عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

تعقيب على مشكلة المطارنة الستة ومشاكل الكنيسة السريانية الارثوذكسية

ستوكهولم / السويد


الجزء الخامس والعشرون

28- البطريرك عبد المسيح الأول يعود من الهند:

بعد ان قام البطريرك عبدالمسيح الثاني برسامة مفريان وثلاثة مطارنة في الهند وحلَّ زعيم الفريق المعارض من الحرم الكنسي الذي أصدره بحقه البطريرك عبدالله الصددي عام 1912، عاد البطريرك الى الشرق الأوسط بعد عدة اشهر، وحلَ في القدس.

وكانت ضربة موجعة للبطريرك عبدالمسيح عندما وجد بعد عودته ان الاكليروس السرياني الارثوذكسي يقاطعه بسبب خوفهم من البطريرك عبد الله الذي اشتكى عليه في القدس لدى السلطات المحلية لتطرده.

وتحول البطريرك العجوز والمريض الى شريد وطريد، وليس هناك موضع آمن يسند اليه رأسه ليرتاح، حيث ان الابواب مغلقة في وجهه، وغضب البطريرك عبدالله وتهديداته تلاحقه في كل مكان.

فتدهور وضع البطريرك عبدالمسيح الصحي والنفسي كثيراً. وازداد هذا التدهور في الفترة الأخيرة من حياته حيث تعرض لضعف شديد في الذاكرة، كان يراوده أثناء الازمات، فيشرد أحياناً ولم يعرف ماذا كان يجري حوله كما ينبغي، فيتحدث احياناً ببساطة.

والتجأ البطريرك عبدالمسيح الى كنيسة السريان الكاثوليك لتحمية من إجراءات البطريرك عبدالله الصددي. فنزل في اورشليم َضيفاً لدى نسيبه وابن قريته الخوري يعقوب ملكى القلعتمراوي من كنيسة السريان الكاثوليك، الذي أخذ يستغله ويسيّره على هواه طوال المدة، ووضعه تحت حماية البطريرك العلامة افرام رحماني (1998 – 1929) للسريان الكاثوليك كي لا تطرده السلطات من فلسطين. وعلى أثرها انطلقت الشائعات بان البطريرك عبدالمسيح انضم الى المذهب الكاثوليكي، وذكر هذا الخبر ايضا المؤرخ الكنسي المعاصر للحدث أدريان فورتسكو وكتب انه في الثالث من أيار 1913 "ترك البطريرك عبدالمسيح هرطقته واتّحد بالكنيسة الكاثوليكية" (يقصد بانه ترك تعاليم كنيسته السريانية الارثوذكسية). كما ان بعض الشائعات الأخرى الهزيلة والغير قابلة للتصديق ظهرت على الساحة تدعي بان البطريرك عبدالمسيح سافر الى الفاتيكان بمعية بعض الاكليروس الكاثوليكي وقدم خضوعه لبابا روما فأهداه هذا خاتماً كنسياً ذهبياً يحمله عادة احبار الكنائس الكاثوليكية.

لكن يبدو من خلال رسالة البطريرك رحماني بان البابا بيوس العاشر كان قد ارسل للبطريرك عبدالمسيح خاتماً بواسطة البطريرك رحماني عندما التجأ عبدالمسيح الى الكنيسة السريانية الارثوذكسية.

ونعلم ايضاً من الوثائق المعاصرة للحدث بانه بعد ان عاد عبدالمسيح للكنيسة الارثوذكسية كان مطران ماردين للسريان الكاثوليك كبرئيل تبوني (أصبح بعدها بطريركا للسريان الكاثوليك بين 1929 – 1968) قد اشتكى على البطريرك عبدالمسيح لدى السلطات، طالباً في دعوته ان يعيد عبدالمسيح الخاتم والهدايا الاخرى التي نالها من الكنيسة الكاثوليكية. وأثناء تحقيق السطات العثمانية مع البطريرك عبدالمسيح بهذا الخصوص في دير الزعفران اجابهم: "انا سرياني ارثوذكسي، مكثت فترة كضيف لدى السريان الكاثوليك، لكنني الآن وبمحض ارادتي عدتُ الى بيت آبائي واجدادي... انا لستُ مديناً للمطران كبرئيل تبوني بشيء. فاذا كان البطريرك أفرام رحماني يريد مني ان اعيد اليه الصليب والخاتم والهدايا الاخرى، التي منحها لي...".  

