عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

   الأب جورج رحمه الراهب السرياني الماروني من بلدة عيناتا-الأرز


السلطة والضمير

090203

     في عالم اليوم تبدو "الأخلاقيّات المسيحيّة" للناس المأخوذين بالحداثة مشوبةً بمسحة من الاحتقار ومفهومة غالبًا كسلسلة من المحرَّمات المضادّة لتحرير حقيقيّ للإنسان! وقد يظنّ البعض أنّ هذا الحكم على الأدبيّات المسيحيّة هو ابن هذا العصر، جاهلين أنّه كان موجودًا في القرن المسيحيّ الأول، بدليل ما كتب بولس الرسول: "كلّ شيء طاهر للأطهار، وأمّا الأنجاس وغير المؤمنين فما لهم من شيء طاهر، بل إنّ أذهانهم وضمائرهم نجسة" (طي 15،1). لقد جابه بولس العلاقة بين السلطة والضمير والحرّية: فإمّا أن يعترف الإنسان بتبعيّته للّهِ واللّهُ يحرِّره، وإمّا يرفض اللّه ويصير عبدًا للخطيئة: "ألا تعلمون أنّكم، إذا جعلتم أنفسكم عبيدًا في خدمة أحد لتخضعوا له، صِرتم عبيدًا لمن تخضعون: إمّا للخطيئة وعاقبتها الموت، وإمّا للطاعة وعاقبتها البر" (رو 16،6).

     لذلك كان من الطبيعيّ أن يختار المسيحيُّ الملتزم ما اختاره بولس: اللّه المحرّر الذي "دعانا إلى الحرّية" (غل 13،5) و "حلّل لنا كلّ شيء" (1 قور 23،10). وهذه الحرّية التي أعطانا إيّاها المسيح تظهر نتيجتها الفوريّة على الصعيد الأخلاقيّ: وجود المسيحيّ الملتزم أمام خيارين: ضمير طاهر وضمير نجس. من هنا أن الضمير هو المعيار الأخير لأخلاقيّة الفعل البشريّ. وصحيح أنّ الكنيسة مشهورٌ عنها أنّها تملي على مؤمنيها ما يجب عليهم التفكير فيه أو فعله، ولكنّها بسلطتها لا تدعو أحدًا أن يخالف ضميره. ولذا فإنّ "مسحة الاحتقار" إنّما هي صادرة عن أناس جهّال أو ذوي غرض، يجهلون المسيحيّة جهلاً تامًّا. ففي نظر المسيحيّ الملتزم، لا يحقّ لأحد أن يخالف ضميره، حتّى إرضاءً لأسقفه! وإنّ المطالبة العصريّة بحرّيّة الضمير مسطّرة بحروف من ذهب في قلب الإنجيل وتعليم المسيح، وقد عبّر عن ذلك المجمع الڤاتيكانيّ الثاني بهذه الكلمات: "إنّما الإنسان يدرك أوامر الشريعة الإلهيّة بوساطة ضميره فقط... ولا يحقّ لأحد أن يجبره على الفعل ضدّ ضميره، كما يجب ألاّ يُمنع أيضًا من الاهتداء بضميره في أيّ من أعماله". وخلاصة القول إنّ اللّه يدعو الإنسان إلى إعمال عقله  بحسب الظروف، وإلى التبصّر في أفعاله لتأتي عاقلةً، تُلهمها المحبّة لا الإكراه.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها