أهمية المصادر
السريانية
20210103
إن جميع المصادر ( تقريبا ) التي تتكلم عن
الغساسنة هي سريانية و قد أشار الى ذلك الباحث
شفيق ابوزيد .
قبل الحديث عن المصادر, أذكر القارئ الفرق بين
المصادر و المراجع
:
أ - المراجع هي الكتب التي تتكلم عن مثلا
تاريخ الغساسنة و قد تكون دراسات تاريخية
علمية ( إذا إعتمدت على مصادر موثوقة ) و قد
تكون دراسات غير علمية و مسيسة كما أن تلك
المراجع قد تكون حول تاريخ الغساسنة بشكل
رئيسي أو تتكلم عنهم بشكل عرضي
!
ب - المصادر هي كل ما كتب مثلا حول تاريخ
الغساسنة خلال تاريخهم القديم في المخطوطات و
الرسائل و حتى القصائد.
و
هنا نلاحظ إن عدة مؤرخين سريان قد ذكروا
الغساسنة في مصادرهم
...
*الأسقف
يوحنا الأفسسي الذي عاش في القرن السادس
الميلاد و قد ذكر عنهم أخبارا عديدة يعتبر من
المصادر المهمة
.
*
البطريرك ميخائيل الكبير الذي عاش في القرن
الثاني عشر لا يعتبر مصدرا مهما للتأريخ حول
الغساسنة لأنه يكتب عنهم بعد ٦٠٠ سنة و هو
يعتبر مرجعا تاريخيا لهم
.
ج - النقد الداخلي للنص : هو واجب كل باحث
موضوعي و هو ما يميز الباحث الأكاديمي من
الكاتب الهاوي في كتابة التاريخ
.
سأنشر نصا من تاريخ الأسقف يوحنا الأفسسي و
أعلق عليه كي يفهم القارئ ما هو النقد الداخلي
للنص .
من المؤسف هنالك مجموعة من الكتاب السريان
المدعين بالهوية الأشورية المزيفة لا يعرفون و
لا يحترمون منهجية البحث التاريخي فيذكرون نصا
يونانيا أو لاتينيا قد أطلق إسم
Assyria
على بلاد آرام القديمة و يحملون هذا النص
مفاهيم تاريخية من إيديولوجيتهم الأشورية
الحديثة المزيفة و يستنتجون " أن سكان سوريا
كانوا أشوريين
" .
د - النص المنشور هو للأسقف يوحنا الأفسسي و
هو من كتابه تاريخ الكنيسة المشهور و هو من
ثلاثة أجزاء و يعتبر من أهم المصادر لتأريخ
الكنيسة السريانية الأرثودكسية في القرن
السادس لأنه عايش تلك الأحداث و كان يعرف
أبطالها شخصيا مثل مار يعقوب البرادعي و
الملكة تيودورا و بعض أمراء غسان
...
ملاحظة لقبه الأفسسي لا يعني أنه كان من مدينة
أفسس لأننا نعرف أنه كان من سريان بيت نهرين
الجزيرة و قد ولد قرب مدينة أمد
.
لقد قام الشماس بطرس قاشا بترجمة النص
السرياني الى اللغة العربية سنة ١٩٧٢ و قد نشر
و علق الأب الدكتور سهيل قاشا هذه الترجمة
مشكورا سنة ٢٠٠٧
.
ه - أهمية المصادر السريانية
:
هذه الصفحة تخبرنا أشياء عديدة عن الغساسنة و
علاقتهم مع البزنطيين:
*المصادر
السريانية هي التي تخبرنا عن تولي الإمارة عند
الأسرة الحاكمة بين الغساسنة .
هذه الصفحة تذكر الأمير المنذر بن الحارث الذي
كان منفيا من قبل البيزنطيين و إبنه النعمان
بن المنذر
!
*تعبير
" الخلقدونية " مهم جدا لأنه يؤكد لنا إن
الإنقسامات التي تمت في الكنيسة كانت بسبب
خلافات عقائدية و ليس قومية:
بعض مؤرخي الإمبراطورية البيزنطية قد رددوا في
القرن العشرين " أن السريان و الأرمن و
الأقباط كانوا يكرهون اليونانيين فإنفصلوا
عنهم " .
هذا النص السرياني يؤكد لنا أن الخلافات كانت
عقائدية و أن الشعب السرياني قد إنقسم على
نفسه بين مؤيد لمجمع خلقيدونيا و مناهض ضده
!
*بعبارة
ثانية أوضح : هنالك سريان خلقيدونيون و كنيسة
الروم هي التي تمثلهم و من تلك الكنيسة إنفصلت
الكنيسة السريانية المارونية . و هنالك سريان
مناهضون لتعاليم مجمع خلقيدونيا و هم اليوم
السريان الأرثودكس!
*
لقد ذكر لنا المطران يوحنا ما قاله الأمير
نعمان " أن كل القبائل العربية تدين بالمذهب
الأرثودكسي , فإذا تقربت الى الخلقدونيين
قتلوني".
طبعا على الباحث النزيه
ألا يفهم بالمطلق " أن كل القبائل العربية
تدين بالمذهب الأرثودكسي " لأن النص يتحدث عن
القبائل العربية التي عرفت بالغساسنة و التي
كانت تعيش في البادية شرقي الأردن
.
هذا النص لا يعني أن جميع القبائل العربية
كانت مسيحية في القرن السادس الميلادي !
و طبعا هذا النص لا يؤكد أن سكان سوريا كانوا
من العرب ! لأن المصادر السريانية تؤكد لنا أن
الغساسنة لم يسكنوا في سوريا التاريخية و لا
في مدنها المعروفة
.
و - ما الفرق بين المصادر السريانية و معرفتنا
الحالية عن الغساسنة ؟
الأديب جرجي زيدان قد ألف سلسلة روايات تاريخ
الإسلام و منها روايته"
فتاة غسان " . لقد إطلعت على جميع روايات جرجي
زيدان و براحة لم أعد أتذكر ما يذكره في قصة "
فتاة غسان " و لكنني أعرف جيدا المفاهيم
الحالية المنتشرة بين القراء حول الغساسنة
مثلا:
*
إنهم ملوك سوريا ؟
في الحقيقة إنهم أمراء كانوا يعيشون في شرقي
الأردن و كانت مهمتهم مراقبة البادية . لم
يكونوا ملوكا و لم تكن لهم أية سلطة في سوريا
.
*إنهم
كانوا يشكلون أكثرية سكانية في سوريا و
بالتالي بعض سكان سوريا المسيحيين يتحدرون
منهم ؟
لم
يستوطن الغساسنة في أية مدينة سورية و عددهم
كان ضئيلا جدا بالنسبة الى السريان سكان سوريا
في القرن السادس الميلادي : أهميتهم لم تكن في
عددهم و لكن في المهمة التي أوكلت لهم و هي
مراقبة و الدفاع عن حدود ولاية الشرق من جهة
البادية ! هذه القبائل العربية قد دخلت
الإسلام بعد الفتوحات العربية الباهرة ...
المصادر
السريانية لم تعد تذكرهم بعد الإسلام و طبعا
لا يوجد اليوم مسيحيين متحدريين من القبائل
العربية و لكن سريان مسيحيين يعيشون منذ مئات
السنين في مواطنهم و لكنهم - عن جهل – يدعون
بجذور عربية غير صحيحة
!
*
أخيرا إن بعض السريان يدعون أن الغساسنة كانوا
سريانا ربما لأن رجال الدين السريان كانوا
يتوهمون أن كل " مناهض لمجمع خلقيدونيا
"
هو منتمي الى الكنيسة
السريانية و بالتالي هو "سرياني "!
و هكذا البطريرك العظيم سويريوس يصبح سريانيا
في نظر البعض و الملكة تيودورا اليونانية هي
أيضا تصبح من جذور سريانية
...
النص السرياني واضح جدا الغساسنة هم قبائل
عربية و ليس سريانية
!
لقد أمضيت عدة سنوات في المكتبات التاريخية
العديدة في باريس حيث
وجدت كتبا عديدة حول أجدادنا السريان
الآراميين.
إنني
كنت في بداية
البحث و جمعت كمية كبيرة من المعلومات و لكن
الوقت لم يسمح لي
في التحقيق فيها.
كانت دهشتي عظيمة جدا عندما علمت سنة ١٩٨٤ أن
تسمية " بيث آرمايا " قد أطلقت على العراق
القديم !