اذاً، نفهم بان عبدالمسيح كان قد نال صليباً وخاتماً من البابا بيوس والبطريرك رحماني كعلامة رضى وقبول لانضمامه للكنيسة الكاثوليكية. لذلك ربما بسبب الخاتم المذكور ظهرت الاشاعة الهزيلة بان البطريرك سافر الى الفاتيكان.

 وكانت بعض الشائعات الأخرى المشابهة قد ملأت أجواء السريان حينها بخصوص البطريرك عبدالله وخاصة بين معارضيه عن أسباب رجوعه من الكثلكة الى الكنيسة السريانية الكاثوليكية. وقد تناقلت الأجيال بعض هذه الشائعات وسمعناها شخصياً وقرأناها مدونة لكاتب معاصر له. تنص الشائعات بان البطريرك عبدالله كان قد اغتنى كثيراً لما كان مطراناً في الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وانه فكر بالعودة الى الكنيسة السريانية الارثوذكسية ليصبح بطريركها. فاتفق سراً مع طيمثاوس بولس مطران إسطنبول والساعي الأكبر لعزل البطريرك عبدالمسيح، ووعده انه لو نال مساعدته ليصبح بطريركاً، سيمنحه ألف ليرة ذهبية، وسيضع في تصرف المطارنة والكنيسة عشرة آلاف ليرة ذهبية أخرى (مبلغ عظيم جداً في حينه). وعُزل البطريرك عبدالمسيح وعاد المطران عبدالله سطوف الى الكنيسة السريانية الارثوذكسية وارتُسِمَ بطريركاً عليها. أما ليرات الذهب والمبلغ الكبير الذي وعده للمطران بولس وللكنيسة فتقول الشائعات بان عبدالله كان قد استودع ماله كله لدى تاجر من الكنيسة الكاثوليكية في مصر للمتاجرة به كي يربح ويزداد المال. لكن لما علم هذا التاجر بان المطران عبدالله عاد الى كنيسته القديمة الارثوذكيسة واصبح بطريركها، وجدها فرصة ليحتال على البطريرك ويبتز ماله. فأرسل هذا التاجر خبراً للبطريرك عبدالله بان مشروع التجارة قد فشل كلياً وانهار، وانه خسر ماله وكل شيء، وأعلن افلاسه. وهكذا خسر البطريرك عبدالله كل ماله بهذه الحيلة، ولم يبق لديه أي مال ليتمكن من الإيفاء بوعده للمطران بولس وبقية المطارنة بما وعدهم إن اختاروه للبطريركية. (لا نعرف مدى صحة تلك الشائعات وان كنا نميل الى عدم تصديقها).

 وفي رسالة من البطريرك أفرام رحماني للسريان الكاثوليك الى البطريرك عبدالمسيح مؤرخة ب 16 حزيران 1914 نفهم منها ان عبدالمسيح كان قد راسل بابا روما بيوس العاشر. ويقول رحماني في رسالته المذكورة لعبدالمسيح بانه استلم في 28 نيسان من نفس العام رسالة من البابا بيوس يخبره فيها عن رسالة البطريرك عبدالمسيح له، ويذكِّره بالوعود وان عليه ان "يعمل جهده في استرجاع السريان المنفصلين (يقصد السريان الارثوذكس) الى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية". إن هذا الذي ذكره البابا بيوس في رسالته الى البطريرك رحماني بخصوص البطريرك عبدالمسيح هو غير منطقي وذلك لسببين:

أولاً أن البطريرك عبدالمسيح كان في نظر السلطات والكثيرين من السريان معزولاً منذ حوالي عشر سنوات. وبعد ان سحبت السلطات العثمانية فرمانها منه لم يكن لديه سلطة إدارية وقانونية على كنيسته ليصدر أي قرار بطريركي لضمها الى الكنيسة الكاثوليكية، ولوجود بطريرك آخر لها يمثلها قانونياً هو البطريرك عبدالله الثاني الصددي، الذي كان اثناء مطرنته قد زعل من كنيسته وانضم الى الكنيسة السريانية الكاثوليكية، ثم عاد بعد حوالي عشر سنوات واصبح بطريركها. وبعد عودته انضم البطريرك عبدالمسيح الى الكنيسة السريانية الكاثوليكية وبقي فيها حوالي سنتين ثم عاد لكنيسته الأم، أي ان البطريركين تبادلا الأدوار في انضمامهما الى الكنيسة السريانية الكاثوليكية).

