أهمية إنتشار اللغة الآرامية في شرقنا الحبيب
هنري بدروس كيفا
من متى تم استعمال اللغة الآرامية في منطقة
الهلال الخصيب و لمتى؟
"السؤال واضح جدا و طبعا تعبير" الهلال الخصيب
" هو حديث جدا و يروجه العروبيون
الذين يدعون أن الهلال الخصيب كان يضم شبه
الجزيرة العربية و منطقة الشرق القديم أي
سوريا و العراق و الأردن و فلسطين و إسرائيل
و لبنان.
لذلك إنني أستخدم تعبير الشرق القديم لأن
اللغة الآرامية لم
تنتشر في شبه الجزيرة العربية.
أولا - لمحة عن تاريخ اللغة الآرامية
.
اللغة الآرامية لها علاقة مباشرة مع تاريخ
الآراميين و تاريخ و تطور هذه
اللغة مرتبط بتاريخ و تطور الشعب الآرامي.
اللغة الآرامية هي شرقية كان العلماء في القرن
التاسع عشر يسمونها"
لغة سامية " و هي تسمية غير دقيقة مثل " شرقية
" . و تتحدر من"
لغة أم " مثلها مثل بقية اللغات الشرقية من
أكادية و عمورية و كنعانية
و عبرية و عربية
.
أ -
لا يوجد أية نصوص للغة العمورية بعكس بقية
اللغات
.
ب -
أقدم اللغات الشرقية هي الأكادية و أحدثهن هي
العربية : إذا
كانت لفظة " كلب " تعني نفس الحيوان في جميع
هذه اللغات فهذا لا
يعني أن اللغة العربية قد أخذت هذه اللفظة من
الآرامية أو السريانية
لأنه من المحتمل أن تكون هذه اللفظة متحدرة من
" اللغة الام
"!
ج -
لا أحد من العلماء يستطيع أن يحدد اسم أو
تاريخ تواجد " اللغة
الأم " و طبعا هذه اللغة كانت متواجدة قبل
اللغة الأكادية:
أقدم نص
أكادي يعود الى حوالي ٢٦٠٠ سنة قبل الميلاد
!
ثانيا - الأبجدية الآرامية.
أغلب العلماء يؤكدون أن الكنعانيين هم الذين
أوجدوا الكتابة الأبجدية
التي نعرفها اليوم و أن أقدم نص يعود الى
القرن الحادي عشر ق٠م.
لقد أخذ الآراميون الأبجدية الكنعانية و
طوروها و كانت كل مملكة
آرامية لها طريقة مختلفة في كتابة بعض الأحرف
في الأبجدية الآرامية
.
من المؤسف بعض السريان الضالين يحاولون - بكل
الطرق – التقليل
من أهمية تطوير الآراميين لأبجديتهم و هم
يرددون بدون حياء " إنها
أبجدية كنعانية
" .
هنالك عدد كبير من العلماء المتخصصين في تاريخ
الشرق القديم و خاصة في تاريخ اللغات الشرقية
القديمة
:
أ -
لا أحد منهم يدعي أن الأبجدية الآرامية هي
كنعانية
.
ب -
لا أحد منهم يدعي أن الأبجدية الكنعانية قد
تطورت عن الكتابة
المسمارية الأكادية
.
ج -
إن الباحث
André LEMAIR
هو أهم عالم في ترجمة الكتابات
الآرامية و الكنعانية القديمة و هو يميز بين
الأبجدية الآرامية و الأبجدية
الكنعانية أو الفينيقية
!
ثالثا - إنتشار اللغة الآرامية في الشرق
القديم
.
للأسف الشديد لا يزال بعض السريان الضالين
المدعين بالتسمية الأشورية
المزيفة يضللون إخوتهم و يدعون أن الأشوريين
(لأنهم أصحاب إمبراطورية عظيمة و غالبا ما
يبالغون بأنها أكبر و أطول ...) هم الذين"
طوروا و نشروا اللغة الآرامية " !
في امبراطوريتهم
!
هذا طرح خاطئ و كاذب:
إنتشار
القبائل الآرامية في كل مناطق الشرق
هو الذي نشر اللغة الآرامية !
و قد شرحنا مرارا أن الأشوريين لم يستخدموا
اللغة الآرامية كلغة رسمية لأنهم - و حتى
الكلدان الآراميين-حافظوا
على اللغة الأكادية كلغة رسمية
!
هؤلاء السريان الضالون يدعون أن اللغة
الآرامية هي " لهجة أكادية
"!
و للأسف عدد كبير من السريان لا ينتبهون الى
هذه الكذبة الكبيرة
!
هنالك بعض التقارب بين اللغة الآرامية و
العمورية و الكنعانية و لكن
هذه لغات مستقلة و العالم المتخصص كوفمان قد
كتب حول تأثير
اللغة الأكادية على الآرامية
Stephen A. Kaufman: The
Akkadian influences on Aramaic...
و هذا العالم قد ذكر
أن أكثر من ٣٠٠ كلمة أكادية قد دخلت الى اللغة
الآرامية و لكنه
لم يذكر أن الآرامية هي لهجة أكادية كما يدعي
بعض السريان المنافقون
الذين خانوا هوية أجدادهم و ينشرون الطروحات
الخاطئة و كما يقال
انقلب السحر على الساحر:
هذه الادعاءات المنافقة سوف تدفع كل
سرياني لمعرفة تاريخ لغته الآرامية الأم
الصحيح و ليس المسيس!
.
رابعا - بعد هذا الشرح نستطيع أن نرد على
السؤال " من متى تم استعمال اللغة الآرامية في
منطقة الهلال الخصيب و لمتى ؟
"
أ -
أقدم نص آرامي يعود الى حوالي القرن العاشر
ق٠٠م و لكن الآراميين كانوا متواجدين مئات
السنين قبل استخدامهم للأبجدية و لا
شك كانوا يتكلمون اللغة الآرامية و لكن لم يكن
لهم كتابة خاصة بهم
تماما مثل الشعب الأرمني
!
ب -
اللغة الآرامية مع أبجديتها المتطورة كانت "
ثورة " حقيقية إذ
أن الفرس سيختارونها كلغة رسمية في جميع أنحاء
امبراطوريتهم و كلغة
التجارة و كتابة العقود .
و لكن الشعب الفارسي لم يتكلم اللغة الآرامية
في بلاده و لكنه كان يتكلم اللغة الفارسية و
يدونها بالأبجدية الآرامية
الى أن استبدلها بالأبجدية العربية
.
ج -
لقد محت اللغة الآرامية جميع اللغات الشرقية
التي كانت قبلها من
أكادية و فينيقية و عبرانية و ذلك بين القرنين
الخامس و الأول ق٠م
!
و لا يزال بعض السريان المتطرفين يدعون بأنهم
يتكلمون اللغة "الأشورية"
د -
لقد لعب الآراميون دورا كبيرا في تاريخ الشرق
القديم و لكن للأسف
لنا لا تزال أكثرية المناهج التعليمية في كتب
التاريخ تذكر تواريخ الشعوب
القديمة من سومريين و أكاديين و عموريين و
كنعانيين و غيرهم
و لا تذكر شيئا عن الآراميين لأنهم لم يؤسسوا
إمبراطورية واسعة
و للأسف هذه المناهج لا تعرف تاريخ الآراميين
وأهمية اللغة الآرامية!
ه -
هنالك مفهوم خاطئ و هو " الشعب البابلي " الذي
لا يزال يردد
مما يوحي للكثيرين بوجود شعب له تانية أو هوية
بأيليه خاصة:
صحيح
أن مدينة بابل كانت موجودة منذ الألف الثاني و
لكن التسمية البابلية
هي مأخوذة من التسمية الإدارية الفارسية "
بلاد بابل " و ليس من شعب
أو قبائل بابلية !
عندما يتكلم قدامى اليونان عن شعب بابلي فهم
يقصدون
الآراميين الذين صهروا بقايا الشعوب القديمة
في بلاد أكاد التي ستعرف
ببلاد بابل بعد استيلاء الفرس و قد ظل أجدانا
محافظين على التسمية
الوطنية " بلاد الآراميين
".
و -
الكتابات الآرامية المكتشفة في قمران قرب
البحر الميت و التي
تعود الى القرنين الثاني و الأول قبل الميلاد
تؤكد لنا أن جميع اليهود
كانوا يتكلمون اللغة الآرامية و ليس فقط سيدنا
يسوع المسيح
!
خامسا - إلى متى ظلت الآرامية محكية في شرقنا
؟
هنالك ادعاء خاطئ بأن اللغة الآرامية قد
تقهقرت بعيد الاحتلال العربي
لمواطن السريان الآراميين : بعضهم يتسرع و
يدعي منذ القرن السابع ؟
و البعض الأخر يذكر القرن التاسع الميلادي ؟
في الحقيقة أن اللغة
السريانية قد تطورت في هذه الفترة بسبب
الترجمات من اللغة اليونانية
الى اللغة السريانية
.
عندما كان الآراميون محتلين من قبل شعوب هندو
أوروبية مثل الفرس
و اليونان و الرومان فإنهم كان من الصعب عليهم
تعلم تلك اللغات
الغريبة عنهم و لكن بعد الاحتلال العربي
استطاع الآراميون أو السريان
أن يتعلموا اللغة العربية - لأنها شرقية -
بسهولة
!
تعلم السريان للغة العربية خاصة في المدن لا
يعني أن السريان قد
تخلوا عن لغتهم الأم !
و لم يتوقفوا عن التكلم باللغة السريانية لا
في
القرن السابع و لا القرن العاشر !
و طبعا المناطق الجبلية النائية
قد صمدت أكثر من المناطق السهلية و المناطق
المختلطة.
يبدو أنه منذ القرن الثالث عشر بدأت اللغة
السريانية تتراجع من مناطق عديدة...
و بالفعل بعض النصوص السريانية من القرنين
السابع و الثامن عشر تؤكد لنا أن اللغة
السريانية قد دخلتها أعداد كبيرة من الألفاظ
التركية و العربية و الكردية و إنه لمن السهل
فهم قصيدة لمار
افرام من نص سرياني من القرن الثامن عشر
!
أخيرا لقد لعب إخوتنا السريان الموارنة دورا
كبيرا في تعليم العلماء
الأوربيين في عصر النهضة و كما عمد إخوتنا
السريان المشارقة أبناء
الكنيسة الكلدانية الى نشر عدة قواميس و كتب
لغوية حول اللغة السريانية
الآرامية في نهاية القرن التاسع عشر !
اليوم
يلعب إخوتنا السريان الأرثوذكس دورا مهما جدا
في إحياء اللغة السريانية و ذلك بفضل عدد
كبير من كهنتهم الأوفياء الذين يعلمون اللغة
السريانية أيام السبت
لأبناء رعيتهم
.
أه ثم أه !
متى يبدأ أحفاد الآراميين في تعليم لغتهم الأم
في المدارس
الخاصة في لبنان؟
"
سوف يبقى وادي قاديشا صخرة الإيمان و العنفوان
السرياني الماروني
بسبب قداسة الأرض و
تعلق شباب بشري بهويتهم التاريخية!" |