رد مباشر
على د . عبدالله مرقس رابي حول اللغة
الأرامية
080324
يحاول بعض إخوتنا يائسين أن يجدوا " مخرجا "
يسمح لهم بإطلاق
التسمية " الأشورية " على لغتنا
الأرامية-السريانية. لقد إطلعت في
موقع عنكاوا على مقال للدكتور عبدالله مرقس
رابي عنوانه
"اللغة
الارامية وأشكالية الاتصال الاجتماعي"
تجدونه على هذا الرابط
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,178351.0.html
أتمنى على الدكتور رابي أن يطلع أكثر على
تاريخ الشرق القديم
و إن أمكن أن يشرح لنا بعض النقاط " المهمة "
التي ذكرها فيمقاله
.
أولا
-
أخطاء عديدة حول تاريخ اللغة الأرامية
ذكر د.رابي "في البدء لابد من تقديم فكرة
ملخصة عن اللغة الارامية وفقا للمصادر
التاريخية : وهي من اللغات القديمة التي ظهرت
في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد في سورية
وكانت لغة القبائل الارامية التي انتشرت قسم
منها في بلاد النهرين , وقد حلت رسميا هذه
اللغة لسهولة أبجديتها واستعمالها في التجارة
محل اللغة البابلية والاشورية اللتان تطورتا
من اللغة الاكدية.
اذ تبنتها الامبراطورية
الاشورية للتداول الاداري منذ 1100 ق م
,فأصبح
الاداريون يتقنونها أكثر من اللغة الاشورية
,واستعملت في الدولة البابلية الحديثة (الدولة
الكلدانية ) سنة 626 ق م للمخاطبات الرسمية
,وأصبحت اللغة الرسمية في العهد الفارسي سنة
538 ق م"
أ - ليت د . رابي يذكر لنا المراجع و ليس
المصادر ألتي إعتمد
عليها و ألتي تسمح له بإطلاق تسميات غير علمية
على لغتنا الأرامية
ب - أي من العلماء المختصين بتاريخ اللغة
الأرامية قد كتب(
وفي
أي مرجع ؟) أن اللغة الأرامية قد " ظهرت في
منتصف الالف الثاني قبل الميلاد في سورية "
؟؟؟
ج - غير صحيح أن الإمبراطورية الأشورية قد
تبنت اللغة الأرامية"
للتداول الاداري منذ 1100ق
م,
فأصبح الاداريون يتقنونها أكثر من اللغة
الاشورية" . لقد إنتشرت اللغة الأرامية في
بلاد أشور
بسبب
سياسة " السبي" التي مارسها ملوك أشور ضد
أجدادنا الأراميين
الثائرين ضد الحكم الأشوري .
وإن أقدم نصوص
أرامية وجدت
في بلاد أشور تعود الى القرن الثامن أو التاسع
ق.م و ليس إلى
1100
سنة قبل الميلاد ؟
د - الأشوريون كانوا يتكلمون اللغة الأكادية و
كانوا
يسمونها
اللغة الاكادية و ليس الأشورية، أرجو أن تراجع
مقدمة قاموس
شيكاغو الأشوري
.
ه - غير صحيح أن الأشوريين قد إستخدموا
اللغة الأرامية كلغة
رسمية أو للتداول الإداري و ذلك حتى سقوط
الدولة الأشورية
سنة 612 ق.م . و مع أن ملوك أشور قد صاهروا -
و ليس
صهروا-
أجدادنا الأراميين لأهميتهم العددية و
القتالية و الثقافية
، البرهان
أن ملوك أشور في القرنين الثامن و السابع ق.م
كانت أمهاتهم
أو
نسائهم من الأراميات و أشهرهن ناقيا زاكوتو ،
و رغم ذلك
منع هؤلاء
الملوك إستخدام اللغة الأرامية كلغة رسمية
!
