عظماء الكنيسة السريانيّة الأنطاكيّة
القدّيس يعقوب الكبير أسقف نصيبين معلّم
القدّيس مارون.
081113
بين
القدّيسين السريان العظماء الذين تفتخر بهم كنيستنا السريانيّة الأنطاكيّة
القدّيس يعقوب الكبير أسقف نصيبين الذي أخذ عنه
القديس مارون
طريقته النسكيّة، أَي الحياة في العراء، والذي توفّاه الله سنة 338م، وهو
أَحد مؤسّسي المدرسة النسكيّة الميزوبوتاميّة. فالقدّيس يعقوب مارس الحياة في
العراء بصورةٍ جزئيّةٍ إذ كان يُقيم في داخل مغارةٍ شتاءً وفي العراء التام
صيفاً. وهو أَوّل ناسك وصف سيرته تيودوريتوس، أسقف قورش، في تاريخه
الرهبانيّ. يقول فيه:
"هو من مدينة
نصيبين على الحدود بين مملكتي الرومانيّين وبلاد فارس. فقد انطلق منها يعقوب
العظيم ليتعاطى العيشة النسكيّة والتوحّديّة. فراح صوب قمم الجبال العالية
ليقضي فيها حياته. فأقام في الأَحراج تحت قبّة السماء في أَثناء الربيع
والصيف والخريف. أمّا في الشتاء فكان يأوي إلى كهفٍ يَلقى فيه شيئاً من
الوقاية. ولم يكن غذاؤه ممّا يحتاج إلى عنايةٍ في زرعه وغرسه، بل ممّا ينبت
من ذاته في البرّية. فكان يأكل من ثمار الأَشجار الحرجيّة النابتة من ذاتها
ومن الأَعشاب التي يمكن أَكلها وهي شبيهةٌ بالخضار، ذلك لكي يقدّم لجسده ما
يكفيه فقط للعيش، مستغنياً في ذلك عن الحاجة إلى النار. أَمّا استعمال
الأَصواف فكان من النوافل لديه، فكان يستعيض منها بوبر الإبل الجزيل الخشونة،
ويكون له هذا ثوباً ورداءً بسيطاً. وعليه، فبقمعه جسده على هذه الصورة كان
يُعطي نفسه باستمرار غذاءها الروحيّ، وبتنقية بصيرة ذهنه، كان يجعل منه مرآةً
شفّافة للروح الإلهي، "فينظر بوجهٍ مكشوفٍ وجه الربّ، على ما جاء في الرسول
الإلهيّ، فيتحوّل إلى تلك الصورة بعينها من مجدٍ إلى مجدٍ كما يكون الروح" (2
كور، 3:18).
ومن ثمَّ كانت دالّته مع الله تزداد يوماً بعد يوم. ولمّا كان يسأل ما يحتاج
إلى طلبه كان يناله للحال. ومن ثمّ أَيضاً، كان يرى مسبقاً بروح النبوّة ما
سوف يحدث. وقد حظي من لدن الروح القدس على القوّة لصنع العجائب".
هذه الحياة
المثاليّة التي عاشها القدّيس يعقوب، والتي أَثّرت بالقدّيس مارون وتلامذته،
كانت وليدة التكريس الكامل لله تعالى والسير في خطى القداسة، بعيداً عن
العالم الذي كانت تسيطر عليه غباوة روحيّة جعلت من البعض أَن يعود إلى عبادة
الأَوثان وإلى تكريم تماثيل الناس، الأَمر الذي جعله ينتفض في وجه الكثيرين
من الذين استسلموا لشهوات العالم. فدعا إلى العبادة الحقيقيّة لله التي أعرض
الكثيرون عنها، وكان متشدّداً في رفض عبادة الأَصنام، داعياً للسجود لصانع
الكائنات كلّها. كما أَنَّ أَعاجيبه العديدة، وسيرته المميّزة بالقداسة، قد
أَعادت الكثير من الناس إلى الله، فشاع صيته حتّى أَصبح الجميع يُحبّونه
ويلهجون بذكره، فاختير للأسقفيّة على كرسيّ مدينته. وكما يقول تيودوريتوس
القورشيّ، فإنّ القديس يعقوب قد عاش في أسقفيّته كما كان يعيش في نسكه وبعده
عن الناس:
"ولمّا انتقل من
مقرّه في الجبال (إلى مدينة نصيبين)، ولم يكن هو الذي اختار لذاته هذه السكنى
في المدينة، لم يتبدّل شيءٌ في طعامه ولباسه، بل غيّر المكان دون أَن يُغيّر
شيئاً في طريقة عيشه. بل إنّ أَتعابه أَخذت في الازدياد حتى أَصبحت أَكثر
بكثير من ذي قبل. فإنّه علاوةً على صيامه وافتراشه الحضيض ولبسه المسح، قد
تراكمت على عاتقه هموم الذين هم في حاجةٍ دائمةٍ إلى كلّ شيء، أَعني بذلك
أَنّه كان يهتمّ بالأَرامل ويحمي الأَيتام ويُقاوم الظالمين ويُجري العدلَ
للمظلومين. وعلى قدر ما كان يكنز من غنى الفضيلة، كانت تزداد فيه نعمة الروح
القدس ".
هذا القدّيس
العظيم الذي شرّف كنيستنا السريانيّة بعلمه وفضيلته كان من أهمّ الذين وضعوا
أسس الحياة النسكيّة التي تبعها الكثيرون من آبائنا وجدودنا، وبقيت سيرته
مثالاً يُحتذى في القداسة والعطاء. لذلك أدعو أبناءنا السريان لقراءة هذه
الصفحة من حياته المجيدة ليتذكّروا من هو يعقوب النصيبيني الكبير. |