الأب جورج رحمه
الراهب السرياني الماروني
من بلدة عيناتا-الأرز
كتاب جديد
فضل الحضارة الآرامية السّريانيّة على التراث العالميّ
أقدّم هذا الكتاب
إلى روح آباني وأجدادي
السريان الآراميّيين
الذين كان لهم الفضل الكبير
على التراث العالمي
وإلى أحفادهم اليوم علّهم
يعوا قيمة حضارتهم
ويعودوا إليها وينشروها في العالم
مقدمة
كان حلمي، منذ مطلع شبابي، أن أكتب عن آبائي وأجدادي السّريان الآرامييّن،
الذين تركوا للإنسانية أمّ الحضارات، الحضارة الآراميّة السّريانية، التي أخذت
عنها حضارات العالم، والتي ما تزال لغاية اليوم الشغل الشاغل لعلماء العالم
الذين يعتبرونها منطلق الفكر البشري منذ آلاف السنّين. ولقد أمضيتُ أكثر من
أربعين سنة في البحث والتدقيق، وأنا أدرّس تاريخ الحضارات المشرقيّة، إلى جانب
تدريسي للفلسفة واللاّهوت وعلم آباء الكنيسة السّريانيّة الأنطاكيّة، في عدد
كبير من جامعات لبنان، وعلى رأسهنّ الجامعة اللّبنانية، حيث أدخلت، في قسم
الفلسفة، مادّة تدريس النّصوص الفلسفّة السّريانيّة. فالعلوم التي حصّلتها في
جامعات لبنان وجامعات أوروبا كانت لي الدافع لأكتشف أنّني ابن حضارة أعطت
القدّيسين والعلماء الكبار، وما تزال تجدّد الفكر الإنساني بالروحانيّة
المنفتحة والمميّزة التي عاشها آلاف الآباء والجدود، وعلى رأسهم قدّيسنا
الملفان العظيم مار أفرام السّرياني. ويوم كانت الحروب تجتاح الشرق، وكانت
الأمبراطوريّات الكبيرة تتصارع لتسيطر على الأرض وخيراتها، كان آباؤنا وجدودنا
الآراميّون يجتاحون الفكر الإنسانيّ حتّى غدت اللّغة السّريانيّة الآرامية هي
المستعملة في دواوين الدّول كما كانت لغة الشعب. ولقد كتب الأب هنري لامنس
اليسوعيّ في مجلّة "المشرق" 1903 ما يلي: "من عجيب الأمور أنّ انتشار لغة
الآراميّين بلغ في عهد السلوقيّين مبلغاً عظيماً، فأضحت اللغة السائدة في كلّ
آسيا الساميّة، أعني في سوريّا وما بين النّهرين وبلاد الكدان والعراق و جزيرة
العرب. وكان العرب المسلمون أيضّا يدرسونها لكثرة فوائدها. ولا نظنّ أنّ لغةً
أخرى، حتى اليونانيّة، جارت السّريانيّة في اتّساعها، ما عدا الإنكليزيّة في
عهدنا".
فمن بلاد فارس (ايران) شرقاً، آسيا الصغرى (تركيا) شمالاً، وشبه الجزيرة
العربيّة و بلدان الخليج جنوباً و خصوصاً بلدان شاطئ البحر الأبيض المتوسَط،
كانت السّريانيّة لغة المدن التالية: مراغة، أورميا، سوسه، جند يسابور، شوشتر،
الأحواز، أفاميا، حمص، طرابلس، بيروت، سميساط، الرُّها، منبج، قنّشرين، سروج
الرقّة، البتراء، دياربكر (آمد)، ماردين، راس العين، المجدل، دهوك (بيتنوهدرا)،
أربيل، مركا (المرج)، عقرة، القُوش، نينوى (الموصل)، كركوك، حلوان، تكريت،
سامرّاء، عانة، حديثة، انبار، بغداد (ساليق و قطيسفون) سابقاً، الحيرة، كشكر،
ميشان... و بعض المدن التي ما تزال تحمل أسمائها السّريانيّة اليوم. كذلك فإنّ
انتشار اللغة السّريانيّة قد طاول الهند (ولاية
Kerala)
و تركستان وحدود الصين من خلال المبشّرين السّريان الذين بنوا الكنائس و
الأديرة. فطريق الحرير صار طريق البشارة الإنجيلّية و ظلّت المسيحية مزدهرة في
هذة المناطق حتى ما بعد الفتح العربّي، وأقيمت المؤسسّات والمدارس
والبيمارستانات (المستثفيات) و الأديرة. كما ساهم السريان في الرصيد الحضاري
الإقليمي مع العرب، و في الرصيد العالمي مع الفرس و اليونان و الرومان.