و - كتب د . رابي
"
فأصبح الاداريون يتقنونها أكثر من اللغة
الاشورية". ليتك تطلع على
أبحاث
H.TADMOR
أو
P.GARELLI
حول الوجود الأرامي المكثف داخل
الدولة
الأشورية فهم في الإدارة العليا (الوزير
الأرامي أحيقار) و في
الجيش (التورتانو أي قائد الجيش شمشي إيلو و
هو من قبيلة بيت
عديني الأرامية) . لقد سيطر الأراميون على
الإدارة و من الداخل
حتى أصبح عددهم
يفوق الأشوريين في بلاد أشور نفسها
!
ز - كتب د . رابي",واستعملت في الدولة
البابلية الحديثة (الدولة الكلدانية) سنة 626
ق م للمخاطبات الرسمية".
إن تعبير الدولة
البابلية الحديثة هو
مفهوم خاطئ لا يزال بعض الباحثين يرددونه
.
نحن نفضل تعبير الدولة الكلدانية أو
الإمبراطورية
الكلدانية
لأن القبائل الكلدانية كانت تنتمي إلى
الأراميين و كانت لغتهم
الأم هي اللغة الأرامية :
الفرق بين القبائل
الأرامية و القبائل الكلدانية
في بلاد أكاد ألتي صارت تعرف ببلاد بابل بعد
الإحتلال الفارسي
و ليس قبله (بينما حافظ أجدادنا على إستخدام
تعبير بيت أراماي
أي بلاد الأراميين) إذن الفرق إن القبائل
الأرامية قد حافظت على
بداوتها بعيدا عن المدن بينما إنتشرت القبائل
الكلدانية في المدن
و ضواحيها و تأثرت بالحضارة الأكادية و
إستخدمت اللغة الأكادية
و إنتشرت بعض الاأسماء الأكادية بين الشيوخ
الكلدان
.
ثانيا - متى يكون المنطق علميا
؟
من المؤسف جدا أن د. رابي لم يذكر لنا المراجع
و المصادر
التي إعتمد عليها و التي دفعته إلى إرتكاب بعض
الأخطاء التاريخية
و خاصة تبني أفكار مبنية على معلومات غير
صحيحة
:
مثلا
عندما كتب "تؤكد المصادر على أن اللغة
الارامية اقتصرت في التداول الاداري ,مما يعني
ان العامة من الناس كانوا يتحدثون اللغة
البابلية والاشورية.
فعليه يجب التمييز بين اللغة الرسمية واللغة
المحكية المتداولة شعبيا التي هي لغة القوم
أوالعرق الاجتماعي لجماعة بشرية معينة
.فالدولة قد تتبنى لغة ما للتداول الاداري
والمخاطبة في علاقاتها الرسمية مع الدول
الاخرى ,لكن لايعني ذلك ان لغة الشعب هي تلك
اللغة التي تتبناها الدولة
. "
أ - الفكرة الأولى " تؤكد المصادر على أن
اللغة الارامية اقتصرت في التداول الاداري" هي
صحيحة نسبيا
:
أي أن اللغة الأرامية قد
تحولت الى لغة رسمية في جميع أنحاء
الإمبراطورية
الفارسية،
و لم تكن اللغة الأرامية " محكية " في جميع
أنحاء
الإمراطورية
.
أما
في شرقنا الحبيب فإن اللغة الأرامية قد محت كل
اللغات
المتواجدة قبلها من أكادية و كنعانية
(فينيقية) و عبرية
.
لقد
حافظ أجدادنا الأراميون على لغتهم الأم و
طوروها خاصة
بعد
إحتكاكهم بالحضارة اليونانية
.
ب - أما إستنتاج د . رابي فهو
غير منطقي (غير علمي) إذ كتب
" ,مما
يعني ان العامة من الناس كانوا يتحدثون اللغة
البابلية والاشورية . "
لا شك أن الأشوريين
حافظزوا على اللغة
الأكادية
قبل إنهيار إمبراطوريتهم سنة 612 ق. م و لكن
بعد
سقوط
دولتهم إنزوت اللغة الأكادية في المعابد و خف
إستعمال كتابتها
لقد نشر العالم باسيل عكولا عدة دراسات حول
الكتابات
الأرامية
التي وجدت في مدينة أشور و حضر و التي تعود
إلى القرن
الثاني قبل الميلاد . هذه الكتابات في المعابد
تثبت أن سكان
تلك
المدن كانوا يتكلمون الأرامية و ليس الأكادية
.
ج - منطق أم حجة واهية ؟ يطالب د . رابي "
فعليه يجب التمييز بين اللغة الرسمية واللغة
المحكية المتداولة شعبيا التي هي لغة القوم
أوالعرق الاجتماعي لجماعة بشرية معينة
".
هل نحن نعيش في عصر الدولة
الأشورية ؟ ما هذه السفسطة الحديثة ؟ لغة
رسمية و لغة محكية ؟
د - لقد إستخدم د . رابي علم المنطق في
الفقرة التالية " ومن جانب اخر لابد أن تكون
تسمية اللغة بالاسم القومي للشعب
,فالعرب
يتحدثون العربية ,والكرد الكردية ,والانكليز
الانكليزية وهكذا... ولكن كيف نقول الكلدان
والاشوريون يتحدثون الارامية ؟ هذه الحالة لا
تجوز وفقا لمنطق العلاقة بين العرق الاجتماعي
واللغة
. "
يظهر أن د . رابي يجهل أن الكلدان المعاصرين
هم أحفاد تلك القبائل الكلدانية - الأرامية
ألتي صهرت بقايا
الشعوب القديمة
في العراق القديم و ربما " لا يعرف " أن
أجدادنا قد
أطلقوا
على العراق القديم تسمية " بلاد الأراميين " .
أخيرا أن
أغلبية
إخوتنا الكلدان تؤمن أن إسم لغتهم التاريخي و
العلمي هو اللغة
الأرامية ( راجع مقدمة قاموس
المطران أوجين م
) .أما
إخوتنا
من السريان المشارقة أي النساطرة فقد حافظوا
على هويتهم
السريانية الأرامية
عبر التاريخ ، راجع قاموس حسن
بن بهلول السرياني النسطوري في ما ذكره
عن التسمية السريانية
.كذلك
تاريخ إيليا مطران نصيبين . لقد أطلقت التسمية
الأشورية
حديثا
على إخوتنا السريان المشارقة ، و لا يزالون
يطلقون
على أنفسهم تسمية " سورايا " أي سرياني- أرامي
.
ثالثا
-
هل ينجح د . رابي في تحقيق أهدافه ؟
قد يكون د . رابي عالما
إجتماعيا مميزا ولكنه يبني نظرياته
على معلومات خاطئة حول اللغة
الأرامية . رغم أنه يعترف
أن لغة الكنائس هي أرامية فهو يغامر و يطرح
"
نظرية جديدة
"
وهي وجود لغة رسمية (طقسية) و لغة محكية و هو
" يوهم
"
القراء أن اللغة المحكية هي مخالفة للغة
الرسمية أو الطقسية
أي الأرامية .
و هو " يتوهم " أنه لمجرد
إستخدامه المنطق ، يستطيع
أن ينجح
في تحقيق هدفه الظاهر و المعلن " ,فالعرب
يتحدثون العربية ,والكرد الكردية
....
كيف نقول الكلدان والاشوريون يتحدثون الارامية
؟
"
كنا نتمنى أن
تذكر للقراء كم هو عدد العينة التي أجريت
عليها إستطلاع رأي كي تكون
دراستك مفيدة للمؤسسات العديدة
التي تناضل من أجل الحفاظ
على لغة
أجدانا الأراميين.
