التواضع يُعطي الثقةٌ العظيمةٌ التي لا يشوبها خوف
090302
ليس
التّواضع استسلامًا أمام المتطلّبات المتجدّدة دومًا لحياة اجتماعيّة
يبدو فيها الاستبداد مسيطِرًا. بل هو
قبول طوعيّ وغنيّ بهذه العناصر الّتي تضعنا أمام مسؤوليّة بناء الحياة
وكلّ الوجود على أساسات هي مِنَطٌّ أو قفزةٌ
un bond
لعمليّات هذا البناء. والصّفاء
sérénité
هو أحد عناصر التّواضع الحقيقيّ الّذي يطرد الخصومات ويحقّق السّلام
ويدفع نحو انتصارات لا يعرفها العالم. والحبَّ الواجبٌ في كلّ معادلات
الوجود يفضّل الكلام على التّواضع الّذي يسلّمنا كلّيًّا إلى اللّه في
تحويل كلّيّ وبسيط لكلّ طاقاتنا نحو ذاك الّذي يحييها ويعطيها اتّجاه
الانطلاق نحو الأعالي. فالتّواضع لا يحطّ من قيمة الإنسان، بل يصحّحه
دائمًا ليثبّته في ما حصل عليه من غنًى بالخَلق. وهو لا ينطوي على الخوف
بل يسيطر عليه ويملأ نشاط الإنسان سلامًا في مساعيه نحو كمال الوجود. وهو
أيضًا مكلِّل حبٍّ عابدٍ يُطلقه في استمرار نحو عرفان الجميل حيال خالق
أراده ملحًا للحياة من دون تشويه أو صَدعٍ، ومن ضمن موقف يقلب القوى
رأسًا على عقب، فيمثّل التّواضع آنذاك طاقة هائلة في تحقيق المشاريع
المنويّ إنجازُها لخدمة الآخرين. وهكذا يغدو التّواضع ثقة عظيمة لا
يشوبها خوف، ثقة تختم الحياة وتحوّل الإنسان في استمرار إلى وسيلة اتّحاد
أو وحدة. فالتّواضع يقلب المناظير كلّها وينيرها بسلام وصفاء. والإنسـان
المتواضع ـ كذا كان القدّيسـون
ـ يعـرف
حدوده وقدراته بلا مغالاة، ولذلك تراه يحوّل محيطه الإنسانيّ إلى أناس
واثقين أنّ الرّبّ لا يتخلّى عنهم ولا يتركهم لمصير مجهول، بل يُعدّ لهم
مصيرًا لا مكان فيه للقضاء والقدر، لأنّه نسيج فريد من التّبصّر والفطنة
والثّقة. |