و مع الأيام إطلعت أكثر حول هذه التسمية و
مدلولاتها
:
أ - أول مرة إطلعت على هذه التسمية " بيث
آرمايا " كان في كتاب
للعالم الفرنسي
André
Dupont-Sommer
و عنوانه : الآراميون"
Les Araméens"
الصادر سنة ١٩٤٩. هذا الكتاب مهم جدا
و هو يؤكد أن القبائل الكلدانية هي آرامية و
يؤكد وجود قبائل آرامية
في جنوب و وسط العراق في منطقة بيت آرامايا !
و لكنه لا يشرح
في أي كتابة وجد هذه التسمية...
ب - بعد سنوات إكتشفت أن ملوك أشور كانوا
يطلقون تسمية " مات
كلدو " على منطقة في بلاد أكاد قرب نهر الفرات
و تسمية " مات
آريمي " قرب ضفاف نهر دجلة . و عندما نشر
العالم " كول " أرشيف
مدينة نيبور و هي رسائل باللغة الأكادية بين
حاكم نيبور و القبائل الكلدانية الآرامية
:
ST.W. COLE , Nippur IV , The Early
Neo_Babylonian Governor\'s
Archive from Nippur.
in Oriental Institute Publications
Tome
114
)
1996(
هذه الرسائل حوالي ١٢٩ غنية بالمعلومات و تعود
الى ما بين ٧٥٥ و ٧٣٢ ق.م. اي قبل هجومات
الملك تغلت فلاسر الثالث. الرسالة رقم ٩ تخبر
عن معاهدة بين حاكم نيبور و القبيلة ربوعو
الآرامية و قد ورد في هذه الرسائل باللغة
الأكادية عدة مرات تسمية مات كلدو و عدة مرات
التسمية الآرامية و لأول مرة في بلاد بابل ،
اسم مات آريمي الجغرافي و ذاك في الرسالة رقم
١٠٤
.
ج - الجدير بذكره أن الفرس بعد إحتلالهم لبلاد
أكاد سنة ٥٣٨ ق٠م
سيطلقون عليها تسمية جديدة و هي " بلاد بابل "
!
و قد نقل قدامى
اليونان هذه التسمية "البابلية" عن الفرس فنرى
في مصادرهم القديمة:
الشعب البابلي و اللغة البابلية و الحضارة
البابلية و للأسف علماء الآثار
في القرن التاسع عشر - و حتى بعد فك رموز
الكتابة المسمارية
-
ظلوا يستخدمون هم أيضا هذه التعابير لشعب
البابلي و اللغة البابلية و الحضارة البابلية
و هذا مما سيوحي لأكثرية القراء المهتمين
بوجود
شعب بابلي حقيقي ! للأسف هنالك خلط بين سكان
مدينة بابل و بين
سكان بلاد بابل التسمية الإدارية الفارسية
!
د - الباحثون المطلعون على المصادر السريانية
النسطورية يجدون
أن السريان النساطرة ظلوا محافظين على إستخدام
التسمية الجغرافية
و القومية " بيث آراميا " خلال مئات السنين :
و قد وردت هذه التسمية
في العشرات من مصادرهم و رسائلهم
.
ه - هذا النص مأخوذ من تاريخ الأسقف يوحنا
الأفسسي و النص
السرياني " بيث آراميا " ترجمه الشماس بطرس
قاشا الى "أرض الآراميين" .
أهمية هذا النص هي أن السريان المغاربة هم
أيضا
كانوا يستخدمون تسمية "بيث آرامايا" للمنطقة
التي ستعرف لاحقا
بالعراق ! كما أنها المرة الأولى التي نجد
فيها أن أحد الجسور على
نهر الفرات إسمه " جسر آرامايا
!"
و - إن أهمية هذا النص هو أنه يشرح لنا السبب
الذي دفع بالإمبراطور
البيزنطي الى إلقاء القبض على المنذر بن
الحارث و نفيه : شكوك
القائد موريقيوس بأن المنذر قد أعلم الفرس
بقدوم الجيش البيزنطي
عبر الصحراء و عبر جسر آراميا . قطع الجسر من
قبل الفرس قد أدخل الشكوك في تفكير القائد
موريقيوس !
