عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

   الأب جورج رحمه الراهب السرياني الماروني من بلدة عيناتا-الأرز


القدّيس دانيال العموديّ.

081205

     هذا القدّيس هو أوّل من تبع القدّيس سمعان الأوّل الكبير. وُلد سنة 409م في قرية قريبة من شمشاط، أي بعد سمعان بعشرين سنة، وكانت هذه المدينة سوريّة على الفرات، والآن هي في جنوب تركيا. اعتلى العمود في سنة 460م، أي بعد وفاة سمعان بسنة واحدة، وتوفّاه الله في سنة 493م وهو في الرابعة والثمانين من عمره. كانت أمّه عاقراً، فصلّت حتّى استجاب الله صلاتها، فأنعم عليها بصبيّ. ولمّا بلغ الخامسة من عمره، ذهبت به إلى دير قريب من قريتها، وقدّمته إلى رئيس الدير، فأبى أن يقبل طفلاً في تلك السنّ، وسمّاه دانيال.

     في الثانية عشرة من عمره غادر بيت أبيه ولبس الثوب الرهبانيّ في ديرٍٍ قريبٍ ورغب في الحجّ إلى الأراضي المقدّسة، ومشاهدة القدّيس سمعان على عموده، ولقد حقّق له الله ما أراد. في هذه الأثناء دعا أسقف أنطاكية رؤساء الأديار إلى اجتماع يُعقد لديه، فاصطحب رئيس الدير دانيال معه. وفي طريق العودة مرّا بالقدّيس سمعان، فسمح له سمعان أن يصعد إليه، ونال بركته وتشجيعه.

     بعد مدّةٍ توفّى الله الرئيس، فدُعي ليحلّ محلّه، فأقام وكيلاً له، ثمّ رجع إلى القدّيس سمعان ومكث عنده أسبوعين.  وبعد مدّة تسع سنوات، تراءى له القدّيس سمعان، ودعاه للاقتداء به. وعندما أُخبر بأنّ القدّيس سمعان قد توفّاه الله، عزم على العيش على عمود في مشارف البوسفور الأوروبيّة في سنة 460م، وكانت تزوره جميع الشخصيات والعظماء، ومنهم أوذكسيا زوجة الأمبراطور. وطلب الأمبراطور صلاته لكي يُرزق صبيّاً، فنال ما طلب، فأمر بنصب عمودٍ له.

     سيم كاهناً بيد المطران جناديوس. ولقد زاره الأمبراطور ورأى العمود الذي أمر بنصبه، وشهد انتقال دانيال عل سلّمٍ من العمود القديم إلى العمود الجديد، بمرأى من المطران وجمع كبير. أجرى معجزات كثيرة وتنبّأ للأمبراطور بعدّة نبوءات. بنى له الأمبراطور ديراً للرهبان ومضافةً للغرباء. طلب من الأمبراطور نقل رفات القدّيس سمعان من أنطاكية، فكان له ما أراد، وباحتفال عظيم وضعت الرفات في معبدٍ شمال العمود، وألقى دانيال عظة من فوق العمود بحضور الأمبراطور والحاشية والأساقفة والإكليروس والشعب.

     تتلمذ على يده قائد اسمه طيطوس كان قد دعاه الأمبراطور من بلاد الغال(فرنسا) إلى خدمته مع جنوده، وكانوا مدرّبين تدريباً حسناً، فذهب طيطوس إلى دانيال ليزوره، فلمّا رآه تعلّق به، فصرف جنوده بعدما وزّع عليهم ما يملكه. وأعلن اثنان منهم أنّهما لا يريدان الانفصال عن قائدهما، فحاول الأمبراطور أن يُثني هؤلاء الثلاثة عن عزمهم، فلم يُفلح، فوافق آخر الأمر على ما طلبوا، ولبس طيطوس والجنديان الثوب الرهبانيّ.

     راقب طيطوس دانيال مدّةً من الزمن، وسأله كثيراً من الأسئلة، ثمّ ابتكر طريقةً للتقشّف جديدة، فعلّق نفسه في زاوية من المعبد بحبال تحت إبطه، فلم تكن قدماه تلمسان الأرض، ودقَّ عند صدره خشبةً يتوكّأ عليها طلباً للراحة أو ليضع عليها كتاباً. ولم يكن يتناول في اليوم الواحد سوى قليل من الطعام، فكان قدوةً حسنةً للزوّار، وكان الأمبراطور واحداً منهم. وذات يوم بدا طيطوس غارقاً في الصلاة أكثر منه قبلاً. ولمّا طال الوقت، وهو لا يتحرّك، دَنَوا منه فرأَوه ميتاً، فأقيم له مأتم تجاه العمود. وكان قد وافق على دفنه في ضريح الكهنة. واقتدى به أحد الجنديّين، وكان قد سمّاه دانيال أناطوليوس، فأنشأ أناطوليوس بعد حين ديراً صغيراً، لم يكن قائماً لمّا كتب المؤلّف سيرة دانيال.

     أنبأ دانيال بموته قبل وقوعه بسبعة أيّام. فأقبل الرهبان والناس عليه للتبرّك، وأوصى الرهبان وصاياه الأخيرة، ثمّ أقام القدّاس وناولهم القربان المقدّس. توفّاه الله يوم السبت الموافق الحادي عشر من كانون الأوّل سنة 493م، فوجدوا جسمه متجمّعاً بعضه على بعضه الآخر، فبُسطت أعضاؤه قسراً، ووضع جثمانه على خشبة، ثمّ صعد المطران إلى أعلى العمود بسلّم، فقبّل الجثمان المقدّس، وسمح للشعب أن يراه، فعُرض على الحضور، ثمّ وُضع في تابوت من الرصاص أنزله المطران وبعض الوجهاء. فوثب الجميع وازدحموا على السلّم للتبرّك. ولقد كتب هذه الأخبار تلميذ دانيال وقال إنّه رأى بأمّ عينه ذلك ولم يسمعه من أحد. وذكر في المراجع التاريخيّة أنّ عمود دانيال كان لا يزال قائماً في آخر القرن الميلاديّ العاشر. ونقش أحد الذين كرّموا القدّيس دانيال هذه الكتابة في عموده ليخلّد ذكره: " بين السماء والأَرض وقف رجلٌ لا يخاف الرياح التي تهبّ من كلّ جهة، واسمه دانيال ".

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها