من
كتاب شرائع البلدان
برديصان
قبل
ايام دخلنا لعيادة شمشغام اخينا. واتى برديصان فوجدنا هناك ولما جس نبضه ورأى
انه في حالة جيدة سألنا: عمّا كنتم تتحدثون؟
لقد سمعت صوتكم من خارج اذ كنت
داخلاً. كان من عادته حين كان يجدنا نتحدث في شيء قبل مجيئه ان يسألنا عما
منا تقول ذلك ليشترك معنا في الحديث.
قلنا له: " عويدوهذا كان يقول
إن كان يوجد اله واحد كما تقولون لماذا لم يكون البشر بشكل لا يستطيعون معه
ان يخطئوا؟"
قال له برديصان : " قل لي يا
عويدو ابني ماذا في ذهنك ؟ أأن الله الواحد غير موجود؟ ام انه موجود ولا يريد
ان يتصرف البشر بالبر والاستقامة؟".
قال عويدو: " انا سألت هؤلاء
لانهم من سنّي ليؤدوا لي هم جوابا".
قال له برديصان : "ان كنت تريد
ان تتعلم فمن المجدي لك ان تتعلم ممن هواكبر منهم سنا. وان كنت تريد ان تعلم
فلا يحتاج الامر الى ان تسألهم. بل الى ان تسمح لهم بأن يسألوك هم عما
يريدون. فالذين يعلمون يسألون لا يسألون ومتى سألوا فليصححوا ذهن السائل
ليسال بشكل صحيح".
قال عويدو:" انا اريد ان
اتعلم بدات بسؤال هؤلاء اخوتي لاني اخجل منك".
قال برديصان : " انك تتكم خلاف
الحقيقة. اعلم ان من يحسن السؤال ويريد الاقتراب من طريق الحق غير مدفوع بروح
الخصام لا يخجل".
قال عويدو: "يقولون: آمن فاذا
آمنت تستطيع ان تعرف كل شيء. وانا لا استطيع ان اؤمن الا اذا اقتنعت".
اجيب عما قال عويدو: " لماذا
لم يجعلنا الله لا نخطىء الانسان كذلك لما كان الانسان هو هو بل لكان الة بيد
من يحركها".
وفي هذه الحال بما كان الانسان يختلف عن القيثارة التي يعزف بها
آخر او عن المركبة التي يجرها آخر؟ لو صنع ان الانسان بشكل لا يستطيع معه ان
يفعل الشر وان يدان به لما كان الخير الذي يفعله ملكا له ولما استطاع ان
يتبرربه.
قال عويدو: "الامور التي
قلتها جميلة جداً. الا ان الاوامر التي اعطيت للبشر صعبة فلا يستطيعون ان
ينفذوها".
قال برديصان : " لم
يُؤمرالبشر بأن يفعلوا الا ما يستطيعون فعله. من الانسان الذي هو اضعف من ان
لا يسرق او من ان لا يكذب او من ان لا يزني.
هذه امور كلها تحت سلطان عقل
الانسان، انها ليست مرتبطة بقوة الجسم بل بارادة النفس. لم نُؤمر بأن نحمل
اعباء ثقيلة لا يقوى عليها سوى اقوياء الجسم ولا ان نقود سفينة يعرف البحارون
وحدهم ان يقودوها ولا ان نمسح ارضا ونوزعها الامر الذي يعرف به المسّاجون
وحدهم... ليس الديان اثيما ليدين انسانا على امر لا يستطيع فعله.
قال عويدو: ربما يستطيع
الانسان ان يتجنب الافعال الشريرة ، ولكن من من البشر يستطيع ان يفعل الافعال
الصالحة؟
قال برديصان : "
فعل الخير ايسر من تجنب
الشر. فالخير نابع من الانسان لذلك يفرح الانسان حين يفعل خيراً، اما الشر
فهو من صنع العدو (الشيطان).
لذلك حين يكون الانسان مشوشا وغير معافى في
طبيعته يرتكب الشرور."
قلت له: " قال ايضا عويدو
هذا: يخطىء الانسان بدافع من طبيعته لو لم يكون الانسان كي يخطىء لما اخطأ"
قال برديصان : "
لو كان البشر يفعلون
كلهم فعلاً واحداً، لو كانوا يستخدمون عقلاً واحداً لقلنا ان طبيعتهم هي التي
تسوقهم ولما تحلوا بالحرية التي تحدثت اليكم عنها.
ولكن ، لكي تفهموا ما هي
الطبيعة وما هي الحرية، اضيف الى ما قلته لكم: طبيعة الانسان هي ان يولد
وينمو ويلد ويشيخ وهو يأكل ويشرب وينام ويستيقظ وان يموت. هذه الامور، لانها
من طبيعة الانسان، توجد عند جميع الناس."
ثم سألناه وقلنا له :" يقول
آخرون بأن الناس يُساقون ، بأمر من القدر، احيانا نحو الشر واحيانا نحو
الخير."
قال برديصان : "
القدر موجود كما يقول
الكلدانيون (المنجمون) وليس كل شيء يحدث بارادة الانسان. إن الامور المتصلة
بالاموال والمراكز والصحة والمرض والبنين تحت سلطان القدر وليست تحت سلطاننا
نحن البشر. وضعنا هو التالي نُقاد بالطبيعة على قدم المساواة وبالقدر بشكل
متمايز وبحريتنا كما يشاء كل منا.
ولكن ليس للقدر سلطان على كل
شيء لان ما يسمى قدراً هو نفسه نظام مسيرة اعطاه الله أرباب السلطة وعناصر
الكون.
وبسبب هذه المسيرة وهذا النظم تختلف العقول حين تهبط الى النفس وتختلف
النفوس حين تهبط الى الاجسام. وان ما يجعلها تختلف هو القدر. الطبيعة تقضي
بأن يحكم الشيوخ الشباب والحكماء الجهلة.
اما القدر فهو الذي يجعل الاطفال
رؤوسا على الشيوخ والجهلة رؤوسا على الحكماء. خلاصة القول ، اعلموا انه، في
كل مرة تضطرب الطبيعة وتحيد عن استقامتها يحدث ذلك بفعل القدر.
سلسلة احياء
التراث الآرامي السرياني
الدكتور الأب
جورج رحمه وا متري وهبة
بيروت لبنان
|