فإتهم المنذر بالخيانة
!
ز - " طريق الصحراء " ؟
خلال الحروب التي دارت بين العرب المسلمين و
بين الفرس بين ٦٣٥و ٦٤٤ م قام خالد بن الوليد
بإجتياز البادية السورية مع فرقة من الجيش
العربي و كان يقال " أنها المرة الأولى التي
نعرفها أن جيشا إجتاز بادية
سوريا من العراق غربا الى منطقة دمشق أو العكس
".
ملاحظة : أن جيوش الأكاديين و الأشوريين و
الكلدانيين و الفرس
كانت دائما تتبع مجرى نهر الفرات نحو الشمال
ثم تجتازه في الجزيرة
و ثم تتوجه نحو مدينة حلب ثم نحو نهر العاصي
ثم تنحدر جنوبا
نحو دمشق
..."
هذا النص السرياني مهم جدا لأنه يشير لنا أن
الهجوم البيزنطي لم
يكن عن طريق نهر الفرات و لم ينطلق من
مسوبوتاميا/بيت نهرين
أي الجزيرة السورية اليوم
:
*
النص " ثم عبرا سويا
الأراضي الفارسية عن طريق الصحراء سنة٥٨٠
م , و قد توغلا حتى بلغا آرض الآراميين..."
*
لو سلك الجيش البيزنطي
الطريق القديمة على محازاة نهر الفرات
لكان إجتاز مناطق عديدة مثل بيث عربايا قبل
وصوله الى بيث آرامايا!
*
إن النص يفهمنا إن الخطة
كانت حرب مفاجأة و عن طريق جديدة
يوصلهم بسرعة الى قطيسفون (المدائن) عاصمة
الفرس و هي في
بيث آرامايا
...
*
ذكر النص حرفيا " و هكذا
تكبد الجيشان مشقة كبيرة , و لا سيما
الرومان " هذا دليل بأنهم إجتازوا مرة ثانية
البادية و لم يكن الجنود
البيزنطيين متعودين على التنقل في الباديا
...
*
هنالك نص في الصفحة ١٦٥
مكتوب" بعدما وجد الفرس أن موريقيوس و المنذر
, قد عادا الى أرضهما و ليس لهما أثر, إخترق
مرزبان الفرس العظيم أرض الرومان بجيش جرار و
بلغ به مدينة تلا
و رأس العين
"
*
هذا النص يثبت لنا أن
الفرس قد طاردوا الجيش البيزنطي عبر
الطريق القديم ( نهر الفرات ) و لكنهم لم
يجدوا أي أثر له ( للتذكير
عندما يمر جيش قرب مدينة أو قرية عدوة أو
صديقة فإنه ينهب كل
ما يجده من ماشية و طعام
)...
ح - " بيت العرب " ؟
في الملاحظة رقم ٤٠ يعلق الأب سهيل قاشا حول
تسمية " بيث عرابيي"
السريانية و شرحها إنها "
بيت العرب " . و هو يقصد أن المنطقة هي عربية
و مسكونة بعنصر عربي !
و قد إلتقيت بهذا الأب الغيور خلال محاضرة في
المركز الثقافي السرياني التابع للرابطة
السريانية في لبنان و قد تناقشنا حول هذا
الموضوع
.بيث
عربايا هي منطقة آرمية و جميع سكانها كانوا
آراميين و إسم بيث عربايا لا يعني العرب أو
الشعب العربي و لكنه كان يعني في لغتنا أمرين:
الباديا أو الغرب !
عاصمة هذه المنطقة كانت مدينة نصيبين أي
المدينة التي ولد و عاش فيها أعظم قديس سرياني
و هو مار افرام الذي كان يسمي جميع سكان هذه
المنطقة ب " الآراميين
"!
ط - إن المصادر السريانية هي فعلا غنية و
نتمنى من الباحثين الغيورين أن يستخدموها لنشر
معلومات حقيقية حول تاريخ أجدادنا.
نحن لا نستطيع أن نلوم كاتب عربي يؤكد أن
التسمية السريانية تعني المسيحي و لا تشير الى
هوية محددة طالما أن أغلب رجال الدين السريان
لا يزالون يرددون هذا الإدعاء الخاطئ
!
|