وثانياً ان عبدالمسيح كان مريضاً للغاية ولا يستطيع ان يؤثر على أحد من السريان في هكذا موضوع حساس، فكيف يطلب منه البابا بيوس ان يعمل جهده لربط السريان الأرثوذكس بالكنيسة الكاثوليكية وهو بهذه الحالة؟ شيء غير معقول.

إلا انه في احدى الرسائل التي أرسلها البطريرك عبدالمسيح بعدئذ الى زعيم الفريق الكنسي المعارض في الهند المطران ديونيسيوس مؤرخة في 17 تموز 1914، (أي بعد شهر من تاريخ رسالة البطريرك رحماني المذكورة) يشتكي فيها البطريرك على "انه مريض، وان الرهبان سرقوا نقوده وبعض امتعته اثناء سفره بالباخرة"، "وانه اضطر ليكون تحت حماية البطريرك رحماني للسريان الكاثوليك رغم انه لم يكن يرغب في ذلك، لكنه لم يترك ايمان الآباء".

ان موقف الكنيسة السريانية الكاثوليكية وبطريركها العلامة افرام رحماني (1929-1898) كان موقفاً نبيلاً اثناء دفاعهم عن البطريرك عبدالمسيح واحتضانه ورعايته حينها وهو في تلك الأزمة الصعبة والحالة المرضية والشرود الذهني الذي كان ينتابه أحيانا بسبب ضعف الذاكرة. وهذا يشبه الى حد ما الموقف الداعم الذي اظهره مؤخراً البطريرك يوسف يونان للسريان الكاثوليك في دفاعه عن شقيقه البطريرك أفرام الثاني للسريان الأرثوذكس اثناء محاولة عزله. (ورغم ان المطارنة انتقدوا موقف البطريرك يونان، إلا ان دفاعه كان من باب الدفاع عن الكرسي البطريركي، فشكراً له لاهتمامه بالكنيسة السريانية الارثوذكسية، وللتقارب ين شطري الكنسية السريانية الأرثوذكسي والكاثوليكي، وننتظر ان يحصل التقارب والتعاون أكثر في كافة المجالات وعلى كل الأصعدة الكنسية والكهنوتية والسريانية).

 بعد عودته من الهند، كان الوضع الصحي والنفسي للبطريرك عبدالمسيح يتدهور في كل يوم، وكانت مقاطعة الجانب البطريركي المستمرة له تزيد في معاناته وصعوبة وضعه الصحي والنفسي. فأخذه الخوري يعقوب ملكي المذكور اعلاه الى لبنان وثم الى ماردين وسكن تحت رعاية الكنيسة السريانية الكاثوليكية وحمايتها. وعندما سمع أقرباء البطريرك والسريان من اهل قريته "قلعتمرا" بقدومه الى ماردين، وفدوا اليه. وصعقوا لمَّا شاهدوا البطريرك بهذه الحالة الصحية السيئة جدا ووضعه النفسي المنهار والمثير للشفقة والبكاء. ويقال انه بسبب مرض ضعف الذاكرة الذي كان ينتابه احياناً لم يتمكن من معرفة غالبيتهم، فجلسوا حوله وأخذوا يواسونه ويذرفون الدموع. ولما عادت اليه ذاكرته بعد قليل واخذ يتعرف عليهم قام وعانقهم بحرارة وبدأ بالبكاء، وبكوا جميعاً بحرقة عليه وهو يشاركهم البكاء المستمر. ويقال ان بعضهم نطقوا بالشتائم وعبارات التهديد للاكليروس الذي بسبب ما فعله بالبطريرك أصابه ما أصابه من امراض وانهيار. لكن البطريرك رغم مرضه طيّب قلوبهم وطلب منهم ان لا يتلفظوا بكلام غير لائق، وصلى عليهم وباركهم.

وبعدها أخذوا البطريرك الى قريته قلعتمرا المجاورة لدير الزعفران. وهرع سكان القرية كلها للسلام على البطريرك ابن قريتهم لما سمعوا بقدومه. ورغم مرضه إلا انه فرح جداً بمشاهدة بلدة طفولته ومسرح ذكرياته وملعب احلامه، فارتاحت نفسه المضطربة، وتحسنت صحته قليلاً.