أما مشاهير السريان من الأدباء و اللاهوتّيين و المفكّرين الذين أغنوا التراث
العالميّ، و الذين يعود إليهم العلماء اليوم، فنذكر منهم: برديصان، و القدّيس
أفرام السّريانيّ، و أفراهاط الحكيم، و ربّولا الرهاويّ، و نرساي و يعقوب
السروجّي، و فيلوكسينوس المنبجي، و باباي الكبير، و إسحق النينويّ، و إسحق
الأنطاكيّ، و يوحنا الدالياتيّ، و إبرهيم، وداديشوع و أيوب القطريين، و بولص
الرقّي، و سرجيوس الراسعيني، و ساويروس سابوخت، و يعقوب و ثيوفيلوس الرهاويين،
و توما الرهاوي، والجاثليق ثيموثاوس الكبير، و حنين ابن إسحق و ابنه اسحق و
أطباء آل بختيشوع، و يحي بن عدي، و ابراهيم النطفاري، و جبرائيل قطريا، و
إيشوعياب الثالث، و يوحنا بن البطريق وابنه زكريا، و ثيودوسيوس أبو قرّة، و
سمعان الطيبوتيّ، و يوسف حزّايا، و ديونيسيوس برصليبي، و يوحنا بن حيلان، و
متّى بن يونس، و ابن العبري، و ميخائيل الكبير، و إيشوعداد المروزيّ، و موسى
بركيفا، و ابن الطيّب و عبد يشوع الصوباوي، و ثيوفيلوس بن توما الحمصّي، و
إيليا النّصيبينّي، و يوحنا برزغبي، و يشوع برمقدم، و بطرس مطوشي، و سركيس
الرزّي، و جرجس عميرة، وإسحق الشدراوي، وإبرهيم الحاقلاني، و يوسف عيساوي
الباني، و يوسف سمعان السمعاني الكبير، و إسحق أرملة، و جبرائيل القرداحي،
مؤلف القاموس الشهير "اللباب"، إضافة إلى عدد من كتّاب السريان الذين لم نذكرهم
هنا.
هؤلاء العظماء وغيرهم من الذين سنأتي على ذكرهم في هذا الكتاب هم الذين صنعوا
حضارتنا السّريانيّة الارامية التي نفتخر بأنَّ فضلها ما يزال يذكره علماء
العالم اليوم و يقيمون المؤتمرات و الندوات ليؤكّدوا على أنها الحضارة الأم بكل
معنى الكلمة.
و نحن، إنطلاقًا من قناعتنا بأن تراثنا ما يزال يُعتبر تراثًا عالميا بكلّ ما
للكلمة من بعد حضاري و روحي و إنساني و تاريخي و أثري... فإنّنا نقدّم للقارىء
القليل القليل من هذا المشرق السرياني الآراميّ، علّه يعود إلى أصالته و يعرف
أنّه ابن هؤلاء العظماء الذين ظلمتهم الأمبراطوربّات التي حكمت هذا المشرق،
ولكنّهم، هم بدورهم، حكموه فكريا و روحيا و اجتماعيا و إنسانيا.
و في النهاية أشكر الدكتور جوزيف لطيف و الآنسة سهام خلف اللذين وفّروا لي جميع
الوثائق و المراجع، والأستاذ أنطوان عبيد الذي جمع بعض النّصوص ونسّقها.
ملاحظة: يمكن حجز الكتاب مباشرة من السيد اسطفان. هاتف:91425
-531
08 -0046 |