أن
ترديدك ثلاث مرات " أجاب 100%من أفراد العينة
"
أنهم
لا يفهمون اللغة الأرامية الفصحى ، لا يعني
بالضرورة أن
اللغة
المحكية أي اللهجة هي غير أرامية
!
كتب د . رابي " .فاللغة مرتبطة ارتباطا وثيقا
بالمفهوم القومي فهي الرمز والوسيلة الاساسية
في
تحديد الهوية القومية للجماعة البشرية
. "
عفوا د . رابي ، هل صحيح ما كتبته " ما
الفائدة من اللغة التي لاتؤدي وظيفتها
الاتصالية في
المجتمع البشري .مما يعني بوضوح أن شعبنا
يعاني من الصعوبة البالغة في فهم اللغة
الارامية
,فالحديث بها هو عقيم لافائدة منه
" .هل
لغتنا الأرامية الفصحى هي عقيمة غير مفيدة ؟
أم
أنكتحاول أن " تخترع " وسيلة جديدة بإسم علم
الإجتماع تسمح
لك
أن تحافظ على تسمية لغتنا الفصحى بالارامية و
في نفس الوقت
تطلق
على لغتنا المحكية تسمية " اللغة الأشورية " و
" اللغة
الكلدانية
"
؟
هل لأن اللغة هي الوسيلة الاساسية في تحديد
الهوية القومية للجماعة البشرية كما كتبت هي
الدافع الرئيسي كي تشوه إسم
لغتنا التاريخي و العلمي إلى لغة أشورية أو
إسبانية ؟
هل تحريفك لتاريخ
اللغة الأرامية و تجاهلك المتعمد للأراميين
الذين طوروا هذه اللغة المقدسة،
هو أمر مسموح في علم الإجتماع؟
هل يحق لك طرح
نظريات تاريخية و لغوية
بدون
أن تكون مطلعا على المراجع العلمية و بدون
تقديم براهين ؟
أخيرا ما الذي يضايقك أن
تكون تسمية لغتنا الفصحى هي
الأرامية و لغتنا المحكية هي أيضا الأرامية؟
هنري بدروس كيفا
----------------------------------------------------------------------------
اللغة الارامية
وأشكالية الاتصال
الاجتماعي
الدكتور: عبدالله مرقس رابي
أستاذ في الجامعة
العربية الكندية
يهتم العديد من الكتاب والباحثين الاكادميين
المختصين في اللغات القديمة باللغة الارامية
من حيث نشوئها وتركيبها اللغوي والنحوي
وانتشارها ومدى تأثيرها على اللغات الاخرى .
أما في هذه المقالة سأتناول الموضوع من
منظور علم الاجتماع اللغة بعيدا عن النزعة
التاريخية تلك النزعة التي أضحت محاولة
غير موفقة في تفسير الظواهر الاجتماعية ما لم
تربطها مع الواقع الاجتماعي المنظور
.ولما
كانت اللغة ظاهرة اجتماعية عليه لايمكن فهمها
الافي علاقاتها مع مختلف أجزاء
المجتمع والعناصر الحضارية
.
في البدء لابد من تقديم فكرة ملخصة عن اللغة
الارامية وفقا للمصادر التاريخية : وهي من
اللغات القديمة التي ظهرت في منتصف الالف
الثاني قبل الميلاد في سورية وكانت لغة
القبائل الارامية التي انتشرت قسم منها في
بلاد النهرين , وقد حلت رسميا هذه اللغة
لسهولة أبجديتها واستعمالها في التجارة محل
اللغة البابلية والاشورية اللتان تطورتا من
اللغة الاكدية. اذ تبنتها الامبراطورية
الاشورية للتداول الاداري منذ 1100 ق م ,فأصبح
الاداريون يتقنونها أكثر من اللغة
الاشورية ,واستعملت في الدولة البابلية
الحديثة (الدولة الكلدانية ) سنة 626 ق م
للمخاطبات الرسمية , وأصبحت اللغة الرسمية في
العهد الفارسي سنة 538 ق م لادارة
شؤون الدولة ,وظلت اللغة الرسمية للدول
المتعاقبة فانتشرت من ساحل البحر المتوسط
غربا والى بلاد الصين شرقا ومن أرمينيا شمالا
الى الجزيرة العربية جنوبا وبالاخص
بعد أن فرضتها الكنيسة كلغة الطقس مثلما فرضت
اللغة اللاتينية في اوروبا من قبل
الفاتيكان .وبعد الفتح العربي الاسلامي في
القرن السابع الميلادي تقلص نفوذها
تدريجيا وتراجعت أمام اللغة العربية فظلت
محصورة في الكنائس والاديرة لممارسة
الطقوس واقامة الصلوات
.
تؤكد المصادر على أن اللغة الارامية اقتصرت في
التداول الاداري ,مما يعني ان العامة من الناس
كانوا يتحدثون اللغة البابلية
والاشورية . فعليه يجب التمييز بين اللغة
الرسمية واللغة المحكية المتداولة شعبيا
التي هي لغة القوم أوالعرق الاجتماعي لجماعة
بشرية معينة .فالدولة قد تتبنى لغة ما
للتداول الاداري والمخاطبة في علاقاتها
الرسمية مع الدول الاخرى ,لكن لايعني ذلك ان
لغة الشعب هي تلك اللغة التي تتبناها الدولة .
وهذه المسألة تتشابه مع ما يحدث في
عصرنا الحاضر بوضوح في الدول التي كانت
مستعمرات بريطانية وفرنسية واسبانية حيث
تبنت هذه الدول لغة الاستعمار بشكل رسمي مع أن
الشعب يتكلم لغته الخاصة .ونلاحظ ذلك
أيضا في الدول الغربية التي هي مزيج من
المهاجرين مثل كندا والولايات المتحدة
الامريكية اذ أن اللغة الرسميةهي الانكليزية
,فهل يدل ذلك على أن كل السكان هم من
الانكليز ,لا بالطبع فهم مزيج من الهنود
والصينيون وسكان اوروبا والعرب والكلدان
والاشوريين وغيرهم من الاقوام الاسيوية .
وكذلك الحال في الوطن العربي فان اللغة
الرسمية هي العربية لكن يوجد الى جانب العرب
الاقباط والبربر والكرد والكلدان
والاشوريين والسريان وغيرهم
.
اذا اللغة المحكية حاليا بين أفراد شعبنا ماهي
الا حصيلة تطورية حضارية من التداخل اللغوي
والتغير الحضاري الذي حدث في تاريخ بلاد
النهرين .فالنتاجات الانسانية ما هي الا وسائل
للاتصال في مرحلة من مراحلها يمكن
تحليلها كما تحلل اللغة أيضا , عليه أن اللغة
مرتبطة بالظواهر الاجتماعية والحضارية
للمجتمع والمرحلة التي يعيشها الافراد
.واستنادا الى هذا المنطق يؤكد علم الاجتماع
الفرنسي (دوركايم ) لايمكن أن نعرف طريقة عمل
شيء من الاشياء بتتبع تاريخه فحسب بل
يتعين علينا أن ننظر اليه في علاقة اجزائه
ببعضها , فاللغة اداة لادراك المادة
والذات والادراك لا يكون الا بلغة ما وعن
طريقها نميز ما يحيط بنا , واللغة لا تعد
وسيلة لنقل الافكار والمفاهيم والتواصل فحسب
وانما
هي الاساس الفاعل المنتج لها
.
ويفترض لكل لغة وجود بيئة اجتماعية يلمس من
خلالها وجود حاجة ملحة للتواصل مع
أفرادها
,فلا
يمكن عزلها عن الظواهر الاجتماعية الاخرى
.ولما
كانت البيئة
الاجتماعية والحضارية متغيرة بحكم قانون حتمية
التغير في المجتمعات البشرية لذلك
فاللغة تتغير بمعانيها ومفرداتها
.
يؤكد علماء الاجتماع اللغة على عدم
امكانية البحث لدراسة اللغة بذاتها ولذاتها
وانما تعتبر مادة ثرية في تفسير الظواهر
ومدى تأثير المواقف الاجتماعية على مستويات
اللغة التي تساير التغير الذي يحدث في
المجتمع
,فالتغير
اللغوي لا يفسر الا في ضوء الظروف الحضارية
.من
هذا المنطلق فان
اللغة الارامية وجدت للاتصال الاجتماعي في
مرحلة من مراحل التطور الحضاري لشعبنا
,وان
ثبت تركيبها اللغوي والنحوي وخطها الا ان
المفردات التي تتركب منها اللغة
اختلفت بمرور الزمن
,بحيث
ظهر شق كبير بين اللغة التي نتحدث بها الان
وتلك اللغة
,وبدليل
واضح جدا ان الغالبية العظمى من افراد شعبنا
لا يتقنوا اللغة الارامية الا
بعد ترجمتها من قبل المترجمين
,ماعدا
ثلاث قرى في سورية هي
(معلولة
)المسيحية
و(نجعا
وجبعدين
)
الاسلاميتين
,اذ
أن سكان هذه القرى يتحدثون الارامية الفصحى
حتى
الشمامسة لايفهموا ماالمقصود بما يرددون من
الصلوات الا القليل منهم
,وكذلك
المؤمنون لا يمكنهم استيعاب ما يتلى على
مسامعهم أبدا
.
وقد أيدت هذه
الحقيقة البيانات التي حصلت عليها من استطلاع
راي أجريته لعديد من أفراد شعبنا
,اذ
أجاب
100%من
أفراد العينة لايمكنهم فهم الصلوات والمزامير
التي تتلى باللغة
الارامية
,ونفس
النتيجة أي
100%
لايفهموا نشرة الاخبار التي تذاع من فضائية
عشتار
,وأيد
100%
من الافضل قراءة الصلوات والاخبار بلغتنا
المحكية المتداولة
.فاذا
ما
الفائدة من اللغة التي لاتؤدي وظيفتها
الاتصالية في المجتمع البشري
.مما
يعني بوضوح
أن شعبنا يعاني من الصعوبة البالغة في فهم
اللغة الارامية
,فالحديث
بها هو عقيم
لافائدة منه ولا حصيلة اجتماعية ونفسية
,بل
بالعكس ان الاتصال الاجتماعي بتداول
اللغة المحكية له أثر بالغ في بناء الذات
والشخصية القومية
.فاللغة
مرتبطة ارتباطا
وثيقا بالمفهوم القومي فهي الرمز والوسيلة
الاساسية في تحديد الهوية القومية
للجماعة البشرية
.ومن
جانب اخر لابد أن تكون تسمية اللغة بالاسم
القومي للشعب
,فالعرب
يتحدثون العربية
,والكرد
الكردية
,والانكليز
الانكليزية وهكذا...
ولكن كيف
نقول الكلدان والاشوريون يتحدثون الارامية ؟
هذه الحالة لا تجوز وفقا لمنطق العلاقة
بين العرق الاجتماعي واللغة
.