وبعد فترة اتى اليه بعض الاكليروس السرياني الارثوذكسي ووجهاء من السريان ومن سكان دير الزعفران ومعهم عربة نقل البطاركة لينقلوه الى دير الزعفران، فأجلسوه في العربة ونقلوه الى دير الزعفران المجاور للقرية بموكب حافل يليق بالبطاركة، وهم ينشدون الأناشيد السريانية المناسبة في الطريق، (وكان هذا بمثابة إعادة اعتبار للبطريرك المظلوم في أواخر أيامه. وكان بين حاشية موكب الطريق الأديب السرياني عبدالمسيح قرباشي وهو فتى وطالب في دير الزعفران). وعند وصول الموكب البطريركي الى دير الزعفران، انتشر الخبر بسرعة واجتمع الناس ودخلوا كنيسة الدير، وصعد البطريرك بشيخوخته ومرضه الى الهيكل وشرع بالصلاة. وتذكّر حالته وما أصابه، فسيطرت عليه الدموع، وأجهش في البكاء طويلاً وبصوت عال، ولم يتمكن من متابعة الصلاة، فبكى معه الحاضرون في الكنيسة (وكأنهم يبكون على الظلم الذي حاق بالبطريرك ويطلبون المعذرة منه). ويخبرنا الملفونو قرباشي الذي كان حاضراً في الكنيسة) بأنهم اعدّوا كرسي البطاركة وطلبوا من البطريرك الجلوس عليه، لكن البطريرك عبدالمسيح تعلل معلقاً على طلبهم قائلاً بتهكم "ان للكرسي صاحبه" (يقصد البطريرك عبدالله)، ربما قال هذا ليذكرهم ما حاق به من غدر وظلم. ثم منحوه غرفة في الدير للإقامة وعينوا شخصا لخدمته. حصل كل هذا بينما كان البطريرك عبد الله في القدس يتعالج في المشافي.

وعند مشاهدة البطريرك عبدالمسيح دير الزعفران والسكن فيه كبطريرك متقاعد وهو الذي حرم منه منذ عزله، ارتاحت نفسه المضطربة وأخذت صحته تتحسن وتحسنت ذاكرته، إلا انه توفي في نهاية آب 1915.

مات البطريرك عبدالمسيح الثاني وفي قلبه حسرة على ما أصاب السريان من نكبات السيفو ومقتل الاهل واختفاء الأحبة. حيث ان دير الزعفران كان قد امتلأ بالسريان الفارين من المجازر، وكانوا يجتمعون حوله فيواسيهم ويصلي لهم. وجاء بعض المطارنة الى دير الزعفران (والبطريرك عبد الله غائب في القدس) وشاركوا في مراسيم دفنه في الدير كما يليق بالبطاركة.

وترأس مراسيم الجنازة مطران ماردين قوريلوس كيوركيس الذي كان أحد أقطاب عملية عزل البطريرك حينها. وربما كان ضمير هذا المطران يعذبه لما فعله بالبطريرك حينها، لذلك اتى وتراس مراسيم دفنه رغم المخاطر، وهو الذي كان مقاطعا للبطريرك طوال المدة بعد ان سحب السلطان الفرمان منه. (ان هذا المطران عايش المحطات الرئيسية في حياة البطريرك عبدالمسيح، فقد شارك في انتخابه للبطريركية، وفي رسامته بطريكاً، وفي عزله من البطريركية، وفي تجنيزه ودفنه).

وبعده بعدة أشهر توفي أيضاً البطريرك عبد الله في القدس ودفن هناك.

وهكذا، في تلك الفترة العصيبة التي تعرض فيها السريان للإبادة "سيفو" مات فيها البطريركان عبدالمسيح الثاني وعبد الله الصددي، فاستلم زمام البطريركية في تلك الفترة الصعبة البطريرك النشيط والشجاع الياس الثالث (1932-1917) ودبَّر الكنيسة بمنتهى الحكمة والشجاعة والغيرة، ونظمها مجدداً، بعد ان أبيد الكثير من السريان ودمرت كنائسهم.

