القدّيس
يونان العموديّ.
081217
هو
من أهمّ نسّاك الكنيسة السريانيّة الأنطاكيّة بعد القديس سمعان العمودي
ومار مارون الناسك، أب الطائفة المارونيّة.
لقد عاش القدّيس يونان على عمود في كفردريان
، وهي قرية تبعد 55 كيلومتراً عن حلب إلى الغرب من جهة الجنوب،
وكان فيها كنيستان ومعبد، إحداهما في غرب القرية، ولم يبقَ منها سوى
كتابة يونانيّة، منقوشة نقشاً حسناً في حجر هو الآن في مدخل المسجد الذي
بُني مكان الكنيسة. وجاء في الكتابة أنّ الكنيسة بُنيت سنة 577م (في
التاريخ الأَنطاكي أي 529 في التقويم الميلاديّ). وفي المسجد حجر عليه
كتابة سريانيّة، وقد استُعمل عتبة له. والكنيسة الأخرى هي في شرق القرية
إلى الشمال، في الوادي، ولم يبقَ لها أثر إلاّ في ذاكرة كبار السنّ الذين
يقولون إنّه كان هناك كنيسة.
ورد اسم العموديّ مار يونان في وثيقةٍ سريانيّة هي الآن في المتحف
البريطانيّ، وقد نشرها المستشرق الإنكليزيّ رَيْت
Wright
في السنة 1871م، ونقلها إلى اللاتينيّة الأب شابو سنة 1908م. ولقد جاء في
هذه الوثيقة أنّه عقد مجمع في ديربتأبو(أي دير الرئيس العام) بالقرب من
كَفَركَرمين إلى الغرب، على مسافة ساعتين سيراً على الأقدام من أثارب
التي تبعد 30 كيلومتراً من حلب. حضر المجمع 44 رئيس دير، وكاهن يونانيّ
اسمه لعازر، للنظر في خلاف يتناول العقيدة والسلطة الشرعيّة في الكنيسة،
فنزل يونان من العمود وذهب إلى المجمع، واشترك فيه، وورد توقيعه في وثيقة
المجمع: يونان الأَرشمندريت، القائم على العمود في قرية كفردريان. ولمّا
انفضَّ عقد المجمع، عاد إلى مكانه يسبّح الله ويعظ الناس. وأنزل الرهبان
جثمانه بعد وفاته، ووضعوه في قبر نُحِتَ في الصخر.
بالعودة إلى العمود والقبر نقول: في شرق القرية مكان حوله سياج من الحجر،
ويقال له "الدير". وفي الأرض عمود يونان، وقد وقع فانكسر 4 أجزاء، أطولها
3 أمتار و80 سنتمتراً، وسائرها متر ونصف المتر، فمتر و75 س.م. فخمسة
وستّون س.م.، فكان ارتفاع العمود 7 أمتار و70 س.م.، وإذا أضيف ارتفاع
القاعدة 40 س.م. والركيزة 60 س.م. كان العمود كلّه ثمانية أمتار و70 س.م.
وقطر الجزء الأكبر بالقرب من القاعدة متر واحد، وفي أسفله ثقب لقضيب من
الحديد يُثبِّت العمود في الركيزة. وفي أصغر الأجزاء الأربعة، وهو الذي
كان الطرف الأعلى للعمود، أخاديد كانت تُثبَّت فيها قضبان الحديد التي
تحمل مأوى العموديّ. وقُدَّت قاعدة العمود في صخر الأرض، وضلعها الواحدة
متران و80 س.م.، وضلعها الأخرى متران و70 س.م. وارتفاعها 40 سنتمتراً.
وكان العمود قطعة واحدة، قبل أن يهوي فينكسر.
وفي حرف القاعدة ثقب، من المرجّح أنّه كان يُنزل فيه السلّم الذي كان
يستعمله، عند غياب الشمس، خادم العمود أو تلميذه، ليحمل إليه حصّته
اليوميّة من خبز وبقل وماء. وكان الزوّار أيضاً يستعملون السلّم ليصعدوا
إلى العموديّ، بعد الحصول على موافقته، للتحدّث إليه في شؤون خاصّة بهم،
للإسترشاد وطلب النصح. وفي أربع زوايا القاعدة أربع حُفَر صغيرة مُربّعة،
كانت لإنزال ركائز الحاجز الذي يفصل بين الزوّار والعموديّ. وفي وسط
القاعدة أخدود هو رأس قناة تصبّ في حفرة، لتلقّي النفاية التي كانت تنحدر
من صومعة العموديّ في أنبوب ثُبّت في العمود برُبُطٍ من الحديد. وقبر
العموديّ قريب من عموده، وقد حُفِرَ في الصخر، وطوله متر و98 س.م. وكلّ
من عرضه وعمقه 90 س. م.، وغطاء القبر بسيط جدّاً لا رسم فيه ولا نقش.
وعلى مسافة 15 متراً من قاعدة العمود معبدٌ أو دير فيه طبقتان، وطوله
9 أمتار، وعرضه 6 أمتار و60 س. م. وقد يكون أصغر أديار سوريا. الطبقة
السفلى هي للمعبد، والطبقة العليا لسكنى الرهبان، وهي أصغر من الطبقة
السفلى، لأنّه لم يكن يُبنى شيء فوق القسم الذي يحتوي في المعبد المذبح
وعظام القدّيسين، وقد روعي ذلك في دير سمعان وقصر البنات. ويُرجّح أنّ
الدير بُنيَ ويونان حيٌّ يُرزق، حيث كان رئيس الرهبان. وللمعبد ثلاثة
أبواب، أكبرها للنساء اللواتي كُنَّ يحضرنَ الصلوات، وهُنَّ في آخر
المعبد، والبابان الآخران للرجال.
وكان القبو الذي تحت المعبد خزّاناً لماء المطر، وكان صهريج آخر على بعد
15 متراً إلى الغرب من قاعدة العمود لحاجة الجموع التي كانت تأتي
للاستماع إلى كلام رجل الله. ولقد حفظت تلّة الدير تمام البيئة التي عاش
فيها القدّيس يونان ومات: السياج والعمود والقبر والمعبد والصهريج. فإذا
استثنينا المكان الذي عاش فيه مار سمعان فقد حُفِظَ دير القدّيس يونان
على وجه أحسن من جميع أمثاله في سوريا كلّها. وقليلٌ من الترميم كافٍ لكي
يُصبح المعبد مزاراً عظيم الفائدة لعلماء الآثار وللّذين يدرسون التاريخ
المسيحيّ القديم. ولقد حفظت قرية كفردريان مخطّط القرية القديمة، وتحوي
كثيراً من الآثار البيزنطيّة، ويُقيم كثيرٌ من أهل القرية في البيوت
البيزنطيّة القديمة. وهناك أبواب غير قليلة تزيّنها نقوشٌ مسيحيّة.
والوصول من حلب إلى القرية سهلُ المنال باستعمال السيّارات بين حلب
وإدلب.
|