المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

اقرأ المزيد...

 

الأمين العام للمنسقية

 الياس بجاني


داعش عارض ومجرد عارض لمناهج تعليمة سرطانية

الياس بجاني

18 أيلول/14

في عالم الطب تفرض القواعد العلمية والمنطقية عدم البدء بعلاج أي مرض مهما كانت خطورته إلا بعد معرفة أعراضه ومسببات ومن ثم تشخيصه بدقة على أساس كل التقنيات العلمية المتوفرة.

عقب التشخيص الدقيق والعلمي المُدّعم بالفحوصات من مخبرية واشعاعية وغيرها يبدأ العلاج إما بالاحتواء أو بالاقتلاع ويصوب نحو المرض الأساس وليس على الأعراض.

هذه القاعدة الطبية هي المطلوبة بالتحديد اليوم بما يخص طُرق التعاطي مع همجية وحيوانية داعش وأخواتها من منظمات التكفير والأصولية وما أكثرها خصوصاً في لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر ونيجيريا والصومال.

المطلوب على مستوى دول العالم الحر عموماً والإسلامية تحديداً وفي مقدمها دول الخليج العربية أن تعالج المرض الأساس الذي من أعراضه داعش، والمرض الأساس هو الثقافة البالية التي تتجسد في محتوى المناهج التعليمية التي تطبق في كل الدول العربية وفي غالبية الدول الإسلامية، وما عدا هذا مضيعة للوقت وتلهي بالأعراض وترك المرض الأساس يتفاقم ويزداد خطورة.

إن الثقافة البالية والسرطانية التي تستهين بشرعة حقوق الإنسان والرافضة للأخر والمحللة ماله ودمه لأنه مختلف بدينه أو مذهبه أو قوميته أو لونه، هي التي تؤسس في عقول ونفسيات وأنماط حياة الشعوب ممارسات وعقلية وفكر الهمجية والبربرية والحقد المغلفة بالكراهية والتفرقة والاستكبار والغربة عن كل ما هو حضارة  وعلم وحريات وديموقراطية.

الغرب نفسه الذي وصل بتقدمه العلمي الحالي إلى القمر وخصوصاً القارة الأوروبية مر في حقبات ظلامية مخيفة وإجرامية "داعشية"، ولم يتحرر ويدخل إلى مفهوم الدولة المدنية، إلا بعد أن فصل بين الكنيسة عن الدولة وخلص شعوبه من ثقافة وهرطقات رجال الدين وتسلطهم وتحليلاتهم وتحريماتهم التي لا علاقة لها بجوهر وتعاليم الدين المسيحي.

في هذه الدول لا يسمح لرجال الدين إصدار إرشادات وتوجيهات (تسمى فتاوى في الدول الإسلامية) مخالفة لقوانينها ودساتيرها وإن فعلوا يحاسبون كأي مواطن آخر طبقاً للقوانين المرعية الشأن لأن إصدار القوانين في هذه الدول الديموقراطية هي من مسؤولية المجالس التشريعية التي تنتخب أعضائها الشعوب بحرية ومساواة وبعيداً عن المذاهب والأديان والقوميات واللون والفروقات الاجتماعية.

نسأل هل احتلال الغرب لأفغانستان والعراق وقتله بن لادن انهي الفكر التكفيري والأصولي والجهادي وقضى على القاعدة واقتلع مخططاتها؟ بالطبع لا، بل زاد من انتشار جماعات التكفير هذه، ولنا في ظاهرة داعش البربرية خير مثال على فشل طرق التعاطي الغربي والعربي مع المشكل الأساس.

إن ضرب داعش عسكرياً أمر جوهري وضروري ويجب أن يتم بسرعة، ولكن للقضاء الكلي على كافة الظواهر "الداعشية" المستقبلية يجب بعلم ودراية تغيير كل المناهج التعليمة في الدول العربية والإسلامية من خلال جمعية الأمم المتحدة واستبدالها بأخرى تحترم مبادئ وقيم واديان ومذاهب وقوميات كل الدول المعنية، ولكن على أساس شرعة حقوق الإنسان ومفاهيم الحضارة والحريات والعدل والمساواة، كما فصل الدين عن الدولة وإقامة الدولة المدنية، كما هو حال الغرب المتحضر والمتحرر من هرطقات ومزاجية وتجارة رجال الدين.

