.
عندما عرض معهد العالم العربي في باريس بعض الآثارات
في سوريا سنة 1993 ، أفرد جناحا كبيرا للأثارات الأرامية ومن
ضمنها تمثال حداد يسعي الذي أصبح شعارا لذلك المعرض و قد
ذكر وزير الثقافة السورية أمام المسؤولين الفرنسيين " لقد صبغ
الأراميون تاريخ سوريا.
"
لقد وجدت في مقال أحد الإخوة الغيورين
"
من اقوال القائد الخالد حافظ الاسد عند استقباله المجمع المقدس للسريان
الارثوذوكس في 17-3-1997
"ايها
السريان,
(يقصد
السوريين الأصليين) سوريا بلدك اينما كنتم وهذا حقكم, وعندما أقول ذلك لا
أعطيكم ما ليس لكم"
إن بعض العروبيين يحولون أجدادنا الأراميين إلى عرب ، علينا
أن ندافع عن تاريخنا العلمي و ذلك بالإعتماد على المراجع العلمية
.
إن جهل بعض الإخوة العرب لتاريخ الشرق القديم ، يدفعهم في بعض
الأحيان
إلى " تعريب " الأراميين . النقاش العلمي و الحوار الأخوي
هو أفضل وسيلة
لإعطاء كل إنسان حقه.
مرة ثانية ، نحن اليوم لا نلوم الصحافي طلال الكايد فهو غير
متخصص و لكن اللوم و العتاب الى الأستاذ القبيسي الذي يتبنى
نظريات غير علمية و يحاول " تعريب " الأراميين و لكنه لم ينجح
لأن عشرات و عشرات الدراسات العلمية تؤكد أن الأراميين كانوا
شعبا أقدم من الشعب العربي
.
|