يؤثر عدم استيعاب اللغة في ظاهرة التكيف
الاجتماعي للافراد مما يؤدي الى اغترابهم أي
انفصالهم عن الواقع الاجتماعي والحضاري
.ولتقريب
الفكرة أكثر نستعين بالحالة التي يعيشمها
أفراد شعبنا في المهجر
,فالجيل
الاول من كبار السن وحتى الشباب لايتقنوا لغة
البلاد التي يعيشون فيها مما يصادفون
صعوبة في عملية التكيف والاندماج الاجتماعي
والحضاري لعدم ادراك ما يجري في الحياة
الاجتماعية اليومية فيصاب المهاجر بالاغتراب
النفسي والاجتماعي اذ يعيش جسدا في
المجتمع لكن اجتماعيا وروحيا فهو غريب عنه
.وهذا
يرجع الى عدم استيعاب لغة المجتمع
الجديد استيعابا كليا الامر الذي يؤدي الى عدم
تفهم العناصر الحضارية واليات العمل
اليومي لهذه العناصر ومعانيها الاجتماعية
وأبعادها النفسية
.فادراك
اللغة يعني
ادراك الحضارة
,وادراك
العناصر الحضارية يؤدي الى الاندماج في
المجتمع الجديد
.وهذا
ينطبق على العلاقة بين افراد شعبنا واللغة
الارامية
,فالزام
الشعب للسماع عن ما
يجري في الحياة اليومية بكل أبعادها السياسية
والاجتماعية والاقتصادية باللغة
الارامية يعني اخضاعهم للاغتراب الاجتماعي
لعدم الادراك لما يقال
,مما
تحصل فجوة
حضارية كبيرة واشكالية في الاتصال الاجتماعي
لعدم تأدية اللغة الارامية المفروضة
وظيفتها الاجتماعية
.
هناك اشكالية اخرى في فرض هذه اللغة على جيل
الصغار في
المدارس
,فكما
هو معروف في قوانين علم الاجتماع ان الاسرة هي
المؤسسة الوحيدة التي
تلقي التنشئة الاجتماعية لابنائها منذ الصغر
بما فيه اللغة
,وهي
ايضا الحلقة
الاساسية لنقل الوقائع الحضارية اليومية
بمختلف أنواعها من المجتمع الى الابناء
,وهكذا
يتم بناء شخصية الانسان لاستيعابه العناصر
الحضارية للمجتمع لادراكه اللغة
المنقولة اليه بواسطة الاسرة
.انما
الذي يحدث الان هو قيام الاسرة بنقل العناصر
الحضارية باللغة المحكية
,ومن
جانب اخر يتلقى الصغار اللغةالارامية في
المدارس مما
يحصل نوع من الازدواجية والصراع اللغوي في ذات
الفرد
,وهذه
اشكالية كبيرة تؤثر على
شخصية الفرد في مجتمعنا في المستقبل
.
الانسب أن تدرس اللغة المحكية
بتطوير تركيبها النحوي في ضوء التركيب النحوي
للغة الارامية وبنفس الخط اللغوي بدلا
من التشويه الفكري والحضاري لابناء شعبنا
.اذ
أن لغتنا المحكية يفهمها كل فرد أينما
يعيش فهي وسيلة الاتصال والتفاهم
,فعليه
التأكيد عليها لتسهل هذه العملية لا على
اللغة التي تحبطها
.وبدلا
من انشغال علماء اللغة من أفراد شعبنا بدراسة
اللغة
وتركيبها على أنها اللغة الفصحى عليهم تطوير
لغتنا الحالية والتخلص من النزعة
العاطفية على اعتبارها لغة الاجداد
,ولغة
طقوسنا وصلواتنا
.والتأكيد
على ابعاد رجال
الدين لعدم تاهلهم الاكاديمي والموضوعي في
دراسة الظواهر الاجتماعية لانهم لايدركوا
هذه اللغة الا بعد ترجمتها
.
اذا على المفكرين من شعبنا النظرة الى هذه
الاشكالية بتعمق وجدية
,ودراستها
واقعيا وموضوعيا
,وكذلك
انضمام المختصين في العلوم
الاجتماعية والنفسية الى المجالس واللجان
المهتمة باللغة وتطويرها وفالمختص باللغة
يدرسها من حيث تركيبها وأما الاجتماعي فيدرسها
من حيث وظيفتها الاجتماعية
,وعلاقتها
مع العناصر الحضارية في مرحلة ما
. |