 29- النتيجة:

ان الاحداث المؤلمة التي جرت للبطريرك عبدالمسيح الثاني من عزله ومقاطعته ومرضه الصعب اثناء شيخوخته في مرحلة مليئة بالأزمات والصراعات والانقسامات الكنسية المريرة، اثّرت حينها كثيرا عليه وعلى السريان وعلى الكنيسة، فأضعفتهم وزعزعت وجودهم ودمرت معنوياتهم. وأتت مجازر سيفو مباشرة في أواخر أيامه فقضت عليهم بعد ان أبادت نصفهم، ودمرتهم ثقافياً وكنسياً ولغوياً وتراثياً، بالإضافة الى خسارة قلب مواطنهم التقليدية ومركز كنيستهم.

وقد تناقلت قصة البطريرك عبدالمسيح المؤلمة عدة أجيال بعده. فقد سمعتُ شخصياً من والدي ومن زوج عمتي بعض اخباره المؤلمة. لذلك ان المعاملة السيئة والقرارات الخاطئة التي يتخذها أصحاب المسؤولية، وإن كانت على حق أو على باطل، فإنها تترك خلفها كمية كبيرة من المشاكل والخسائر المعنوية والحزن والعقد والتباعد، ويبقى جرحها ينزف ذكريات مؤلمة لأجيال عديدة.

 ان الكنيسة اساءت للبطريرك عبدالمسيح واعتبرته غير شرعي منذ ان سحب السلطان العثماني فرمانه البطريركي عام 1905. لكن الحقيقة المرة انه لم يكن غير شرعي كهنوتياً لأنه لم يُعزل رسميا بقرار صادر عن السنودس حسب القوانين، وان سحب فرمانه من قبل السلطات تناول فقط الإدارة الكنسية ولم يمس صلاحياته ككاهن.  ونحن نعلم ان الكاهن الموقوف لا يحق له ممارسة الخدمات الكهنوتية. لكننا وجدنا كيف ان البطريرك عبدالمسيح كان يقوم بكافة الخدمات فرسم كهنة وجنّز كهنة دون ان يشك أحد في مصداقية هذه الخدمات التي قام بها.

 ان المعلومات التي كتبناها عن حياة البطريرك عبدالمسيح بعضها متوفر في مصادر مختلفة وبعضها الآخر وصلتنا شفهياً. كما ان بعضها بحاجة الى تثبيت.

لكن هناك العديد من الأسئلة التي تمس قضية هذا البطريرك تحتاج الى أجوبة، كما هناك بعض جوانب الموضوع التي يلفها الغموض يجب القاء الضوء عليها بالاعتماد على الوثائق غير المتوفرة بين ايدينا.

ولأجل فهم موضوع هذا البطريرك المظلوم وقضية عزله وكل ملابساتها بشكل صحيح ومحايد، لا بد من الرجوع الى كافة الوثائق المتعلقة بالموضوع والمنتشرة في الشرق والغرب، لدرسها ومقارنتها وتحليل مضمونها، ووضعها ضمن الإطار الزمني للأحداث، وثم استنتاج الجوهر والحقيقة لتدوينها بشكل كامل وثابت.

ونقترح ان يقوم بهذه المسؤولية أحد الرهبان السريان، فيتفرغ للدراسة والتخصص الأكاديمي، ويقوم بدراسة الموضوع دراسة عميقة من كل جوانبه فيقدم فيه أطروحة دكتوراة. ولأجل ذلك عليه البحث عن كل الوثائق المتعلقة بموضوع هذا البطريرك، وخاصة البحث في آرشيف الكنيسة السريانية الارثوذكسية في البطريركية ودير الزعفران وماردين ومديات ودياربكر والقدس وغيرها، وآرشيف الكنيسة السريانية الكاثوليكية في دير الشرفة والقدس، وآرشيف الكنيسة السريانية الارثوذكسية الهندية بجناحيها البطريركي والمستقل، وارشيف الكنيسة السريانية الكاثوليكية الملنكارية في الهند، وآرشيف السلطنة العثمانية في اسطنبول ودياربكر وماردين، وآرشيف الفاتيكان، والآرشيف البريطاني في لندن.

فهل هناك من يلبي النداء، ويستعد للقيام بأعباء دراسة الموضوع، لتصحيح أحد فصول تاريخ كنيستنا المعاصر؟

 انتهى المقال عن البطريرك عبدالمسيح الثاني 

يتبع قريبا مقال عن هوية الكنيسة السريانية الارذوكسية

اسعد صوما

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها