أهمية المصادر السريانية
إن جميع المصادر ( تقريبا ) التي تتكلم عن
الغساسنة هي سريانية و قد أشار الى ذلك الباحث
شفيق ابوزيد .
قبل الحديث عن المصادر , أذكر
القارئ الفرق بين المصادر و المراجع
:
أ -
المراجع هي الكتب التي تتكلم عن مثلا تاريخ
الغساسنة و قد تكون دراسات تاريخية علمية (
إذا إعتمدت على مصادر موثوقة ) و قد تكون
دراسات غير علمية و مسيسة كما أن تلك المراجع
قد تكون حول تاريخ الغساسنة بشكل رئيسي أو
تتكلم عنهم بشكل عرضي
!
ب -
المصادر هي كل ما كتب مثلا حول تاريخ الغساسنة
خلال تاريخهم القديم في المخطوطات و الرسائل و
حتى القصائد .
و هنا نلاحظ إن عدة مؤرخين
سريان قد ذكروا الغساسنة في مصادرهم
...
*
الأسقف يوحنا الأفسسي الذي عاش في القرن
السادس الميلاد و قد ذكر عنهم أخبارا عديدة
يعتبر من المصادر المهمة
.
*
البطريرك ميخائيل الكبير الذي عاش في القرن
الثاني عشر لا يعتبر مصدرا مهما للتأريخ حول
الغساسنة لأنه يكتب عنهم بعد ٦٠٠ سنة و هو
يعتبر مرجعا تاريخيا لهم
.
ج -
النقد الداخلي للنص : هو واجب كل باحث موضوعي
و هو ما يميز الباحث الأكاديمي من الكاتب
الهاوي في كتابة التاريخ
.
سأنشر نصا من تاريخ الأسقف يوحنا الأفسسي و
أعلق عليه كي يفهم القارئ ما هو النقد الداخلي
للنص .
من المؤسف هنالك مجموعة من الكتاب
السريان المدعين بالهوية الأشورية المزيفة لا
يعرفون و لا يحترمون منهجية البحث التاريخي
فيذكرون نصا يونانيا أو لاتينيا قد أطلق إسم
Assyria
على بلاد آرام القديمة و يحملون هذا النص
مفاهيم تاريخية من إيديولوجيتهم الأشورية
الحديثة المزيفة و يستنتجون " أن سكان سوريا
كانوا أشوريين
" .
د -
النص المنشور هو للأسقف يوحنا الأفسسي و هو من
كتابه تاريخ الكنيسة المشهور و هو من ثلاثة
أجزاء و يعتبر من أهم المصادر لتأريخ
الكنيسة السريانية الأرثودكسية في القرن
السادس لأنه عايش تلك الأحداث و كان يعرف
أبطالها شخصيا مثل مار يعقوب البرادعي و
الملكة تيودورا و بعض أمراء غسان
...
ملاحظة لقبه الأفسسي لا يعني أنه كان من مدينة
أفسس لأننا نعرف أنه كان من سريان بيت نهرين
الجزيرة و قد ولد قرب مدينة أمد.
لقد قام الشماس بطرس قاشا بترجمة النص
السرياني الى اللغة العربية سنة ١٩٧٢ و قد نشر
و علق الأب الدكتور سهيل قاشا هذه الترجمة
مشكورا سنة ٢٠٠٧
.
ه -
أهمية المصادر السريانية
:
هذه الصفحة تخبرنا أشياء عديدة عن الغساسنة و
علاقتهم مع البزنطيين:
*
المصادر السريانية هي التي تخبرنا عن تولي
الإمارة عند الأسرة الحاكمة بين الغساسنة .
هذه الصفحة تذكر الأمير المنذر بن الحارث الذي
كان منفيا من قبل البيزنطيين و إبنه النعمان
بن المنذر
!
*
تعبير " الخلقدونية " مهم جدا لأنه يؤكد لنا
إن الإنقسامات التي تمت في الكنيسة كانت بسبب
خلافات عقائدية و ليس قومية : بعض مؤرخي
الإمبراطورية البيزنطية قد رددوا في القرن
العشرين " أن السريان و الأرمن و الأقباط
كانوا يكرهون اليونانيين فإنفصلوا عنهم " .
هذا النص السرياني يؤكد لنا أن الخلافات كانت
عقائدية و أن الشعب السرياني قد إنقسم على
نفسه بين مؤيد لمجمع خلقيدونيا و مناهض ضده
!
*
لقد ذكر لنا المطران يوحنا ما قاله الأمير
نعمان " أن كل القبائل العربية تدين بالمذهب
الأرثودكسي , فإذا تقربت الى الخلقدونيين
قتلوني".
طبعا على الباحث النزيه ألا يفهم بالمطلق "أن
كل القبائل العربية تدين بالمذهب الأرثودكسي"
لأن النص يتحدث عن القبائل العربية التي عرفت
بالغساسنة و التي كانت تعيش في البادية شرقي
الأردن.
هذا النص لا يعني أن جميع القبائل العربية
كانت مسيحية في القرن السادس الميلادي !
و
طبعا هذا النص لا يؤكد أن سكان سوريا كانوا من
العرب !
لأن المصادر السريانية تؤكد لنا أن الغساسنة
لم يسكنوا في سوريا التاريخية و لا في مدنها
المعروفة
.
و -
ما الفرق بين المصادر السريانية و معرفتنا
الحالية عن الغساسنة ؟
الأديب جرجي زيدان قد ألف سلسلة روايات تاريخ
الإسلام و منها روايته"
فتاة غسان " . لقد إطلعت على جميع روايات جرجي
زيدان و براحة لم أعد أتذكر ما يذكره في قصة "
فتاة غسان " و لكنني أعرف جيدا المفاهيم
الحالية المنتشرة بين القراء حول الغساسنة
مثلا:
*
إنهم ملوك سوريا ؟ في الحقيقة إنهم أمراء
كانوا يعيشون في شرقي الأردن و كانت مهمتهم
مراقبة البادية . لم يكونوا ملوكا و لم تكن
لهم أية سلطة في سوريا
.
*إنهم
كانوا يشكلون أكثرية سكانية في سوريا و
بالتالي بعض سكان سوريا المسيحيين يتحدرون
منهم ؟ لم يستوطن الغساسنة في أية مدينة سورية
و عددهم كان ضئيلا جدا بالنسبة الى السريان
سكان سوريا في القرن السادس الميلادي :
أهميتهم لم تكن في عددهم و لكن في المهمة التي
أوكلت لهم و هي مراقبة و الدفاع عن حدود ولاية
الشرق من جهة البادية !
هذه القبائل العربية قد دخلت الإسلام بعد
الفتوحات العربية الباهرة ... المصادر
السريانية لم تعد تذكرهم بعد الإسلام و طبعا
لا يوجد اليوم مسيحيين متحدريين من القبائل
العربية و لكن سريان مسيحيين
يعيشون منذ مئات السنين في مواطنهم و لكنهم -
عن جهل - يدعون بجذور عربية غير صحيحة
!
*أخيرا
إن بعض السريان يدعون أن الغساسنة كانوا
سريانا ربما لأن رجال الدين السريان كانوا
يتوهمون أن كل " مناهض لمجمع خلقيدونيا
"هو
منتمي الى الكنيسة السريانية و بالتالي هو "
سرياني "! و هكذا البطريرك العظيم سويريوس
يصبح سريانيا في نظر البعض و الملكة تيودورا
اليونانية هي أيضا تصبح من جذور سريانية
...
النص السرياني واضح جدا الغساسنة هم قبائل
عربية و ليس سريانية
!
يتبع |