في هذا السياق التشخيصي للمرض الأساس الذي هو الثقافة، لفتنا اليوم مقال غير مسبوق في رجاحة وصوابية طرحه كتبه سعود السمكة ونشرته جريدة السياسة الكويتية تحت عنوان "العدو ليس داعش بل ثقافتنا".

مهما قلنا في محتوى المقال الرائع وفي مقاربته الصادقة والشجاعة لسرطان داعش ومن هم وراء ثقافتها، لن نستوفيه حقه وننصح كل مهتم بالشأن العام في الدول العربية تحديداً أن يطلع على المقال العظة والخطبة والمحاضرة ويغرف من فكره وينشره.

في المقال هذا جرأة وعلم وإيمان ووعي لجهة تشخيص المرض الأساس الذي أوصل داعش وغيرها من منظمات النحر والقهر إلى ما هي عليه من بربرية، والمرض هو المناهج التعليمية في الدول العربية وغيرها من الدول في عالمنا الثالث.

وضع السيد السمكة إصبعه على الجرح النازف وهذا بعض ما قاله: "إن تبدأ متأخراً خير من ألا تبدأ… تنظيم الدولة الإسلامية لم يأت بفعل ساحر ولا هو صانع لنفسه, بل هو مصنوع من خلال الأجواء والمدارس والتسهيلات التي وظفت لأجله لمواجهة المرحلة المضيئة التي تقدم فيها التعليم في الدول العربية وتصاعدت فيها وتيرة الثقافة وأبدع فيها الفن وازدهرت الحريات وتصاعد النفس الوطني. “داعش” بدأت فكرته لمواجهة الزمن الجميل الذي تجلت فيه تباشير الدولة المدنية بمبادئها القائمة على العدل والمساواة والتسامح والمحبة وحق المجتمعات في أن تشارك حكامها في صنع قرارها!“داعش” بدأ نثر بذوره حين بدأ الحرب على الدولة المدنية وحين بدأ مصادرة مناهجها التعليمية والتثقيفية, حين تواترت الغارات على الفن وعلى الغناء والموسيقى بحجة الحرام وحين توقف البحث العلمي وحرية التفكير والبحث عن الحقائق العلمية والكونية بحجة الخروج عن الدين! “داع” كان حاضرا حين بدأت فلول تنظيم الإخوان المسلمين تغزو دول الخليج والجزيرة تحت تبرير نشر ثقافة الدين, بينما هي تتأبط خارطة الطريق لمشروعها في الوصول إلى الحكم, والإعلان عن الدولة الإسلامية التي هي اليوم “داعش”.

وفي نفس السياق التشخيصي العلمي والمنطقي كتب أمس بالإنكليزية في صحيفة تورنتو صن الناشط الإسلامي الحقوقي الكندي طارق فتاح مقالاً حمل عنوان: الحرب ضد داعش متجهة نحو الفشل"، واعتبر فيه كما السيد سمكة أن المشكلة لا تحل بالأسلحة فقط بل بتغيير النمط الثقافي الذي أنتج داعش والقاعدة وغيرهما من المنظمات التكفيرية، وسمى بالتحديد المدارس التي تمارس بتمويل خليجي تعليم ونشر ثقافة رفض الآخر والتعصب، ليس فقط في الدول العربية والإسلامية، بل في معظم الدول الغربية.

في الخلاصة للقضاء على داعش وعلى كل الدواعش الحاليين والمستقبليين لا يكفي فقط استعمال السلاح، بل المطلوب بعد أداء السلاح مهمته العسكرية فرض مناهج تعليمية إنسانية تقبل الآخر وتعلم المحبة وليس الحقد ويكون أساسها شرعة حقوق الإنسان.

ومع جبران نختم: "ويلٌ لأمةٍ كثرت فيها الطوائف وقلّ فيها الدين". 

الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب البريدي

Phoenicia@hotmail.com

 

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها